الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بيت الأحلام- قصة قصيرة

حوا بطواش
كاتبة

(Hawa Batwash)

2010 / 7 / 9
الادب والفن


كان بيتا في غاية الروعة والجمال. بيتا كبيرا وفخما, تحيطه حديقة جميلة مسوّرة. كان بيت احلام كل امرأة. وكان ينتصب شاهقا على بعد امتار قليلة من بيتي البسيط المتواضع الذي أسكنني فيه زوجي منذ ان تزوجته, منذ نحو خمس سنوات.

كان ذلك البيت الكبير يلاحقني اينما ذهبت, وكنت أقف امام النافذة احيانا كثيرة أتأمله وأرقبه طويلا, ويتحرك في داخلي أمل مرتقب ينتعش برهة... ثم يعود لينطفئ من جديد.

"انظر الى ذلك البيت," كنت أقول لزوجي, "أنظر كم هو كبير وجميل! هل سيكون لي بيت كهذا يوما ما؟!"
وكان زوجي يرد بتنهّد: "لا تكوني طماعة. ارضي بما لديك. ها هو بيتنا جميل وأنيق. ماذا ينقصه؟"
"أتقارن بيتنا هذا بذاك البيت؟ أنظر كم هو كبير وجميل!"
"ليس من الضروري ان يكون البيت كبيرا. سيتعبك تنظيفه بعد ذلك."
"وهل تظن ان صاحبة ذلك البيت تنظّفه بنفسها؟ لا بد ان لديها خادمة... او خادمات!"
"ماذا دهاك يا امرأة؟! كفي عن اوهامك هذه وارضي بما لديك. ألم تسمعي بالمثل القائل: من لم يغنِه ما يكفيه أعجزه ما يغنيه؟! الغنى هو غنى النفس والصحة هي الأهم."

وهكذا على هذا المنوال. ولكن البيت الكبير لم يفارق تفكيري, وكنت أستغرب لِم لا يسكن فيه احد منذ ان سكنت بجواره؟!

ثم عرفت من احدى جاراتي ان أصحابه اناس أثرياء من خارج البلاد, يأتون كل عام او عامين ويقضون فيه اجازة الصيف. الا انه مرت خمس سنوات ولم يأتِ احد الى البيت. وكبرت في ذهني علامات السؤال والتعجّب.

وذات يوم, فوجئت بعمال وعاملات يقومون بتنظيفه. كان ذلك عند اقتراب الصيف, وظلوا يعملون في البيت مدة أيام وانا في بيتي أنتظر بفارغ الصبر قدوم اصحاب البيت الكبير.

وذات مساء, رأيت النور يضيئ في البيت.

وقفت قرب النافذة أتأمّل البيت الكبير طويلا حين رأيتها, فجأة, وهي تخرج الى الشرفة. امرأة في روب ابيض لها شعر طويل تلاعبه الريح بنعومة. تصوّرتها امرأة شابة وجميلة, ربما من قوامها النحيف وشعرها الطويل الجميل. جلست هناك وحدها في العتمة التي أخذت تنتشر على البيوت... ثم عادت الى الداخل ليبتلعها بيتها الكبير.

في صباح اليوم التالي, لم أستطع ان اخنق فضولي حين رأيتها جالسة في الحديقة لوحدها. ذهبت اليها. وحين اقتربت منها اكتشفت أنها ليست شابة كما ظننت. فقد بدت تجاعيد الخمسين على وجهها.

"صباح الخير, يا جارة." قلت لها بابتسامة كبيرة وعرّفتها عن نفسي. ثم أضفت قائلة:"منذ ان سكنت هنا وانا انتظر قدوم اصحاب هذا البيت الجميل, الذي خلب لبي من النظرة الأولى, للتعرف عليهم."

ارتسمت ابتسامة عذبة على شفتيها لسماع قولي, ثم عرّفتني باسمها ورحّبت بي بكل أدب ولطف ودعتني للجلوس ففعلت.

ألقيت نظرة أخرى عليها. كان وجهها ذا ملامح ارستقراطية, ناعمة. وكان نحيلا, هزيلا, هادئ الملامح, يشوبه بعض الشحوب. وعيناها تلتمعان ببريق خاص. وكان من الواضح انها كانت جميلة جدا يوما ما. سكبت لي الشاي وقدمته لي.

شكرتها.

"هل انت وحدك هنا ؟" سألتها.
"لا." أجابت. "معي زوجي. انه نائم. كان متعبا جدا بالأمس."

