الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طلال حسن رأى ظلاً يكتب قصة قصيرة جداً!!

نواف خلف السنجاري

2010 / 7 / 4
الادب والفن


لقد أصبح اسم الأديب طلال حسن مقترناً بعالم الطفولة، والبراءة، والأحلام.. وليس غريباً أن نقرأ له مسرحيات وقصصاً وسيناريوهات موجهة للطفل بصورة خاصة، لكني فوجئتُ عندما قرأتُ كتابه الأخير (أنا الذي رأى) الصادر عن المديرية العامة لتربية نينوى، فهذا الكتاب يختلف كلياً عن جميع ما كتبه طلال حسن سابقاً.
الكتاب عبارة عن مجموعة قصص قصيرة جداً تقع في قسمين: الأول يضم 135 قصة، والثاني يحوي 57 قصة، تحتل جميعها مساحة 100 صفحة من القطع المتوسط.
معظم قصص القسم الأول تدور على لسان الحيوانات( سنونو – دودة - ثعلب – عصفور - أفعى – بلبل - حمار - غراب – فيل – نمر – ببغاء – أسد – فراشة – أرنب – دب – ذئب) وتطرح أفكاراً وقيماً نبيلة كحب الوطن، فيقول الكاتب في قصة (وطن السنونو): (سال العصفور صديقه السنونو : لماذا تهاجر؟ فأجاب السنونو : لأني لا استطيع أن أحيا بدون الدفء وقال العصفور: ووطنك؟ رد السنونو : الدفء وطني)..
أو يقول في قصة (قطرة ماء) ممجداً روح التعاون: (أخذت الصخرة على قطرة الماء أنها صغيرة، وضعيفة، فقالت قطرة الماء: نعم لعل هذا صحيح لكن باتحادي مع رفيقاتي نصنع الأنهار والبحار والبحيرات).وفي قصة (الدودة): ( وضعت الدودة في قفص، وحين استبد بها الجوع ولم تجد ما تأكله، أخذت تأكل نفسها). إشارة إلى نبذ الجشع والابتعاد عنه.. وتقول الشمعة في قصة (شمعة تحترق): (لا استطيع أن أضيء إذا لم احترق). كرمز للعطاء والتضحية. أما في قصة (بيت البلبل): (فوجئ بلبل يعيش في قفص، ببلبل قد بلله المطر، يحط على مقربة منه فقال له: مسكين يبدو انه ليس لك بيت مثل بيتي، وبفرح نفض البلبل قطرات المطر عن ريشه وقال: أنت محق، فبيتي هو.. العالم كله). فهنا صرخة ضد القيود وتقديس لعشق الحرية..
إنه شيء جديد ورائع أن نطرح أفكاراً (مرمّزة) لكنها ليست (مشفّرة) ونترك للطفل أن يشحذ مخيلته، ليكتشف ما نود أن نقوله له بنفسه، فتصير هذه الأفكار عبراً وحكماً وقيماً عليا يستفاد منها الطفل ويسير عليها في حياته المقبلة.
يبدو أن التخصص في أدب الأطفال - الذي يعد من أصعب أنواع الأدب- متجذر في كتابات طلال حسن، فهو وان حاول كتابة جنس أدبي آخر، لا يستطيع الابتعاد عن لغته التي ألفها عبر عقود من السنين، وتواصل معها وأحبها وأخلص لمفرداتها التي منحها إلى عالم الطفولة النقي، حتى عندما يكتب للكبار نحس ذلك الحنين الدافق إلى الطفولة والمطمور في لاوعي الكاتب، يبحث له عن منفذ، فنراه يظهر هنا أو هناك دون استئذان!
بعض القصص تفيض شاعرية وهي أقرب ما تكون إلى قصيدة النثر مثل قصة (لمن):
لمن يشكو البحر مياهه المالحة؟
لمن تشكو الزهرة الظامئة الغيمة التي لا تمطر؟
لمن يشكو البلبل أغاريده التي تطرب البومة؟
لمن تشكو شجرة الصفصاف أغصانها التي لا تثمر؟
