الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن صوفية عبد الكريم قاسم وتحدي الفساد المالي ..

جاسم المطير

2010 / 7 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


بمناسبة ذكرى ثورة 14 تموز :
عن صوفية عبد الكريم قاسم وتحدي الفساد المالي ..
جاسم المطير
الكثير يُكتب ، في هذه الأيام ، عن ظاهرة الفساد المالي والإداري والسياسي الضارب أطنابه في العمق والصمت العراقيين . كما أصبحت فعاليات (هيئة النزاهة) بتحقيق قضايا نهب المال العام مصدرا رئيسيا موثقا من مصادر البحث في أصول وجذور وفروع ما يسمى بــ(ثقافة الفساد) إن صح التعبير ، رغم أن وجود بعض إجراءات حكومية ساعدت في تهدئة قلق الفاسدين ، في الفترة الأخيرة ، بانتهاج سياسة عدم الحزم القانوني معهم .
كثير من قادة الحكومة يجدون أن الكتابة في هذا الموضوع أو أن قيام هيئة النزاهة بنشر بعض جرائم مرتزقة الحكم الجديد قد يتجاوز (الأخلاق السياسية) لبعض كبار الحكام من الوزراء والمدراء العامين خصوصا من المتدينين أو من المحسوبين على تنظيمات الإسلام السياسي لكن لا مانع لديها من نشر أخبار ما يتعلق بجرائم الفساد بفئات مختارة تتعلق بفساد موظفين صغار في المواقع الوظيفية الدنيا بالدولة لإظهار أن هناك إجراءات جادة لمكافحة الفساد .
لم يكن الفساد منتشرا في العهود السابقة كما هو حاله في الوقت الحاضر . الجميع من المسئولين وغير المسئولين في الحقبة العراقية الراهنة يعرف هذه الحقيقة . كانت أخبار الرشوة في العصر الملكي 1921 – 1958 تشكــّل مادة أدبية أو فنية في النشاطات القصصية والمسرحية ، حيث كانت الرشوة معروفة بنطاق واسع لتمشية معاملات المواطنين في دوائر الدولة بأنها (رشوة الواشر) . الواشر يعني في تلك الفترة (50 فلسا) وهي قطعة معدنية كمعدل وسطي يومي لرشاوى تلك الأيام يجري تداولها بين الراشي والمرتشي . إذا أردت الإسراع في انجاز معاملتك في دائرة ما من دوائر الدولة فما عليك إلا دفع (الواشر) ، أولا ً ، إذ بعد الدفع لا تحتاج معاملتك إلى مناقشات مع الموظف المسئول حول سرعة إنجازها ..! أما علاقة المواطن سائق السيارة المخالف لإشارات المرور ونظامه فأن ثالوث الرشوة( الواشر مع سيكارة واحدة وابتسامة رضا ) كفيل للخلاص من مشاكل الغرامات والعقوبات على السائق وعلى السيارة من ضابط أو شرطي المرور .
فلسفة (الواشر) أوجدت مقولات يعرفها الصغير والكبير من العراقيين . المرتشي صار يلقب في تلك المرحلة ، أي مرحلة النظام الملكي ، بلقب ( أبو الواشر ) وصار المثل الشعبي عن ( صدر الشرطي العراقي ) شائعا بين الناس لأن الشرطي المدخن لا يشتري علبة سيكاير بل يعتمد على ما (يتكرم) به المواطنون الذين يراجعونه لتمشية معاملاتهم لقاء سيكارة روثمان مني وسيكارة مارلبورو منك وسيكارة وأبو الجمل من شخص ثالث . هكذا يتنوع تدخين الشرطي بتنوع هدايا وإكراميات الرشاوى ليظل طول النهار والليل يكح بسبب تنوع دخان السيكاير في صدره ورئتيه مما جعل (كحة الشرطي) معروفة أسبابها بسبب تنوع السيكاير ذاتها .
هذا هو الشكل العام لحجم الفساد الذي صار ثابتا في الصورة الاجتماعية الموحية لكثير من آداب الطرفة والنكات . بالطبع هنا استثناءات كثيرة يتجاوز حجمها آلاف الدنانير في نطاق تعامل التجار ، خارج نطاق القانون ، مع موظفي الكمارك وتعامل الصناعيين والزراعيين والملاكين عموما مع الموظفين الحكوميين بنطاق يتجاوز أرقاما عليا من الرشاوى في اعتداء كبير صارخ على حقوق الناس والدولة مما جعل قادة ثورة 14 تموز حال نجاحها إلى التفكير بفتح صفحة جديدة في علاقة الموظف الحكومي مع المواطنين وقد اصدرت الثورة بعد شهر واحد فقط من قيامها أي في 16 آب 1958 قانون رقم 15 عن (الكسب غير المشروع على حساب الشعب ) وقد كان هذا القانون أوسع بكثير من مضمون الدعاية التي روجت لبعض قوانين وتعليمات صدرت في الفترة اللاحقة لسقوط نظام الفساد الشمولي في 9 نيسان 2003 .
