الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وراء كل -نصر- .. ابتهال

سعد هجرس

2010 / 7 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


نصر حامد أبو زيد شخص استثنائي بلاشك، ليس فقط لأنه مفكر حر، وباحث متميز، وأكاديمي مرموق، ومجدد متمرد على الجمود والخرافة وعقلية القطيع، ومجتهد فى عصر أغلق باب الاجتهاد بالضبة والمفتاح وتنازل عن العقل والعقلانية.
نصر حامد أبوزيد شخص استثنائى ليس بسبب كل ذلك فقط.. وإنما أيضاً لأنه تماهى مع أفكاره، وتمسك بها فى وقت كان فيه المتشبث بما يعتقد أشبه بالقابض على الجمر، ودفع ببسالة منقطعة النظير ثمن شجاعته الفكرية، ولم يتراجع أو يتنازل، ولم يساوم أو يجبن، وتجنب فى نفس الوقت الوقوع فى فخ السجالات الاستعراضية والسفسطة الفارغة والملاسنات العقيمة، وأنكب على مواصلة مشروعه الفكرى التجديدى والتنويرى الذى يقتلع من الثقافة العربية والإسلامية جبالاً من التابوهات والرطانات التى تضع الخطاب الدينى فى خدمة التخلف والاستبداد بدلاً من أن يكون رافعة لتقدم الأوطان وحرية المواطنين.
ودفع نصر حامد أبوزيد الثمن باهظاً حيث حوله خصومه وأعداء مشروعه الفكرى من أكاديمى مرموق يستحق الدعم والمساندة والتشجيع إلى "متهم" فى قضية "حسبه" وكأننا فى العصور الوسطى ولسنا فى القرن العشرين (وقت محاكمته).
وفى ظل محاكمة أشبه بمحاكم التفتيش صدر حكم بالغ الغرابة بالتفريق بين نصر حامد أبوزيد وزوجته الدكتورة ابتهال يونس أستاذ الأدب الفرنسى باحدى الجامعات المصرية.
هذا الحكم لم يكن مجرد عقوبة مجحفة ضد شخص نصر حامد أبوزيد، وإنما كان طعنة للحرية الأكاديمية، ولحرية التعبير، ولحرية التفكير، ولحرية العقيدة، ولروح الدولة المدنية الحديثة.
ومع ذلك فقد استخف بعض خصوم نصر حامد أبو زيد بهذا الحكم المجحف، وزعموا أنه "مخفف" جداً وأن الدكتور أبوزيد– حسب ادعائهم – يستحق عقوبة أشد باعتباره "مرتدا" والعياذ بالله.
والحقيقة هى أن تهمة "الردة" فى حد ذاتها هى نوع من الأرهاب الفكرى، كما أن الحكم بالتفريق بين "أبوزيد" وزوجته حكم بالغ الاجحاف والقسوة، لأنه لا يعنى فقط إخراج الرجل من الدين (لأنه مبنى على التسليم بأن أبوزيد قد أنكر ما هو معروف من الدين بالضرورة وأصبح خارج الملة الإسلامية الأمر الذى لا يؤهله للاستمرار فى الزواج من امرأة مسلمة).
هذا الحكم الذى ينتمى إلى العصور الوسطى يعنى – فوق إخراج نصر حامد أبوزيد من الدين – إخراجه من دائرة الإنسانية أيضاً حيث يتم تجريده من أبسط حقوقه كانسان !
ورغم ذلك لم يستسلم نصر حامد أبوزيد، ولم يضعف بل واصل دراساته الرائعة التى تعتبر ثورة حقيقية فى علم المعنى وقراءة الخطاب الدينى ومفهوم النص الدينى.
ورغم عذابات المنفى "الاختيارى" الذى عاش فيه نصر حامد أبوزيد بعد صدور هذا الحكم العجيب لم يفقد الرجل حس الدعابة حيث دأب على القول أن "الأزمات التى مررت بها ساعدت على بيع وانتشار كتبى، فنظرة واحدة على مبيعات كتبى بعد الهجوم علىّ وقبله تؤكد أن من يهاجموننى هم الذين فى أزمة"!
