الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فيلم الموسم وكل موسم: »الأرض«.. تراجيديا مصرية.. إخراج أمين أباظة

سعد هجرس

2010 / 7 / 5
الادب والفن


هل تذكرون فيلم »الأرض«.. درة تاج السينما المصرية.. الذي أبكي ملايين المصريين وانتزع آهاتهم وهم يشاهدون الفنان العبقري محمود المليجي متشبثاً بتراب أرضه المسلوبة رغم عملية »السحل« المروعة التي يتعرض لها علي أيدي تحالف الاستبداد والفساد؟!
تراجيديا الواقع.. لا تقل جنوناً عن تحفة يوسف شاهين.. لكن المخرج هذه المرة هو وزير الزراعة أمين أباظة الذي يشن حرباً علي مغتصبي أراضي الدولة.
علماً بأن هؤلاء »الغاصبين« ليسوا قطاع طرق أو أشقياء أو شذاذ آفاق.. وإنما هم من »الأكابر« و»الناس اللي فوق«.
إنهم باختصار من »أهل القمة«.. وبتحديد أكثر هم من »المحظوظين« من أهل القمة، الذين حصلوا ــ بطريقة ما ــ علي مساحات تزيد أو تقل من الأراضي المملوكة للدولة مقابل ملاليم، ثم باعوا نفس الأرض بعد بضعة شهور، أو بعد سنوات معدودات، بالمليارات!
ولا نحسد هؤلاء علي المليارات التي كسبوها، ولا نعترض علي »تعمير« الصحراء، أو إقامة مجتمعات عمرانية جديدة، أو حتي منتجعات فاخرة، فوق هذه الأرض التي كانت جرداء لا زرع فيها ولا ماء.
ما نعترض عليه ــ بالأحري ــ هو الطريقة التي يتم بها »تخصيص« هذه الأراضي، التي هي في التحليل النهائي ملكية مشتركة لجميع المصريين والطريقة التي يتعامل بها »المشترون« المحظوظون مع هذه الأرض التي آلت لهم.
* * *
وبعيداً عن الشعارات والمواعظ تعالوا نتابع مشهداً صغيراً من هذه التراجيديا المصرية المفزعة.
المشهد الذي نعنيه هو مجرد مثال بسيط، أغلب الظن أنه متكرر بصورة أو بأخري في أنحاء أخري من مصر المحروسة.
والمثال يتعلق تحديداً بــ »الشركة المصرية الكويتية للتنمية والاستثمار«، والتي كانت تسمي سابقا »الشركة المصرية الكويتية لاستصلاح الأراضي والإنتاج الحيواني«.
الشركة يجلس علي رأسها محافظ سابق، ويشغل منصب العضو المنتدب بها نائب بمجلس الشعب وعضو بالحزب الوطني.
هذه الشركة تعاقدت مع الهيئة العامة للتعمير والتنمية الزراعية علي شراء 26 ألف فدان تمثل الظهير الصحراوي لقري مركز العياط بمحافظة الجيزة سابقا، 6 أكتوبر حاليا، مقابل مائتي جنيه للفدان بإجمالي خمسة ملايين ومائتي ألف جنيه فقط لا غير.
وذلك بغرض استصلاحها وزراعتها كما ينص العقد وطبقا لمواد القانون 143/81 والقانون 7/،91 ضمن خطة الدولة لاستصلاح 4.3 مليون فدان.
لكن ما جاء في هذا العقد شيء، وما حدث علي أرض الواقع شيء مختلف تماماً.
فقد استفادت الشركة المشترية من كل التسهيلات الممنوحة لها بحجة استصلاح الأرض تحقيقاً لمتطلبات الأمن الغذائي، لكنها لم تقم بالاستصلاح المطلوب، بل لم تقم بأي نشاط له علاقة بالزراعة من قريب أو بعيد.. بل قامت ــ بكل بساطة ــ بتقسيم الأرض وبيعها بالجملة والقطاعي كاستثمار عقاري.
وقامت الشركة ذاتها ببيع 9732 فدانا من هذه المساحة إلي شركات وأفراد من دولة الكويت بالمخالفة لبنود العقد الابتدائي الموقع مع الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية المؤرخ في 16 فبراير ،2002 البند الخامس والمادة 13 من القانون 143/81.. مع العلم بأن البيع لغير المصريين يعد مخالفاً للقانون حتي مع تمام أعمال الاستصلاح.
وتوجد تحت أيدينا صور لتعاقدات أبرمتها الشركة المذكورة مع 102 شركة وفرد بدولة الكويت وحدها.
وبعيداً عن التفاصيل المملة، والكئيبة، فإن الخلاصة هي أن الفدان تم بيعه بمعرفة الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية للشركة المصرية الكويتية عام 2002 مقابل مائتي جنيه، أي بسعر سبعة وأربعين قرشاً للمتر.
وقامت الشركة المشترية ببيع نفس الأرض بسعر يتراوح بين 200 و500 جنيه للمتر الواحد.
أكثر من هذا.. قامت الشركة بإنشاء شركات أخري استخدمت الأرض المصرية المشار إليها »26 ألف فدان« كأصول لهذه الشركات، ثم قامت بتحويلها إلي أسهم وتم تداولها بين الأفراد والشركات في البورصة الكويتية.
ويبدو أن الأرباح الطائلة التي حققتها الشركة نتيجة هذه الممارسات تحت مظلة أرض العياط، شجعتها علي تكرار اللعبة في مناطق مصرية أخري.
