الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوظيفة العامة بين القانون الفلسطيني والتمييز على خلفية سياسية

طلعت الصفدي

2010 / 7 / 2
حقوق الانسان


بعيدا عن التعريفات المختلفة لمفهوم الوظيفة العامة سواء الفقهي الدستوري، أو القانوني الإداري، فان التعامل مع الوظيفة العامة فى أى بلد يكشف أحد جوانب النظام السياسي، ويعكس مفهومه للمواطنة في تشريعاته وقوانينه، وإدراكه لأهمية الشراكة السياسية والمجتمعية، وقناعته بالديمقراطية السياسية والاجتماعية، والتزامه بالقوانين والاتفاقيات الدولية، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ولدور السلطة الحاكمة، بصفتها السلطة التنفيذية في تطبيق القوانين والتشريعات والأحكام الصادرة عن السلطتين التشريعية والقضائية.
لقد عكست وثيقة الاستقلال التى صدرت عام 1988، توجها متقدما لمفهوم المواطنة، واستشرافا لمستقبل المجتمع المدني الفلسطيني القادم المتحرر من ألاحتلال والاستيطان، والساعي لإقامة دولته الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس، على طريق بناء مجتمع التحرر والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وجاءت الوثيقة لتؤكد أن " كل الفلسطينيين سواء أمام القانون، وهم يتمتعون بالحقوق المدنية والسياسية، ويتحملون الواجبات العامة دونما فرق او تمييز بينهم بسبب العرق او الجنس او اللون او الدين او الرأى السياسي او الاعاقة " . فالمساواة بين المواطنين فى الوظائف العامة قد كفلتها وثيقة الاستقلال، والدستور الفلسطيني، وكل القوانين الدولية والإنسانية، وهو حق للمواطن دون تمييز تطبيقا لمفهوم المواطنة فى المجتمع الحديث والمعاصر .
الشواهد والوقائع المجتمعية العامة والخاصة، السياسية والإدارية والمالية التي رافقت تطور المجتمع الفلسطيني، وانتقاله من الثورة الوطنية التحررية ( لا زال التحرر من الاحتلال هي المهمة المركزية للنضال الوطني الفلسطيني ) إلى محاولة تجسيد الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة ما بعد اتفاقية أوسلو، وعودة منظمة التحرير الفلسطينية إلى الوطن بقياداتها ورموزها التاريخية، بينت عبر سلوكها تمييزا واضحا بين مواطنيها على خلفية الانتماء السياسي، وانتهاكا وتعديا صارخا على حقوقهم، وتخطيا لمفهوم المواطنة، ولم ترتق تجربة السلطة الوطنية الفلسطينية بقيادة حركة فتح لمستوى إخراج الوظيفة العامة من دائرة التسييس، ووقعت في نفس المستنقع تجربة الحكومة المقالة بقيادة حركة حماس فى غزة، ولم تنجح التجربتان في تعزيز مفهوم المواطنة، بل تصاعدت وتيرة التعديات على حقوق الإنسان الفلسطيني العامة والخاصة، ولا زالت تنتهك كرامته في الوظائف الحكومية، ويتعرض المواطن للتمييز على أساس الانتماء السياسي سواء فى الضفة الغربية أو قطاع غزة.
لقد شمل التمييز على خلفية الانتماء السياسي، أغلبية المؤسسات العامة والخاصة في الوزارات الحكومية والمؤسسات المدنية والأمنية التابعة للسلطة الوطنية الفلسطينية، وفى البلديات ومؤسسات الخدمات العامة، والنقابات المهنية والنقابية، والمنظمات غير الحكومية، وطال الموظفين غير المنتمين سياسيا أو تنظيميا للسلطة الحاكمة أو للرئيس او للموظف الكبير، سواء في التعيينات والترقيات والترفيعات، والتنقل إلى أماكن أخرى، وتعطيل التقدم إلى المراكز الإدارية العليا للمؤسسة، وحجبها عنهم والحوؤل ضد طموحاتهم، ومنعهم من الوصول إلى أعلى سلم في الهيكلية التنظيمية للمؤسسة، ومنح فرص الحصول على الوظيفة لإفراد أقل كفاءة، بسبب انتماؤهم الحزبي او السياسي، كما يتعرض الموظف لعملية الفصل او التهديد بالفصل لاسباب غير مبررة، وربما إحالته إلى التقاعد المبكر والقسري ضد رغبته بسبب هذا الانتماء، كما أن التعيينات للوظائف العامة ربما تحدث بالسر دون علم المواطنين، وان جرى الاعلان عنها فى الصحف فهو لذر الرماد فى العيون، والظهور بمظهر النقاء والعدالة، فقد تكون الوظيفة العمومية قد تحدد موظفها سلفا، وفي أحيان كثيرة يتم رفض التعيين للوظيفة العامة بدعاوى وحجج عدم توفر السلامة الأمنية .
