الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مونولوج لابنِ الجبابرة *

يحيى علوان

2010 / 7 / 8
الادب والفن


لِمَنْ تَنشُرُ ، يا زهرَ البرتقالِ ، عِطرَكَ في الليلِ خِلسَةً ، وهناكَ إلـهٌ وسيمٌ مُطَوَّقٌ
بالقيدِ إلى جبلٍ ؟
لِمَنْ تُنشَرُ الأشرعةُ ما دامت الريحُ قد ماتَتْ مُذْ صُلِبَ "ربُّ الصمتِ" على القفقاس ؟
لِمَنْ ...... ولِمَنْ ....!
.......................
لا زيتَ في قنديلِ بروميثيوس ... فليَستحي القمرُ ، وليَنْخَسِفْ ! ما دامَ "ربُّ النورِ "
سجينَ الدُجى ...
لاشيءَ سوى وحشةٍ مُلتاعَةٍ لمصلوبٍ على مذبحِ "اللعنة "..! عَجَزَ عن هَدهَدَةِ خيبته
في مَتاهَةِ اللاجواب ، مُنسَحِقاً تحتَ أثقالِ "لماذا؟" وصمتِ "لماذا؟ "
لكنَّ الوُجومَ المُصاحِبَ لـ"لماذا " لنْ يكسرَ سيفَ الأسئلةِ العطشى لجوابٍ ...
أَتُرى أَنْ لا مَفَرَّ من " القيد "! كي تظلَّ أسئلةٌ دونَ جوابٍ ويقينٍ .. فتمضي الحياةُ
في البحثِ ، ليس عن أَجوبةٍ فقط ، بل كذلكَ عن أَسئلةٍ جديدةٍ ... ؟!

* * *

طاعـنٌ في الغربةِ ، مُترَعٌ بأحزانِ الحنين ، أخشى أن يتسلّلَ أحدٌ إلى ما تحتَ قناعي
فيُعرّي أحزاني ويخلع ذاكرتي .. يُدحرِجها تحتَ عجلاتِ السيارات المخبولة ، تنهشُ
بلاطَ الشوارعِ ، تصمُّ الآذانَ بزعيقِ فراملها المفاجئة .. تُطيِّرُ خيامَ كوابيس الصحـو
، تآلَفَتْ معي من طرفٍ واحـد ..!
....................
رثّةٌ كالزمنِ ... مُدُنٌ يرعى فيها الموت ،
يأمُركَ أن تُقَبِّلَ سلاحَـه وتَلعقَ حذاءه ، تُتَوِّجُه مَلِكاً في شوارعِ القمامة والجثث ...
جنونٌ يلِفُّ الكل .. حزنٌ ، كحزنِ شهرزادَ ، تّقُصُ حكاياها على شهريار المتخَمِ بالضجر ...

كـلَّ هذا سأزفُّـه للنسيانِ ، كـي أستعيدَ صَحـوي ، فأقدَرُ على الموت ..

