الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقد الذات قبل نقد الوقائع / تأملات 6

غالب محسن

2010 / 7 / 12
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


14 تموز وهم الثورة والحلم والخيال / جزء 1 (2)

موقف أضطراري

أثارت تأملاتي السابقة بعضا من التساؤلات والردود من لدن بعض الأصدقاء وكان ذلك متوقعاً بل ومطلوباً وقد أثلج ذلك صدرورنا كما يقولون . لكن ما أردت التذكير به هو أن هذه المقالات كانت تأملات نقدية (من العنوان أصلا) وليست هي مثلا أبحاث أو دراسات في التأريخ أو السياسة التي لها أصحابها من اللاعبين وهم كثر والحمد لله ومن الموهوبين أيضا رغم قلتهم على أية حال . ومن ناحية أخرى فأن هذه التأملات توحي أحياناً أن ما بين السطور ربما أكثر حكمة مما هو ظاهر والأمر متروك طبعا لنباهة القارئ . والغرض كما هو مكشوف نقد ما تخفيه الرفوف و" زعزعة المألوف " (الكلمات الأخيرة لهادي العلوي ) من جهة و تحفيز الفكر للبحث عن أسئلة جديدة " غريبة " خارج الصفوف من جهة أخرى . أسئلة أكثر جرأة وشفافية ، بعيدا عن الأماني والسفسطات والكلمات الرنانة البراقة كأنها السيوف . أما الأجابات فالباب مفتوح للأجتهادات ، من دون ضوابط شرعية أو فقهية أو قوالب نظرية أو عقائدية أوغيرها من خربشات وخزعبلات . والمجتهدون تفيض بهم الساحات والأنترنت والفيسبوكات .... والعبدُ الفقيرُ يطمح أن يكون بين هؤلاء من حاملي تلك الرسالات .

أسئلة في الخيال

لا يمكن أعادة عجلة التأريخ للوراء عبارة كثيرا ما تتردد بمناسبات عديدة (وأحيانا بدون مناسبة) وهذا حق لا يختلف فيه العقلاء وقد يختلف فيه الحكماء . لكن كل شئ ممكن في الخيال ولا فرق بين الكبار والصغار . والخيال رغم ضعف مظهره فأنه يتفوق في الغالب علي جبروت الوقائع في مفهوم العوام . نظرة واحدة في كل الكتب المقدسة منذ آدم حتى أبن كثير ، وكتب السياسة والتكفير، وقرع الطبول والتطبير وهاري بوتر ومثلها كثير . كلها و غيرها من كتب التنظير تكفي لمن يشك ويثير . والخيال كان (وربما ما زال) جزءاً معتبراً في عناقيدي الخمس أجملها ثلاث : أيام الطفولة في السندباد الصغير ثم المراهقة في الحب قبل الأخير وآخرها في عالم السياسة والتدبير .أما هذه فهي تجربتي الأولى في سنوات التأمل والتبشير .

لنبدأ أذن حكايةً 14 تموز في الخيال وسؤال منه نختم به المقال (جزء 2) :

مملكة ما بين النهرين

أستيقظ الملك الشاب على اصوات لمسات خفيفة على باب غرفة نومه الفاخرة ، الدقات من رقتها بدت وكأنها مداعبات عازف مبتدأ على قيثارة قديمة فعرف على الفور أنها دقات مربيته ماري التي تعودت أن تُهئ له حمّامه الملكي الصباحي منذ اكثر من عشرين عاماً. ثم بعد الحمّام وخلافه من روتين صباحي .... ما أن جلس الى مائدة الأفطار حتى سمع همسات " صباح الخير مليكنا " فأجاب دون أن يلتفت وبنبرة جادة : صباح الخير جورج ! لا تقل تأجلت جولة الصيد اليوم أيضا ! تذكر الملك كيف كان يوم أمس متعباً و حافلاً بالمراسيم .

فقد أفتتح جلالته أولاً أجتماع مجلس الأعيان الجديد بخطاب مختصر جداً حسبما أوصاه رجالات البلاط رغم أنه قام بهذا الدور طيلة السنوات العشر التي مرّت منذ أعتلائه العرش وهو لم يزل شابا يافعا في العام 1953 . وكان جلالته قبل ذلك قد كلف السيد سعيد باشا بتشكيل الوزارة بعد أن غاب عنها هذا الأخير دورتين متتاليتين ليفوز في هذه الأنتخابات بفارق ضئيل عن منافسه التقليدي السيد كامل باشا . أحس برغية شديدة في التثاؤب ألا أنه تمالك نفسه في اللحظة الأخيرة . بعد كل ذاك التعب أستقل الطائرة الملكية نحو الجنوب لأفتتاح رصيفا جديدا في واحد من أكبر موانئ المنطقة على الأطلاق والذي بنته شركة البي ݒي المساهمة . ثم أختتم يومه بأستقبال بعض الضيوف على مائدته الملكية . كل ذلك مرّ خاطفاً أمام ناظريه وهو يرتشف الشاي ببطئ مبالغ فيه. أنه لا يتذمر في قرارة نفسه من كل ذلك فهو يعرف أنه مضطر للقيام بالكثير من مثل هذه الأعمال البروتكولية بأعتباره رئيس الدولة مع أنه لا يتمتع بسلطات حقيقية . هزّ كتفيه بلا مبالاة وهو يقضم قطعة من الخيار التعروزي المفضل عنده في الأفطار .
لم يستطع أخفاء أبتسامة عفوية عندما أخبره جورج أنه جاء بالضبط لأخبار معاليه من أن كل شئ جاهز للرحلة . ثم أتسعت تلك الأبتسامة لتتحول الى كركات هافتة عندما دندن جورج في أذن جلالته " بعد تلك الرحلة ستكون حفلة عيد ميلاد لالي " لكن قبلها عليه أولاً تلقي دروس الرقص الخصوصية مع أنطوانيت ذات القوام النحيف والذي كان يذكّره في كل مرة يراها بالحور العين .

