الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
في مديح المراة الطفلة
زياد خداش
2004 / 8 / 17الادب والفن
في الصباح الباكر جدا ، تنهض المراة الطفلة ، مبتسمة دائما ، لا تحتاج هذه المراة الى منبه ليوقظها ، يكفيها نبض زهرة في مزهريتها ، او خفقة جنين في بطن ام جارة لها ،، او شهقة شمس صغيرة تبزغ رويدا رويدا من عتمة افق او مواء مبحوح لقطة صغيرة جدا ولدت لتوها في بيت الدرج ، او صياح رقيق لعصفور عاشق و ضئيل ينادي مستاء على عصفورته التي تأخرت في المجيء ، او انين فراشة قديمة محبوسة ، ومهروسة ، منذ اشهر طويلة في صفحات كتاب ، المراة الطفلة ، تفيض بالبراءة ، والثقة الهائلة بالعالم ، ولو حدث و ان تعثرت بشيء ما، ملاءتها او كتبها، مثلا ، تنحني بوداعة غزيرة ، وترسم قبلة اعتذار حميمة على الشيء الذي تعثرت به ، فيندلع فجأة في هذا الشيء ، مطر حب لا ينقطع ، العالم نائم ، خشنا ومعاديا يغط في مؤامراته وجرائمه ، وحساباته ، تتكىء المراة الطفلة على حافة شرفتها ، المطلة بهدوء ،و اصرار على شارع صامت ، هذا هو اجمل اوقاتها ، هي سيدة العالم الان ، اميرة اشيائه : الشوارع والنجوم والحدائق ، صمت عميق ، هدوء غريب ، الان يهطل داخلها حنين غامض الى مدن بعيدة تناديها ، كائنات مختلفة ، عاشت معها ذات قرون بعيدة ،لا تتذكر ملامحهم الان ، لكنها تتذكر انهم مصنوعون من نور وموج وليل ، وشجر وشواطىء، وما ان تشرق الشمس ، وينهض البشر يفركون عيونهم بأيدهم الفظة ، يستعدون ليوم صاخب بالركض ، وحافل بالسباب والصياح والقلق ، وتتحرك العربات زاعقة ومستعجلة الى مصالحها ، وغبارها ودخانها المسموم ، يموت انين الفراشة ، وتختفي العصافير ويندثر نبض الزهور وتصمت الاجنة في بطون الامهات خوفا او احتجاجا ،، وتترك المراة الطفلة الشرفة ، تستعد ليوم عمل ، في الشارع تمشي المراة الطفلة وكأنها تسير في حقل الغام فأينما تتحرك يلاحقها الناس بالعيون والاشارات ، لاتفهم المراة الطفلة مالذي يريده الناس في الشارع منها ، هي تبتسم لهم فيزادون ا بتسامات ويلتهبون كلمات ، وحركات ، المراة الطفلة لا تعرف كيف تتصرف ، هي لا تحس بازعاج ، لكن شيئا ما يقلقها لا تعرفه ، بودها ان تجمع كل هؤلاء الرجال الغريبين في الشارع ، وتقول لهم انها تحبهم تماما كأبيها كصديقاتها ، كقطتها ، كمزهريتها ، وشرفتها وفراشتها الميتة ، كما تحب فيروز والسفر والهدوء الفجري ، الشفاف والندي ، لا تعرف المراة الطفلة المعاني السيئة للاشياء ، والتصرفات ، لا تعرف ان ابتساماتها البريئة ، ستحسب عند بعض الرجال سقوطا و استجابة لغريزتهم الجاهزة دائما والمتحفزة لانقضاض ، ،لا تعرف ان وقوفها مع صديقة او صديق تضحك ،او تحرك بعفوية ، سيحسب عند الرجال وقاحة وعيبا ، المراة الطفلة ، لا تستطيع ان تفهم قلق اخيها او صديقتها او ابيها من براءتها الزائدة عن اللزوم ،
، صح انت بريئة ، بس الناس راح يفهموك غلط
لو كنا في بلد اخر متحرر ، ولا ملاحقات او حسابات فيه ، والناس شبعانة جنس ، لما قلقنا عليك ، الرجال هنا وحوش ، وبسبب براءتك ستفقدين مستقبلك ولن تتزوجي ،
تستغرب المراة الطفلة هذه الكلمات ، اذ كيف تغير طبيعتها ، انهم بذلك ، كأنهم يقولون للفراشة كوني يا فراشة ذئبا ، ، انا لا افهمكم ، لا افهمكم ، وتلوذ المراة الطفلة ، بغرفتها حزينة ، تنتظر هبوب مملكتها ، الفجر القادم ، لتتكيء على شرفتها ، تصغي برهافة وحب وبراءة لانين الفراشة المهروسة في الكتاب ، فتتألم ، وتبكي بصمت ، تتمنى لو يعيد التاريخ نفسه ، لتمنع اخيها من هرس الفراش بين الصفحات ، فيأتي الفجر ، بكائناته واجنته وعصافيره وزهوره ، وعذبوبته البضة ، ينام العالم ، يحل السلام ، يموت الغبار ،
اه لو يتجمد الوقت ،: اه لو تغفو الشمس ا لسنوات ، تهمس المراة الطفلة ،
وتتحرك باتجاه الكتاب
تفتح على الصفحة التي تنحشر فيها الفراشة الميتة بجسدها المهروس ،
تمسك المراة الطفلة بالجسد الميت والرقيق ، الذي يكاد يذوب بين اصابعها
تقربه من عينيها العميقتين ، الخرافيتين ، العينان مبتسمتان كما هما دائما ، جسد الفراشة يتحرك ، الرأس النائم الصغير ينهض من اغماءة طويلة ، والاجنحة الهشة تخفق خفق ، مولود جديد
، يا الهي ،
تهمس الطفلة ، او يهمس الليل ، او يهمس العصفور :
مالذي يجري؟؟
االفراشة تعود الى طبيعتها ، زرقاء ومحبة للحياة وبريئة
تعود الطفلة الى االشرفة ، ممسكة الفراشة من جناحها الايمن ، تمد يدها وتطلق سراحها ، تطير الفراشة الى ، حياتها ، حقولها ، اخوة اخرين ، ، الى الخطر ، النور ، الموت ، الى كتب اخرى تهرس في صفحاتها ،
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. مخرجة الفيلم الفلسطيني -شكرا لأنك تحلم معنا- بحلق المسافة صف
.. كامل الباشا: أحضر لـ فيلم جديد عن الأسرى الفلسطينيين
.. مش هتصدق كمية الأفلام اللي عملتها لبلبة.. مش كلام على النت ص
.. مكنتش عايزة أمثل الفيلم ده.. اعرف من لبلبة
.. صُناع الفيلم الفلسطيني «شكرًا لأنك تحلم معانا» يكشفون كواليس