الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اسرائيل ونحن...بلا تشابيه

زينب رشيد

2010 / 7 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


لم تقتحم حتى اللحظة كاتبة أو كاتب فلسطيني، محظور المقارنة بين ماهو فلسطيني وعربي وماهو اسرائيلي، فتلك منطقة شوكية قاتلة تهديدا وتخوينا وتكفيرا، لكني أرى أنه لابد من تجريب ماهو صادم مع شعوبنا ومجتمعاتنا عسى أن يفيقوا من سباتهم الذي طال جدا، ويقتنعوا أن الحل لمشاكلهم ومشاكل أبنائهم وبناء مستقبلهم لا يكون بالاعجاب بالتجربة الاسرائيلية - رغم انها تستحق الإعجاب فعلا - ولا العيش تحت ظلالها من خلال التمسك أو محاولة الحصول على الهوية الاسرائيلية، انما الحل يكمن بالعمل من أجل الخلاص من أنظمتنا الديكتاتورية الاجرامية، والعبور باتجاه بناء الدولة المدنية العلمانية التي تتسع لجميع أبنائها وتصون حقوقهم وكرامتهم.

وعليه وحتى أكون واضحة أمام الجميع فان هذا المقال وغيره من المقالات التي تتناول الوضع في بلداننا العربية وتقارنه مع الوضع الداخلي الاسرائيلي، ليس القصد منه الدفاع عن اسرائيل، أو تلميع صورتها، لان العرب يعرفون أكثر من غيرهم ان اسرائيل قادرة على الدفاع عن نفسها بشكل يتجاوز ذلك الى حالة هجوم متواصلة ومستمرة منذ تأسيس الدولة الاسرائيلية ، أما بخصوص تلميع صورة اسرائيل، فان التصرفات الاسرائيلية مهما بلغت من تهور، والقرارات الاسرائيلية مهما كانت وخيمة النتائج على الآخر، فان هناك ماكينة اسمها ماكينة العلاقات العامة يُخصص لها ميزانية فوق العادة، وتعمل بكامل طاقتها على مدار الساعة حول العالم في أوساط صُناع القرار في العواصم المؤثرة، وفي قلب وسائل الاعلام العالمية الأكثر تأثيرا في صناعة الرأي العام وقولبته وتوجيهه باتجاه معين، لتعيد هذه الماكينة الأمور الى ماكانت عليه وأفضل قبل قرار حكومي أهوج أو تصرف أرعن للجيش الاسرائيلي، طبعا الحكومات العربية غير معنية ولا تهمها سمعتها البتة. اذا، الغرض الوحيد من هذه المقالات هو توضيح الى اي مدى وصل حال العرب من تدهور وتخلف وانحطاط، وحال حكوماتهم وما وصلته من مستوى رفيع في التسلط والاجرام.

القوة التي وصلتها اسرائيل ومكنتها من الغرور والتجاوز على الجميع، ما كان لها أن تكون إلا في ظل وجود دولة ديمقراطية يخضع الجميع فيها لسيادة القانون من الغفير الى الوزير وصولا الى الرئيس، ومازال الحال القانوني الذي وصل اليه الرئيس السابق موشيه كاتساف ورئيس الوزراء السابق ايضا ايهود اولمرت ماثلا أمام أعيننا، فلا أحد فوق القانون في اسرائيل. اذن الديمقراطية ودولة القانون والحريات المكفولة دستوريا وما يستتبع ذلك من تكافؤ للفرص وشفافية ومحاسبة كلها أسباب تؤدي بأي دولة مهما كانت ضئيلة الموارد، وليس اسرائيل فقط، لأن تكون في مصاف الأمم، وغياب ماذكرته اعلاه يؤدي الى عكس ذلك فنجد أن أي دولة، ومهما بلغ مستوى مواردها الاقتصادية والبشرية فانها تتراجع الى ذيل قائمة الدول تخلفا وانحطاطا، وهذا حال غالبية دولنا العربية.

حين توفي الأسير محمد سلام عابدين في السجون الاسرائيلية في العاشر من شهر حزيران الماضي، بلغ عدد الأسرى الفلسطينيين الذين ماتوا في السجون الاسرائيلية 199 أسيرا منذ احتلال اسرائيل للارض الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967 وهو رقم مُدان ومستنكر وكبير أيضا، ولكن ما لا يعرفه العرب، أو انهم يعرفونه ولا يحبذون الخوض فيه، ان هذا الرقم يعتبر لا شيئ اذا ما قورن بعدد الفلسطينيين الذين قضوا في سجون "حماس" و"فتح"، أو سجون السلطة بعهديها الفتحاوي والحمساوي على قصر عمرهما. في الحقيقة أنه لا أرقام مؤكدة لعدد هؤلاء وهنا تكمن قمة المآساة، ولكن أقل هذه الارقام هي ستمائة فلسطيني قضوا على أيدي "حماس" بعد انقلابها الأسود، في حين ان منظمات حقوق الانسان ومؤسسات المجتمع المدني العاملة في الضفة الغربية تتحدث عن خمس وثلاثون فلسطينيا قضوا في السجون التي تشرف عليها حركة "فتح".

