الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من قرطاس الخواطر .. في الطريق الى الوطن1

فلاح صبار

2010 / 7 / 10
الادب والفن


"سأمنح الأشياء قيمتها، لا لما تمثله، بل لما تعنيه"
ماركيز

تطير بنا الطائرة صوب الشمس التي تحتضن بلادنا الأم ، تلك البلاد بتاريخها المتألق التي تعج بالاسرار ،والافكار، والسحر، والطبيعة المتنوعة الآسرة ، حيث تنتصب مآذنها وقبابها الذهبية ،جوامعها ،كنائسها، واديرتها، ومدارسها التي منحت العالم قبسا هائلا من النور والمعرفة، واقفة كنخلة عراقية ، بشموخ وتحد لكل حكام القهر والاستبداد ...
تلك البلاد التي الهمتنا خيالا جامحا عندما كنا نغفو على سطوح بيوتها القديمة ليلا
فتوحد نا مع النجوم والسماء والقمر .. نعوم في بحارالخيال فنحقق ماتصبو له الروح ويشتهي القلب ، فتأخذنا فضاءات ذاك الليل الصيفي اللذيذ برحلة شيقة بين عوالم متعددة رائعة ساحرة، تتجاوز بهجتها و متعتها الليالي الالف وواحدة...
يارب ! كيف سيبدو اللقاء... هناك ؟
تسائلت مستعجلا جوابا شافيا عله يريحني وينقذني من قلقي الازلي ، ذلك الصديق المشاكس منذ سبعينات القرن الماضي.
أما تزال تلك الازقة المتعرجة المتآخية ،تحتضن تلك الافياء، وتنثر الوداعة والمرح على وجوه الصبية وهم يلعبون؟
أما تزال سراديب مدينتي القديمة حانية عشقا، مليئة بالرأفة، تريح تلك الاجساد النحيلة المتعبة فتمنحها برودة لذيذة ، متحدية صميم ظهيرة صيف العراق؟
أما يزال باب الدار مفتوحا ليحتضن الخطار، والجيران، دون ان يرن هاتفا معلنا قدومهم؟
أما زالت طيور جيراننا - جودي وحمزة وشنان والبقية الطيبة الباقية - تطير من ابراجها المشيدة بلا انتظام ، بسعف وعذوق نخيل دجلة والفرات ، لتحط على - تشاريف – تلك السطوح المتوحدة والمتعانقة بدفء ... هناك؟
أما وأما ..والكثير من أما ... تدور في رأسي الصغيرة التي اعتلاها ثلج يبدو زاهيا فخورا، متحديا 40 حولا من القهر والغربة والألم.
يارب العراق!
اغثني.. . فأنا قريب منك الآن ، فادخل على قلبي من لدنك بردا وسلاما. بي من الوجد للاحبة والمكان الكثير... الكثير ، فيارب ... انعم على من يعانق الرافدين باليمن والبركة ، وأغثني بحق تراب العراق... يا ارحم الراحمين !
شعور غريب يمر بي، فبين خوفي من المجهول والتصادم مع بيئة اجتماعية غريبة احدثتها وافرزتها سنوات القمع والحرب والخراب والتهجير... كناتج حتمي لها جعلني اعيش حالة نفسية مضطربة غير مستقرة ... وبين فرحي الجم في لقاء ارض
وسماء العراق والاهل و الاحبة ،هو الحلم ،الذي تحقق بعد انتظار عقود عديدة ، بارادة قوية صلبة للمضي قدما نحو الهدف ...
وتستمر الاسئلة، تترىمتدفقة تبحث عن الاجوبة . ..عسى ولعلني اجدها هناك ... حيث ولدت !

