الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا نحن ( خارج منظومة العصر ) ؟؟

حامد حمودي عباس

2010 / 7 / 4
العولمة وتطورات العالم المعاصر


ليس من مسبب لتفعيل دواعي التخلف في مجتمعاتنا ، اقوى من ذلك الانفصام المتأصل في قرار الشخصية العربية مهما بلغت من مقام .. ولو دعتني شخصيتي الاخرى ، والمتخفية في داخلي بحكم انتمائي لهذه الأمة ، لزعمت بأن الانفصام الروحي والجسدي والذهني للفرد عندنا ، هو بمثابة البئر التي تتدفق منها جميع موبقات وكوابح التخلف الظاهرة في امتنا ، لتبلغ من التردي حدا جعلها ( خارج منظومة العصر ) .
أنا افهم معنى ان يكون المرء منفصم الشخصيه ، كونه يحيا بكيانين في وقت واحد ، يفكر برأسين ويتصرف بسلوكين ، وتنشط خلاياه الحسية باتجاهين ، ليكون في النهاية ضائعا بين عالمين يتخيلهما حقيقة واقعه دون ارادته .
فان كان هذا هو المعنى العام لمن تنفصم شخصيته ، فاننا نمتلك الجدارة في حيازة هذه النعمة المركونة في نفوسنا ، مهما بالغنا في نكران وجودها وتعالينا على من يوصمنا بهذا ( العار ) .. بل إنني يحق لي ان ازعم ، وبناء على واقع الحال ، أن الشخصية العربية تمتاز بالتشضي الى عشرات أمثالها ، وجميعها تجدها مشحونة بنشاط محموم ، تتحرك معا لتفرز كيانات بالغة الغرابة ، تحمل تشوها في السلوك ، لا يقوى صاحبه على مقاومته ، رغم كونه يشعر ويعترف ضمنا بانه سلوك غير سوي .
ومن يطيب له ان ينكر حقيقة أن الفرد العربي يحمل في ذاته ضده ، عليه أن يتطلع لما نحن فيه من اصرار غريب على البقاء في دائرة واحده ، لم تظهر فيها ومن خلالها أية واحدة من مظاهر التقدم ، رغم عوامل الحث الطبيعية والمعنويه ، المحيطة بنا سواء من داخل بيئتنا ، أم تلكم التي تردنا من خارج عوالمنا شبه الميته
لقد خبر الجميع منا ، كيف هي ملامح الوقار المستند على أسس أسميناها في مناهجنا التربوية الابتدائية بالتهذيب ، وتم حقن اذهاننا بمصل التهذيب هذا مع اولى بوادر الشعور الحسي والذهني ، ليكون لنا منهجا ( راقيا ) نخرج به على آبائنا وأمهاتنا ومن ثم معلمينا ليأتي بعدها من يدربنا على حمل السلاح .. غير أن مفاهيم التهذيب هذه سرعان ما تتهاوى عند أول تجربة من تجارب الاستجابة لدواعي الجسد ، فترى ذلك المهذب ، الراقي التربية ، ومستقيم السلوك ، ينحى بفكره وكامل اعضائه صوب من يمنحه اللذة ، وبالطريقة التي يختارها هو ، وليس الاب او الام او المعلم .. بل ان مبلغ العصيان المتفجر ، يصل الى حدود الالقاء بتعاليم الرب جانبا ، ومنحها رخصة مؤقتة ، والى حين تهدأ الثورة الممتدة الى جميع مساحات الروح والجسد .
إننا نعشق ممارسة الممنوع عنا ، حينما نشعر بتوفر سبل ممارسة ذلك الممنوع ، غير أن الشعور بالخوف من فضيحة قد يعممها علينا ذات الذين يمارسون نفس الهوايه ، هو الذي يجعلنا نكابر ، ونتخفى ، ونظهر بمظهر الرافض والمستنكر .
وفي خضم هذا الصراع المرير ، بين ان يمارس أحدنا إستجاباته الحرة لدواعي جسده وعقله وكيانه الانساني بكل تشعباته ، وبين زحام الكوابح غير الطبيعية المعرقلة لذلك ، تتجلى معالم الانفصام ، واضحة جلية وفي كل زاوية من زوايا حياتنا اليومية المليئة بالتشنج والمكابرة وكره الاخر .