وهو ما حدث فعلا حيث قامت بالحصول علي مساحة من الأرض علي طريق مصر ــ إسكندرية الصحراوي.. وأسست شركة باسم آخر، وقامت الشركة ذات الاسم الجديد بالإعلان عن إنشاء منتجع »دريم فارمز«، ويوجد تحت أيدينا كتيب مطبوع طباعة فاخرة يحتوي علي صور للشاليهات الفاخرة التي تعد الشركة زبائنها بإنشائها، ومواصفاتها بالتفصيل الممل، علماً بأن العقد الذي تم شراء الأرض بموجبه ينص أيضا علي أن الغرض هو الاستصلاح الزراعي، وإذا به يتحول ــ بقدرة قادر ــ إلي الاستثمار العقاري أيضاً.
وحتي بالنسبة للاستثمار العقاري لم تكن الممارسات العملية مريحة.. وعلي سبيل المثال اتصلت بي سيدة من البحرين تقول إنها تعاقدت علي شراء شاليه ودفعت معظم الأقساط ولم يتبق سوي قسطين فقط آخرهما عند الاستلام المحدد تاريخه بالعقد.. خلال شهر يونية المنصرم.
وقد حل يونية ورحل بينما الأرض مازالت جدباء ولا توجد شاليهات من أي نوع!
وقام محامي السيدة البحرينية بتسليمي صور من العقود والوثائق المتعلقة بهذه الفضيحة.
* * *
ويتبين من هذا الجبل من الأوراق الموجودة لدينا أن هناك مخالفات كثيرة ومتعددة شابت عملية تخصيص معظم هذه الأراضي، ثم مخالفات أكثر لشروط التعاقد، وبخاصة الغرض من التخصيص، ثم مخالفات تتضمن الاستيلاء علي أراضي مملوكة للدولة متاخمة للأرض التي تم »الاستيلاء« عليها بطرق »قانونية«.. فمن »يشتري« ألف فدان يضع يده علي ثلاثة آلاف فدان مجاورة!!
* * *
كما يتبين أيضاً أن أولئك الذين يقومون بكل هذه المخالفات لم يكن باستطاعتهم القيام بها لولا التقاعس والإهمال والتواطؤ من جانب الجهات الحكومية ذات الصلة والمسئولة عن الحماية الصارمة لحق الدولة.
والغريب أن الأمر لا يحتاج إلي تشريعات جديدة ويكفي أن نلقي نظرة عابرة علي المادة 42 من اللائحة التنفيذية للقانون 143/81 التي تنص بوضوح علي أن »يكون استغلال الأرض عن طريق تأجيرها عاديا أو تأجيرها بقصد التملك لمدة ثلاث سنوات فإذا ثبتت الجدية في الاستصلاح خلالها تملك الأرض المستأجرة بقيمتها قبل الاستصلاح والاستزراع مع خصم القيمة الإيجارية المسددة من ثمن الأرض، وإذا لم تثبت الجدية اعتبر عقد الإيجار مفسوخاً من تلقاء نفسه دون الحاجة إلي إجراءات وتسترد الأرض إداريا من مَنْ كان قد استأجرها ويستثني من ذلك المستثمر الذي يقوم بإيداع القيمة الكلية للمشروع المعتمد من الجهة المختصة والمخصص له المساحة المبيعة في أحد البنوك بجمهورية مصر العربية المعتمدة لدي البنك المركزي كرأس مال يخصص للصرف منه علي المشروع ويحرر عقد البيع فور إيداع هذه القيمة علي ألا تتجاوز المدة ثلاث سنوات من تاريخ عقد البيع«.
ومن هذا النص يتبين أن المسئولين بالهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية بقطاعات الملكية والتصرف والمتابعة الميدانية مسئولون مباشرة عن جميع المخالفات التي مكنت المستثمر من التعدي علي أملاك الدولة واغتصابها ومخالفة العقود الموقعة مع الهيئة وتغيير الغرض والمتاجرة بأملاك الدولة وبيعها لأجانب وما ترتب علي ذلك من آثار.. وهي كلها جرائم جنائية في حق المال العام لا تسقط بالتقادم وتستوجب المحاسبة الجنائية.
* * *
والآن.. ولسبب ما استيقظت بعض الجهات الحكومية ذات الصلة من سباتها العميق.
وأحد أهم هذه الجهات هو وزير الزراعة أمين أباظة الذي بدأ في مطالبة بعض »الحيتان« بحق الدولة.
وأظن أن هناك كثيرين لن يغفروا للوزير هذه »الجرأة« علي مقامهم الرفيع ووضع يده في عش الدبابير.
لكن المسألة ليست مساندة الوزير، أو عدم مساندته، وإنما هي ــ في النهاية ــ هي: هل ندافع عن إرثنا المشترك الذي هو أرض مصر، أم نتركه »سداح مداح« ليتلاعب به المضاربون والباحثون عن الربح السريع الذي يبلغ أضعافاً مضاعفة من أرباح تجارة السلاح وتجارة المخدرات!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحية للسيد سعد هجرس
محمود ( 2010 / 7 / 7 - 01:07 )
وللسيد امين اباظة نقول له من العراق ليس المهم ان تطالب وانما الاستمرار من اجل نزع الحق من مغتصبيه واعادته للشعب المصري الجميل انهم عصابات كعصابات الحكومة العراقية استولوا على كل شيئ جميل وتركوا المعانات والفقر والمرض للشعب المصري والعراقي والسوداني وباقي الشعوب الاسلاميةالتي جعلوها تعتاش من الغيبيات

اخر الافلام

.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي


.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي




.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-