إن التمييز بين المواطنين على أساس الانتماء السياسي، والتعدي على حقوقهم، مناقض لما أقرته وثيقة الاستقلال، ولروح مفهوم المواطنة، لقد طال هذا التمييز حتى الأفراد الذين ينتمون إلى منظمة التحرير الفلسطينية لصالح عناصر حركة فتح فى السنوات السابقة في كافة الوزارات والمؤسسات المدنية والعسكرية، كما لحق غبن واضح ضد المنتمين لحركة حماس لاسباب وذرائع عدم توفر السلامة الأمنية، وربما ثأرية، أو تحت حجج الدعاوى الأمنية فى الفترات السابقة، وتكرر نفس نهج التمييز من سلطة حركة حماس فى قطاع غزة التى مارست نفس الأسلوب من التعسف وانتهاك حقوق الموظف، وكرامته الشخصية فى كافة الوظائف العامة وحتى مؤسساتها الخاصة، وطالت الأجهزة الأمنية التابعة لها، وجرى حرمان من تتوفر فيهم الشروط للتعيين في الوظائف العامة لاسباب سياسية، والنزوع لتعيين عناصر ومؤيدى الحزب الحاكم، حتى وان لم تنطبق عليهم الشروط الخاصة بالوظيفة.
ومنذ العودة إلى أرض الوطن بعد اتفاقية أوسلو، برز هذا التمييز بين مواطني الداخل والخارج فى الوظائف العمومية والأمنية، فكانت كافة الوظائف الحساسة والهامة والعليا فى الوزارات والمؤسسات ذات العلاقة بالسلطة الوطنية للعائدين من الخارج ومن حركة فتح بالتحديد على الرغم أن العديد من الموظفين المحليين يمتلكون الخبرة الادارية والتنظيمية العالية التى تؤهلهم لممارسة مهام تلك الوظائف . فهل جاء هذا التمييز ليؤكد النظرة الدونية لمواطني الاراضى الفلسطينية المحتلة كون القيادة كانت فى الخارج، ولها الحق ولعناصرها الاستحواذ على كافة المناصب العليا؟؟. لقد اعتبر المواطنون هذا السلوك غير مسئول، وكانوا ينتظرون من قيادتهم أن تنصفهم من الظلم الذى لحق بهم فى الوظائف العامة جراء الاحتلال الإسرائيلي، واعتبروا أن ذلك يندرج في خانة التعامل مع مواطني الأراضي الفلسطينية المحتلة بشكل فوقى، وتقديم المكافئات للأفراد الذين ينتمون لهم، هي فكرة خاطئة تؤسس لحالة من الشك، وتعكس المستوى المتدني للنزاهة والمسؤولية والشفافية، وتؤسس للفساد السياسي والإداري والمالي .
هناك العديد من كتب التعيين والتوظيف التى صدرت بتوقيع الرئيس أبو عمار، وأخرى بتوقيع الرئيس أبو مازن لم يجر تنفيذها، ويحاول المسئولون المكلفون بتنفيذها من التهرب، خصوصا إذا كانت تمس قوى سياسية أخرى غير حركة فتح، كما أن الوزراء والمسئولين الكبار في كافة الوزارات، والأجهزة الحكومية سواء فى الحكومة الشرعية او الحكومة المقالة فى غزة تملئ الوظائف الشاغرة بالأقارب والأصدقاء والمحسوبين عليهم، ويزدحم المرافقون الذين تخصصهم الحكومة للوزراء أو للقادة العسكريين دون أي اعتبار لدرجة كفاءتهم، أو تأهلهم لشغل هذه الوظائف .
ولن يغيب عن بال أحد دور ومماطلة جهاز التنظيم والادارة في السلطة الوطنية الفلسطينية الذي يخضع لسلطة المسئول الأول، ويتحكم بمزاجه بكل أولئك الذين صدرت بحقهم التعيينات او الترقيات، ولقربهم من تنظيمه الذى يتبع له، سواء في الترقيات أو الرتب العسكرية، أو في تحديد سنوات الخدمة لعناصر منظمة التحرير الفلسطينية، كما أن ديوان الموظفين العام فى الفترة السابقة قد خضع لنفس الاعتبارات، مما سمح لتفشي طرق غير شرعية وغير قانونية وغير أخلاقية، لانتشار الوساطة والمحسوبية والرشوة في التعيينات بعيدا عن اجراء المسابقات والامتحانات المطلوب تفعيلها لاختيار الانسب والاكثر كفاءة، وعلى قاعدة مساواة المواطنين أمام الوظيفة العامة التى هى حق لكل المواطنين فى التقدم لها.