في العام الماضي سمعنا وقرأنا عن (قرار حضاري هش) كان هدفه إعطاء الإحساس للمواطنين بــ(الأمان المالي) حين قدّم (بعض) الوزراء ، ليس كلهم ، تقارير عن ذمتهم المالية وما يملكون . كان رئيس الوزراء نوري المالكي المبادر الأول في تقديم تقرير ذمته . لكن الآلاف وربما الملايين من موظفي الدولة ابتداء من أكثرية الوزراء والمدراء العامين والسفراء ، لم يقدموا التقارير المطلوبة ، مؤكدين ، من الناحية العملية ، أنهم لا يريدون المشاركة بهذه الظاهرة الحضارية أو أنهم يشعرون أن تهديدا مستقبليا غامضا ربما يواجههم ، خاصة أولئك الموظفين الذين تفتقر أعمالهم وعلاقاتهم إلى النزاهة أو أولئك الذين انتقلوا ، بسرعة فائقة ، إلى العيش في بروج عاجية بعد أن كانوا بمستوى معيشة اللاجئين أو بمستوى معيشة متوسطي الدخل . لذلك فهم يمتنعون عن تقديم تقرير الذمة حتى لا يتعرضون إلى مساءلة أو محاسبة .
ثورة 14 تموز 1958 ألهمت الثوار ، خاصة الزعيم عبد الكريم قاسم ، بدوافع أخلاقية ليست دعائية ، لوضع حد لكل شكل من أشكال الثراء غير المشروع وللثراء الناتج عن الفساد المالي والرشوة من خلال( قانون الكسب غير المشروع) وهو القانون الذي يطلب جوابا عقلانيا موثقا على سؤال يقدم للوزراء والمدراء وكل الموظفين : ( من أين لك هذا ..؟ ) وهو السؤال النزيه الذي لم تستند عليه لجنة النزاهة ، في هذه المرحلة من تاريخ العراق المؤقت و القلق ، في عملها حتى الآن لأن أول شيء يكشفه هذا السؤال هو تمكين الدولة من السيطرة على أشكال الفساد وعناصره الرئيسية وعلى تنظيماته المافيوية السرية والحد من تصاعد نفوذها في الدولة والمجتمع .
إن هذا المنهج النبيل يجب استخدامه كوسيلة لوقف تخريب الاقتصاد العراقي و الزمان العراقي والإنسان العراقي . بمعنى استخدامه ، ليس مرة واحدة أو في نطاق ضيق أو من قبل أشخاص معدودين لغرض دعاية انتخابية أو دعاية شخصية ، بل يجب استخدام هذا المنهج باستمرارية لا تنقطع وأن تكون منسجمة مع مجموعة الأخلاق السياسية وأخلاق موظفي الدولة المؤتمنين على المال العام . كما يمكن الذهاب إلى ابعد من هذا بالقول : أن العمل بهذا المنهج هو ضرورة من ضرورات بناء الوجود النقي للشخصية العراقية التي يراد لها أن تخدم (مجموع الشعب) أي أن تكون (الوظيفة) تعني تكثيف (الجهود الخاصة) للمواطن الموظف بطريقة عقلانية مرتبة بنظام من اجل خدمة وتطوير (المنفعة العامة) للناس وليس التركيز على التمتع اللاأخلاقي بمكاسب المنفعة الخاصة للموظفين الذين نجد أمثالهم في العراق المعاصر وفي كل البلدان الفاسدة حيث الموظف (يجاهد) من اجل أن يمد حياته الخاصة بأشياء الرفاهية البورجوازية ..!
من هذا المنطلق جاءت المادة الأولى من قانون ثورة تموز رقم 15 لسنة 1958 قد شملت تطبيقه على ما يلي من الفئات العاملة بالدولة :
(1) على رؤساء الوزارات والوزراء .
(2) الحكام والقضاة .
(3) ضباط القوات المسلحة والشرطة .
(4) رؤساء وأعضاء مجالس إدارة المصالح العامة والمؤسسات والمصارف والشركات الرسمية .
(5) أعضاء مجلس الأمة (البرلمان) .
(6) أعضاء المجالس البلدية والإدارية وأمين وأعضاء مجلس أمانة العاصمة .
(7) كل موظف وعلى كل المستخدمين الذين يصدر بحق فئاتهم أو أصنافهم قرار من مجلس الوزراء .
لقد نص القانون أن على كل شخص مكلف بخدمة عامة ، بصفة دائمة أو مؤقتة ، أن يقدم خلال شهرين من تاريخ تعيينه وانتخابه إقرارا عن ذمته وذمة زوجته وأولاده القصر في هذا التاريخ يتضمن بيان ماله من أموال منقولة وغير منقولة وعلى الأخص الأسهم والسندات والحصص في الشركات وعقود التامين والحلي والمعادن والأحجار الثمينة وما له من الاستحقاق وما عليه من التزامات .
الحقيقة أن هذا القانون تضمن 23 مادة عن تفاصيل تنفيذ القانون والعقوبات بحق المخالفين . فهل كان العقل القانوني للمشرعين ، قبل أكثر من نصف قرن ، أكثر قدرة ومعرفة وموهبة من العقل القانوني لقضاة النزاهة عام 2010 في تعداد كيفية متابعة الذمة المالية للحاكمين وموظفي الدولة ..؟ لماذا رأينا خلال سبع سنوات من حكام لم يستطيعوا لا تطبيق القوانين لمحاربة الفساد والمفسدين ولا استخدام مبادئهم الدينية في فرض نظام النزاهة وأفكارها على المقربين منهم ومن أحزابهم ..؟
لماذا نظام العدالة مرتبك في العراق الديمقراطي ..؟
لماذا نظام النزاهة مرتبك إلى أقصى حد تحت علم ودستور ثيولوجينين ..؟
لماذا صارت حتى المرأة الموظفة ( المحجبة ) تخطط لسرقة 17 مليون دولار من أمانة العاصمة دون وازع من ضمير ومن دون حسيب ولا رقيب ..؟
ترى اين الخلل في مجتمع حضارة وادي الرافدين وعدم قدرته عن تخفيف العبء عن شعبه بتحقيق التقدم الاقتصادي بقيادة نظيفة ونزيهة ..؟ لماذا لا تكون النزاهة إحدى أهم المفاتيح الثقافية والأخلاقية لكتابة تاريخ عراقي جديد لا علاقة له بسلالة نظام صدام حسين المتميز بالقمع والسلب ..؟
من المؤسف أن المال العراقي العام لم يعد مقيدا أمام الشعب نفسه بقانون حقيقي. لا شك ان الحاجة ستدعو ، في الحاضر والمستقبل ، إلى اتخاذ وسائل رادعة لصيانة أموال الدولة والشعب خلال برنامج مفترض عند الوزارة القادمة ، التي يجب أن تكون ( النزاهة ) في حساباتها وتطبيقاتها أسمى من أي شيء آخر .
أن الجدل الواقعي عن رحيل الزعيم عبد الكريم قاسم وهو لا يملك ، لا رصيدا في بنك بالداخل ولا رصيدا بالخارج ، هو جدل ناصع البياض عن الإخلاص الوطني تحتاج كل الأحزاب الوطنية ، خاصة الأحزاب الدينية ، دراسته وتعميمه في هذه الفترة لكون مثل هذا الجدل أداة قادرة على اعتبار وجود النزاهة العراقية أمر ممكن وحتمي بالإرادة الوطنية الحق ، فقد كانت موجودة وقد وجدت لدى قائد عراقي ( عبد الكريم قاسم ) وممكن أن يكون لها وجود لدى قادة عراقيين آخرين . كما تظل حقيقة (بقايا الدينار العراقي) في جيبه ساعة إعدامه الغادرة موضوعا فريدا في الشخصية الوطنية ، المخلصة والمناضلة ، من اجل مصالح الشعب وليس من اجل المكاسب الشخصية غير المشروعة الظاهرة ، اليوم ، بوضوح وبالمطلق ، لدى غالبية الحكام والنواب والمدراء في عراق صار معروفا انه في أول قائمة الحكومات غير القادرة على حماية أموال الشعب بسبب تكريس ذاتها وطموحاتها للمنافع الشخصية لدرجة جعلت الكثير من الحاكمين يمجدون دولار هذا الزمان أكثر من أي شيء آخر ، لذلك لا يتركون فرصة دون حيازته بحماسة ثعلبية نموذجية .
أقول ختاما أن ( العلوم الإدارية والحسابية ) صارت في الدول الغربية الديمقراطية متطورة إلى الحد التي صارت آلياتها عارفة ، موضوعيا ، في كل خلل يصيب النزاهة ويعرض مالا للتلاعب أو الفساد . فمتى تكون الحكومة الوطنية في العراق قادرة على استخدام تلك العلوم في أجهزة الدولة ، خاصة وهي في العموم لا تخلو من عناصر وموظفين تهمل جميع العلوم الأخرى المطورة للدولة والإنسان والمجتمع ..؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بصرة لاهاي في 9 – 7 – 2010








