الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


14 تموز ونزاهة الزعيم عبد الكريم قاسم

خالص عزمي

2010 / 7 / 11
مواضيع وابحاث سياسية




أتمنى الا يعني التركيز على نزاهة الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم هو مجرد تكثيف لناحية فردية تختص به شخصيا وحسب ؛ وما يؤديه هذا التوجه الى حصره في زاوية أخلاقية مجردة و ضيقة ؛ ذلك ان العهد الذي قاده منذ صبيحة 14 تموز عام 1958 برمته قد نبع ثم اتسم بعدئذ بهذه الصفة المبدأية الرفيعة طيلة تلك الفترة القصيرة التي عاشها ذلك الحكم الوطني : فنزاهة الزعيم قاسم ؛ لم تتقوقع حول نفسها في دائرة الذات ؛ بل انها شملت مجمل قرارات وخطوات النظام بأكمله ... لقد
: شملت وأنعكست بالتالي على كل جزئيات السلطات المعبرة عن أرادة الدولة ( التشريعية ؛ التنفيذية ؛ القضائية ) ؛ و ان مرد ذلك بنظري يرجع اساسا لأهم منبعين لتلك النزاهة وهمـــــا
( الصدق مع الذات والعدالة في التطبيق )
من البدهي ان النزاهة لا تكمن في الجانب المادي الملموس وحسب ؛ بل تطغى على مجمل العوامل المعنوية التي تحرك وقائع الماديات ؛ فلو رجعنا الى ابرز انجازات ثورة 14 تموز ؛ نجدها لا تبتعد كثيرا عن مفهومي الصدق والعدالة ؛ فالقانون رقم 80الذي حدد المناطق النفطية وانتزع حقوق الشعب من الشركات الاجنبية الكبرى ؛ وقانون الاصلاح الزراعي الذي أنصف الفلاحين ؛ وقانون الاحوال الشخصية الذي حقق للمرأة شيئا من أحلام المساوة ؛ وأنشاء المصانع والمعامل على قدرالامكانيات المتاحة و الذي فسح المجال واسعا امام الانتاج الوطني ودفع بالعمال للتفاني في سبيل ادامة وتطوير ذلك الانتاج الجاد المثمر؛ ناهيك عن انشاء مستشفيات الجمهورية في عموم المحافظات ؛ وبناء المساكن لمختلف الطبقات وبخاصة الفقيرة منها عن طريق الجمعيات المتخصصة ؛ ان هذه وغيرها كثير لقادرة على اعطاء الصورة الحقيقية الفاعلة لما عملت عليه بل ثورة 14 تموز من خلال عدسات ناظور النزاهة التي لم تكن تهدف الى نفع مادي او كسب شخصي بل كان جل مطامحها منصب اساسا على تكريس الفعل الفردي ليكون عملا شعبيا شاملا ؛ دونما تفريق او تمايز بين جهة او اخرى .

ان هذه النزاهة بالذات قد فعلت فعلها المتين من خلال ابرز اركان السلطة الذين بذلوا ما في وسعهم ليكونوا اقرب الى مفاهيم زعيم البلاد في هذا الجانب الآساسي من تصرفاته واخلاقياته و ذلك من خلال قيامهم بواجباتهم ومسؤولياتهم المناطة بهم بأمانة وشرف ؛ فنحن الذين عاصرنا مجريات تلك الحقبة واحداثها وما احاط بها من تفاصيل ؛ لم نسمع ابدا عن فساد مالي او اداري قد دب بين صفوف تلك الصفوة الحاكمة على اختلاف انتمائاتها وطوائفها ؛ كما لم نسمع ـ حتى من قوى المعارضة ـ ما يشير الى فضائح مالية كبرى حدثت ايام تلك الثورة المجيدة .
اما القضاء العراقي فقد كان ــ كما عرف عنه ــ مثالا يحتذى به في العفة وطهارة الوجدان واليد ؛ فلم يدر في الأوساط القانونية او الاجتماعية يومها ما يشيرالى عدم نزاهة احد القضاة او تلبسه بتهمة الرشوة ؛ او استغلال المحسوبية او او المنسوبية لاصدار قرارات لاتتفق مع القانون او تتجاوز حدود النص ؛وما قضية الحزب الاسلامي العراقي( كمثال على ذلك) ؛ ببعيدة عن صفحات تاريخ العراق المعاصر ؛ ففي عام 1960 تقدم عدد من رواده الراغبين بقيام الحزب الى وزارة الداخلية بطلب وقعت عليه الهيئة المؤسسة ترجو فيه الموافقة على أجازته ؛ الا ان وزير الداخلية يومها رفض الطلب حسب صلاحياته ؛ عندها رفعت الهيئة المؤسسة دعواها امام القضاء طالبة نقض ذلك القرار الاداري ؛ فلما عرضت القضية على محكمة التمييز أجتمعت الهيئة العامة برئاسة رئيس محكمة التمييز و اصدرت قرارها العادل بنقض قرار الرفض والزمت وزير الداخلية باجازة الحزب .