لقد تعرض العسكريون التابعون للأمن الوطني الفلسطيني( تعيينات 2005-2006) للانتهاكات والإهمال لأكثر من خمس سنوات، وجرى التعامل معهم منذ الانقسام كأنهم موظفو بطالة مؤقتة، عاشوها بحالة من القلق والتوتر النفسي وتخوفهم من المستقبل على أوضاعهم المعيشية والمستقبلية، وفقدان الثقة بالسلطة الوطنية الفلسطينية باعتبارهم موظفو القطاع العام، على الرغم من أن تعيينهم جاء بقرار من أعلى سلم الهرم، وأنجزوا كافة مسوغات التعيين والإجراءات الإدارية والقانونية، ومع تصاعد المطالبات بإنصافهم فقد تكللت بالنجاح أخيرا وجرى إنصافهم بشكل جزئي، وتعديل رواتبهم، فان هذا يعتبر حلا غير كامل، وعلى السلطة الوطنية أن لا تتهرب من تحمل مسؤوليتها، وأن تعمل على حل هذا الملف كاملا أسوة بزملائهم في الضفة الغربية.. كما أن التعامل مع الموظفين العموميين فى قطاع غزة بعد قرار السلطة الوطنية الخاطئ، وانجرارها للمواقف السياسية لنقابة الموظفين العموميين، وما أصاب قطاع المعلمين والأطباء من شلل، ومحاولة تسييس الوظيفة العمومية جر الويلات عليهم، والحق أكبر الضرر بالمواطنين ، وأفقد الموظفون العموميون إنسانيتهم، وإذا كان العمل قد حول القرد إلى إنسان كما يقول فريدريك انجلز، فأنهم بهذا القرار الخاطئ قد حولوا الموظفين إلى قرود ولعيبه كوتشينة، وشريبة شيشة، وعاطلين عن العمل، وعبئا على ميزانية السلطة، ومسخ آدمية الموظف وحوله إلى كم لا يخدم وطنه وشعبه، وهم بحاجة إلى إعادة تأهيلهم لممارسة عملهم في حال انتهاء الانقسام طويل الأمد. لقد استغلت الحكومة المقالة بغزة هذا القرارالخاطىء فعمدت لملئ الفراغ والوظائف بتوظيف أتباعها ومريديها حتى وان لم يكونوا مؤهلين للقيام بتلك المهمات الوظيفية .
إن على كافة القوى الوطنية واليسارية والشخصيات الديمقراطية ومؤسسات المجتمع المدني، ومنظمات حقوق الإنسان، التحرك بفعاليات مختلفة للضغط على كل الاطراف لوقف سياسة التمييز بين المواطنين على أساس الانتماء السياسي، وتؤكد الالتزام بما جاء فى وثيقة الاستقلال الفلسطيني،والدستور الفلسطيني بتحقيق مبدأ المساواة المدنية، والمساواة أمام القانون، والمساواة أمام القضاء، والمساواة أمام الوظائف العمومية، وهي تلزم كافة الوزارات الحكومية والمؤسسات العامة، ومؤسسات الدولة باحترام المواطنين والتعامل معهم كمواطنين متساويين في الحقوق والواجبات، ولا يمكن تفهم كافة المبرارات عندما يتعلق الحق لهذا المواطن وخصوصا اذا كان يمتلك المؤهلات لتلك الوظيفة، وإذا كانت هناك العديد من الاجراءات او العديد من طرق اختيار المواطن للوظيفة المحددة فان اسلوب المسابقة والامتحان يعتبر الاول فى تحقيق تكافؤ الفرص والمساواة بين المتقدمين لهذه الوظيفة، وحق المرأة في التساوي مع حق الرجل فى الوظيفة العامة، وبضرورة تفعيل دور نقابة الموظفين العموميين، والدفاع عنهم حين يتعرضون للتمييز في الوظائف العامة على أساس الانتماء السياسي في الضفة الغربية وقطاع غزة، ويلعب قادة الرأي والمتنورون والديمقراطيون والتقدميون، والصحافيون، ومنظمات حقوق الإنسان دورا هاما فى فضح كل الممارسات غير الإنسانية بحق الموظفين، وأشكال التعديات على الحقوق العامة والخاصة للمواطنين..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - إستطراد
حبيب هنا ( 2010 / 7 / 2 - 20:20 )
الموضوع حيوي ومهم والاستطراد فيه ينبغي أن يتناول سنوات الخدمة للأسرى الذين يعملون في الوظائف المدنية أسوةبالذين عملوا في الأجهزة الأمنية، فقد أحتسبت منذ لحظة الاعتقال وحتى الاحالة على المعاش وهناك عدد كبير تجاوزت مدة خدمته أربعون عاماً في الوقت الذي تم تجاهل العديد من العاملين في الوظائف المدنية خاصة إذا كانوا سياسياً لغير الحزب الحاكم.لك تحياتي رفيق طلعت.حبيب هنا

اخر الافلام

.. أبو حمزة: الطريق الوحيد لاستعادة الأسرى هو الانسحاب من غزة


.. جبال من القمامة بالقرب من خيام النازحين جنوب غزة




.. أردنيون يتظاهرون وسط العاصمة عمان ضد الحرب الإسرائيلية على ق


.. كيف يمكن وصف الوضع الإنساني في غزة؟




.. الصحة العالمية: المجاعة تطارد الملايين في السودان وسط قتال ع