الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بوق الصباح

احمد حسين

2010 / 7 / 6
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


العنوان جزء من ذاكرة مريرة تنهش أرواح الأعم الأغلب من العراقيين الذكور تحديدا، الذين دفعوا رغم أنوفهم ضريبة فادحة عن هذه الذكورية التي لا يد لهم في تكوينها ولا خيار، بل أنها جاءت نتاج تزاوج قسري في أغلبه بين رجل وامرأة شاءت الأقدار أن ينجبوهم في بلد توالت على حكمه أنظمة استبدادية وحكام سفاحون حولوا الرجال إلى مشاريع موت دائم في حروب رعناء جميعها خاسرة والنساء خطوط إنتاج بشري لإدامة العسكرتارية المتغلغلة في هذه الأرض.
بوق الصباح ما زال يزعق في آذان كل من ساقه حظه العاثر إلى جحافل التجنيد الإجباري أو الاختياري، أنه النعيق الذي كان يوقظنا كل صباح في المعسكرات لنقف في صفوف خاوية متراصة في ساحات العرضات لكي يؤكد البعض منا حضوره اتقاءا لشر ذوي البيريات الحمر والبدلات الزيتونية، فيما يعلن البعض الآخر تمرده واحتجاجه الصامت بالغياب أو الهروب، نافخ البوق لم يكن معنيا بحضور من يحضر وغياب من يتغيب فهذا أمر يتولاه آمر الوحدة وضباطها، خاصة وأن الحاضر لا يكافأ والغائب لا يعاقب إذ الأموال تجب ما قبلها، لذلك لم نشعر يوما أن المبوق أكثر عسكرتارية من أمراء الوحدات وضباطها.
بعد التاسع من نيسان تغير الكثير من الأمور حتى المبوقون تغيروا، لكن نحو الأسوأ، وأصبح العديد منهم أشد صرامة في عسكرتاريتهم من ضباط الصف وعلا فحيحهم على صوت البوق نفسه، فضلا عن أنهم تناسلوا في مؤسسات الدولة بطريقة أميبية بعد أن كان حضورهم محصورا بالثكنات والوحدات العسكرية، لكن الفرق بين هؤلاء وأولئك يكمن بأن التبويق في السابق كان وظيفة يؤديها البعض للتملص من مسؤوليات وواجبات أخرى في حين بات الآن حرفة حمى وطيس التنافس والتنابز فيها إلى حد الخنوع والذلة.
المبوقون الآن يفصلون هندامك ويزوقون مظهرك ويشذبون لسانك ويصفونك في صفوف العرضات الحكومية لرسم صورة لم تخطر على قلب مرؤوسيهم ولا أظن أحدا منهم طمح إلى ملمح بسيط من ملامحها، إلا أن النفاخين بادروا من تلقاء أنفسهم لإظهار مؤسساتهم بشكل يرضي كل الأذواق ويبز كل الأبواق حتى تناسوا أن إرضاء الناس غاية لا تدرك فكيف إذا كان هؤلاء الناس هم العراقيون الذين لا يرضون حتى عن أنفسهم؟.
الخلل الذي يعاني منه العراق الجديد ويحول دون انتقاله من المركزية الحزبية الاستبدادية إلى دولة مؤسساتية لا يكمن في عدم استجابة المواطنين لهذا التحول أو هضمهم للمنظومة الفكرية التي تحولت بالأنظمة الغربية إلى دول مؤسساتية، بل أن العثرة التي تعرقل هذا التحول هي رؤساء المؤسسات الحكومية أنفسهم، فالمواطن غير معني بالتحولات السياسية ما دامت لا تهدد أمنه وحريته ومصادر دخله ولا يهتم بالنظم الفكرية المؤسساتية طالما تلبي احتياجاته، لكن المعني الأكبر هم من أسميناهم بالمبوقين فهم الأكثر تضررا من هذه التحولات والأشد تمسكا بالشخصنة والحزبنة التي قفزت بهم إلى حيث هم الآن، سواء عن طريق صفقات سياسية أو بما أجرته بعض المؤسسات من انتخابات شكلية في حلقات ضيقة وبنتائج محسومة قبل بدء الاقتراع.
قد لا نحصي أعداد من امتهنوا التبويق والمهادنة في العهد المباد لكننا شهدنا العديد منهم وهم يغتسلون بمياه الحرية من أدران تلك المهنة كذلك نعرف من لم يلقي بثوبه الخليع في مزبلة التغيير بعدما ما طمأنه السيرك السياسي على سلامة مكتسباته شريطة أن لا يغادر مهنته ويجدد تجربته في العهد المعاد، ومن بين هؤلاء نجد من يحمل بيده بوقا سياميا يرضي به كل الأطراف والاتجاهات وباليد الأخرى يرفع عصا بوجه كل من تسول له نفسه التطاول على ذوي المقام الرفيع، فتراه يكافئ هذا لا تملقه ويتوعد ذاك على تجرئه ويكمم من تغريه حرية التعبير، حتى بات مقصلة رقابية لا ينجو منها أحد.
بوق الصباح ينحدر بنا يوما بعد آخر إلى حيث ينتهي صداه في حفرة لا يعلم عمقها أحد سوى النافخ ولربما هو أيضا لا يعلم طالما لا يطاله الانزلاق في غياهب الجب الذي حفره، وهو يعيد إنتاجه نفسه ويهجنها كلما جد جديد لتتلون بحسب بما تشتهي أنفس أولي الأمر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ابواق الانفجارات
وسام صابر ( 2010 / 7 / 6 - 21:15 )
ذكرياتنا مع الحروب والابواق ما زالت حاضرة مع كل انفجار ومع كل ضحية ,ليتنا نحضى بايام سلام وامان لكي يتسنى لنا ان ننسى ابواق الماضى والحاضر تحية للكاتب على وصفه الذكي والصادق

اخر الافلام

.. -تشاسيف يار-.. مدينة أوكرانية تدفع فاتورة سياسة الأرض المحرو


.. ناشط كويتي يوثق آثار تدمير الاحتلال الإسرائيلي مستشفى ناصر ب




.. مرسل الجزيرة: فشل المفاوضات بين إدارة معهد ماساتشوستس للتقني


.. الرئيس الكولومبي يعلن قطع بلاده العلاقات الدبلوماسية مع إسرا




.. فيديو: صور جوية تظهر مدى الدمار المرعب في تشاسيف يار بأوكران