* * *

من الرمـادِ ، أُلملِمُ روحي .. وأرمي مِطرَقَـةَ التفاصيلِ اليومية المُمِلَّة ،
سأكسرُ مِنجلَها (التفاصيل) يُقطِّعني ، بحافته المُسنّنة ، رويداً ، رويداً ، ويُذريني مِزَقـاً
منثورةً فوق زَقّورة عَكَركوف ، حيثُ يُلَملِمني ماعزٌ تاه عن قطيعه ..
فأروحُ أزحفُ وظلِّي .. حتى بلادٍ ، ما زالَ بروميثيوس مصلوباً هناكَ على جبل القفقاس
يَدفعُ "الدِيَّـةَ " عنّا أَبَـدَ الدهر .. !
يشهقُ لأنيسٍ ، يَطرُدُ عنه غُبارَ الوحشةِ ويَهُشُّ الكواسرَ عن كَبِدِه ..
سأرفَعُ قناعي ، أَمسحُ دمعي .. وأُطلِقُ أُسارَ حنيني المجنونَ لما وراء المغاليقِ ..
مثلَ سنونو أَضاعَ ربيعَه ، فراحَ يحرثُ السماء ، مُنمنَمَةً بنجومٍ فرادى ...
ستتقَطّعُ حبالَ صوتي ،
كأنَّ للعتمةِ نافذةً تُطِلُّ عليَّ .. وراءها قنّاصٌ يحسِبُ خطوَتي ، فلا أدري في أيَّةِ خطوةٍ
سيشُدُّ إصبَعه على الزناد .. ترتجِفُ الحياةُ في بَدَني ، تَخُضُّه خَضَّاً !
... أَفتدي مَنْ يُخَلِّصُني من إنفصامي ! فَرَحي برؤيته ، وكآبتي لِمُعاينَتِه على تلك الحال ..
وجهٌ غير مُسطَّحٍ ! يزدحم بالتجاعيد ، وسيمٌ فيه حفنَةُ غموض ... يُقفِلُ على النُطقِ ،
يحبِسُ الكلماتِ ، كيْ لا تَتَسَرَّبَ واحدةٌ خارجَ دهليزه المختومِ بالأسرار ..
أُداري خَجَلي منه ، بإفتعالِ حديثٍ .. لا يملِكُ إزاءه غيرَ حزنٍ مُقَمَّطٍ بصمتٍ يصرخُ
بلاغةً ، يوجعُني مثلَ سوطٍ ،
بائسٌ بكبرياء ، رَمَقني بنظرةٍ ، فيها كثيرٌ من السخريةِ وما يزيدُ من الإبهام ..
أَفهَمني بأنه ليس موضوعاً للفرجَةِ ، تَرَكني أَتَشَرنَقُ على حموضةٍ في معدتي ..
أَبتَلِعُ سرابَ محاولتي إيقاعه في فَخِّ حديثٍ ..
سوفَ أَخلعُ قناعي ، أَبصِقُ ضحكتي ، وأَسفَحُ دمعي عنده :
" مساءُ الحزنِ والوحشةِ ، يا بروميثيوس ... جئتُكَ أَقفزُ من جبلٍ إلى آخر ،
على رؤوسِ الأصابعِ كي لا أُوقِظَ الليلَ والعسَسَ ..
جئتُ أُغني لكَ ، ولا يَهمُّني إنْ قالوا أَنني أُحيكُ مؤامرةً !
سألصِقُ جُرحي بجُرحِكَ ، دونَ حكمةٍ أو طَلَباً لموعظةٍ ،
كي تَغفو قليلاً .. عَساكَ تلتقِطُ رؤوسَ أصابعِ حلمٍ ضَيَّعتَه منذُ دهور ..
هأنذا أقفُ عند تُخومِ صمتِكَ ، هَلُمَّ بنا نَصرخُ ، دونَ مجاملةٍ لآلامِنا ، علَّكَ تستعيدُ صرخَةً ضَيَّعتَها ...
هيَّا نُحرِّرُ صراخَنا الأخرَسَ .. بلغةٍ جديدة ..
إصرَخْ ، يا بروميثيوس !! إصرَخ !
كفاكَ تَتَطامنُ مع قيدِكَ !
سنصرخُ سويةً ، حتى يحظرَ أخوكَ الجبّارَ لِيفُكَّ قَيدكَ ...
::::::::::::::::::::::::
أنا جئتُكَ بـ"ابنة العنبِ " ... لِنرفَعَ سويةً نَخبَ أسخيليوس ، إفلاطون ، سقراطَ وأرسطو ..

نَتَأسّى لفيثاغورس ومُثلَّثِه ...
فأنا مثلُكَ ، أُحِبُّ النقطةَ المتحركةَ وأكره المثلَّثَ والمربَّعَ والدائرةَ ، وكلَّ ما هو مُغلَقٌ كالسجن ...
وأَتَأسّى للخطّينِ المتوازيين ، لأنهما يركضان أَبَدَ الآبدين دونما لقـاء ..!

..... لنْ ينفعكَ الأسفُ ، يا بروميثيوس ، فقد خرجَتْ الأمورُ من يَدِكَ ..

بفِعلَتِكَ صِرتَ كَمَنْ سعى للجحيم ، كَـيْ يُشعِلَ لُفافةَ تبغٍ ...!!
ها أنتَ تحتضرُ !
مفهومٌ أَنَّ الآلهةَ تموتُ في لحظةٍ ، لكنها تحتضرُ دهـراً ..
فالإحتضارُ ، وعيُ الموت ...
.........................
أعرِفُ نُبلَ غايتِكَ ، ولكنْ أما تَرَى ماذا تفعلُ الأضواءُ وحَلَباتُها ؟!
أَما تزالُ مُصِـرَّاً ، غيرَ نادمٍ على فِعْلَتِكَ ، يا صديقي ، مُصمِّماً على القبولِ بعقوبتِكَ
الأبـديّة ؟!
:::::::::::::::::::::::::
أَتدري ، يا صاحبي ، أَنَّ زيوس لَمْ يكنْ حانقاً كونَكَ سَرَقتَ النارَ للبشَرِ ، كما توَهَّمَ
المُفسّرونَ ، حتى اليوم ،.... إنما عاقَبَكَ على طيشِكَ ، وطيبتِكَ المجّانية ...

فماذا يفعلُ مِشعَلُكَ في غابةٍ جَفَّتْ ؟!
ماذا يُجدي لِمَنْ لا بصيرَةَ له ؟!
لِمَنْ لا يسمعُ طَقطقَةَ الطلعِ حينما يَنفَلِقُ ؟!
ولا همسَ أجنحةِ الفَراشِ للزهرِ ..؟!
تلكَ هيَ المسألةُ ، يا بروميثيوس !!
مُشكِلَتُكَ ، صَدِّقني ! ، أَنَّكَ لمْ تكنْ تَصلحُ لتكونَ إلهاً ، بلْ في أحسنِ الأحوالِ ، كاهناً
وفيِّاً ، طيِّباً في معبد اللحظة ... !!
نارُكَ إستنبَتَتْ في الناسِ وهمَ الإمساكِ بالظلِّ ، مثل وَتَدٍ ..!!
...........................
خطيئتُكَ ، يا بروميثيوس ، أنَّكَ جئتَ بريئاً كعيونِ السمك ..
نَويتَ أنْ تكونَ شمعةً تَطرُدُ الدُجى .. وإكسيراً يُحيِي المَواتَ ..
يُذيبُ صقيعَ الدنيا ، ..
يُصيِّرُ العُمرَ بَيدَرَ فَرَحٍ ليلةَ الحصاد ..
::::::::::::::::::::::::
::::::::::::::::::::::::
واهاً لك ! أَتُؤمِنُ بالنصيبِ ، يا بروميثيوس ؟!
" النصيبُ " ، هو ما ترسمه أنتَ ، أَنتَ وحدَكَ ... ما تختاره أنتَ ، وليسَ شيئاً مفروضاً عليكَ ...
لنْ أُطالِبَكَ بنَقدٍ ذاتيٍّ ! لأنّي أَعرِفُ أَنَّ آلهتَكُم لا تعرِفُ " النقدَ الذاتيَّ "، تماماً مثلَ
" آلهتِنا " !!
.............................
هكذا ، دخلنا حياةً مُستعارةً ، وأفراحاً مُستعارةً .. وما زِلنا ، حتى الساعةِ نتساءلُ :
أليسَ الإستقرارُ حياةً مُستعارةً أيضاً ؟!!
...........................
...........................
لكنّنا لنْ نبيعَ أرواحَنا للشيطان .. طالما تتناسلُ قبيلتُنا .. فنحنُ من قبيلةٍ لا يحترِقُ
شوقُها لمعرِفَةٍ جديدةٍ.. لِنَغَمٍ جديدٍ ..للونٍ جديدٍ .. لمفردةٍ ومعنىً جديدين ...
:::::::::::::::::::::::::::::
نحنُ مُطأطئو الرؤوس أمامَ أَعلامِنا " الوطنية " ،
ماذا نفعلُ ، لا باركتنا الآلهةُ ، غيرَ أَنْ نثورَ !!
........................
أعطَوْنا برلمانَ مُحاصصةٍ ، وأَخذوا الحرية ،
أعطوْنا الجوامعَ والمساجدَ ، وصادروا " الإيمان " ،
أَعطونا النُواحَ واللطمَ ، وسرقوا قُوتَنا ،
أَعطوْنا " الإئتلافَ الوطني " ، و" القائمة الوطنية " ، أناشيداً وطنية ، أحزاباً " وطنية "...
نفاياتٍ وطنية .. وستأتي " مُصالحة وطنية !" ... وتركونا بلا وطنٍ !!
حتى صَيَّروه مشروعاً ، ثُمَّ حُلماً .. فكابوساً .....
... فَصِرنا بشَراً "حلال " ، لأننا سنُذبَحُ على الطريقةِ "الإسلامية " !!!

:::::::::::::::::::::::::::::
:::::::::::::::::::::::::::::
طَمَرَنا " الأهلُ " بالعُزلةِ حتى الأعناق ، وقالوا : " لمصلحتِكُم ، كي لا تذروكم الرياح !!"
.............................
مَنْ قالَ اَنَّ ريشةً في مَهبِّ الريح أقَلُّ قيمَةً من مَحّارةٍ في قاعِ البحر ؟!!

... بِي شوقٌ ، يا بروميثيوس ، أَنْ أَسرُقَ ، أَرتشي ، فأهلي لا يستحقّون الحريةَ
والديمقراطية ..!!
فالكلُّ يسرقُ ، يكذِبُ .. ويشفِطُ مالَ الله والعباد ،
أَمّا أنا ، فأَنامُ وأَصحو في زنزانةِ حروفي ، مُتخَماً بكوابيسِ ديوني القديمة ، وفواتير
ديوني الجديدة ...

· تحكي ميثولوجيا الأغريق عن حربٍ طاحنةٍ وقَعت بين الجبابرة(Titans) وآلهة الأولمب
، إنتصر فيها الأخيرون بقيادة "أبو الآلهة " زيوس . من بين سبايا تلك الحرب كان أطفالٌ ،
تبنّى زيوس عدداً منهم ،كان (بروميثيوس) - ابنَ أحد الجبابرة – واحداً من بينهم .(ي.ع.)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نشرة الرابعة | السعودية.. مركز جديد للذكاء الاصطناعي لخدمة ا


.. كل الزوايا - د. محمود مسلم رئيس لجنة الثقافة والسياحة يتحدث




.. أون سيت - لقاء مع أبطال فيلم -شقو- في العرض الخاص بالفيلم..


.. أون سيت - هل ممكن نشوف إيمي معاك في فيلم رومانسي؟ .. شوف حسن




.. حول العالم | لوحات فنية رسمتها جبال الأرز في فيتنام