الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أضوء 14 تموز 1958 و آثام الماضي

جاسم العايف

2010 / 7 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


جاءت ثورة 14 تموز 1958 الوطنية الديمقراطية بعد نضال مرير حافل بالتضحيات الجسيمة التي قدمها الشعب العراقي , وقواه الوطنية ضد محاولات السيطرة الكولونيالية التي رعت تأسيس المملكة العراقية أبان نشوئها ، مُحكمة الطوق على العراق المعروف بغنى ثرواته ، التي تم وضع الخرائط لها من قبل المستكشفين الأوائل ، رسل المملكة المتحدة ،والذين وضعوا البرامج لإحكام السيطرة على العراق، لما له من موقع ستراتيجي مهم ، ولقد قاومت الروح العراقية المتمردة كل المخططات الاستعمارية لإلحاق العراق كمحمية بريطانية من خلال التبعية بالإمبريالية في تطلعها وشراستها للتحكم بالعالم و بالمنطقة العربية، وقادت القوى الوطنية العراقية صراعاً متواصلاً ضد الارتباط بالأحلاف العسكرية العدوانية التي كانت تطبق على العراق كما قاومت الحكام الذين مهدوا لتلك الأحلاف عبر ديمومة الحكم الإقطاعي واستبداده وتعسفه السياسي المتواصل. لقد احتدمت الصراعات الجماهيرية الاجتماعية- السياسية من اجل انبثاق الوطن العراقي عبر نضاله الوطني الديمقراطي ولم تعرف الساحة العراقية الوثابة هوية غير الهوية الوطنية وروح المواطنة العراقية نبراساً في كل الوثبات والانتفاضات والاحتجاجات المدوية التي كانت تضع المواطنة العراقية كتحصيل حاصل في طريق النضال الشعبي- الوطني الديمقراطي من اجل كنس الاستعمار البريطاني وممثليه الذين تعاقبوا على حكم العراق بالحديد والنار وإنزال أقسى العقوبات بقادة الروح الوطنية العراقية بالسجن والنفي والتشريد والإعدام، ولم يكن العراق وروح شعبه الوطنية الوثابة غائبا عن كل التاريخ العراقي منذ نشوء المملكة العراقية ، ولم يهادن الوطنيون العراقيون وأحزابهم وكل شرائحهم ومكوناتهم الاجتماعية ، الممتدة على خارطة العراق، الحكم الاستبدادي الإقطاعي رغم موجات التعسف والإرهاب المتعاقبة وبقي العراقيون يطاولون الحكم الملكي وممثليه من الإقطاعيين والرجعيين من اجل لحظة التغيير الحاسمة تجسيدا للصراع الاجتماعي-السياسي المتواصل ، الذي شهد صعوداً ونزولاً وتراجعاً وتقدماً حتى اكتسحت الجماهير العراقية مواقع الإقطاع والتبعية والرجعية في لحظة باهرة تميزت بجرأة الفصائل الوطنية العسكرية المرتبطة بالشعب العراقي وقواه الوطنية- التقدمية فأجهزت على الحكم الملكي في صبيحة 14 تموز 1958 بإسناد شعبي منذ اللحظات الأولى لذلك الفجر الباهر في تاريخنا المعاصر. وامتد ضوء 14 تموز ليضيء الطريق لملايين العراقيين من الشغيلة والفلاحين والنساء والمثقفين والشباب الذين اندفعوا لصناعة تأريخهم و لتأسيس منظماتهم المهنية على طريق إرساء المجتمع المدني وتقاليده التقدمية وقيمه التنويرية حيث كانت الأحداث الكبرى العاصفة التي أسس لها فجر 14 تموز 1958 نتيجة حتمية فرضتها المستجدات والضرورات الموضوعية والتاريخية لارتقاء الشعب العراقي سلم التطور السياسي- الاجتماعي . لقد دشنت ثورة 14 تموز مرحلة إنجاز مهمات الثورة الوطنية الديموقراطية من خلال تعزيز الاستقلال السياسي والتطور الاقتصادي وإشاعة الحريات الديمقراطية ورفع المستوى الاجتماعي للعراقيين وخاصة للشرائح الهامشية والمضي في طريق التحولات الاجتماعية النوعية في المدن والأرياف اعتمادا على الوعي الوطني الذي تميزت به