ثم فهمت من خلال حديثها انهم سيبقون في البيت الى آخر الصيف, وأن لديهم بيوت أخرى مثله في باريس, روما ولندن يقضون فيها اجازاتهم.
فقلت بإعجاب: "هذا شيء رائع. كم انت محظوظة!"

ابتسمت قليلا, ولكنها لم تقل شيئا.
فأخبرتها عن احلامي التي تراودني كلما نظرت الى بيتها, وشكوت لها زوجي الذي يعمل موظفا ومرتبه بالكاد يكفي لتكاليف البيت والأولاد.
فوجدتها تسألني: "ألديك اولاد ؟"
"لدي اثنان, ولد وبنت. ولا ألحّق عليهما شيئا." قلت متذمّرة.
ولكنها قالت: "انت محظوظة."
استغربت قليلا, وسألتها: "كم ولدا لديك؟"
فأجابت بصوت تسربت اليه رجفة غريبة: "انا... ليس لدي اولاد."

تمزّّق الحديث بيننا, وانا تأسّفت في داخلي على سؤالي.
بعد لحظات, قالت وقد استعاد صوتها هدوءه الأول: "تعالي معي لأريك البيت الذي خلب لبك."

فاصطحبتني الى داخل بيتها وشرعت تطلعني على غرف البيت, وأنا أمشي وراءها مبهورة بكل زاوية من زوايا البيت.
حتى فوجئنا بصوت أتى من الطابق العلوي, صوت أقرب الى الأنين اليائس. وما لمحتها الا وقد اندفعت نحو الطابق العلوي واختفت من امام عينيّ دون قول شيء.

جمدت في مكاني مدهوشة, مذهولة.
همد الصوت شيئا فشيئا وتأخرت هي في الطابق العلوي. ارتبكت في مكاني ولم اعرف ماذا افعل. هل انتظرها؟ ام اعود الى بيتي؟
كنت على وشك فعل ذلك حين لمحتها وهي تهبط الدرجات. فعدنا الى الحديقة, الى حيث كنا جالستين.

ظلّ الصمت مطبقا عليها, صمت مشحون بألم دفين. رفعت نظري اليها فرأيت وجهها ملتقعا وقد اشتدّ بريق عينيها.

بعد دقائق... قالت: "أعتذر اني تركتك هكذا. كان ذلك زوجي. لقد كان بحاجة الي." وبعد شيء من الصمت, أضافت: "انه بحاجة دائمة الي."
سألتها وانا أغالب ترددي: "ما به؟"
"انه مريض جدا منذ ان تعرّض لجلطة دماغية, منذ خمس سنوات. لقد اقترحت عليه ان نقضي هذا الصيف هنا لنغيّر الجو قليلا. ظننت ان ذلك سيساعده, ولكنه متعب جدا. ولا ادري الى متى سنبقى هنا. ربما كان من الأفضل الا نأتي."

ثم أخبرتني ان زوجها كان تاجرا كبيرا صنع مجده بشق الأنفس ولم يعرف كيف يتوقف. لقد بات مدمنا على جمع المال وكأنه يريد امتلاك الدنيا بأكملها. كان يقضي جلّ وقته في العمل ويرهق نفسه دون رحمة. ولا يأبه بها حين تقول له ان يرتاح وان لديهم ما يكفيهم من المال. حتى اصابه ما اصابه فأقعده مرغما الى آخر أيامه.

انحدرت دمعة من تحت عينيها الحزينتين وهي تقول بحسرة: "لقد أمطرت عليّ الدنيا بمال لا تحلم به امرأة وحرمتني من كل شيء دون ذلك. كما ترين, لدي هذا البيت الجميل وبيوت اخرى في اجمل مدن العالم. وكلها بيوت كبيرة... وفارغة, تكاد الحياة لا تنبض فيها."

بعد ان عدت الى بيتي البسيط المتواضع أسرعت الى زوجي واولادي واحتضنتهم بشدة. ولم أعد أتأمل البيت الكبير منذ ذلك اليوم.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استشهاد الطفل عزام الشاعر بسبب سوء التغذية جراء سياسة التجوي


.. الفنان السعودي -حقروص- في صباح العربية




.. محمد عبيدات.. تعيين مغني الراب -ميستر آب- متحدثا لمطار الجزا


.. كيف تحول من لاعب كرة قدم إلى فنان؟.. الفنان سلطان خليفة يوضح




.. الفنان السعودي -حقروص- يتحدث عن كواليس أحدث أغانيه في صباح ا