الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فيما العرب مكانك سر الآسيويون يتجاوزن ثورة المعلوماتية إلى -النانوتكنولوجي-

عبدالله المدني

2004 / 8 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


ثمة حقيقة لا جدال فيها هي أن نسبة المتعاطين العرب مع منجزات الثورة التكنولوجية في مجال المعلوماتية متواضعة ، ليس قياسا إلى الآخر الغربي ، وإنما أيضا إلى الآخر الآسيوي. والأمر من هذا هو أن ضمن هذه النسبة المتدنية هناك شريحة واسعة ممن يسيئون استخدام هذه المنجزات التي لم تساهم فيها بلدانهم و شعوبهم بمسمار واحد ، بمعنى أنهم يستثمرونها في التحريض والشتم والإساءة ونشر التوافه بدلا من توظيفها في رفد عقولهم وأنشطتهم بعلوم العصر والمعلومات الغائبة عما يدور في الكون من حراك غير مسبوق شكلا و مضمونا.

وبينما هذا هو حال العالم العربي ، نجد أن الشرق الآسيوى ، ولا سيما اليابان وكوريا الجنوبية و تايوان والصين والهند ، قد تجاوز هذه الثورة – بعدما ساهم فيها بنصيب وافر واستوعب خفاياها وأنتج وسائطها ووظفها خير توظيف لصالحه- إلى ثورة معرفية أخرى هي ما يعرف بالنانوتكنولوجي الذي وصفه الرئيس التايواني تشين شوي بيان مؤخرا بالنجم الصاعد في عوالم آسيا.

وهكذا، فان الفجوة الحضارية والمعرفية الفاصلة ما بين العرب والآسيويين - دعك من الغرب- لئن كانت حتى الآن تقدر بعدة عقود من الزمن ، فإنها مرشحة في القادم من الأيام للاتساع لتصل إلى قرن أو أكثر، خاصة في ظل الجمود المعرفي المسيطر على عالمنا واستسلام شعوبنا للخرافات والغيبيات والشعارات والمماحكات وهيمنة السياسة والموروث على العقول ، بل في ظل ظاهرة آخذة في النشؤ والانتشار وفحواها تخلي الكثيرين عن تخصصاتهم العلمية المطلوبة والاشتغال في الدعوة والمناظرات الفقهية على اعتبار أن الأول لن ينفع صاحبه في الآخرة وان الثاني هو الذي سينقذه يوم الحساب. وهذا لعمري حالة مشابهة ومتقاطعة مع ما حدث في نهايات الدولة العربية الإسلامية في القرن التاسع الميلادي وكان سببا في تراجعها وانهيارها ، وذلك حينما استبدل مفكرو وعلماء ذلك العصر المزدهر ريادتهم للعالم في العلوم والمعارف بتوجيه طاقاتهم نحو المناظرات الشرعية.

لكن ما هو النانوتكنولوجي هذا؟
كلمة نانو هي في الأصل مصطلح يوناني خاص بقياس الجزء من البليون. فمثلا النانومتر ليس سوى جزء من البليون من المتر. أما أول من استعمل مصطلح "نانو تكنولوجي nanotechnology" فهو عالم الفيزياء الياباني "نوبوهيكو تانيغوتشي" وذلك في عام 1974 ، أي بعد نحو 15 عاما من تبشير العالم الأمريكي النوبلي "ريتشارد فينمان" بإمكانية ، بل ضرورة الاعتماد على التقنيات متناهية الصغر وتوظيفها في ميادين العلوم المختلفة. ويعرف تانيغوتشي النانوتكنولوجي بأنه خلق تقنيات قادرة على تحقيق درجات عالية من الدقة في وظائف وأحجام وأشكال السلع والأجهزة ومكوناتها. وبعبارة أخرى هو التحكم في وظائف الأجهزة والأدوات المستعملة راهنا في ميادين الطب والصناعة والهندسة والزراعة والعقاقير والاتصالات والدفاع والفضاء وغيرها ، من خلال اختزال مكوناتها في شرائح صغيرة تؤدي نفس الأغراض لكن بدقة اكبر ، مما يعني تحويل هذه الأجهزة والأدوات والسلع إلى أحجام وهيئات اصغر حجما وأكثر مرونة في الاستعمال والنقل والتخزين. ومن هنا قيل أن النانوتكنولوجي هو علم التعامل مع أشياء اصغر من الصغر نفسه.

