الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أوجه الشبه بين ثورتي القرامطة و14 تموز .. الأسباب والموجبات

وداد فاخر

2010 / 7 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


المقدمة :

يظهر للدارس لتأريخ ثورتي القرامطة و14 تموز 1958 تشابه جلي وواضح يتمثل في الأسباب الموجبة لقيام كل منهما ، فقد كانت الظروف التاريخية والسياسية ناضجة لقيام كل منهما بعد استفحال التمايز الطبقي ونمو الإقطاع وهيمنتة ، وتصاعد أساليب القمع والظلم الاجتماعي ، وعلى نفس الأرض أي في ارض الرافدين انبثقت كل منهما .
وقد كان ذلك بوضوح عند الدعوة للثورة ضد الخلافة العباسية التي وصلت في القرن الثالث الهجري الموافق للقرن التاسع الميلادي أوج قوة وهيمنة الإقطاع وتسخير الفلاحين لخدمة الإقطاعيين الذين كان يمثلهم كبار رجال الدولة من عسكريين ووزراء وولاة وتابعيهم من قوات القمع لتثبيت أسس الخلافة العباسية . ويعتبر بداية تأسيس الحركة القرمطية من قبل ( حمدان بن الأشعث ) عندما أنشأ في عام 890 م بالكوفة مقرا للحركة وأطلق عليه اسم "دار الهجرة". في زمن أكثر خلفاء بني العباس قمعا وشراسة وهو المعتضد العباسي 279-289هـ/892 - 902م ، ولقب بـ ( السفاح الثاني ) لقوة قمعه وشراسته وتفننه في ابتكار أساليب القمع والقتل الوحشية .
وقامت ثورة 14 تموز العام 1958 في بغداد لنفس تلكم الأسباب وفي نفس السنة 58 لظهور حمدان قرمط مؤسس الحركة القرمطية في الكوفة ، إذ ظهرت شدة وقوة الإقطاع أوجها في بداية خمسينيات القرن الماضي وبدأت هجرة جموع الفلاحين من مدنهم وقراهم في جنوب العراق للبصرة وبغداد مركزي العمل المهمين في العراق آنذاك بسبب ظلم الإقطاع وتحكمهم بالفلاح أوجه ، مضافا لذلك الظلم السياسي والاجتماعي لعموم أبناء الشعب العراقي ، وقمع الحريات وخاصة حرية التنظيم السياسي والمنظمات الديمقراطية.

مؤسس الحركة القرمطية :

هناك عدة روايات تتحدث عن مؤسس الحركة القرمطيه ( حمدان بن الاشعث ) وتؤكد كلها انه من الأهواز ، لكنها تختلف في اسمه ، فالبعض يقول انه حمدان بن الأشعث وقيل اسمه الفرج بن عثمان وعرف في الكوفة سنه 258 هـ . وجاء لقبه أيضا لعدة فرضيات ، وقيل له قرمط لأنه كان قصيرا ورجلاه قصيرتين وخطوه متقاربا فسمي لذلك قرمطا ،بينما تقول رواية أخرى وهي عندي الأصح كان هناك احمرارا في عينيه والحمرة باللغة الفارسية يطلق عليها قرمز وحتى في العامية العراقية يقال ( عيونه صارت مثل القرمز ) ، ثم حرفت الكلمة للعربية وسميت قرمط مثلها مثل بقية الكلمات الأعجمية التي دخلت اللهجة العراقية الدارجة . بينما تقول رواية أخرى لقرية قرب واسط اسمها قرمط وآخرين يدعون انه اسم آرامي يعني المدلس بينما رجع آخرون اسمه للكلمة السريانية فلاح . قدم من الأهواز إلى الكوفة سنة (258 هـ/891م)وأقام بها. دخل في بداية حياته في مذهب الإسماعيلية على يد حسين الأحوازي ، ثم أسس حركة القرامطة التي لا علاقة بها أصلا بالحركة الإسماعيلية التي نادت بإمامة إسماعيل ابن الإمام السادس جعفر الصادق ( 80 هـ - 148 هـ ) . إذ إن هناك بون شاسع ما بين الحركة القرمطية كونها ثورة فكرية اجتماعية - سياسية أخذت طابعا دينيا تقدميا ، وتعد من أوائل الثورات الاشتراكية في العالم ، أو بما نطلق عليهم اصطلاحا ( الاشتراكيون الطوباويون ) وبين الحركة الإسماعيلية التي انشقت عن الجسم الشيعي واتخذت منحا سياسيا دينيا صرفا والقول بعصمة الإمام .