جماهير العراق وأحزابه و نخبه السياسية-الثقافية ، وعلى اللحظات الثورية المتنامية للمزاج الجماهيري الجارف في مرحلتها الأولى ، حيث قامت ثورة 14 تموز بإجراءات حاسمة سريعة لتقويض مواقع الاستعمار الاقتصادية - السياسية وفي مقدمتها الانسحاب من حلف بغداد وإلغاء معاهدة 1930 العبودية الجائرة ، وكان ذلك دعماً لحركة التحرر الوطني العربية وهي تخوض أشرس معاركها التحررية ، و خطوات أخر منها تحرير العملة العراقية من قيود منطقة الإسترليني، وسن قانون /80/ الذي أعاد للشعب العراقي / 99% / من الأراضي العراقية ذات الخزين النفطي الهائل ، وتجريد شركات النهب الاستعماري النفطي من قدراتها في إلحاق الأذى بالعراقيين عبر عرقنة الإدارات في تلك الشركات،و اعتماد سياسية خارجية منحازة لقوى التقدم والنضال التحرري في العالم ، كما عملت ثورة 14 تموز على إحداث تغييرات وتبدلات جوهرية في هيكلية الواقع الاجتماعي من خلال إصدار قانون العمل والضمان الاجتماعي لصالح الطبقة العاملة العراقية ، وقانون الإصلاح الزراعي الذي فتت البنية الإقطاعية من خلال تحديد الملكية وتوزيع الأراضي على الفلاحين ، والسماح بإنشاء جمعيات تعاونية فلاحيه لكسر الهيمنة الإقطاعية في الريف،كما ساهمت النخب الثقافية العراقية في الحراك الاجتماعي الذي تفجر بعد الثورة من خلال المنظمات الثقافية- المهنية التي أسست بعيدا عن تحكم السلطة أو إغراءاتها . وعمدت الثورة إلى إحداث تطورات بنيوية مهمة في المجتمع العراقي من خلال سن قانون جديد ومتقدم للأحوال الشخصية الذي واجه ، ولا زال يواجه حتى الآن ، معارضة شرسة من قبل القوى النكوصية ، والاعتراف بالحقوق القومية للشعب الكردي دستوريا وفعليا، وفسحت المجال للتنظيم النقابي والمهني والحزبي ، وبدأت في خلق أسس التقدم الاجتماعي من خلال التخطيط العمراني والصناعي الذي اعتمدته الثورة في سنتها الأولى حيث عمدت إلى خلق الركائز الأساسية لقيام المؤسسات الصناعية الإنتاجية و تبديل المناهج الدراسية وتعميم المدارس في الأرياف والقصبات النائية وتأسيس جامعة بغداد بروح مهنية عالية مستقلة وإسناد رئاسة الجامعة إلى شخصية علمية –عالمية عراقية لامعة بغض النظر عن دينه أو طائفته ، وانحسرت كل القوى الرجعية متخاذلة أمام الزخم الجماهيري العراقي الذي كان سياجا واقيا للدفاع عن الثورة ومنجزاتها في مرحلتها الأولى بالذات ، إننا هنا لا ندافع عن التجاوزات والأفعال الهمجية التي رافقت بعض مراحل تلك المرحلة والتي اندفعت لتأيدها قوى سياسية تقدمية كان عليها أن لا تصاب بقصر النظر السياسي و مخاطبة الشارع تنظيميا و إعلاميا على وفق همجية الغرائز المتدنية . مع علمنا إن تلك المرحلة بحثت و قيمت بوضوح لا لبس فيه من اطراف محايدة قامت بدراستها بموضوعية وأمانة وتجرد كاشفة الكثير من الخفايا والالتباسات التي تم طمسها في حينه. وما أن بدأ الزعيم عبد الكريم قاسم طريق الانحراف والتردد والمهادنة والتخاذل بحجج التوازن السياسي ، حتى استثمرت ذلك القوى الرجعية وبعض القوى السياسية في تحالف غير مقدس للإجهاز على مكتسبات ثورة 14 تموز و توج ذلك في انقلاب 8 شباط 1963 الدموي لحظة اغتيال المشروع الوطني – الديمقراطي العراقي ، وتلاه انقلاب 17 تموز 1968 المشبوه ، و الذي سلم العراق أخيراً إلى الاحتلال متعدد الجنسيات والذي فتح الباب على مشاريع التقسيم والعزل الطائفي والعمل على وأد الروح والهوية الوطنية العراقية. في ذكرى