الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفرانكفونية: إيديولوجية استعمارية في عهد ما بعد الكولونيالية - 3- الفرانكفونية في المغرب العربي - تابع-

إدريس جنداري
كاتب و باحث أكاديمي

(Driss Jandari)

2010 / 7 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


و إذا كانت تونس بورقيبة تعتبر (منارة) شامخة للفرانكفونية في منطقة المغرب العربي؛ فإن الاختراق الفرانكفوني لم يتوقف عند الحدود التونسية؛ بل عم كل دول المغرب العربي –باستثناء ليبيا- و ذلك رغم بعض الفوارق بين هذه الأقطار؛ بحيث ساهمت الحركة الوطنية في المغرب؛ كما ساهمت حركة التحرير الوطني في الجزائر؛ و هما حركتان تختلفان عن النموذج التونسي البورقيبي؛ من حيث امتدادهما العربي و الإسلامي. ساهمت الحركتان معا في الحد نسبيا من التجذر الفرانكفوني؛ على الأقل بعيد الاستقلال .
ففي المغرب اتحدت كل القوى الوطنية في صف واحد؛ وواجهت كل المخططات الفرانكفونية؛ التي كانت تستهدف الامتداد العربي الإسلامي للمغرب؛ و قد تجسد الوعي الوطني المقاوم خلال صدور الظهير البربري؛ الذي يقسم المغرب إلى مناطق عربية و مناطق بربرية؛ و ذلك بهدف الاستفراد بالبربر؛ و إلحاقهم ثقافيا؛ و من ثم سياسيا و اقتصاديا بفرنسا .
و قد كان المدخل ثقافيا و لغويا؛ من منظور القضاء على الثقافة و اللغة العربية في هذه المناطق؛ و فصلها في الأخير عن الوحدة المغربية؛ تطبيقا لخطة (فرق تسد).
و إذا كانت فرنسا قد فشلت في المواجهة الشعبية؛ التي كانت تقودها الحركة الوطنية المغربية؛ فإن توجهها كان نحو التعليم؛ باعتباره مجالا خصبا لزرع بذور الفرانكفونية؛ و كان التركيز هذه المرة على اللغة؛ باعتبارها مسكن الكائن –كما يقول هيدجر- و ذلك من خلال محاربة اللغة العربية في المدارس؛ و تعويضها باللغة الفرنسية .
يؤكد (جورج هاردي) مدير التعليم في المغرب؛ خلال المرحلة الاستعمارية؛ على فرض اللغة الفرنسية كلغة أساسية في المدارس: " أما عن المواد العامة التي ستتخلل هذا التعليم التطبيقي؛ فهي بطبيعة الحال؛ اللغة الفرنسية؛ التي بواسطتها سنتمكن من ربط تلامذتنا بفرنسا؛ و التاريخ الذي يجب أن يعطيهم فكرة عن عظمة فرنسا" (5)
إن اللغة الفرنسية في اعتبار (هاردي) هي أكثر من لغة للتدريس – بالمعنى الديداكتيكي- البيداغوجي- إنها إيديولوجية؛ تعمل على ربط المغاربة بفرنسا و بتاريخها العظيم/المجيد ( ومن هذه الأمجاد و العظمة؛ الاستعمار الألماني لفرنسا؛ و دخول هتلر إلى قصر الإليزيه و إلقاء خطابه التاريخي) !!!
إن اللغة الفرنسية هي سلاح المعركة –إذن- و لربح الرهان؛ لابد من حسن استعمال هذا السلاح؛ حتى و لو تطلب الأمر اقتلاع الشعوب و الأمم من امتدادها الحضاري؛ و الرمي بها في مزابل التاريخ؛ إن الغاية تبرر الوسيلة –حسب جورج هاردي- .
وفي السياق نفسه؛ عمل المقيم العام الفرنسي بالمغرب (الجنرال ليوطي) على ترسيخ هذا التوجه، من خلال دوريته الشهيرة التي أصدرها بتاريخ 16/6/1921 حول لغة التعليم بالمغرب؛ إذ يقول: " من الناحية اللغوية علينا أن نعمل مباشرة؛ على الانتقال من البربرية إلى الفرنسية ... فليس علينا أن نعلم العربية للسكان؛ الذين امتنعوا دائماً عن تعلمها، إن العربية عامل من عوامل نشر الإسلام؛ لأن هذه اللغة يتم تعلمها بواسطة القرآن؛ بينما تقتضي مصلحتنا أن نطور البربر خارج نطاق الإسلام " (6).
إن نفس الطرح السابق؛ هو الذي يحضر مع ممثل السياسة الفرنسية في المغرب؛ الذي أقام دعائمها؛ و قد كان طرحه طرحا فرانكفونيا خالصا؛ ينطلق من اللغة و الثقافة كعامل أساسي لترسيخ السياسة الاستعمارية .