لقد تآكلت زوايا جسدي المتعب ، وتمزق ما قد بقي مني ،وانا اشاهد كل يوم ذلك العنف الجنوني والدم المهدور كأُضحية وقربانا- لمستقبل طفل عراقي- يحلم ان ينمو ، سليما معافى ، بعيدا عن امراض عصر العسكرة والجوع والممنوع ، والدمار الشامل، كي يعيش برخاء وأمان كما هو الاخر.
يكبر بي الحقد الذي- ماعرفته سابقا- فالعن استغلال قنوات العهر والكراهية الفضائية بكل وقاحة وخسة لتكنولوجيا العصر ،وهي تعرض على شاشاتها ، الاشلاء العراقية بكرة وعشيا ، تزهو بجواريها الفاتنات وهن ينفثن سما زعافا و حقدا وكراهية... يزغردن لكل جرائم اولاد الفسق من الافاقين و ابناء العمومة!
يارب العراق!
جد علينا برجال من بلادي، لا يبغون من امتلاك زمام الامور جاها ،اومالا وبطشا بالفقراء ،وبرجال متعففين كما الصالحين الاوائل ،لا يبغون منفعة لقريب او نسيب او حسيب ،مبتعدين عن سبل الاثراء دون وجه حق ،لا يؤمن بها مؤمن ،ولا يجنح لها تقي صالح راجح.
يارب السماوات...جد علينا برجال يعترفون بارتكاب الحماقات والاخطاء ،فبدون هذا الاعتراف والاقرار، لهو دليل ساطع على انهم ماغيروا ما بأنفسهم ومابدلوا سلوكهم.
يارب...فليصلوا الارحام، ويحنوا على الارامل الايتام،ولينهض الشهيد من جديد معزز مكرم ...ولابد ان يحدث هذا بارادة الجميع.. فالعراق، كما نعرفه ويعرفه الجميع، عصي
على خفافيش الظلام وفتاوى التكفيروعتاة الحكام . أجل ..عراقنا عصي، عنيد، مسالم ايضا ، ومبدع بشيوخه ورجاله ونسائه وابنائه المخلصين.. وهم كثر ،وبك نستعين.
يارب العراق!
"هبنا وطـنا يعطينـا بقـدر عطائـنا ولا يخذلنـا عندما نعود اليه ... وجد علينا بزمـان يعـرف قـدرنا ... ينصفنـا إذا أعطيـنا ... يعاقبنـا إذا أخطـأنا .. لا مكـان فيـه لحاقـد أو مزيـف أو دجـال ."
فيارب ! ان هذا ليس بقليل على شعب محب وديع يؤمن بالانسان والحياة والسلام ...
فتقبل دعائي ! فأنا احد المفجوعين دهرا ،فهاجر قسرا، يحلم بعراق الانبياء، والاولياء، والاوفياء والعقول الراجحة ، ليعود منارة تشع ضياء في مواكب الصبر والتضحيات والاباء ... تسوده المحبة والعشق والرخاء ..
فتقبل هذا الدعاء يارب، وأنت الكريم الوهاب.
- لم انت واجم قلق؟ سألني احدهم :
لا ادري. اجبته.
ثم تابعت تلاوة الاسئلة من قرطاس صلواتي الخاصة. الا انني تسائلت :أكان عليّ ان اخفي هذا القلق المرسوم على وجهي والذي بدا يلفت انظار العباد والجماد!!
لا ادري..لا ادري...فأنا موزع بين امور عديدة.
كانت اسئلتي ومشاعري واحلامي منطلقة كحصان بري، جموح ، لايوقفه شئ... بحرية يحسدني عليها صحوي واتزاني . وكانت تلك المشاعر تتدفق كشلالات من المحبة والتحدي والوضوح امام كل الاهوال التي عصفت بأرض السواد ... حروب واغتيال وتفجير واضطهاد