ثورة 14 تموز على العراقيين استذكار هويتهم العراقية الوطنية التي تجمعهم على اختلاف دياناتهم وطوائفهم و قومياتهم من أجل الحفاظ على الوطن العراقي والمشروع والهوية الوطنية العراقية من تلاعب الأيادي الخفية خدمة لمصالح قوى إقليمية مؤثرة في الشأن العراقي حاليا ،محولة العراق وشعبه ومصيره دريئة لتصفية حساباتها مع الإدارة الأمريكية بغرض تخفيف الضغط عليها، وتعمد إلى ذلك عبر إشاعة خطاب التفتيت والعزل الطائفي ونعرته المدمرة ، والذي سيجعل الوطن العراقي ونسيجه الشعبي التاريخي ينتمي إلى ماض كان ( اسمه العراق وشعب يدعى العراقيين)عندها ستحين لحظه الانهزام الكبرى في تأريخ الأمة العراقية الذي يمتد إلى آلاف السنوات وعجزت أمام صلادتها وروحها وغناها الثقافي كل موجات الغزو الخارجي التي استهدفت العراق ومكوناته الديمغرافية . في 14 تموز 1958 انبثق نمط من الحكام جديرين بحمل اسم العراق ، والحفاظ على تاريخه وهويته الوطنية وانسجام نسيجه الاجتماعي بعيداً عن التمايزات القومية والطائفية والاثنية والمحاصصة المقيتة ،وبعيدين عن التدين الزائف والمنافق اجتماعياً لأغراض سلطوية آنية نفعية ، وكانوا مثال العفة والتجرد والنزاهة والأمانة تجاه المال العام ونظرتهم المشوبة له بالأمانة والاحترام والحفاظ عليه ، والاحتكام إلى الضمير الوطني العراقي في كل ممارساتهم الوظيفية اليومية وتاريخهم المشرف أولئك الذين قاوموا قطعان الانقلابين المدعمة بالخدمات اللوجستية التي قدمتها المخابرات الأمريكية وبعض دول الجوار العربي والإقليمي ،وكانت ملحمة الـ (36 ) ساعة في وزارة الدفاع والتي اشترك فيها بعض الجنود وضباط الصف والضباط العراقيين المخلصين ،وكذلك المقاومة في الأحياء الشعبية، وهم يقاومون حمم الموت التي تصبها عليهم الطائرات الانقلابية، ببسالة وشجاعة وسقطوا شهداء الغدر . نستذكر في هذا اليوم الصفوة من الشرفاء الذين ظلوا محيطين بالزعيم الوطني العراقي عبد الكريم قاسم بلا تردد وبمبدئية ولم يتخلوا عنه و قضوا معه مغدورين في "أستوديو الموت" وكانوا معه معبرين عن الروح الوطنية العراقية وتجلياتها وما أحرانا آلآن أن نجعلهم وضوء 14 تموز الوطني الديمقراطي شواخص تاريخية مضيئة في عتمة الأيام العراقية الراهنة . بعد أكثر من خمسة عقود محملة بالأذى والظلم والامتهان واللاعدالة والحروب والدمار الذي حاق بالعراق والعراقيين تبدو أضواء 14 تموز رغم كل الخذلانات و الانكسارات، التي تناهبتها ، ساطعة للعراقيين وهم يعيشون لحظة التغيير الكبرى في حياتهم ، فيما إذا تم استيعاب الدروس التي مرت بهم منذ ذلك الضوء التموزي الباهر ، من اجل عراق جديد خال من آثام الماضي التي طالت الكل و دون استثناء ، عراق الجميع، العراق الذي بإمكانه احتواء كل العراقيين بوجهه الديمقراطي الفعلي وثرواته المادية والروحية الهائلة، عراق المؤسسات القانونية المعنية بالمواطنة وحقوقها وواجباتها فقط، دون محاولة الاستفراد بالقرار من أي مكون و بأي شكل كان ، وتحت أي مسمى أو ذريعة ما.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - قوى الردة المتأمرة على ثورة 14 تموز الخالدة1
مقدام صابر ( 2010 / 7 / 12 - 12:53 )
ما اشبه اليوم بالبارحة -انقلاب 8 شباط 1963 البعثي الفاشي الاسود واحتلال العراق
في 9 نيسان 2009 : شهادات وثائقية تبرهن على دور القوى الاقطاعية والدينية الرجعية في المرحلتين المناهض لتطلع الشعب العراقي نحو الحرية والتقدم