على الأرجح ستكون أيام جلالته القادمة طويلة لكنها لن تختلف كثيرا عن ما فات ، بروتكولات و وأحتفاء بالمناسبات.

جمهورية النخيل

قفز الزعيم من الفراش على أصوات دقات سريعة بدت وكأنها رشقات أطلاقات من بعيد وصوتا هاتفا : صباح الخير سيادة الزعيم ! " صباح النور عريف حسين " أجاب الزعيم وهو يحاول بعيون نصف مغمضة ربط شريط حذائه العسكري مستندا على حافة السرير . فسيادته كان ينام بكامل زيه الرسمي العسكري مستعدا دائما لأداء الواجب. وفي الواقع لم يكن الزعيم نائما حقا بعد القرارات الصعبة التي أتخذها يوم أمس والتي أرّقته طول الليل .
لم يكن متأكداً من صحة تلك القرارات بالرغم من مرور عشرة أعوام على أولها منذ العام 1958 بل وراودته مشاعر أن هناك من يدفعه لأتخاذ تلك القرارات وهذا ما عذّبهُ كثيراً . فمعضم هؤلاء الذين القى بهم في السجن بتهمة التآمر على الثورة هم ذاتهم من سانده ودافع عنه عندما تكالبت عليه القوى المعادية بل وسقط الكثير منهم شهداءاً دفاعاً عن الثورة والزعيم رمزها وأبنها البار . ماذا لو كان هؤلاء مظلومين ؟ وكيف سيعرف ؟ أليس الأحتياط مطلوباً في ظل تصاعد المؤامرات من الداخل والخارج على السواء ؟ يقولون للضرورة أحكام .أليس في تأريخنا الأسلامي من قتل الأبرياء فقط لمجرد أرهاب الآخرين ؟ تذكر قول زياد بن أبيه وهو يأمر بقطع رأس أعرابي ليس له ذنب " .... أشهد أنك برئ لكن في قتلك صلاح الأمة " فأحس بنوع من الراحة .

أفاق على رجاء عريف حسين الذي بدا وكأنه أمر عسكري بأن على الزعيم تناول الفطور قبل أنطلاقه الى مجلس الوزارء ألا أن الزعيم رد بلطف شديد لكن بحزم : ليس عندي وقت ، يجب ان أسرع . أمور مصيرية كثيرة في الأنتظار. أجتماع مجلس الوزراء أولا ثم أجتماع مجلس الرئاسة وبعدها الدفاع وبين هذا وذاك زيارات لمواقع العمل والمدارس والثكنات . ياه يالكثرة أنشغالاته .... كل شئ تقريبا ينتظر قراراً أو حضوراً من الزعيم أبتداءاً من أفتتاح دار حضانة ومؤتمر نقابات العمال والمرأة والطلبة الى تخرج دورة الضباط والى أصدار وتشريع القوانين وتوزيع الأراضي على الفلاحين والمصادقة على قوانين الأعدام والعفو والأعتقال وغيرها.

لا يهم كثيرا ما أذا كانت أيام فخامته القادمة قصيرة أو طويلة فستتبعها أيام مثلها سابقات

هكذا هتف أبن دجلة والفرات
حفنة من البسمات
قلق ، حزن ، دموع
شلالات
لا يهم
لو كانت الآهات
مرتين أكثر
و الزنزانات
مادام النخيل
يرفرف في السماوات
والفرح
وان طال زمانه
لا بد انه آت
ولو بعد الممات

د . غالب محسن
يتبع جزء 2








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أعجبني
د. جمانة الروي ( 2010 / 7 / 12 - 22:29 )
اعجبني جدا هذا الربط بين المقالة والسرد القصصي. كما أعجبني جدا طريقة الكتابة بشكل نثري جميل .. وساترقب بفارغ الصبر الحلقة الثانية

اخر الافلام

.. صحن طائر أو بالون عادي.. ما هي حقيقة الجسم الغريب فوق نيويور


.. دولة الإمارات تنقل الدفعة الـ 17 من مصابي الحرب في غزة للعلا




.. مستشار الأمن القومي: هناك جهود قطرية مصرية جارية لمحاولة الت


.. كيف استطاع طبيب مغربي الدخول إلى غزة؟ وهل وجد أسلحة في المست




.. جامعة كولومبيا الأمريكية تؤجل فض الاعتصام الطلابي المؤيد لفل