و قد كان لمذكرة (ليوطي) هذه صدى واسعا عند منظري الحركة الاستعمارية؛ الذين ساندوا هذا الطرح؛ باعتبار اللغة الفرنسية سلاح المعركة الاستعمارية. و في هذا السياق نشر (موريس لوجلي) مقالة يدافع فيها على طرح ليوطي و جورج هاردي. يقول الكاتب: " والمشروع يفرض أن يتم تطوير سكان الجبال باللغة الفرنسية المعبرة عن فكرنا، سوف يتعلم السكان البرابرة اللغة الفرنسية؛ وسوف يحكمون بالفرنسية... علينا أن نُقلع في كل مكان عن الحديث باللغة العربية، وإعطاء الأوامر بالعربية إلى قوم هم مجبرون على فهمنا وإجابتنا.. ولذلك ينبغي العمل قبل كل شيء على تحويل مصالح الشعب المغربي في اتجاه مصالحنا نحن، وأيضاً تحويل مصيره إن أمكن، وليس هذا بدافع عاطفي محض، ولكنه بدافع فهم واضح للهدف المبتغى، والنتائج المتوخاة لصالح قضيتنا" (7).
إن الهدف المرسوم؛ من خلال مجموع هذه الآراء بمختلف اهتماماتها؛ يسير في اتجاه فرض اللغة الفرنسية؛ كامتداد للحركة الاستعمارية؛ حيث يتم من خلالها استعباد الشعب المغربي؛ عبر انتزاعه من جذوره التاريخية و الحضارية؛ المرتبطة بالامتداد العربي الإسلامي.
و هذا ما يعبر عنه صراحة و من دون مواربة؛ المستشرق الفرنسي(جود فروي ديموبين ( 1862 – 1957) Gaudefroy-Demombynes.R:
( وهو أحد المُنظِّرين لاستعمار المغرب العربي) " يجب أن تُسَخَّر كل الوسائل التي تحت سلطاننا لمقاومة زحف العربية والإسلام" (8). لقد وضع الاستعمار الفرنسي –إذن- خطة محكمة للسيطرة على المغرب؛ و انتزاع الشعب المغربي من جذوره الحضارية؛ استعدادا لربطه بالمصالح الاستعمارية.
و قد لعب الطرح الفرانكفوني؛ الذي يقوم على الاستعمار الثقافي و اللغوي؛ لعب دورا خطيرا في تمكين قادة الاستعمار من تنفيذ الكثير من خططهم؛ و قد لاحظ الدكتور (عبد العالي الودغيري) في بحثه القيم حول (الفرانكفونية و السياسة اللغوية والتعليمية بالمغرب)؛ لاحظ أن التغلغل الفرانكفوني تجاوز التعليم إلى مجالات أخرى؛ ضمن خطة محكمة؛ للهيمنة على المغرب. فمن المدرسة الفرنسية و جهازها التعليمي؛ إلى الكنيسة المسيحية؛ و إدارة الشؤون الأهلية؛ و ضباط الاستعلامات؛ و ضباط الجيش؛ و مؤسسات البحث الجامعي؛ ووسائل الإعلام. و كان الهدف هو إضعاف المغرب و التشكيك في كيانه و حضارته و هويته؛ و استغلال عناصر التعدد الثقافي؛ من لغة و عادات و أعراف؛ لضرب وحدته و تلاحمه " (9) .
و من هذا المنظور يخلص (محمد الفاسي) إلى خلاصة أساسية: " عندما استولت سلطة الحماية على مقاليد الحكم في بلادنا؛ كان كل ما أحدث بالمغرب؛ من ألفه إلى يائه على النمط الفرنسي؛ و باللغة الفرنسية ؛ و بالأساليب الفرنسية" (10)
و هذا – بالطبع - لا ينطبق فقط؛ على المرحلة الاستعمارية؛ بل يتجاوز ذلك إلى مرحلة الاستقلال؛ حيث تم تحقيق استمرارية المشروع الاستعماري بنسبة كبيرة؛ سواء في المغرب أو في الجزائر و تونس؛ إذ تحققت الهيمنة الفرانكفونية على جميع القطاعات الحيوية؛ في التعليم و في الإدارة و الجيش ... و هذا ما مكن فرنسا من تحقيق استمرارية مشروعها الاستعماري؛ الذي تحطم على يد الحركات الوطنية المقاومة؛ في جميع أقطار المغرب العربي؛ و تم إحياؤه من جديد على يد أذناب الفرانكفونية؛ الذين يشكلون الساحة الخلفية لفرنسا في مستعمراتها السابقة.






الهوامش:

5- M.g.hardy : le problème scolaire au Maroc – Casablanca – imp. rapide-1920.
6- د. الحسن مادي – السياسة التعليمية بالمغرب و رهانات المستقبل- منشورات مجلة علوم التربية- ص: 22
7- نفسه – ص: 23
8- عبد العالي الودغيري- الفرانكفونية و السياسة اللغوية و التعليمية الفرنسية بالمغرب – كتاب العلم – السلسلة الجديدة- الرباط- ط- 1993
9- نفسه ص: 8
10- محمد الفاسي – التعريب ووسائل تحقيقه- ضمن مجلة الأصالة- ع: 17-18 – نونبر/دجنبر – 1973 – ص: 76-77








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هنية: حماس والفصائل جاهزة لإبرام اتفاق يتضمن وقفا دائما لإطل


.. مؤتمر صحفي في ختام أعمال قمة سويسرا بشأن السلام في أوكرانيا




.. الحرس الثوري أعلن في وقت سابق عدم التدخل في انتخابات الرئاسة


.. انتخابات الرئاسة الأميركية.. في انتظار مناظرة بايدن وترامب ا




.. جيك سوليفان: وسطاء من مصر وقطر يعتزمون التواصل مع حماس مجددا