الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إسرائيل لم تسع يوماً للسلام

سنية الحسيني

2010 / 7 / 10
القضية الفلسطينية


لم يعد سراً أن إسرائيل لم تسع يوماً للسلام، فعلى الرغم من تنازل الفلسطينيين عن 78% من وطنهم التاريخي والقبول بدولة فلسطينية على حدود عام 1967 وحل عادل لقضية اللاجئين كحل وسط قبل به المجتمع الدولي وتبناه. جاءت رؤية إسرائيل لمفهوم السلام لا يمكن أن تؤدي من الناحية الموضوعية إلى تحقيق السلام. فلم تكتف إسرائيل بأغلب أرضي فلسطين التاريخية، بل أصرت على اقتسام ما تبقى منها من خلال استمرار سياسة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وذلك على الرغم من أن عدد الفلسطينيين واليهود على أرض فلسطين التاريخية اليوم يقترب من التعادل، وكذلك هي الحال بالنسبة للفلسطينيين واليهود المنتشرين في جميع أنحاء العالم. إن موقف إسرائيل من السلام لم يخرج يوماً عن القبول بكيان أو سلطة أو حتى دولة لا تمتلك مقومات الحياة والبقاء، ولا تلبي احتياجات الشعب الفلسطيني، ولا تشكل أساساً لمصالحة تاريخية.

منذ بدايتها، راوحت المفاوضات الفلسطينية_ الإسرائيلية مكانها، ولم يحدث أي تقدم حقيقي باتجاه التسوية السلمية النهائية. ولم يخرج كل ما جاء خلال معركة التفاوض الطويلة منذ توقيع اتفاقات أوسلو عام 1993 حتى يومنا هذا عن ما عرضه بيغن على السادات خلال مفاوضات كامب ديفيد الأولى عام 1978، بإقامة منطقة حكم ذاتي للفلسطينيين للتخلص من العبء الأخلاقي والقانوني المترتب على الاحتلال، ليبقى ذلك العرض قائماً ويشكل من حيث الجوهر محوراً للتفاوض والحل مع الفلسطينيين وإن اختلفت المسميات. كما لم تخرج مقاربة إسرائيل للانخراط في العملية السلمية الفلسطينية_ الإسرائيلية عما صرح به شامير بعد أن أرغم من قبل الولايات المتحدة على الدخول في المفاوضات التي تلت مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، بأنه سيخوض غمار عملية تفاوضية تمتد لعشر سنوات، مما سمح لإسرائيل أن تغير الواقع على الأرض.

لم توح ممارسات إسرائيل يوماً بأنها تسعى أو تريد سلاماً حقيقياً مع الفلسطينيين، مهما تباينت المنطلقات الأيديولوجية والموقف السياسية التي تؤمن بها التيارات المختلفة في إسرائيل بما فيها الحمائم. فحزب العمل هو من وافق على قرار التقسيم عام 1947، ذلك القرار الذي أعط إسرائيل 55% من أرض فلسطين التاريخية. وقبل أن يجف حبر هذا القرار بسطت إسرائيل سيطرتها على المزيد من الأراضي الفلسطينية لتصل إلى 78% من أرض فلسطين التاريخية. كما جاء احتلال إسرائيل لباقي الأراضي الفلسطينية عام 1967 في ظل حكم حزب العمل "الحمائمي". وبذلك يختفي التباين بين من ينادي بدولة يهودية تقوم على "أرض إسرائيل" وبين من ينادي بغير ذلك. إن موقف حزب العمل من الاستيطان لا يختلف عملياً عن موقف وممارسات حزب الليكود أو الأحزاب اليمينية الإسرائيلية الأخرى. بل إن حزب العمل هو من رعى المشروع الاستيطاني اليهودي في الأراضي الفلسطينية. ومن المعروف أن حجم الاستيطان في الأراضي الفلسطينية قد تضاعف ثلاث مرات منذ التوقيع على اتفاقات أوسلو.