ومنذ منتصف عقد الثمانينات ، لوحظ وجود توجه جاد في الولايات المتحدة نحو الاهتمام بهذا العلم والإنفاق السخي على أبحاثه ، ظهر تجلياته في إقدام جامعات معروفة مثل ويسكونسن و مينيسوتا و ايلينوي وجامعة بورديو بولاية انديانا على إنشاء مراكز علمية متخصصة في أبحاث النانوتكنولوجي. وتوسعت دائرة الاهتمام بانخراط الحكومة الفيدرالية في الميدان عبر تخصيص ميزانية سنوية لأبحاثه ، وظهور مؤلفات عديدة تشرح ماهية النانوتكنولوجي وتبشر بثورة معرفية جديدة وتدعو الشركات الكبرى للاستثمار فيه. وطبقا للإحصائيات المتوفرة ، فان الولايات المتحدة أنفقت في العامين الماضيين وحدهما ما مجموعه بليون ونصف البليون من الدولارات على تطوير الأبحاث في ميدان النانو تكنولوجي. وهناك اليوم 400 شركة أمريكية من اصل 1700 شركة في العالم منخرطة في هذا المجال الذي يقال أن بامكانه أن يطرح منتجات وخدمات تصل قيمتها إلى تريليون دولار بحلول عام 2010 والى تريليوني دولار في عام 2015 ، وبما يرفع من حجم الناتج المحلي العالمي بنسبة 10 بالمئة.

ومثلما حدث في ثورة تكنولوجيا المعلوماتية والاتصالات التي حققت فيها آسيا مكانة متقدمة وأرباحا خيالية ، فان اليابان وقوى آسيا الكبرى ونمورها مهتمة بالثورة المعرفية الجديدة كيلا لا تجد نفسها متخلفة عن الركب لصالح الغرب ، بل أنها انخرطت عمليا في الميدان بأمل الاستفادة من الفرص التجارية الواعدة والأرباح والدخول الكبيرة المنتظرة ، خاصة وأنها باتت تملك قاعدة علمية لا يستهان بها وجيوشا من العمالة المدربة الرخيصة ، ناهيك عن هيمنة عقيدة العلم النافع والعمل الخلاق وثقافة الطموح على مجتمعاتها. حيث لوحظ فيها تخصيص المزيد من المبالغ للإنفاق على أبحاث النانوتكنولوجي في السنوات الأخيرة. ورغم أن هذه المبالغ لا تقارن بما استثمرته وتستثمره الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي ، كنتيجة لضعف مساهمة الشركات الخاصة ( باستثناء حالة اليابان) إلا أنه لا يمكن الاستهانة بها.

وتأتي اليابان ، بطبيعة الحال ، في مقدمة الدول الآسيوية المهتمة بالنانوتكنولوجي. حيث أنفقت في عام 2001 على أبحاثه نحو 460 مليون دولار ، ليرتفع المبلغ في العام التالي إلى 630 مليون دولار مع توقع وصول إجمالي المبالغ المنفقة في عام 2004 إلى 875 مليون دولار. أما اقل الدول الآسيوية إنفاقا في هذا المجال فهي الهند التي لم يتجاوز ما أنفقته 26 مليون دولار. لكن الهند ماضية في حث شركاتها الكبرى على ولوج الميدان ، وفي الوقت نفسه تحاول الاستفادة من خبرات وإمكانيات علمائها المغتربين الأفذاذ ، ولا سيما العاملين منهم في الجامعات الأمريكية ووكالة ناسا الأمريكية لعلوم الفضاء من أمثال البروفسور سريفاستافا و البروفسور بهانسالي و البروفسور فاردان.

وما بين اليابان والهند ، نجد أن تايوان قد خصصت 1.6 بليون دولار للإنفاق خلال السنوات الخمس القادمة على أبحاث النانوتكنولوجي في ميادين الطب والمواد الأولية والآليات والالكترونيات والعقاقير.

وفي كوريا الجنوبية ، كانت حكومة الرئيس السابق كيم داي جونغ قد أعلنت في يوليو 2001 عن تخصيص ميزانية بحوالي 1.14 بليون دولار للإنفاق على الأغراض نفسها خلال عشر سنوات. ولا تقل جهود الصين أهمية عن جهود جاراتها الآسيويات. حيث تقول التقارير أن مخصصات الإنفاق على أبحاث النانوتكنولوجي حتى نهاية عام 2005 هي بليوني دولار ، وان نصف هذا المبلغ ساهمت به الشركات الصناعية الخاصة.

والسؤال الذي يطرح نفسه بعد هذا العرض ، هو أين العرب من كل هذا الحراك العلمي الهائل الهادف إلى خدمة البشرية؟ و كم خصصت دولهم للإنفاق على البحث العلمي؟ أم أن الموضوع لا يستحق اهتماما طالما أن الآخر "الكافر" يجتهد ويفك الطلاسم ويوفر المطلوب بالسعر المناسب في الأسواق مثلما حدث في ثورة المعلوماتية والاتصالات، وقبلها في ثورة وسائط النقل والأجهزة الالكترونية؟


باحث أكاديمي وخبير في الشئون الآسيوية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قلق في معسكر الديمقراطيين.. و25 نائبا يحذرون بايدن من -الترن


.. انتخابات 2020 تسجل رقما تاريخيا.. -التبرعات- حجر أساس الحملا




.. لبنان يشكو من التشويش المستمر على تطبيقي GPS و google maps


.. الجيش الإسرائيلي يأمر بإخلاء خان يونس




.. ياسين اليحياوي: -المجازفة قد تكون الطريق للريادة..-