الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تسييس الازمات

عباس عبد الرزاق الصباغ

2010 / 7 / 5
مواضيع وابحاث سياسية



ليس من الحكمة او الانصاف استغلال معاناة الناس و"استثمارها" لاجندات سياسية او حزبوية مشخصنة بعيدة عن التوجه الوطني او الانساني وأدلجة اسبابها ونتائجها وماتفرزه من انعاكاسات سلبية على عموم المشهد العراقي، ومن الخطا الفادح ان تحتسب جميع الازمات المتوارثة والمستجدة في خانة الحكومة التي انتجت وفق الآليات الدستورية والمنهج الديمقراطي الحر والشفاف بعد التغيير النيساني المزلزل وان ترمى جميع "الكرات" في ملعبها من دون مراجعة تاريخية وسياسية نقدية وموضوعية شاملة لمجمل الارهاصات والاشكالات والاسقاطات التي رافقت تأسيس الدولة العراقية الحديثة (1921 / 2003 ) وما تلاها من احداث ومراحل ومنعطفات شكلت بمجملها ما آلت اليه الامور عشية ذلك التغيير العاصف يضاف الى ذلك إن الفساد الاداري والمالي المستشري في اجهزة الدولة العراقية المعاصرة (دولة التأسيس الديمقراطي) لم يكن متأتيا من فراغ تاريخي او ثغرة قانونية بل هو جزء من التركة الثقيلة من الخراب الشمولي التي ورثها العراقيون من حكوماتهم السابقة اضافة الى الهجمة الارهابية البربرية والمؤامرات التي حيكت من اجل افشال التجربة الديموقراطية الفتية في هذا البلد الذي عانى طويلا من جميع اشكال الاستبداد والقهر والتعسف والإفقار المتعمد .
البعض من داخل العملية السياسية نفسها ومن خارجها يحاول جاهدا ان يقوم بتسييس جميع الازمات التي يمر بها البلد ، الأمنية بالدرجة الاساس (ملف الارهاب) ناهيك عن الاقتصادية والمعيشية والخدماتية بأن يلقي باللائمة على المتصدين للعملية السياسية محملا اياهم مسؤولية جميع ما يحدث ويعطي صورة تسقيطية وكيدية بأن العراق كان في عهد الديكتاتورية المقيتة افضل حالا من هذا العهد الذي شهد التعددية والتداول السلمي للسلطة وانتعاش الاقتصاد وتفعيل مبادئ حقوق الانسان واشراك جميع مكونات الشعب العراقي في آليات الحكم... ويحاول البعض ايضا ان يعطي صورة اخرى من خلال تسييسه للازمات التي يعجُّ بها المشهد العراقي بأن الحكومات التي جاءت عن طريق الانتخابات الدستورية هي غير كفوءة او غير قادرة على ادارة الملفات المأزومة والمتشابكة وان من الأولى لهذه الملفات ان تدار وتعالج من قبل "حكومة" شديدة التمركز وقوية بالقهر والتسلط وهذا يعني ارجاع العراق الى مربع الصفر .
العراق ورث عن النظام السابق الذي كان يمثل آخر حلقة من مسلسل فشل التأسيس الدولتي الذي عانى منه اكثر من ثمانية عقود، دولة مهشمة ومعزولة دوليا ومنبوذة اقليميا وشعبا مسحوقا ومضطهدا يعيش جلـُّه تحت مستوى الفقر العالمي ومحاصرا بفعل العقوبات الأممية المفروضة عليه من قبل الاسرة الدولية بسبب سياسات ذلك النظام الرعناء كما ورث اقتصادا متآكلا وبنى تحتية مندثرة تماما وحزمة من المشاكل المعقدة مع دول الاطار الجغرافي المحيط بالعراق ومضاعفات سياسية واقتصادية مع المجتمع الدولي والامم المتحدة ومجلس الامن الدولي وورث ايضا تصدعا ديموغرافيا وتشظيا سوسيولوجيا وتفتتا غير مسبوق في القواعد التي تتمركز عليها الوحدات الطوبوغرافية وضمورا في الاسس المفاهيمية التي تتجذر من خلالها المواطنة الحقة وتترسخ.
إن النظام السابق قد ترك لنا سجلا هائلا وأرشيفا عملاقا في مجال خروقات حقوق الانسان والاعتداء على الحياة البشرية والبيئية قد لايكون له شبيه حتى في الذاكرة العالمية حول جرائم النازية والنظم التوتاليتارية الفاشستية الاخرى فضلا عن تهشم البنى السايكلوجية لشرائح واسعة من المجتمع وانهيار اسس الثبات المجتمعي والتوازن الأسري بفعل الحروب والحصار والاساليب القمعية وعمليات الابادة الشاملة والتطهير الطائفي والعرقي ومصادرة الحريات وتكميم الافواه.
كل ذلك وغيره ملفات موروثة ساخنة وجاهزة للانفجار والتشظي في أية لحظة ومن غير الممكن ان تعالج في سنوات قلائل او بممارسات حكومية واجرائية سطحية في ظل وضع شديد الحساسية والتعقيد وقد رافقتها اجواء الفوضى الخلاقة التي اجتاحت البلاد بعد الاحتلال الامريكي للعراق والتخبط والعشوائية التأسيسية للدولة العراقية مابعد التغيير مما زاد المشهد العراقي تعقيدا الى منظومة التعقيدات السابقة.. لكن الذين يسيسون الازمات التي تجتاح الواقع العراقي ينظرون بعين عوراء الى مايجري دون أية مراجعة منصفة لمجمل الاسباب والنتائج التي تعتمل في ذلك الواقع ويتعاملون معه حسب نظرية نصف الكأس الفارغ ولاينظرون الى النصف الآخر ..
ان الكثير من الملفات الساخنة التي يتم تناولها سياسيا واعلاميا وبشكل دراماتيكي مقصود ومفتعل والتي لها تماسُّ مباشر بحياة الناس ومشاغلهم اليومية ومعاناتهم المستمرة لم يتم ذلك من المنظور الانساني المتفاعل والمتشارك مع الاخرين او من منظور وطني بموجب استحقاقات المواطنة وتراتبية الحقوق والواجبات التي تمليها أسس التعاقد الاجتماعي والمصلحة الوطنية والتضامن التعاقدي بين ابناء الوطن الواحد وانما بتسييس لا علاقة له بأية ازمة يعانيها المواطن في ظروف عسيرة وقاهرة وبما يشبه كلمة حق يراد بها باطل .
[email protected] إعلامي وكاتب عراقي









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - سياسة وسخة
ناهد ( 2010 / 7 / 6 - 17:17 )
السياسة قذرة وسخة تستغل معاناة الشعب لمصالح سياسيين يتقنون حرفة الاستغلال والمنفعة الذاتية ، لذلك وبشكل عام لا أثق بالسياسيين فمن كل اجندة وملف هناك بالضرورة مصلحة ذاتية تفوق او توازي على احسن تقدير مصلحة الشعب .
تحياتي للكاتب
سلام

اخر الافلام

.. وزارة الدفاع الروسية تعلن إحباط هجوم جوي أوكراني كان يستهدف


.. قنابل دخان واشتباكات.. الشرطة تقتحم جامعة كاليفورنيا لفض اعت




.. مراسل الجزيرة: الشرطة تقتحم جامعة كاليفورنيا وتعتقل عددا من


.. شاحنات المساعدات تدخل غزة عبر معبر إيرز للمرة الأولى منذ الـ




.. مراسل الجزيرة: اشتباكات بين الشرطة وطلاب معتصمين في جامعة كا