واذا ما تحدثت عن وضع السجون السورية كحالة عربية على سبيل المثال يكفي أن أطلب من القارئ والقارئة الكرام قراءة التقرير الذي يتحدث عن سبعة عشر ألف مفقود في سوريا في سنوات الخوف الأسدية التي بدأت مع انقلاب تشرين الثاني عام 1970، ناهيكم عن رقم يتعدى الألف قضوا داخل زنازينهم في سجن تدمر الصحراوي مطلع الثمانينيات بعد محاولة اغتيال الديكتاتور الأكبر، وآخر مجزرة علنية ارتكبت بحق السجناء كانت قبل عامين تقريبا في سجن صيدنايا وراح العشرات من السجناء العزل ضحايا لنظام الديكتاتور الابن. وآخر موقوف سوري تم قتله تحت التعذيب هو الشاب محمد الكبيسي الذي قضى تحت أرجل عناصر وضباط الأمن الجنائي في دمشق.

دائما ما يشكو العرب والفلسطينيين من سوء معاملة السلطات الاسرائيلية لاهالي المعتقلين أثناء زيارتهم لابناءهم وبناتهم، مع انهم يمرون مرور الكرام على ذكرى عشرات الالاف من المعتلقين الذين فارقوا الحياة تحت احذية سجانيهم في الدول العربية دون أن يتمكن أغلب أهالي هؤلاء من رؤية أبناءهم، أو حتى يعرفوا مصيرهم، ولأن الشيئ بالشيئ يذكر فلن ننسى هنا الشاب المصري خالد سعيد الذي فارق الحياة بين أرجل عناصر الأمن المافيوي المصري.

مسألة أخرى يحجب حقيقتها الاعلام العربي الغوغائي، وهي حقائق الوضع في المناطق الخاضعة للسيادة الاسرائيلية المباشرة، أرضا وهوية، كذلك لا يريد هذا الاعلام أن يجيبنا على أسئلة ضرورية وحيوية جدا مثل: ما الدافع وراء استماتة أهالي الضفة الغربية على الحصول على الهوية الاسرائيلية من خلال تزويج بناتهم لحاملي هذه الهوية أو محاولاتهم الحثيثة لايجاد زوجات لأبنائهم من داخل الخط الأخضر سعيا وراء الحصول على هوية الأعداء، وأحيانا كثيرة يلجأ الفلسطينيون الى مكاتب محاماة مختصة بكيفية الحصول على الهوية الاسرائيلية لزبائنها مقابل آلاف الشواكل، واذا استطاع هذا الاعلام ايجاد المبرر للفلسطيني في أن يفعل ذلك مادام التزاوج بين الفلسطينيين أنفسهم، فأي مبرر لثلاثون الف مصري تزوجوا من اسرائيليات عربيات وغير ذلك سوى الحصول على حق الاقامة والعمل في اسرائيل وصولا الى الحصول على الهوية الاسرائيلية هربا من الظلم والفقر والجوع والقهر والنوم في المقابر وأحياء القمامة، علاوة على انه ربما يكون مصيرهم مثل مصير خالد سعيد هرسا تحت أقدام ضباط الأمن ومخبريهم.

بعيدا عن استطلاعات الدجل والمزايدة الرخيصة والمبتذلة التي يمتهنها الاعلام العربي ويساعده فيها للاسف اغلبية شعبية في الشارع الفلسطيني، فان الفلسطيني لا يستبدل هويته الاسرائيلية بأخرى فلسطينية بأي ثمن وتاليا فهو غير مستعد لاستبدال السيادة الاسرائيلية التي يقبع تحتها وما توفره له هويتها من امتيازات بأخرى فلسطينية وما تجلبه من قهر وحرمان على الأقل في الظروف الفلسطينية الحالية. هذا هو حال جميع سكان القدس من الفلسطينيين الذين يحملون بطاقة الهوية الاسرائيلية، وهو الحال الذي يشاركهم فيه أيضا أبناء الجولان السوري المحتل، فرغم كل ما نشاهده من مزايدات وطنية على شاشات الفضائيات العربية فان وضع أي من سكان الجولان أمام خيار البقاء تحت السيادة الاسرائيلية أو العودة لسيادة الوطن الأم سوريا، فانه لن يتردد أو تتردد باختيار البقاء تحت السيادة الاسرائيلية.

