الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الترويج لمستقبل اليسار عبر -المجتمع المدني-!

عماد الدين رائف

2010 / 7 / 5
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


ليس بعيداً عن التخبط اللبناني في مستنقعات الطائفية والمذهبية والمناطقية والفئوية، تنشط منظمات وتجمعات وائتلافات مدنية في حركة مطلبية منطلقة من خلفية مدنية – علمانية، مرتكزة على الدستور وشرعة حقوق الإنسان والمواثيق الدولية المتصلة بها، لتؤسس لنظرة عامة بعيدة عن التجاذبات السياسية ذات المصالح الضيقة، التي ما يزال اللبنانيون يعانون منها. وأمام هذا الحراك الذي يتلقى صدمة بعد أخرى، تعلو أصوات البعض الذي يعتبر "المجتمع المدني" بديلاً للأحزاب الماركسية المتعثرة!
المجتمع المدني من حيث المبدأ هو نسيج متشابك من العلاقات التي تقوم بين أفراده من جهة، وبينهم وبين الدولة من جهة أخرى؛ علاقات تقوم على تبادل المصالح والمنافع، والتعاقد والتراضي والتفاهم والاختلاف والحقوق والواجبات والمسؤوليات، ومحاسبة الدولة في كل الأوقات بالسبل الديمقراطية.
للمجتمع المدني بهذا المفهوم أربع مقومات أساسية هي: الفعل الإرادي أو التطوعي، الانتظام في منظمات أو جمعيات، قبول التنوع والاختلاف بين الذات والآخر، وعدم السعي للوصول إلى السلطة. ويدخل في دائرة منظمات المجتمع المدني أي كيان مجتمعي منظم يقوم على العضوية المنتظمة تبعاً للهدف العام.
ويقوم المجتمع المدني بدوره، وخاصة المنظمات المطلبية غير الحكومية المعنية بالقضايا الاجتماعية، على مستويين: الأول، تعبوي من خلال نهوض المنظمات هذه بوظائفها الأساسية في المجتمع وتكون فعلاً على الأرض مع أصحاب القضية بشكل مستمر ومتواصل، والثاني توعوي يتحقق من خلال التدريب العملي على الأسس الديمقراطية تجاه الأفراد والمجموعات المدنية ومؤسسات الدولة كلما دعت الحاجة. من الملاحظ، هنا، أن الصحافة الحرة ووسائل الإعلام هي بالضرورة من الكيانات الاجتماعية الداخلة في دائرة المجتمع المدني؛ مع التأكيد على الحرّة منها، أي تلك التي تشكل فعلاً سلطة رابعة تضاف إلى التشريعية والتنفيذية والقضائية، وليست تلك التابعة مباشرة إلى فئة أو جهة أو طائفة.

أهلي، خيري، أم مدني؟

عملت الحكومات المتعاقبة على السلطة التنفيذية في لبنان منذ انتهاء الحرب الأهلية (1975 – 1991) حتى يومنا هذا على تعميم غير مقصود لمفهوم تنظيم عملية التسول على مستوى وطني. فلبنان كدولة محدودة المصادر معتمدة بالدرجة الأولى على عائدات الخدمات السياحية من جهة وعلى عائدات أبنائه المهاجرين في الخارج العربي وغير العربي يرزح تحت وطأة خدمة دينه العام الذي يربو عن خمسين مليار دولار أمريكي، تم صرف أصله في الاستهلاك لا الاستثمار؛ فيما لم يعد يسمح له وضعه غير المستقر بنمو اقتصاده، يعمم مسؤولوه الماليون والسياسيون اعتماده على الهبات والمساعدات والودائع المصرفية، مما بات يسمح بمساحة لا بأس بها من وعي المواطن العادي للاتكال الدائم على مبدأ المساعدة والهبة، وبالتالي يستسيغ هذا المواطن رؤية مشاهد متكررة من طلب التعويضات من الدولة أو الجمعيات التي حلت قسراً محل الدولة في بعض الخدمات في حياته اليومية، وبالضرورة على شاشات التلفزة التي ما هي إلا عكساً للواقع الذي يعيشه.
وقد حمل هذا التعميم مخاطر جمة على الفئات المهمشة لا يمكن حصرها. ومن جهة أخرى يسمح القانون بنمو جمعيات خيرية أو أهلية تتبنى ظاهرياً قضايا مجتمعية، وتعمل على تعزيز مفهوم التسول في المجتمعات المحلية، مقدمة أشكالاً من الرعاية والمساعدات غير المنتظمة، في ظل تقصير الوزارات المعنية عن تلبية حاجات المواطنين، ولعب دور "الدولة الراعية للحقوق"، وعلى رأسها الوزارات المسماة خدماتية، والتي يتقاتل على توليها سياسيون يريدون امتطائها نحو صناديق الاقتراع. لا يخفى أن كثير من هذه الجمعيات الخيرية، الرعوية، الأهلية، يتبع بشكل أو بآخر إلى بطانة هذا الزعيم أو حاشية ذاك، وبالتالي تعمل بعض هذه الجمعيات كواجهة اجتماعية لتبييض صورة الزعماء المتحابين حينا المتناحرين أحيانا وتلميعها، ولزيادة أرصدتهم النيابية.

بين الترويج.. والمروجين

وأمام واقع وجود أكثر من ستة آلاف جمعية في لبنان، نسبة ضئيلة جداً منها يمكن أن تسمى بـ "الجمعيات العاملة"، ونسبة أقل من هذه "العاملة" تعتنق المدنية منهاجا وبالتالي يمكن وصفها بجزء من "المجتمع المدني"، نجد أن الترويج للمجتمع المدني بديلاً عن الأحزاب الماركسية يعكس فشلاً لدى المروجين على المستوى التنظيري. فعلى الرغم من أن هذه الجمعيات اجترحت معجزات حقيقية في انتزاع بعض الحقوق للفئات المهمشة في ظل غياب الدولة المتعمد من جهة وضعف الأحزاب من جهة أخرى، إلا أن صدور هذه "التنبؤات عن مستقبل اليسار" غير المستندة إلى الواقع اليومي من "مفكرين" شبعوا من موائد اليسار في لبنان حتى بطروا، ولم يحتكوا بالشارع لعقد من الزمن، ولم يكلفوا أنفسهم الوقوف على منهجية عمل جمعيات المجتمع المدني المطلبية الحقوقية، ولا على أهدافها، ومشاكلها الفعلية، يكاد يكون مثيراً للسخرية والبكاء في آن معا.
بطبيعة الحال، تعتبر المقدمة المفترضة في نقاش هذا الطرح خاطئة، فليس "كل من يدعو إلى الديموقراطية يصبح حكماً يسارياً". إن تلك المقدمة نتجت لدى هؤلاء "المفكرين" من عدم درايتهم بواقع الداعين إلى تلك "الديموقراطية"، التي ينبغي بنا وضعها بين مزدوجين أو أكثر. وكذلك عن عدم معرفتهم بواقع حقيقة تلك الدعوة، إن كنا نعتبر أنهم قدموا لطرحهم بحسن نية.
أما عن نواياهم الحقيقية في ذلك... فيمكن أن يكونوا في إطار بحث حثيث عن مخرج مشرّف لتقاعدهم كـ "منظرين". وإذا اعتبرنا ذلك من حقهم، فليس من حقهم استثمار نتائج جهود المنظمات المدنية الحقوقية والمطلبية اللبنانية، واستشراف مستقبلها نيابة عنها. فلم يمنحهم أحد حق تلك النيابة.

المقال ينشر بالتزامن مع نشره في مجلة "النداء" العدد 137








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزيرة ترصد مطالب متظاهرين مؤيدين لفلسطين في العاصمة البريط


.. آلاف المتظاهرين في مدريد يطالبون رئيس الوزراء الإسباني بمواص




.. اندلاع اشتباكات عنيفة بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهرين في تل


.. مراسلة الجزيرة: مواجهات وقعت بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهري




.. الاتحاد السوفييتي وتأسيس الدولة السعودية