تطير بنا الطائرة - اليعربية - التي لا تعنيها دقة الوقت والنظام ... كما الحكام!
بيد ان النوارس التي احتضنتها تلك الطائرة الميمونة!! كانت تشدو وتترنم وتدندن لمحبة العراق، غير مبالية بما حصل من تأخير في الاقلاع ، فبان الفرح والبشر، وكثير من القلق والذهول ايضا فوق تلك الوجوه الاليفة السمراء. انهم مثلي، كل يتلو صلواته الخاصه!!
اغمضت عيناي لأهرب من واقع واسئلة بدت محيرة مقلقة ، فتوارت الصور المرتبكة ووجوه تلك النوارس العراقية العائدة الى هناك داخل هذا الطائر الميمون. الا ان صورا قديمة - جديدة طازجة – باقية لاتندثر، ما بقيت حيا ، فرضت نفسها ، فتمكنت مني واخترقت رأسي الصغيرة.
اغلقت عيناي كي ابحر في عالم من الذكريات ولت منذ عقود ،افتقدتها طويلا، بحلوها ومرها ، فعدت الى طفولتي، ومرابع صباي الممتلئة، احداثا شتى، بالبهجة و المواجع والوقائع التي لا تزال عالقة في الذاكرة المتقدة .
شريط ازرق بلون السماء يمر امامي .كان لذيذا .. وقد فجّر ينابيع مسرتي ومتعتي التي غادرتني منذ سنين طوال ،وحركت كل الوان الفرح والبهجة في اعماقي .
كرنفالات متعددة الهوى،زوار قادمون من معظم البلدان ينثرون المسك والعنبرفي الازقة التي تؤدي الى صحن امام الفقراء ... فتمتلئ المدينة بعطورتشير الى تنوع المدن والاوطان والانسان !
كانت هناك لقاءات متعددة الاتجاهات مستمرة على مدار الاعوام ، في الرياضة والادب والحب ،روعة الاماسي الجميلة في ليالي رمضان ، ونحن نلعب "المحيبس "أوالمطاردات الشعرية المفيدة في المجالس او المقاهي المنشرة في ميدان المدينة – باب الولاية - واطرافها الاربعة، حيث يشحذ ويتقد الذهن وينتعش القلب...
زيارات رعب غير مرغوبة - للشرطة السرية – للبيوت ليلا ، فهلع العائلة والجيران، ثم فرار الاخوة اوالاصدقاء عبر سطوح تلك البيوت المتآخية، هربا من ازلام الفاشية ونظام الجلادين ... فتحتضنهم تلك البيوتات البعيدةالقريبة ...حيث الامان !
كل تلك الذكريات شكلت سماحتي وعنادي وجلدي ، فأوقفتني جبلا عنيدا تنكسر امام صلابته مغريات وارهاب الانظمة الفاسدة، فتجاوزت الالام والاضرار التي لحقت بعائلتي - كما هو الحال مع بيوت العراق الاليفة – .

لقد أسست ورسمت تلك الذكريات ، بحلوها ومرها ، في روحي سلوكا و سبلا من المحبة والايثار والتضحية ، تصب في محبة الناس ، وتمنحني عطاء لامتناهي ثم التألق في مسيرة العمل والابداع ...فتراني اسير قدما باصرار ملفت ، مبصر من خلالها ، فأكتسي حلة جديدة زاهية بلون الورد وأحتضن بلادي وابدأ الزرع من جديد.
ان ذكرياتنا وعلى تنوعها أكانت – مفرحة او مترحة – هي مرفأ نعود اليه، حيث تتوقف فيه أشرعة حاضرنا، فيحتضننا كاستراحة لمحارب، في زمان لم يعد فيه متسع من الوقت لإلتقاط الانفاس ... فيشحذنا نصلا ،ومعولا، ومنجلا ،وقلما، وموسيقى تعمّر لا تدمّر، لنبني من جديد بارادة وصبر فردوسنا المنشود وعالمنا المرتجى ، هو الحلم والامل حيث الطمأنينة والفرح والسلام والرخاء .
- وصلنا للعراق... الله الله الله !
- شوفوا...شوفوا شگد حلو! صرخ احدهم كطفل وجد اشياءه المفقودة وقد التصق بنافذة الطائرة التي بدت اصغر من عينيه !
فانزلقت دمعة خجولة... على خدي، باردة كصقيع شتاء إسكندنافي .
لا ادري ...اكانت خجولة أم...!!!

للقرطاس بقية
فلاح صبار








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرحة للأطفال.. مبادرة شاب فلسطيني لعمل سينما في رفح


.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص




.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع