الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زيدان و الاديان

مرثا بشارة

2010 / 7 / 11
الادب والفن


زيدان........و الاديان
عندما سُئلت هل تعرفي رواية عزازيل او قراتِ شيئاً منها ؟ ، اجبتُ باني قرات عنها لكنني في حقيقة الامر لم اقرا منها شيئاً .... كان من الممكن ان يكون سؤالاً عابراً و اجابة عابرة ، لكن بحثي الدائم و حبي الشديد للقراءة دفعاني بقوة لمعرفة ماهية هذة الرواية المثيرة للجدل ، فمضيت اقراءها ثلاثة ايام متواصلة حسبما يتسني لي فائض من الوقت ، و في كل مرةٍ كنت استمر في القراءة ما يقرب من الخمس ساعات ، لقد اعجبتني الرواية الادبية الفلسفية المشوقة كثيراً ، اذ في كل مرةٍ كنت اتوقف عن القراءة علي مضض ، منتظرةً ان يحين موعد اخر لمواصلة القراءة فيها و الانتقال مع بطل الرواية لمحطة حياتية اخري ، و رغم كثرة صفحاتها التي تقارب الاربعمائة صفحة الا ان الملل لم يجد اليّ سبيلاً اثناء القراءة ، اذ كنت اشعر و كاني اسير برفقة هذا الراهب ( بطل الرواية ) ، احس معه بحرارة الشمس و سمرة الارض في اخميم و جمال المعمار و رطوبة الجو في الاسكندرية ، ثم برد الشتاء و سحر الطبيعة في حلب ، اري معه وجوه الناس بقبحها و جمالها ، طباع الناس و الوانهم و اوصافهم ، فالكاتب يمتاز حقيقةً بمهارة عالية في الوصف الشعري للاشخاص و الاماكن و الاحداث .
اما من الناحية الفلسفية
فهو يناقش قضية هامة و غاية في الخطورة ، الا و هي العنف و القتل باسم الدين ، و بدي من الوهلة الاولي لعامة القراء ان النموزج الذي قدمه الكاتب انما يطعن في المسيحية ، فثار حنق المسيحيين و علت نبرة الشماتة عند بعض المسلمين – حتي بمجرد سماع الاذن عن الرواية دون قرائتها قراءة عميقة – لكن الامر له بُعد اخر ، فما قدمه الكاتب ما هو الا صورة لما نعيشه اليوم علي ارض الواقع ، و هذة الصورة كانت و باقية و ستظل مادام هناك من يتسربلون بهالة الدين القدسية ليؤثروا و يقودوا العامة المغمضة عن التفكير في الامور بعمق و روية ، فالقاريء بتعمق و موضوعية سيري بوضوح ما اراد الكاتب ابرازه من خلال التناقض بين وحشية بعض المسيحيين و روعة شخص المسيح المبارك و سمو رسالته المعلنة عن المحبة الالهية غير المحدودة لجميع الناس باختلاف الوانهم و اجناسهم .
التشكيك في لاهوت السيد المسيح و جوهر العقيدة
رغم ان الشكوك المعلنة علي لسان ابطال الرواية في مجملها شكوك عادية قد تهاجم الكثيرين علي اختلاف ثقافتهم و خلفياتهم ، الا اني شعرت باحساس عميق ان هذة الشكوك و الظنون
حول شخص المسيح الكريم ما هي الا صراعات دارت معاركها علي الارض الفكرية للكاتب نفسه قبل ان ينطق بها الورق ، و كأن لسان حال الكاتب يقول لولا خلافات المسيحيين لآمنت بالمسيح ، و يبدو هذا من اجلاله العميق لشخص المسيح المبارك ، الي هنا لم تنتهي الرواية ، لقد دفعتني بكل ما فيها من افكار و فلسفات و مفردات و جمل مسيحية كادت تجعلني اصدق كونها مخطوطة حقيقة لمعرفة الروائي نفسه ، ففتشت عنه علي صفحات الشبكة العنكبوتية حتي توصلت لموقع
الدكتور زيدان للتراث و للمخطوطات
علي صفحات هذا الموقع لمست المكنون الثقافي و الفلسفي لشخصية الدكتور زيدان الذي ينسلخ علي رواياته و كتاباته ، فما الكتابات الا بصمات لشخصية كاتبها ، و قد بدت لي هذة البصمات واضحة عندما قرات المزيد من كتاباته ،
عند قرائتي لبعض الفصول من روايته الاولي ظل الافعي لم اشعر بذلك الشغف و تلك الرغبة في مواصلة القراءة ، بل احسست و كانني اعيد قراءة عزازيل مرة اخري ، فالمفردات و الجمل تعيد نفسها امامي ، نفس الاستغراق في سرد كل ما هو جنسي بوصفٍ شعري مثير لجسد المراة ، التي لا يري فيها الا جمال الحوريات من نعومة الشعر البني الكثيف و بياض البشرة الناصع و امتلاء القوام الملفوف ، و الارتباط الوثيق بين الجمال و الخير في المراة ، و كأن جمال المراة البائد هو سلاحها الوحيد لهزيمة الرجل و احتلال قلبه ليصير مستعبداً لها عابداً متصوفاً في محراب شهوته الدائمة للارتواء من جمالها ، ايضاً نفس الاسلوب التشكيكي التهكمي علي كل ماله صلة من وجهة نظر الكاتب بالانجيل و التوراة ، و كأنه يريد بهذا الاسلوب التاكيد علي يقينية الاسلام في داخل اعماقه .