يسهل على الذين ينافقون أنفسهم ومجتمعهم ( المنافق هو الاخر ) ، أن يتلبسوا بعباءة الوقار المهلهلة ، حينما يستوجب ذلك ، ظهورهم الى العلن لحضور ندوة ثقافية مثلا ، أو مأتم جنائزي ، أو للمشاركة في حفلة زفاف .. ومن اليسر عليهم جميعا ، أن يغادروا المحافل العامة ، وهم يحملون فوق اكتافهم حمائم السلام والمودة مع عالمهم المرئي للجميع ، غير انهم سرعان ما ينقلبون الى هياكل نصف مجنونه ، تحاكي العواطف البشرية المجردة ، والصادقة في اغلب الاحيان ، لتراهم في رعشة الحياة الخاصة جدا ، يرقصون للحن محبوب ، أو كأس حرموا منه بحكم العرف العام ، أو أنهم يتمثلون مباديء الحب الفطري ، وحسب ما تختاره مخيلاتهم المتحفزة دائما لركوب متن غير المعتاد في الحياة .
إنها ليست فلسفة غريبة عنا ، تلك التي نعرفها جميعا ، حينما نختلي مع انفسنا ، ونقرر من نكون ، تاركين ما تقرره لنا تعاليم كتبنا المقدسة ، وما يحدده لنا مجتمع يبالغ في اظهار انفصام شخصيته ، عند كل منعطف يختلي به مع نفسه ويغيب عنه الرقيب .
وباعتقادي الشخصي المتواضع ، فان ما يميزنا عن سوانا ممن نسميهم بسكان العالم الاكثر تطورا ، هو هذا الحد من التوصيف ، هذه الطبيعة التي تجعلنا نعيش باكثر مما منحتنا الطبيعة من أعضاء ، ليبدو الواحد منا ، كالاخطبوط ، يزحف باطرافه حاملا معها شهواته وجوعه وملامح الحرمان المحيطة به ، دون ان يفلح في بلوغ ما يريد ، فتنعكس كل تلك الممنوعات الفضة في حياته ، لتكون منه هيكلا يتحرك بلا غاية ، وعقلا تدور ماكنته لتفرز اللااستقرار في السلوك .
ماذا يطلب من كيان انساني ، يتغذى حينما يجوع ، ليهب لجسده طاقة غير منقطعة ، متجاوزا بذلك كل الارقام المحددة من قبل علماء التغذية الصحية ، أو أنه لا يجد ما يسد رمقه من جوع ، فتضاف رغبته للطعام ، الى بقية رغباته المستباحة والمحاصرة .. ماذا يمكن ان يطلب من هكذا كيانين بشريين ان يفرزا من سلوك ، لو تخيلنا بانهما محكوم عليهما بطوق فولاذي ، لا يدعهما تنفسان عما اختزن داخلهما من طاقات مكتسبة ؟ ..
يطيب للكثيرين من مثقفينا ، وهم أقدر على تجاوز البعض من حدود الممنوع ، وليس الحدود بالكامل ، في ان يتناولوا الشخصية العربية ، وبشيء من الغزل غير المتسم بالشجاعة في مواجهة الحقائق كما هي ، عارية لا يسترها ثوب الوقار الكاذب ، ولا تحجب مساحاتها الحمراء مفاهيم ( التهذيب ) المزعومه .. فتخرج تحاليلهم ناقصة حينما تستجيب ، وبالضرورة ، الى دواعي النفاق الروحي والذهني ، لترتمي في نهاية المطاف ، في احضان الانفصام المزمن في الشخصية العربية المزروعة في اعماق الماضي ، او تلك التي تعيش الحاضر .. حيث لم تظهر امامنا ولحد الان ، دراسات جريئة ، غير وقوره ، بعيدة عن دعواى التهذيب ( ومقتضيات السمعة الحسنه) ، لتقول لنا وبكل وضوح ، ماذا على المراهق او المراهقة مثلا ، أن يفعلا حيال تلك الاصوات الرهيبة الوقع ، والتي تنطلق من اعماق نفوسهم لتدعوهم الى بلوغ حالة الاشباع الجسدي المثبت اصلا في كينونتهم الخلقية ؟ .. ماذا يعني ان يميل الانسان الى مثيله في الجنس ؟ .. وكيف له ان يتصرف امام رغبته في اطفاء ميوله تلك ؟ .. كيف يمكن معادلة ان يرفض المرء في العلن ان ممارسة ما نسميه بالشذوذ الجنسي ، في حين يمارسه اما في خياله او في السر ، رغم كونه في بعض الحالات رجل دين ورع ، او رئيس حزب ، او قائد في الجيش ؟ .. ما معنى أن تنهار ارادات صلبة ، تعتلي في وضح النهار منصات الخطابة والوعظ ، لتهوي في الليل ، صاغرة امام حاجتها الطبيعية للارواء الجنسي ، فتمارس طقوسه وباشكاله غير المألوفة ؟ .. ماذا تسمى تلكم الاستجابات الفطرية لنهم دائم يظهر في عيون ابنائنا وبناتنا وحتى الشيوخ منا ، حين يجتمعون من الجنسين في رحاب ميدان عام او مدرسة او جامعه او منتدى عام ؟ .. كيف لنا ان نقرر وبلا ازدواجية في المعايير ، وبعقول نظيفة معافاة من أي درن خلفه لنا آباء لنا ، كانوا قد مارسوا رذائلهم وبطرقهم الخاصه ، لنعلنها مفتوحة وفي الهواء الطلق ، أن ما يعيق فينا حركتنا السوية ، ويعتقل في نفوسنا قدرتها على الحركة المتجهة للامام ، هو ذلك الخدر المقيت في حركة عواطفنا واحاسيسنا الفطرية المنبعثة من اعماق تكويننا البشري ، ومنذ قديمنا الموصوف هو الاخر بعدم التصالح مع الذات ؟ ..
المجتمعات التمدنة ، استطاعت وبكل إصرار، ان تتخطى أزماتها فيما يتعلق ببناء حياتها العامه ، عندما تخطت حواجز الممنوع مما نراه نحن إفكا وخروج عن التقاليد والاعراف ، وكانت النتائج هي انهم تعودوا على عزل القمامة حسب انواعها ومصادرها ليوفروا لغيرهم اعادة تصنيعها ويحافظوا على البيئة والمناخ ، وما جنيناه نحن لحد الان ، هو عدم التزامنا بالالوان الحمراء عند تقاطعات الطرق ..
ما انتجه العالم الاخر ، هو فرد سوي وتتمتع قدراته الحسية بكل مواصفات الصلاحية والقدرة على الفعل ورد الفعل السليم ، وما جنيناه نحن ، مجتمعات ينخر في عروقها سوس الاوهام ، وتسيرها قيم صدرتها مجالس حرق البخور .. فكانت النتائج هي تلك الشخصية المهزوزة ، المنافقة ، غير الودية ، والمتسمة بالغرور المحاط بهالات البؤس والجهل وعدم القدرة على الابتكار .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الحال كما هووالهزائم مستمرة
حمورابي ابوآدم ( 2010 / 7 / 4 - 18:14 )
توصيف حي لواقع انساني عربي غارق حتى الرقبة في هذه الازدواجية وهذا الانفصام الذي لا ينجو منه احد فعلا كلنا يمارس استمناءاته الخاصة ولا احد يزايد على احد بدءا من الظواهر العامة حتى غرف المنتديات والدردشة انه جوع انساني حرية تتشعلق شباك الشرق العنيد المسيج بما لا يوصف من واد وياس وابئة لا تحصى وطالما الانسان العربي غريب عن جسده لا يانس له ولا يركن ولا يستطيع التواصل الا تحت نظر الرقيب الباطني والخارجي وطالما هذا الانسان عاجز عن التفكير الهادىء والسليم فسوف ترى امة يغلب عليها العصاب والتذمر والتخبط ذات اليمين وذات كل الجهات صحيح ان ما من امة لها مثل هكذا شخصية عاجزة بالتركيب ان تندمج في منظومة العصر شكرا


2 - عزيزنا الكاتب المحترم
قارئة الحوار المتمدن ( 2010 / 7 / 5 - 08:18 )
أوافقك على ما تفضلت به , لذلك يعجز الآخر عن التعامل مع العربي ذي الوجوه المتعددة الكاذبة . شكراً لمقالاتك الهادفة الثرية

اخر الافلام

.. نور وبانين ستارز.. أسئلة الجمهور المحرجة وأجوبة جريئة وصدمة


.. ما العقبات التي تقف في طريق الطائرات المروحية في ظل الظروف ا




.. شخصيات رفيعة كانت على متن مروحية الرئيس الإيراني


.. كتائب القسام تستهدف دبابتين إسرائيليتين بقذائف -الياسين 105-




.. جوامع إيران تصدح بالدعاء للرئيس الإيراني والوفد المرافق له