تأسيس أول دولة اشتراكية في العالم :

يقال بأن هناك ارتباط وثيق بين شهيد الكلمة والفكر المتصوف الحسين بن منصور بن محمى الملقب بالحلاج ( 858 هـ - 922 هـ) ، وبين الحركة القرمطية إذ يعتبره البعض منظرها والداعية الخفي لها . والذي تتهمه قوى القمع ووعاظهم بالزندقه وهي تهمة العصر في ذلك الزمان . والتصوف عند الحلاج جهاد في سبيل إحقاق الحق، وليس مسلكاً فردياً بين المتصوف والخالق فقط . لقد طور الحلاج النظرة العامة في التصوف، فجعله جهاداً ضد الظلم والطغيان في النفس والمجتمع ونظراً لما لتلك الدعوة من تأثير على السلطة السياسية الحاكمة في حينه. فعن إبراهيم بن عمران النيلي أنه قال:« سمعت الحلاج يقول: النقطة أصل كل خط ، والخط كله نقط مجتمعة. فلا غنى للخط عن النقطة، ولا للنقطة عن الخط . وكل خط مستقيم أو منحرف فهو متحرك عن النقطة بعينها، وكل ما يقع عليه بصر أحد فهو نقطة بين نقطتين. وهذا دليل على تجلّي الحق من كل ما يشاهد وترائيه عن كل ما يعاين. ومن هذا ُقلت: ما رأيت شيئاً إلاّ ورأيت الله فيه.»
وقد كان هدف حمدان قرمط عندما استطاع رفع راياته البيضاء في الكوفة هو هدف فلسفي سياسي ولم يكن روحيا دينيا لذلك أهاج عليه علماء السلطة ووعاظ السلاطين ، والذي اعتمد في حركته علي قاعدة شعبية فقيرة في أغلب الأحيان ومن جنسيات وعقائد مختلفة ( النظرة الأممية ) ولرفض مقولة فقهاء السلاطين بالتشبث بالسلطة الوراثية الدينية وفق مقولة ( الأئمة من قريش ) ، والتي كان أول معارضيها الخوارج الذين قالوا بـ ( إمامة العبد الأسود ) . وجاء كنتيجة حتمية لعصر التنوير الذي ظهر في عصر هرون الرشيد بظهور الفلاسفة والمتحدثين والأطباء والمهندسين بعد الترجمات العديدة لكتب اليونان وبدار الحكمة في عهد المأمون، وكذلك بالحركة النشطة للترجمة والتفسير والتأليف التي شارك فيها العلماء والأطباء والمهندسون والفلاسفة من جنسيات مختلفة . فبينما كانت رسل الخليفة وجباة ضرائبه تجوب البلدان لجمع الأموال لإرساله للخليفة القابع في بغداد هو وحاشيته التي تستفاد من تلك الأموال دعا حمدان قرمط الى مشاعية الأرض والأموال وهو أول من أول َ بعض آيات القرآن تأويلا يحث علي الألفة والتعاون لصالح الجماعة وفي ذلك تأويله للآية (واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته أخوانا)، بأنه لا حاجة بهم إلي الأموال لان الأرض بأسرها ستكون لهم دون غيرهم . كذلك فان الضرائب التي فرضها عليهم انتهت بـ ( نظام الألفة) وهو أن تجمعهم أموالهم في موضع واحد يكونوا فيها أسوة واحدة ولا يفضل أحد منهم صاحبه أو أخاه، وهذا الإجراء هو الأول من نوعه في تاريخ الإسلام . وقد كان بيت المال يوزع بين الجميع ويكون مصدرا لكل حرفي أو صانع لكي يفتح محلا ويمارس مهنته أو حرفته من بيت المال ويسدد ذلك بعدها ، أي انتفاء الفقر والحاجة بين الجماهير . وقد كان الحكم والقرار جماعيا بمشاركة أهل الرأي من الدعاة في اتخاذ القرار وقد كان هذا سببا رئيسيا لفهم الحركة القرمطية وبعدها عن الإسماعيلية التي ينسبها البعض إليها كون الإسماعيلية تعتمد في رأيها على الإمام الذي هو صاحب القرار وحده وشرط العصمة للإمام وتجمع الأموال له ليتصرف بها كملك خاص به . ونتيجة لذلك تم تأسيس (مجلس العقدانيين ) الذي يتكوّن من ستة أشخاص ، يساعدهم ستة وزراء . وبعد مداولتهم بالأمور، يصدرون قراراتهم