رغم تاكيد الدكتور زيدان عدم تخصصه في علم اللاهوت المسيحي
الا اننا عند قراءة كتاب كلمات نجده دارساً و باحثاً لما كتبه اللاهوتيين و المفسرين المسيحيين ، لكن كما يستمد النبات غذائه من الجذور هكذا غالباً يميل الكتاب و الدارسين في وطننا العربي لصبغة الامور بصبغة البيئة و الثقافة التي نشأوا عليها ، فنجد الكاتب يري العقائد و الايمانيات المسيحية بثيابٍ اسلامية ، بل و عندما يجرؤ علي مجادلة ايمانياته و ثوابته الدينية ، يهرب لاسقاطها علي الديانات الاخري ، فنجده عندما ينبهر و يتامل بجمال المعمار و الفن الاغريفي ، يقول علي لسان هيبا بطل رواياته عزازيل في الفصل الرابع ( سالت نفسي ساعتها هل ستعطي ديانتنا للاجيال التالية جمالاً كهذا الذي قدمته لنا الازمنة الوثنية ؟ ) فالكاتب نسي او تناسي - حتي يجد مخرجاً لمناقشة قضيته – ان الوحي الانجيلي الشريف يقول في رسالة يعقوب الرسول ( كل عطية صالحة و كل موهبة تامة هي من فوق نازلة من عند ابي الانوار الذي ليس عنده تغيير و لا ظل دوران ) فلو كانت المسيحية تحرم فنون النحت و الرسم التي ينبهر بها الكاتب لما كانت اليوم ايطاليا التي انطلقت منها المسيحية للعالم هي متحف العالم المفتوح لفنون النحت و الرسم ، و لا خرج من اوروبا اعظم نحاتي و رسامي العالم امثال مايكل انجلو وليوناردودافنشي و رامبرانت و غيرهم ، فرغم تاكيد المسيحية علي ان العلي العظيم جل جلاله لا يسكن في هياكل مصنوعة بايدي البشر الا انها لا تجرم او تحرم المواهب الفنية التي هي في الاساس منحة من المبدع الاعظم خالق الكون للبعض من بني ادم مثال آخر علي هروب الكاتب للاديان الاخري لمناقشة قضاياه ، عندما يقول في روايته ظل الافعي ( حتي انقضي النصف الاول من حضارة مصر و من حياة سومر ثم تغير الحال ، فجاءت اليهودية لتحرم علي المراة ان تكون حاكمة او قاضية ، بعدما دنس كتبة التوراة بضربةٍ واحدة المرأة و الافعي ) ، و يبدو ان الكاتب ربما لم يقرأ ما يقوله الوحي المبارك في كتاب القضاة التوراتي ( و دبورة امراة نبية زوجة لفيدوت هي قاضية اسرائيل في ذلك الوقت ) و القاضي في ذلك الوقت من تاريخ بني اسرائيل القديم لم تكن مهمته القضاء فقط ، بل ايضاً قيادة الشعب و تدبر كافة اموره ، فلو لم يسطر الوحي الكريم هذا الحق لمَ سبقت نساء اليهود غيرهن في اعتلاء ارفع المناصب في وقتٍ كانت و مازلت تناضل فيه المراة حتي الان في الكثير من البلدان العربية لنيل حقوقها ................هذة مجرد امثلة مما تكتظ به كتابات كاتبنا الجليل .
المؤسف في الامر
ان السب و التهكم و التشكيك في كل ما له صلة بالانجيل و التوراة اصبح هونقطة الانطلاق للشهرة و الاعجاب الجماهيري و القبول الاجتماعي ، بدءٍ من كلية الاثار و كليات الاداب – المفترض فيهم تدريس علم الاثار و علم التاريخ و اللغة العبرية بكامل الموضوعية و الحيادية – و انتهاء بالفنون و الاداب و الاعلام – و هم الاقوي تاثيراً علي السواد الاعظم من المجتمع
في الاخير لا يسعني الا ان اؤكد علي ان الكاتب المبدع د / زيدان يملك من الموهبة ما يجعل الكثير من قرائه يرون الامور كما يراها هو ، فيحبون الاشخاص و يعشقون الاماكن و يعيشون الاحداث ، لكن تُري كم منهم يستطيع فهم اطروحاته الفلسفية بين السطور ؟ و تُري هل سيتحلي بموضوعية و حيادية العالِم أم انحياز الكاتب في كتاباته القادمة ؟
اليس الكاتب انسان و الانسان ما هو الا مجموعة متناقضات ؟ ، فلنحاكم ما نقرأ .










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أقرب أصدقاء صلاح السعدني.. شجرة خوخ تطرح على قبر الفنان أبو


.. حورية فرغلي: اخترت تقديم -رابونزل بالمصري- عشان ما تعملتش قب




.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث