الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قمة -أهلية- .. دفاعاً عن وطن فى خطر

سعد هجرس

2010 / 7 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


عندما يكون الوطن فى خطر .. يصبح الاكتفاء بتوجيه السباب المستحق إلى الحكومة عبثا لا جدوى منه، كما يصبح الاقتصار على عتاب المعارضة أو لومها أو تقريعها نوعاً من العدمية السياسية التى تزيد تضييق العقدة فى حين أن المطلوب هو حلها.
وعندما تكون الأمة فى خطر .. يصبح الانغماس فى التفاصيل والمعارك الصغيرة تبديداً للجهد وإهداراً للطاقة، إن لم يكن تكريساً للدوران فى نفس الدائرة الجهنمية المغلقة بالضبة والمفتاح.
ونحن نعيش للأسف فى واحدة من هذه الفترات الاستثنائية .. فالوطن فى خطر بالفعل.
والأخطر هو أن ندفن رءوسنا فى الرمال لنضحك على أنفسنا ونشعر بالاطمئنان الزائف على أن كل شئ على ما يرام، فى حين أن النار تسرى تحت الرماد، ويمكن أن تشعل حريقاً هائلاً يأتى على الاخضر واليابس إذا لم نعترف – أولاً – بواقع الحال دون تهويل أو تهوين، وإذا لم نتحرك اليوم قبل الغد قبل أن يتسع الخرق على الراقع.
***
وواقع الحال يقول أن هناك تصدعات هائلة – وغير مسبوقة فى الأغلب الأعم – تهدد التماسك الوطنى والسلم الأهلى.
من بينها ذلك التضاغط بين الكنيسة من ناحية والقضاء من ناحية أخرى، فى ظل تداعيات تشكل بوادر لـ "تمرد" جماعى ليس فقط على القانون وأحكام القضاء – صحيحة كانت أو خاطئة – وإنما أولاً وقبل كل شئ تمرد على فكرة الدولة المدنية الحديثة وإعادة لعقارب الساعة إلى الوراء – بوعى أو دون وعى – من أجل تكريس الدولة الدينية على ضفاف النيل فلا نستبعد فى ظل ذلك أن يطالب فريق من المصريين المسلمين بالامتناع عن تنفيذ القانون وأحكام القضاء والاحتكام إلى الشريعة الإسلامية فقط. الأمر الذى يعنى انهيار الدولة وتحت سنابك الطائفية المتصاعدة.
وهناك أيضاً ذلك الصدام المروع بين القضاة والمحامين ، الذى يضع العدالة فى أزمة حقيقية، وبالتالى يضع الوطن فى مأزق بسبب ارتباك وتزعزع ركائز دولة القانون.
وهناك كذلك اتساع نطاق اهتزاز الثقة – إن لم يكن انعدامها – فى مؤسسات الدولة – وليس فى الأجهزة الحكومية فقط – على النحو الذى ظهر من قبل فى الارتياب الشعبى الجماعى فى النتائج المعلنة لانتخابات مجلس الشورى الأخيرة – وكل الانتخابات العامة السابقة – ثم ظهر اليوم فى التشكيك الواسع النطاق فى التقارير الرسمية المتعلقة بوفاة الشاب السكندرى خالد سعيد.
فرغم أن هذا حادث فردى يمكن أن يحدث فى أى بلد من بلدان العالم إلا أن ملابسات هذا الحادث الفردى سرعان ما أظهرت عمق الشروخ القائمة بين الحكام والمحكومين، وبالتالى وجود خطابين فى المجتمع أحدهما خطاب "رسمى" وخطاب آخر "أهلى" وبين الاثنين توجد هوة سحيقة.
***
وهناك قبل هذا وبعده مسلسل الفساد الذى ما إن تنتهى إحدى حلقاته حتى تبدأ حلقة جديدة فى عرض مستمر تؤكد تفاصيله المتلاحقة أن الفساد لم يعد مجرد ممارسات فردية منحرفة وإنما تحول إلى "مؤسسة" سائدة ومسيطرة ووقحة ومتبجحة تحتمى بغياب حدود فاصلة بين السياسة والمال، وغياب آليات جادة لمنع تعارض المصالح، وغياب المحاسبة بعد غياب الشفافية. وفى ظل هذه الفوضى العارمة توحشت مؤسسة الفساد وأفرزت سمومها فى فضاءات الاقتصاد والسياسة والقيم الاجتماعية والثقافية بصورة تتآكل معها قيم أساسية للدولة والمجتمع، فى مقدمتها قيمة "الشرعية".
***
وعندما نضع ما سبق من ظواهر مخيفة على أرض واقع يتسع فيه نطاق الفقر ليشمل أكثر من أربعين فى المائة من المصريين، ووتخنق الطبقة الوسطى، وتتسع الفجوة بين الفقراء والأغنياء بصورة تزيد أضعافاً مضاعفة عن معظم البلدان الرأسمالية...
فإن الصورة تصبح محملة بدواعى كثيرة للقلق، وتجعل أى مصرى حريص على هذا الوطن وهذه الأمة يضع يده على قلبه خوفاً من سيناريوهات متعددة أحلاها مر.
***
فى ظل مثل هذه الأوضاع لا يكفى أن نضع أيدينا على قلوبنا، ولا يكفى أن نتبادل الاتهامات، أو أن يحمِّل كل منا للآخر مسئولية ما يحدث من تحلل للدولة وتداعى لمرتكزات الدولة المدنية الحديثة، أو أن نجتر اسطوانات السب والقذف للحكومة أو قصائد الهجاء للمعارضة "مشروعة" كانت أو "محظورة".
فمثل هذه الممارسات السابقة مقبولة ومبررة فى التعامل مع التناقضات السياسية والاقتصادية والاجتماعية فى الأوقات "العادية". لكنها تصبح خارج السياق عندما يكون كيان الدولة ذاته على المحك.
ولهذا تنشأ الحاجة – أولا – إلى تنوير الرأى العام بالمخاطر الحقيقية التى ينطوى عليها الوضع الراهن والتى يحاول الاعلام الرسمى التغطية عليها والتهوين من شأنها، متصورين أنهم بذلك يدافعون عن الحكم فى حين أنهم يقومون – موضوعيا وفى التحليل الأخير – بصب المزيد من الزيت على النار الزاحفة تحت الرماد.
***
وتنشأ الحاجة – ثانياً – إلى تحرك مسئول من جانب الجزء الناطق من الأمة – بصرف النظر عن المشارب الفكرية والتوجهات الايديولوجية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار – لرسم معالم خريطة طريق للخروج من هذا المأزق.
علماً بان أحد القسمات الرئيسية المزمنة لسلوك النخبة المصرية – على الأقل فى تاريخها الحديث – هو أنها تعرف دائماً "ما لا تريده " لكنها نادراً ما تحدد "ماذا تريد".
وعلى سبيل المثال فإن النخبة المصرية رفعت طويلاً شعار "الاستقلال التام أو الموت الزؤام"، الذى يعنى أنها "لا تريد" استمرار الاحتلال. لكن هذا الشعار لم يرسم لنا معالم الدولة الوطنية المستقلة التى "نريد" تشييد دعائمها بعد هزيمة الاحتلال.
وفى ضوء سلبيات وإيجابيات التجارب السابقة أصبح منطقيا مطالبة النخبة بالبحث عن "القواسم المشتركة" بين شتى روافد الجماعة الوطنية المصرية – بكل تعدديتها الاجتماعية والثقافية والدينية – على أرضية المواطنة، لـ "عقد اجتماعى جديد" يمكن أن يحقق التماسك الوطنى الذى أصبح مهدداً بعنف من جراء انتهاء تاريخ صلاحية العقد الاجتماعى الحالى، والذى كان فى كل الأحوال "عقد إذعان".
وبدلاً من الاكتفاء بخطاب الشكوى من حكومة عاجزة عن الاضطلاع بواجبات الحكم بنزاهة وفاعلية، ومن معارضة عاجزة عن الاطاحة بهذه الحكومة الخائبة..
وبديلاً عن الاقتصار على مناكفات غير مجدية حول قضايا جزئية..
لماذا لا نفكر فى "قمة أهلية" بين عقلاء هذه الأمة للدفاع عن وطن فى خطر، ومن أجل ورسم خريطة طريق للدولة المدنية الحديثة التى "نريد" العيش المشترك فى كنفها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سوليفان في السعودية اليوم وفي إسرائيل غدا.. هل اقتربت الصفقة


.. مستشار الأمن القومي الأميركي يزور السعودية




.. حلمي النمنم: جماعة حسن البنا انتهت إلى الأبد| #حديث_العرب


.. بدء تسيير سفن مساعدات من قبرص إلى غزة بعد انطلاق الجسر الأمي




.. السعودية وإسرائيل.. نتنياهو يعرقل مسار التطبيع بسبب رفضه حل