وأحكامهم بالاتفاق ، وأسس المجلس في البحرين بعد أن تراجع القرامطة للبحرين وأسسوا فيها دولتهم القوية اثر القضاء على دولتهم في الكوفة وطبق مبدأ الشوري الديمقراطية عند أبي سعيد الجنابي احد أقوى الدعاة لحمدان قرمط مؤسس الحركة والتلميذ النجيب لها ، وأقوى شخصية في الحركة القرمطية ، لم تكن العصمة معروفة للقرامطة ، ولا يوجد من هو فوق ( النقد ) ، بما في ذلك الأئمة أنفسهم . أما اتفاقهم ، فكان في اعتماد رسائل [ أخوان الصفا ] ، ووضوح الفكر الشيعي التقدمي فيها.وتأسست الدولة القرمطية في البحرين وكان امتدادها من البصرة حتي عمان تعايشت فيها أقوام من جنسيات شتي، وتعايشت فيها العقائد المختلفة من مسيحية، ويهودية ومجوسية ووثنية، إضافة للإسلام، وكانت ملجأ للهاربين من أرض الجزيرة، وبؤرة الردة علي ساحلها الشرقي كما كانت أرض الخوارج ومنطلق الزنج فلا غرابة من أن يتمكن أبو سعيد الجنابي القرمطي تلميذ وداعية حمدان قرمط وخلال فترة لا تتجاوز خمسة عشر عاما من 286 ــ 301 هجرية من بناء مجتمع عقلاني يحكمه القانون وكان ذلك القانون قانونا وضعيا لا علاقة له بالشريعة، ولربما كان اجتهادا عقليا مستمدا من الشريعة الإسلامية علي الأرجح حيث إن تنفيذ أركانها لم يكن مطبقاً فعلي سبيل المثال إن الجامع رغم وجوده معطل ، والصلاة اختيارية أما الموارد الاقتصادية للدولة القرمطية في البحرين فكانت تتأتي من مصادر عديدة أهمها الضرائب التي كانت تجبي من السفن المبحرة في الخليج ومن تجارة اللؤلؤ وعائدات الشام والكوفة، وطريق الحج إلي جانب مغانم الحروب وضرائب البصرة المفروضة علي البضائع الخارجة منها إلي الخليج ولم تذكر المصادر عن ضرائب فرضت علي سكان البحرين أو محاصيلهم بل إن نظام الزراعة واستغلال الأراضي قد تحول إلي ملكية الدولة حسب نظام خاص لزراعة الأراضي وفلاحتها علي أن يكون الإنتاج للجميع إلي جانب قيام الدولة بتوفير المتطلبات الرئيسة لسكانها فالمسكن مؤمن والأراضي الزراعية تنتج كميات تزيد عن الحاجة وتكفي الطلب، والطواحين تطحن بالمجان وبذلك ألغي الجنابي الملكيات الخاصة كما فعل حمدان قرمط من قبل وأصبح نظام الملك جماعيا .
ودولة مثل دولة القرامطة تفند من كان يتقول عليها بمشاعية المراة وهو نفس ما تقول به على ثورة 14 تموز بعد أن أخذت المراة مركزها بين جمهور الرجال وأثبتت جدارتها فأصبحت أول وزيرة بالشرق الأوسط الدكتورة نزيهة الدليمي ، وصدر قانون جديد للأحوال المدنية ، وهو ما أثار حفيظة كل الأطراف المتاسلمة والرجعية وتجار الموت المجاني من قوميين وبعثيين فاشيين وتجار الدين . فالدولة القرمطية رفعت عن كاهل المراة الكثير من المتاعب والأمور في دولة تقوم على أساس من العدل و المساواة والديمقراطية . كان للمرأة دورا بارزا وهاما في المجتمع القرمطي وكانت لها مكانة سامية فيه , واحترام كبير , ولا غرابة في ذلك لان الحركة القرمطية دعت إلى تحرير المرأة و مساواتها بالرجل والسفور و مشاركتها في العمل وتحمل المسؤولية . وكانت تدفع الضرائب كضريبتي الهجرة والفطرة ,وتتحمل كافة الأعباء المالية التي يتحملها الرجل.أما الإباحية في النساء , فما هي إلا اختلاق أعدائهم وبصورة خاصة علماء الدين.
حتى إنها يمكن أن تتدرج في الدعوة وتتبوأ مكانة لرفيعة في صفوف الحركة القرمطية حيث يسمح لها بالانتظام في سلك الدعوة و التدرج في مراتبها .
