الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وظيفة محترمة - قصة قصيرة

عبد الفتاح المطلبي

2010 / 7 / 11
الادب والفن


وظيفةُ محترمةُ - قصة قصيرة


لطالما استطعت أن أحيد عن مرمى تعليقات امرأتي اللاذعةو أتعامل معها بدبلوماسية مفرطة تلافيا لحصول احتقان تاريخي، قد يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه و أقصد بذلك إنه ربما تتوتر شعرة معاوية حتى تنقطع فأنتفض ثائرا بوجه امرأتي و لسانها السليط،لذلك كان علي أن لا أفعل ذلك لكنني اضطررت لفعله فأنا في الحقيقة طوال عمري لم يخطر ببالي و لو ليوم واحد، ساعة واحدة ، لحظة واحدة إنني سأفعل ذلك و ها أنا أفعله ، كيف لي أن أعرف أن اللأمور ستؤول الى هذا السوء، كان يمكن أن أتجنب ذلك، الكثير قالوا لو أنك،... لما... ، و أولهم امرأتي و أولادي الخمسة، بعد ذلك كان كل صباح فيه لو أنك، و كل مساء فيه لو أنك ، قبل النوم ، بعد النوم، آه ياربي كم النوم لذيذ؟ رغم بعض الكوابيس، لكن فيه كثير من الأحلام اللذيذة لذلك و بعد كل تلك الأحداث الجسيمة التي حدثت في البلاد ،لم يعد مرتبي التقاعدي يكفي لجعل فم امرأتي ضاحكا أو مقفلا ما بالك و أفواه أولادي الخمسة الذين صاروا يفتحونها تباعا من الكبير للصغير ، لذلك فإن النوم هو الفسحة الوحيدة التي لا أسمع فيها لو أنك ، لكان كذا، تراني أسارع للنوم مبتدعا الحيلة المشوبة ببعض المكر لكي أجعل النوم متواطئا معي كي يحولني إلى رجل نائم، الكل يعلم ُ ما معنى رجل نائم، لكنني بعد ذلك أستيقظ على صوت امرأتي المجلجل التي لا تجيد في هذه الدنيا سوى اغتنام الفرص للومي حتى على النوم،و في أحيان كثيرة أرى إنها على حق فأهرع إلى أدوات حلاقتي، أحلق ذقني ثم أستحم و أنظر لنفسي في المرآة ، و بهمة سرية أحرص على أن لا يعلم بها أحد أقذف بجسدي الهزيل إلى الشارع المؤدي إلى المدينة قاطعا الشوارع التي أعرفها و التي لا أعرفها عرضا و طولا باحثا عن عمل يلائمني لكنني في النهاية أجلس على الأريكة المهملة في موقف الباص المهجور في ساحة الميدان ، أستريح من عناء المشي على قدمي كل تلك المسافات بلا طائل ثم لا يلبث هذا الزمن السعيد الذي أقضيه في باص الركاب الصغير، الذي يشبه مقاهي النواصي ، لا يلبث ذلك الزمن السعيد حتى ينقضي مستمعا أثناء ذلك و مستمتعا بكل ما يقال دون الإشتراك في حديثهم لأنهم لا يتركون لي شيئا أشارك به رغم رغبتي في المشاركة، لا يتركون لي شيئا لقوله فكلما أود قوله يقال فور التفكير به فأبتلعه و أصمت طوال الطريق، و ها إني أقترب من البيت راجعا خالي الوفاض، سأصبر على أسئلة زوجتي المنقوعة باللؤم و هي تعلم أن كثيرا من المهندسين و المدرسين و جيشا من خريجي الكليات لا يجدون عملا في هذه الأيام فيهرعون مثلي إلى المدينة ، أغلبهم كان ذا بنيةجسدية قوية و لا زال شابا يعمل على رصيف الشارع بائع بسطة أو شيالا في الشورجة يملأ و يفرغ الحمولات على مقربة من السوق ، ماذا أصنع و هذا الفتاق أسفل بطني من الجهة اليمنى يؤلمني، لذلك كنت أدفع بعقلي بعيدا في أقاصي رأسي عندما بدأت امرأتي بتعليقاتها الهادئة و الصامتة أحيانا ، هي مستاءة و متشائمة ما دام مرتبي التقاعدي لا يكفي إلا لعيش الكفاف لا غير و لفداحة هذا الأمر و ما يفضي إليه لا أجد إلا النوم حلا سريعا