خلقت إسرائيل حالة من الوعي المزيف بين أغلبية الإسرائيليين، بعد أن جعلتهم يتقبلون رؤية الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة للحل. فالمعايير التي أقرتها تلك الحكومات للثوابت الإسرائيلية أصبحت تشكل معاييراً للرأي العام الإسرائيلي كله رغم تعارضها مع قرارات الشرعية الدولية والمبادرات الدولية، واستحالة قبول الفلسطينيين بها. لقد تشكل إجماع في المجتمع الإسرائيلي على عدم القبول بعودة اللاجئين الفلسطينيين بعد أن روجت الحكومات الإسرائيلية لخطر البعد الديمغرافي الفلسطيني على مستقبل دولة إسرائيل. وقامت حكومة إسرائيل مؤخراً بالترويج لمبدأ يهودية الدولة داخل إسرائيل وخارجها، ووضعها ضمن شروط القبول بحل الدولتين، وهي تعرف أنه لا يمكن للفلسطينيين أن يقروا بيهودية الدولة لأن ذلك سيجحف بحق عودة اللاجئين والقبول بحل الدولتين، وبحقوق الإسرائيليين من غير اليهود وهم الذين يشكلون 25% من عدد السكان. وتحاول الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة إجبار الفلسطينيين التخلي عن مطلبهم بعودة الأراضي التي احتلت عام 1967، بحجة وجود عدد من المستوطنات المبنية على الأراضي فيها والادعاء باستحالة تفريغها. وكذلك ترى إسرائيل أن إمكانية تقسيم مدينة القدس بين الفلسطينيين والإسرائيليين درباً من دروب المستحيل.

إن كل ما تتخذه إسرائيل من سياسات وما تقدم عليه من إجراءات لا يتفق مع مقتضيات تحقيق السلام مع الفلسطينيين. ولا يمكن لأي مراقب محايد أن يرى في إقدام إسرائيل على مواصلة الاستيطان، وبناء جدار الفصل العنصري، ومصادرة الأراضي الفلسطينية، وإجراءات التهويد في مدينة القدس الشرقية، وسحب هويات المقدسيين وهدم بيوتهم، ومس إسرائيل المستفز للمقدسات المسيحية والإسلامية، والحصار الجائر على قطاع غزة، ونشر مئات الحواجز العسكرية بين مدن وقرى الضفة الغربية التي تعطل مسيرة الحياة الطبيعية، ومعاناة آلاف المعتقلين الفلسطينيين اليومية داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي، إلا إصراراً إسرائيلياً واضحاً بأنها لا تريد السلام ولن تسع إليه أبداً.

ولكي تتهرب إسرائيل من التزاماتها ومن الضغوط الدولية الواقعة عليها للدخول في عملية مفاوضات جادة تودي إلى تحقيق سلام حقيقي، فإنها وبالإضافة إلى رؤيتها وسياساتها وإجراءاتها التي لا يمكن أن تحقق السلام، تضع العراقيل وتختلق الذرائع لتلقي بالمسئولية دوماً على الجانب الفلسطيني. وعلى الرغم من ممارسات إسرائيل المبرمجة والمستمرة لتعقيد حياة الفلسطينيين واستفزازهم بل وإذلالهم، تطالب السلطة الفلسطينية بمحاربة عناصر حركتي حماس والجهاد لوقف ما تصفه إسرائيل بـ "الإرهاب"، وضرورة القضاء على "المنظمات الإرهابية" المهددة لأمنها كشرط لقيام أية دولة فلسطينية. ومرة أخرى تتذرع إسرائيل بالتحريض الفلسطيني الذي يعكر من وجهة نظرها الأجواء ويقوض الثقة بين الجانبين. ولا ترى إسرائيل تناقضاً بين التفاوض وتحقيق السلام واستمرار الاستيطان وفي ظل إعلانها المستمر بأن القدس الموحدة عاصمة لإسرائيل وغير قابلة للتقسيم والإجراءات المتواصلة لتهويدها وتغيير معالمها.

ولم تكتف إسرائيل بما تمارسه فعلياً على الأرض لتقويض أي عملية سلمية محتمله، بل تبحث دائماً عن مزيد من الذرائع تستخدمها لإفشالها. كما لجأت إسرائيل إلى آليات أصبحت جزءاً من التفكير والممارسة السياسية الإستراتيجية لإجهاض كل فرصة تصل فيها العملية السلمية إلى مفترق طريق لدرجة تصل أحياناً إلى افتعال مواقف معقدة كإسقاط الحكومة أو الهروب لانتخابات جديدة أو الذهاب للحرب.