لايمكن لاي انسان غير سوي ان يلتزم بالنزاهة وامامه كل مغريات الحياة المادية والمعنوية ؛ ولكن الانسان السوي المستقيم يمكنه الوقوف ضد كل تلك المغريات اذا اتسم بالصدق مع الذات المرتكز على الشجاعة ايضا ؛ فالبعد عن كل تلك الدوافع المادية يقتضي من أي فرد التحلي بالشجاعة في رفض الدنايا مهما كانت بواعثها ودوافعها ؛ و وذلك النوع من الشجاعة يقتضيه اطار من الضبط والانضباط ايضا ؛ والا تحولت بالتالي الى حماقة وانفاعل آني وفوضى ؛ والزعيم عبد الكريم قاسم ؛ عرف في كل ادواره العسكرية ؛ بأنه كان شجاعا ومنضبطا ؛ ومن هنا جاء تعلقه بالنزاهة والامانة ومكافحة المغريات الحياتية بمختلف انواعها .

تأسيسا على كل هذا الذي عرضنا موجزه ؛ فان نزاهة الزعيم عبد الكريم قاسم ؛ لم تكن نزاهة فردية اجمع عليها الشعب ويشير لها بالتجلة والاحترام وحسب ؛ وانما هي نزاهة تركت بصماتها الواضحة على مجمل مسيرة تلك الفترة الوطنية التي لم يكتب لها ان تستمر لاقل من خمس سنوات اذ أجهزت عليها عواصف كاسحة شتى( داخلية وخارجية) لامجال لبحثها فهي خارج نطاق الموضوع الذي حددنا عنوانه
شيء أخير : ان النزاهة في جوهرها واطارها العام لاتتجزأ في فحواها ومفهومها الشامل ؛ ففي عصرنا الحالي نعبر عن النزاهة باسطلاحات شتى تؤدي جميعا الى المقصود من معناها الخاص ؛ كقولنا : نزاهة في التحكيم الفني والادبي والرياضي ؛ ونقصد به العدل في الموزانة فيما بين مختلف الاطراف ؛ ونزاهة في النقد ؛ ونقصد به النقد الموضوعي ؛ والنزاهة في المال العام ونقصد بها العفة والابتعاد عن التلاعب به بأية صيغة غير مشروعة ؛ والنزاهة في القضاء ؛ ونقصد به الصدق في اصدار الاحكام المستندة الى القانون ولا غيره .... الخ اما في المعاجم العربية فيشار الى النزاهة بأنها : البعد عن السوء وكل مكروه ؛ والتابعد عن الشبهات بل ويذهب بعض منها الى المعنى الاوسع الا هو حب الخير والتحلي بالحكمة والامانة وصدق وعفة الضمير ؛ ومن هنا جاء تعريف الشخص النازه بأنه العفيف المتكرم والذي ينزه نفسه عن كل قبيح .

أنزه في روض المحاسن مقلتـــي
وأمنــــــــــع نفسي ان تنال محـــرما








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الأخ الكريم
محمد علي محيي الدين ( 2010 / 7 / 11 - 10:03 )
تحياتي لك أستاذي الكريم وأود أن ابين أن نزاهة قاسم ونزاهة عهده لم تتكرر في العهود التالي ووصلت الى صورتها الماردية في العهد الصدامي الأغبر لتصل ذروتها هذه الأيام في ظل الفوضى الحاصلة في العراق مما جعل العملاء والمأجورين يتباكون على العهد الملكي ناسين ةميزة العهد القاسمي وأن لصوص العراق هم الحاليين هم من أسهم في قتل عبد الكريم وأجهاض ثورته وراجع تاريخهم فستجد العجب العجاب


2 - حول النزاهة
شوكت خزندار ( 2010 / 7 / 11 - 10:04 )
أتفق معكم حول الزاهة .. اتمنى تتناول فترة الزعيم الراحل عبدالكريم قاسم في مادة أخرى من الناحية السياسية .. حيث في السياسة لا توجد مكان في النزاهة والقيم والاخلاق مطلقاً فالزعيم كان جاهلاً في أمور السياسة بكل ما تعني العمل السياسي .. فالسياسة لدى الراحل عبدالكريم موضوع هام ، أتمنى أن تتناوله لاحقاً فشكراً لكم ولموضوعكم الشيق
فشكراً لكم الاستاذ خالص عزمي


3 - شكر لابد منه
خالص عزمي ( 2010 / 7 / 11 - 17:37 )
الاستاذ الفاضل شوكت خزندار المحترم
لك الشكر والتقدير على ما أبديت ؛ اما الموضوع الذي تفضلت باقتراحه ؛ فلربما سيأتي وقته بمناسبة اخرى غير هذه التي تركزت على جانب واحد هو النزاهة حيث لا يختلف عليه اثنان منصفان ؛ ودمت معززا مكرما
الاستاذ الكريم محمد علي محي الدين المبجل
يسرني ان أقرأ كلماتك وألمس من خلالها ادراكك لما قصدت اليه من مقارنة بين ما كنا عليه بالامس الذي نتحدث في سماته و اليوم الذي تدهورنا فيه الى هذا الدرك الذي وصلنا اليه من حياتنا العامة
وسلمت بنعمة الامان
خالص عزمي


4 - قوى الردة المتأمرة على ثورة 14 تموز الخالدة3
مقدام صابر ( 2010 / 7 / 12 - 15:22 )
كان للقوى الإقطاعية التي تعرضت مصالحها الطبقية الضيقة إلى ضربة كبيرة بإصدار حكومة ثورة 14 تموز 1958 قانون الإصلاح الزراعي، فعملت بكل الوسائل لإسقاط حكومة الثورة، وتوافق ذلك مع العقلية المعادية للديمقراطية لقيادة الجمهورية العربية المتحدة ليتكون حلف غير مقدس،ضم القوى القومية العربية والكردية المتعصبة في العراق، والقوى الإقطاعية والرجعية وبقايا النظام الملكي البائد، بإشراف ودعم مباشرين من قبل الإمبريالية الأمريكية، إذ يسجل إسماعيل عارف التالي: «ويحضرني الآن ما جرى في لقائي بالملحق الجوي الأمريكي بواشنطن في أواخر خريف 1985. فبعد حديث قصير أدخلت في روعه إنني متذمر من الوضع في العراق لكي اكتشف ما لديه من معلومات طازجة عن الأوضاع في المنطقة العربية إذ أنه قد عاد لتوه من سوريا فقال إن الوضع في العراق سينتهي قريباً». (إسماعيل عارف، أسرار ثورة تموز، ص286).

وكانت الجمهورية العربية المتحدة على علاقة وثيقة بما كان يجري من تآمر. وقلت له كيف تتعاون مع الرئيس عبد الناصر والولايات المتحدة في خصومة شديدة معه، فقال إن الأمور تبدلت، لأن الخطر الشيوعي في العراق قد استفحل وأصبح القضاء عليه من مصلحة الطرفين. (المصدر السابق ص 280).

وجاء على نفس الصعيد في تقييم لحنا بطاطو «وسبب معارضة شيوخ عشائر شمر من آل الياور الذين يعيشون في لواء الموصل لثورة 14 تموز ومشاركتهم في المؤامرة لإسقاطها هو صد


5 - شكر آخر
خالص عزمي ( 2010 / 7 / 12 - 21:19 )
الاستاذ مقدام صابر المحترم
ان تحليلك وتعليلك المدون في اعلاه موضع تقديري العميق ؛ فلك الشكر على اغنائك المقال بما جدت به تأكيدا للحقيقة التي نسعى اليها

وسلمت من كل مكروه
خالص عزمي


6 - في ذكرى إشراقة شمس الرابع عشر من تموز
الدكتور مجيد القيسي ( 2010 / 7 / 13 - 20:04 )
الى اخي الاديب الالمعي ألأستاذ خالص عزمي

ما أحلى وأدعى الى الوفاء أن نضيء شمعة بيضاء
في المحراب (المفترض) لهذا الرجل العظيم النزيه
الطاهر الذيل.
فما أكرمها من مناسبة مباركة قد خلدها
يراعك الوفي الذي عبر عن وفاء شعب
وحب أمة ؛ لزعيم مر كومضة برق في
حلكة ظلام دامس....
رحم الله (عبد الكريم) لعشقه تربة العراق
ولفضله وتواضعه وسعيه لخير الفقراء ؛
وغفر الله له إن إجتهد فأخطأ. وسبحان من
لا يخطئ.

في ذكرى إشراقة شمس الرابع عشر
من تموز ؛ وذكرى كسوفها التام

ها هي ذِكرى أملٍ توهجَ
ثم خبا
في يومٍ أسودَ كالقـــار
او كدخان قِطارٍ
مُحَمَّلٍ بالعار
---------
وحوريةٌ تحملُ شمعة كافورٍ
والنـــذور
وباقةً من ألآسِ
وترنيمة الشهيد
ودمعةٌ حــــرَّىَ
---------
وبين ألوفِ الحُفرِ والقبور
وشُطآنِ (ديالىَ)
و(القنـــاة)
تدورُ..... وتــــدور
ولكنْ ؛ هل لشهداءِ الغـــدرِ
قبـــور!؟

الدكتور مجيد القيسي

اخر الافلام

.. بهجمات متبادلة.. تضرر مصفاة نفط روسية ومنشآت طاقة أوكرانية|


.. الأردن يجدد رفضه محاولات الزج به في الصراع بين إسرائيل وإيرا




.. كيف يعيش ربع سكان -الشرق الأوسط- تحت سيطرة المليشيات المسلحة


.. “قتل في بث مباشر-.. جريمة صادمة لطفل تُثير الجدل والخوف في م




.. تأجيل زيارة أردوغان إلى واشنطن.. ما الأسباب الفعلية لهذه الخ