***
هذه الصلابة التى نلحظها لم تأت من فراغ، بل أن لها جذوراً عميقة فى سيرة هذا المفكر الكبير، وظروف نشأته، ومراحل تكوينه الفكرى.
لكن لها دعامة أخرى لا تقل أهمية، هى زوجته الدكتورة ابتهال يونس.
ابتهال يونس مثلها مثل نصر حامد أبوزيد شخصية استثنائية.
فهى أستاذة جامعية وباحثة أكاديمية مرموقة، وفى نفس الوقت زوجة محبة ومخلصة بالغة "الجدعنة".
وقفت إلى جانب زوجها المتهم بالكفر، ولم يرهبها الحكم الصادر ضده، بل قالت على رءوس الاشهاد: "لو خرجوا علينا بمدافعهم الرشاسة لقتل نصر حامد أبوزيد لمنعتهم بجسدى".
رفضت باباء وشمم "نصائح" البعض الذين اقترحوا عليها اعادة عقد قرانها من الدكتور نصر بحجة بطلان عقد زواجهما السابق بناء على حكم المحكمة، والعودة إلى حالة الزواج الطبيعى، قائلة أنها ترفض القيام بذلك لأن معناه إقرارها بأن زواجهما كان باطلاً وهو ما لا تقبله.
تمسكت ابتهال يونس بزوجها وكرامتها وتحملت العيش فى المنفى "الاختيارى" بكل ما فيه من قسوة.
وبالمناسبة ردد خصوم نصر حامد أبوزيد خرافات كثيرة وقصص من نسج الخيال المريض عن حياته فى هولندا التى سافر إليها بعد صدور الحكم المشار إليه، وزعموا أنه يعيش عيشة الملوك والأباطرة محاطاً بكل مظاهر النعيم، وهذا كذب مطلق رغم صدوره عن شخصيات تدعى الغيرة على الدين والفضيلة، وقد رأيت بنفسى كيف يعيش نصر حامد أبوزيد وزوجته، حيث قمت بزيارتهما أكثر من مرة فى بيتهما فى مدينة "لايدن" الهولندية. ولم يكن هذا البيت أكثر من شقة بالغة التواضع فى حى لا يختلف كثيراً عن الحى البسيط الذى كانا يسكنان فيه بمدينة 6 أكتوبر قبل هذه المحنة.
وتحملت ابتهال يونس كذلك سخافات كثيرة من بينها تطاول بعض المتاجرين بالدين عليها الذين اتهموها بان استمرار ارتباطها بنصر حامد أبوزيد يعد "فاحشة". ومضى أحد هؤلاء إلى "الاستظراف" ثقيل الظل ليقول ببجاحة أنه مستعد لتزويجها من رجل آخر إذا كانت مشكلتها هى كيفية الحصول على زوج بديل.
هل رأيتم إلى أى مدى يمكن أن يصل الانحطاط الأخلاقى وبلادة الأحساس؟!
***
إن وقوف ابتهال يونس إلى جانب زوجها فى أحلك الأوقات، وتحملها لاساءات لا حصر لها، وصمودها فى هذه المعركة المتعددة الأبعاد، لا يقل بطولة عن صلابة الدكتور نصر حامد أبوزيد فى هذه المعركة الرهيبة.
وهذه الصلابة تقدم دليلاً جديداً على أن مصر – رغم كل شئ – يظل بها رجال ونساء يستحقون وسام الاحترام والتقدير ويعطوننا الأمل فى أن ثروة مصر الحقيقية، التى تتمثل فى رأسمالها البشرى والاجتماعى، لا تنضب – رغم محاولات التجريف والاغتيال المعنوى – طالما أن فى أرض الكنانة أناس مثل ابتهال يونس ونصر حامد أبوزيد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرئيس الأوكراني: الغرب يخشى هزيمة روسيا


.. قوات الاحتلال تقتحم قرية دير أبو مشعل غرب رام الله بالضفة




.. استشهاد 10 أشخاص على الأقل في غارة جوية إسرائيلية على مخيم ج


.. صحيفة فرنسية: إدخال المساعدات إلى غزة عبر الميناء العائم ذر




.. انقسامات في مجلس الحرب الإسرائيلي بسبب مستقبل غزة