إن إسرائيل اليوم تلجأ وبشكل صريح إلى التلاعب وكسب المزيد من الوقت، فهي توافق على إحياء عملية التفاوض مع الفلسطينيين، لكنها تؤكد على صعوبة التوصل إلى اتفاق فلسطيني- إسرائيلي في ظل حالة الانقسام الفلسطيني- الفلسطيني، مشيرة إلى عدم وجود سلطة فلسطينية يمكن التعويل عليها. والمثير للسخرية أن إسرائيل تهدد بوقف أية مفاوضات، بل وربما اتخاذ إجراءات عقابية، في حال إقدام السلطة الفلسطينية على تحقيق مصالحة مع حماس. وهذه ليست المرة الأولى التي تلجأ فيها إسرائيل إلى الادعاء بعدم وجود شريك فلسطيني للتفاوض معها، بداية من الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات واستمر ذلك مع الرئيس محمود عباس رغم تبدل الظروف والمواقف. فقد انسحب شارون من غزة انسحاب أحادي الجانب متذرعاً بعدم وجود الشريك الفلسطيني. ويدعي نتنياهو اليوم بأن الرئيس محمود عباس ليس جدياً في التفاوض لأنه لا يقبل بمفاوضات مباشرة.

لقد بقي أمن إسرائيل دوامة وحجة دائمة لتعطيل المفاوضات مع السلطة الفلسطينية.منذ أوسلو عام 1993، وانطوت الملحقات الأمنية على تكبيل قدرة السلطة الفلسطينية على ممارسة الصلاحيات الأمنية الممنوحة داخل حدود المناطق التي انسحبت منها إسرائيل. فإقدام جيش الاحتلال على اجتاح مناطق السلطة المختلفة لاعتقال مطلوبين، وإقدامها على اغتيال المناضلين الفلسطينيين، كان ترجمة لرؤية إسرائيل الأمنية في أراضي السلطة الفلسطينية. وبقي موضوع الأمن حجة إسرائيلية جاهزة لتعطيل تنفيذ الانسحابات الإسرائيلية المرحلية، وتعطيل تنفيذ الاتفاقات الموقعة إجمالا.

وعلى الرغم من إقرار الولايات المتحدة واللجنة الرباعية بنجاح السلطة الفلسطينية في منع العمليات ضد إسرائيل في الضفة الغربية مما أتاح مؤخراً الدخول في مفاوضات غير مباشرة، وضعت إسرائيل موضوع الأمن على رأس ملفات التفاوض. وكان الوضع الأمني الإقليمي قد أثر على الرؤية الإسرائيلية لموضوع الأمن في الأراضي الفلسطينية، حيث تصر إسرائيل على ضرورة عدم السماح لقيام وضع أمني في الضفة الغربية والأراضي الفلسطينية عموماً يشبه الوضع القائم اليوم في لبنان ( حزب الله) وقطاع غزة (حماس).

إن ما تريده إسرائيل في أي تسوية سياسية مع السلطة الفلسطينية هو أن تكون هذه التسوية ضمن الرؤية الأمنية الإسرائيلية، تلك الرؤية التي تعطيها إسرائيل الأولوية في أي مسار تفاوضي. وحسب تلك الرؤية، تشترط إسرائيل أن تكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح، وتابعة أمنياً لإسرائيل حيث تسيطر على حدودها الشرقية، ومجالها الجوي، وبقاء مواقع عسكرية بدواعي حفظ أمنها ضد التهديدات الخارجية. ويبقى السؤال الحقيقي: هل سيقبل الإسرائيليون بدولة فلسطينية ذات سيادة، حتى وإن قدم الفلسطينيون لهم كل ما يضمن لهم أمنهم؟ وهل الهاجس الأمني الإسرائيلي هو المحرك والمحدد لرؤية إسرائيل السياسية للحل مع الفلسطينيين، أم أنه ذريعة إضافية لرؤية سياسية محددة لهذا الحل؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شهداء وجرحى إثر غارة إسرائيلية استهدفت منزلا في مخيم النصيرا


.. الشرطة الأمريكية تعتقل طلبة معتصمين في جامعة ولاية أريزونا ت




.. جيك سوليفان: هناك جهودا جديدة للمضي قدما في محادثات وقف إطلا


.. سرّ الأحذية البرونزية على قناة مالمو المائية | #مراسلو_سكاي




.. أزمة أوكرانيا.. صاروخ أتاكمس | #التاسعة