لمن تشكو العصفورة الأفعى التي رأتها في منامها تهاجم صغيريها؟
لمن يشكو الطفل الحرب التي أخذت أباه؟
ولو تمعنا النظر في قصص المجموعة لرأينا أغلبها تبدأ بأفعال ( وقف – زار – هاجمت – مرت – لاذ – فزّ - ....) وما يميز القصص لغتها البسيطة والمفهومة والتي يستوعبها الأطفال الصغار والفتيان ويستمتع بها الكبار.
القسم الثاني من الكتاب هو الأكثر عمقاً، وإذا كان القسم الأول حكايات على لسان حيوانات تطرح أفكاراً جميلة يحبها الصغار.. فان هذا القسم يتمحور حول (الظل) الذي يمثل الوجه الآخر لحياتنا، وجزء من نرجسيتنا التي تود الخلود والاستمرار، فإن شاخ الجسد وهرم، يبقى الظل طفلاً دائم الصخب واللعب، فكما يولد طائر الفينيق من رماده نحب أن نولد من (ظلالنا) فيقول الكاتب في قصة (طفل): (منذ أن وعيت وظلي طفل، يركض وراء الفراشات والكلمات والجمال، وها إني كبرت وشخت، لكن ظلي مازال طفلاً يركض وراء الفراشات والكلمات والجمال).
قد يكون الظل الذي علّق عليه القاص أفكاره، هو أبناؤنا وبناتنا الذين نبني عليهم آمالنا ونعتبرهم امتداداً لنا، وجزء من بقائنا الذي ننشده حتى في الكتابة! وقد يكون الظل صديقنا الذي يعرف عنا ونعرف عنه كل شيء، وهنا يخاطب الكاتب صديقه جمعة كنجي ويستذكره في قصة (نصيحة): (رأيت فيما يرى النائم اليوم، رفيقي الراحل جمعة، قال لي: أريد أن أعود إلى الحياة، ولأني أعرف ما لا يعرفه نصحته قائلاً: لا يا رفيقي ابق ميتاً!).
ويمكن أن يكون الظل حلماً جميلاً لا تفسده قذارات الحياة، وتفاصيلها التافهة.. الظل هو خوفنا من الموت والشيخوخة، هو رعبنا من أنفسنا.. الظل هو نقاؤنا الذي نسعى إليه.. هو الكمال الذي ننشده ونسبغه على أنفسنا، فلا نستطيع.. فنهبه بكل تواضع إلى ظلالنا!!
لقد استطاع طلال حسن بشفافيته المعهودة أن يشبع نهم جوعنا الطفولي، وان يملأ مساحات من حياتنا كانت فارغة ومنسية.. وبعيدة، لكنها عزيزة علينا... الأرض القاحلة والمتشققة في عالم طفولتنا المتصحر رواها طلال حسن بنهر كلماته المتدفق الرقراق...
نمسك الكتاب نقرأه، ونستمر.. لا ننقطع إلى أن ننهي الكتاب.. نترك الكتاب جانباً، وفينا شوق ورغبة عارمتان، واشتهاء طاغٍ لإعادة قراءته من جديد.
من يقرأ قصص (أنا الذي رأى) سيستمتع بها، صغيراً كان أم كبيراً، وهذا الكتاب هو بحق إضافة نوعية إلى رفوف مكتبة القصة القصيرة جداً، التي تحتاج إلى المزيد من إبداعات أدباؤنا لتنمو وتترعرع البذرة التي زرعها روّاد هذا الفن الجميل.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقابلة فنية | الممثل والمخرج عصام بوخالد: غزة ستقلب العالم |


.. احمد حلمي على العجلة في شوارع روتردام بهولندا قبل تكريمه بمه




.. مراسل الجزيرة هاني الشاعر يرصد التطورات الميدانية في قطاع غز


.. -أنا مع تعدد الزوجات... والقصة مش قصة شرع-... هذا ما قاله ال




.. محمود رشاد: سكربت «ا?م الدنيا 2» كان مكتوب باللغة القبطية وا