و سعيدا و عندما مللت النوم و سعادته قررت أن أجرب الجلوس في المقهى الذي يرتاده صديق لي كنت أحسب أنني فعلت معه صنيعا إبان الحرب لذلك كان يدفع ثمن قدح الشاي الذي أشربه و كنت لا أشرب سوى قدح واحد لكي لا أثقل عليه كذلك كنت أقرأ صحفه التي يشتريها بعد أن يفرغ من قرائتها فهو لا يرضى أن يقرأها أحد قبله و لأجل قدح الشاي كنت أقرأ الصحيفة من بعده على مهل قرأت إعلانا عن وظيفة و عندما ذهب صديقي لقضاء حاجة صغيرة اقتطعت الإعلان و دسسته في جيب قميصي و عندما عدت إلى البيت و قبل نوم القيلولة قرأت الإعلان بتمهل شديد ، صرخت زوجتي من خلال الباب هل وجدت عملا؟.. قلت في داخلي بصوت قوي غير مسموع يجوب صداه داخلي المرتج من جلجلة صوت امرأتي نعم ، نعم لقد وجدت عملا ، لقد فضلت الإجابة بهذه الطريقة لأنني بغير ذلك سأجر إلى حديث صاخب لا يخلو من عنف .. أين ,, متى .. كم ؟ سأضطر معه لسماع صوتها الذي صرت أفضل أن لا أسمعه ، ذلك الصوت الذي يشبه جعجعة عربة بائع النفط ذات الحصان الأبلق التي تمر من أمام بيتنا في الوقت الذي أريد فيه النوم ، بعد ذلك تركت صوت زوجتي و جعجعة العربة و رحت في نوم عميق، في نومي حملت العنوان ورحت أبحث عن ذلك البيت و حين حطت قدمي على إسفلت الشارع النظيف و الواسع الذي لا يشبه شوارعنا في أية حال ، شوارعنا بيضاء بلون دقيق التراب، و شوارعهم سوداء ، و تلك الأبواب المنزلقة العملاقة و السيارات الفارهة التي تقف على الرصيف بجدارة ووداعة و الحدائق التي تتدلى من أشجارها ثمار النارنج كأنه البرتقال عند ذلك علمت أنني في حي راق و عندما أدخلوني على السيد الضخم شرح لي وظيفتي قائلا: كل ما عليك فعله هو أن تلبس جلد الدب هذا و أشار إلى جلد دب معلق على شماعة ملابس وسط الغرفة الممسرحة جيدا لهذه اللحظة وقال : بالمناسبة إن جلد الدب هذا جلد حقيقي مدبوغ في سيبريا ، عملك أن تضع رأسك في رأسه و تنظر من خلال عينيه الزجاجيتين البلهاوين لتسلي طفلتي اليتيمة ،إنه عمل بسيط قلت له ياسدي لماذا لا يفعل ذلك الخدم، قال إنهم يرفضون التخلي عن أدوارهم التي تدر عليهم مالا جيدا ثم إن المرء لا يستطيع أن يؤدي دوره بشكل جيد بوظيفتين، قلت ياسيدي أنا طباخ ماهر ، قال: لا نحتاج إلا لوظيفة دب مضحك لأسعاد هذه الطفلة اليتيمة تماما كما في الأعلان و رأيت زوجتي المجلجلة التي لا أدري من أين طلعت وهي تغريني بالقبول، ثم أردف وظيفة لأربعة أيام في الإسبوع براتب جيد ، لا نطلب مهارات ولا شهادات، عند ذلك لبست جلد الدب و جلست أمام الصبية و الصبية تضحك تارة و تبكي تارة أخرى، قالوا لي عندما تبكي الصبية عليك أن ترقص.. ترقص حتى تضحك الصبية فرقصت، و هكذا عدت إلى بيتي بعد أربعة أيام لم أخبر أحدا غير أن صديقي افتقدني لأنه لم يجد من يقرأ له جرائده من بعده و عندما رأتني امرأتي أعد النقود استردت ضحكتها المجلجلة ، فاستيقضت من نومي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لما تعزم الكراش على سينما الصبح ??


.. موسيقى وأجواء بهجة في أول أيام العام الدراسى بجامعة القاهرة




.. بتكلفة 22 مليون جنيه.. قصر ثقافة الزعيم جمال عبد الناصر يخلد


.. الكلب رامبو بقى نجم سينمائي بس عايز ينام ?? في استوديو #معكم




.. الحب بين أبطال فيلم السيد رامبو -الصحاب- ?