تحالف الشاه والمخابرات الامريكية ومحسن الحكيم للاطاحة بحكومة ثورة 14 تموز 1958 في انقلاب 8 شباط الاسود
لم يرسل محسن الحكيم برسالة تأييد بعد قيام ثورة 14 تموز لكنه لم ينس ارسال برقية تهنئة وبهجة لانقلابيي 14 رمضان التي قتلت شهيدا صائما وابنا بارا للشعب العراقي

نص فتوى محسن الحكيم الصادرة بتوجيه من شاه ايران والتي استند اليها قطعان الحرس القومي في مذابحهم ضد الشيوعيين والديمقراطيين العراقيين
( بسم الله الرحمن الرحيم . لا يجوز الانتماء للحزب الشيوعي فان ذلك كفر والحاد او ترويج للكفر والالحاد. اعاذكم الله وجميع المسلمين عن ذلك وزادكم ايمانا وتسليما , والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته )
وهي مؤرخة بتاريخ 17 شعبان 1379
المصادف 15/2/1959


2 - قوى الردة المتأمرة على ثورة 14 تموز الخالدة3
مقدام صابر ( 2010 / 7 / 12 - 15:22 )
كان للقوى الإقطاعية التي تعرضت مصالحها الطبقية الضيقة إلى ضربة كبيرة بإصدار حكومة ثورة 14 تموز 1958 قانون الإصلاح الزراعي، فعملت بكل الوسائل لإسقاط حكومة الثورة، وتوافق ذلك مع العقلية المعادية للديمقراطية لقيادة الجمهورية العربية المتحدة ليتكون حلف غير مقدس،ضم القوى القومية العربية والكردية المتعصبة في العراق، والقوى الإقطاعية والرجعية وبقايا النظام الملكي البائد، بإشراف ودعم مباشرين من قبل الإمبريالية الأمريكية، إذ يسجل إسماعيل عارف التالي: «ويحضرني الآن ما جرى في لقائي بالملحق الجوي الأمريكي بواشنطن في أواخر خريف 1985. فبعد حديث قصير أدخلت في روعه إنني متذمر من الوضع في العراق لكي اكتشف ما لديه من معلومات طازجة عن الأوضاع في المنطقة العربية إذ أنه قد عاد لتوه من سوريا فقال إن الوضع في العراق سينتهي قريباً». (إسماعيل عارف، أسرار ثورة تموز، ص286).

وكانت الجمهورية العربية المتحدة على علاقة وثيقة بما كان يجري من تآمر. وقلت له كيف تتعاون مع الرئيس عبد الناصر والولايات المتحدة في خصومة شديدة معه، فقال إن الأمور تبدلت، لأن الخطر الشيوعي في العراق قد استفحل وأصبح القضاء عليه من مصلحة الطرفين. (المصدر السابق ص 280).

وجاء على نفس الصعيد في تقييم لحنا بطاطو «وسبب معارضة شيوخ عشائر شمر من آل الياور الذين يعيشون في لواء الموصل لثورة 14 تموز ومشاركتهم في المؤامرة لإسقاطها هو صد


3 - قوى الردة المتأمرة على ثورة 14 تموز الخالدة4
مقدام صابر ( 2010 / 7 / 12 - 16:20 )
هو صدور قانون الإصلاح الزراعي في الثلاثين من شهر أيلول 1958 الذي صادر معظم أراضيهم الزراعية في المنطقة. ويعتبر هذا القانون أحد الأسباب الرئيسية للتحرك المعادي للثورة. وكان أحمد عجيل الياور على علاقة وثيقة برجال العهد المباد فقد كانت عشيرة شمر تسكن في الصحراء على امتداد أنابيب النفط، أي أنهم حرس لشركات النفط ولحفظ الأمن في الصحراء للحكم الاستعماري في العهد المباد. وارتبط احمد عجيل الياور بعلاقة صداقة مع الوصي عبد الإله فقد كانا يدرسان معاً في كلية فكتوريا في الإسكندرية، وقبيل ثورة 14 تموز كان يجتمع به وبغيره من شيوخ العشائر. وكما أن أحمد عجيل الذي كان يخدم مصالح الإنكليز بالوراثة عن والده عجيل باشا الياور من أكبر رجال العشائر أي شيخ من شيوخ العشائر الذين اعتمد عليهم الانكليز واعتزوا بهم وحضر حفلات تتويج لملوك بريطانيا في لندن». (حنا بطاطو، الكتاب الثالث ص 183

اخر الافلام

.. رغم تحذيرات الحكومة من تلوث مياهها... شواطئ مغربية تعج بالمص


.. كأس أمم أوروبا: فرنسا تسعى لتأكيد تفوقها أمام بلجيكا في ثمن




.. بوليتيكو: ماكرون قد يدفع ثمن رهاناته على الانتخابات التشريعي


.. ردود الفعل على قرار الإفراج عن مدير مجمع الشفاء الدكتور محمد




.. موقع ناشونال إنترست: السيناريوهات المطروحة بين حزب الله وإسر