انهم معذورين جدا في ذلك فواقع الحال المزري في سوريا هو آخر ما يفكر أهالي المجتمع الجولاني في أن يكونوا جزءا منه حيث يبدون كمن ينتقل من الجنة الى النار، وهو توصيف لا يرفع من قيمة الحياة داخل اسرائيل وتحت سيادتها بقدر ما يسلط الضوء على الهاوية والمنحدر التي وصلت اليه سوريا في ظل حكم الديكتاتور وابنه وأجهزتهما الفاسدة والمتسلطة والاجرامية، وفي الحالة الفلسطينية فان هذا التوصيف يسلط الضوء على حجم الفساد الرهيب الذي نخر جسد السلطة منذ تاسيسها، رغم تحسن الحال كثيرا قبل ثلاث سنوات وحتى الان ورغم الأفضلية التي يتمتع بها الوضع الفلسطيني اذا ما تمت مقارنته بكل الدول العربية باستثناء الدول الخليجية، و كذلك سيطرة العصابات المسلحة ابان انتفاضة الأقصى على مقدرات المواطن الفلسطيني وربما حياته في كثير من الحالات والخوف من عودة مجتمع الضفة لتلك الأيام السوداء في أي لحظة، وهذه أسباب أكثر من كافية لأن يختار من هم تحت السيادة الاسرائيلية بقاء الوضع على حاله بعد أن كانوا جزءا أصيلا من انتفاضة الحجارة الأولى.

كم من أبناء الشعب السوداني الذين نشعر معهم أن تحرير فلسطين من البحر الى النهر سيتم على أياديهم، اذا ما التقت تلك الفضائيات العربية معهم في أحد البرامج، في حين نسمع أنباءهم يوميا وهم يتسللون عبر سيناء باتجاه اسرائيل وأغلبهم يموت في الطريق إما قتلا أو تيهاٌ، هربا من جحيم الديكتاتور المطلوب للعدالة الدولية عمر حسن البشير. باستطاعة من يصل الى اسرائيل الوصول الى غزة، لا بل ان الوصول الى غزة أسهل بكثير من الوصول الى اسرائيل، ولكن الأخوة من السودان واريتريا والصومال هدفهم الوصول الى اسرائيل لتغيير حياتهم والبحث عن مستقبل لهم ولأولادهم، وليس تبديل جحيم السودان وجنجويده والصومال وجماعاته الاسلامية بجحيم غزة وعصاباتها الحمساوية المقدسة.

الصورة الحقيقية لاوضاعنا سوداء قاتمة سواد تاريخنا في قرونه الأربعة عشر الأخيرة، قانية حمراء بلون الدم الذي صبغ ذلك التاريخ حتى أخال ان الحروف التي أقرأها في صفحاته قد كتبت بمداد من دماء البشر، ولكني مازلت متفائلة بأن نورا خافتا يلوح في الأفق، لأن شعوبنا تستحق غير ذلك تماما، وهروب السوداني والصومالي باتجاه اسرائيل هو نوع من التمرد على الواقع الموجود هناك، كما هو تشبث الفلسطيني والجولاني ومحاولتهم الحصول على الهوية الاسرائيلية، هو رفض للواقع الموجود ودعوة لتغييره بما لا يجعلهم يلجؤون لمن مازال في عداد العدو.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الهروب من الوطن
فراس فاضل ( 2010 / 7 / 11 - 09:22 )
كلامك صحيح جدا سيدتى العزيزه --لو فتحت ابواب القنصليات الاوربيه مثلا للعراقيين فسوف نجد كل العراقيين يهربون الى اوربا --ليس طمعا بالكهرباء ولكن طمعا بالحريه والامان التى نفقدها نحن العرب والمسلمين --كل حياتنا خطوط حمراء وممنوع من كل شىء --ممنوع الكلام وممنوع التظاهر وممنوع كل شىء فقط مسموح للدشداشه المينى حوب والمحابس واطاله اللحى ---وصدق من قال العرب اكثر الشعوب غناء بالوطن واكثرهم هروبا من الوطن سوف ياتى يوما لا يبقى فى الوطن غير الحكام واللصوص--يالله مو مشكله المهم موجود الدين والعروبه فى الوطن وليس مهم ان يموت الشعب من الجوع او العطش او المرض --

اخر الافلام

.. فرنسا: القيادي اليميني المتطرف إريك زمور يتعرض للرشق بالبيض


.. وفد أمني إسرائيلي يزور واشنطن قريبا لبحث العملية العسكرية ال




.. شبكة الجزيرة تندد بقرار إسرائيل إغلاق مكاتبها وتصفه بأنه - ف


.. وزير الدفاع الإسرائيلي: حركة حماس لا تنوي التوصل إلى اتفاق م




.. حماس تعلن مسؤوليتها عن هجوم قرب معبر -كرم أبو سالم- وتقول إن