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الكرف باللوريات
ابو فراس --السويد ( 2010 / 7 / 8 - 21:37 )
مقاله رائعه استاذ جاسم وكعادتك دائما -----ولكنى اقول بان الخلل ليست فى هذه المحجبه وانما بالسيد رئيس الدائره او كما يقال امين بغداد --لو كان امين بغداد امينا على بغداد حقا لما تجراءت هذه المحجبه من السرقه ولان السيد امين بغداد مشغول بالسرقه فان كل العاملين تحت ادارته مشغولون ايضا بالسرقه --وهذا هو حال العراق الان --الكل حراميه ولا واحد يخجل من الاخر --وساكرر لك اخى جاسم قصتى --انا مدرس متقاعد ولم يكن لى عند التقاعد 100 دولار والله شهيد على كلامى --وابنى اصبح شرطيا ولمده 6 اشهر واشترى سياره موديل 2010 --كيف هذا بالله عليك --هذا شرطى --اما رئيس الدوله او الوزير او امين العاصمه --الكرف باللوريات اخى ----تحياتى لك


2 - كافي شروكيات
سلام ( 2010 / 7 / 9 - 06:06 )
كم هي ثروة الملك عند مقتله وكم كانت ثروة عبد السلام عارف عند مصرعه وهل امتلك عبد الرحمن عارف غير داره في المأمون. كافي شروكيات

اخر الافلام

.. ترقب نتائج الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية المبكرة..


.. مفاوضات الهدنة.. ضغوط متزايدة على نتنياهو لقبول الاتفاق




.. الناخبون الفرنسيون يصوتون في الجولة الثانية من الانتخابات ال


.. اعتراض صواريخ في سماء جبل ميرون أطلقت من لبنان




.. قوات الاحتلال تقصف مدرسة العائلة المقدسة في غزة