كما أن دور التعليم كانت مختلطة بين الفتيان والفتيات و اهتم القرامطة البحرانيين برفع شأن المرأة و إعلاء مكانتها , وإسعادها , أعطوها حقها بالتعليم والعمل , والمشاركة في التنظيم والإدارة ، وشيدوا المطاحن لرفع التعب عن كاهلها بالطحن , وحددوا الزواج بامرأة واحدة فقط ,ومهدوا الطريق أمام هذا الزواج ببناء المساكن للخطيبين قبل الزواج , وبإلغاء المهر تماما أو جعله رمزيا . ولها حرية الاختيار وحق الطلاق ورفض الزواج إذا رغبت الفتاة بذلك.
وقد نشط الخلفاء والسلاطين عن طريق رجال الدين التابعين لهم بإشاعة الكثير من الرذائل ضد الحركة القرمطية .ونعتواالقرامطة بأبشع النعوت مثل الإباحية في النساء و المحرمات ,والزندقة و الكفر والإلحاد والمجوسية و ترك التكاليف الشرعية ,والأرذال والاسافل والجفاة وكلها تصب إلى جانب رغبات السلاطين ومصالحهم الدنيوية الخاصة كوعاظ للسلاطين . وهو ما حصل تماما في زمن ثورة 14 تموز 1958 إذ شمر رجال الدين عن سواعدهم لوصم الثورة والحزب الشيوعي قرينها بكل ما تصبو إليه أنفسهم من تهم وتقولات شنيعة وأخيرا أصدروا الفتاوى التكفيرية لإعطاء الضوء الأخضر للهجوم على ثورة تموز ووأدها والقيام حسب الشرعنة التي حصلوا عليها من الفتاوى بذبح ثورة 14 تموز وقائدها ورفاقه وقيادة الحزب الشيوعي ببيانهم المعروف رقم 13 وبموجب الشرعنة الدينية التي نفذها البعض من رجال دين سنة وشيعة متضامنين ولأول مره في التاريخ .
وقد منع القرامطة تهريب الذهب خارج حدود الدولة فقاموا بصك نقود من الرصاص، وأن الدولة القرمطية قامت بشق الأقنية وزرع النخيل، و كان يمنع ذبح الحيوانات بين الناس بل كانت الدولة تقوم بذبح الأغنام و الحيوانات و توزع اللحم على الناس .
وقصة سرقة الحجر الأسود يؤولها البعض لكون المساجد قد سخرت من قبل الدولتين الأموية والعباسية لسرقة الناس وتخويفهم وإرهابهم وابتزازهم من خلال التجارة بالدين والدعوة للخليفة ( القرشي ) وابتزاز الناس . وحمل الحجر الأسود إلى البحرين في زمن اشهر قوادهم أبو سعيد الحسن بن بهرام الجنابي الذي بنى الدولة الاشتراكية وهو الذي حمل الحجر الأسود وظل بحوزة القرامطة لم يستطع بنو العباس استرجاعه رغم قواتهم التي تقدر بالألوف مقابل أعداد قليلة من المقاتلين الأشداء القرامطة حتى أعاده لهم سنبر بن الحسن القرمطي وباعه للخليفة المطيع بخمسين ألف دينار لذلك قال سنبر قولته المشهورة ( أخذناه بقدرة الله ، ورددناه بمشيئة الله ) ، معنى هذا القول إنهم لم يكونوا كما ادعى أعدائهم كفارا .
وكون الدولة التي قامت على العدل والمساواة بين الناس ينفي ما نسب إلى احد قادتهم وابن مؤسس الدولة أبو سعبد الجنابي وهو ( أبو طاهر الجنابي ) الذي نسب إليه قوله :
أنا بالله وبالله أنا .. يخلق الخلق وأفنيهم أنا
فكيف لدولة تحترم الإنسان كالدولة القرمطية وترفع الأعباء عن المراة وتطور المجتمع يقول قائدها هذا القول؟ .
فالدولة المترامية الأطراف التي تأسست في شرق شبه الجزيرة العربية (الإمارات العربية المتحدة وقطر والكويت والبحرين، وشرق المملكة العربية السعودية - الأحساء ) ودامت(124 سنة)بالمقارنة مع دولة لينين الاشتراكية التي دامت ( 74 سنة ) كانت دولة عدل ومساواة وطبقت أولى تعاليم الاشتراكية وليس ببعيد أن درس ماركس عند اطلاعه على فلسفة الشرق ظروف ونشأة تكوين هذه الدولة ويمكن انه اخذ شيئا منها ، أليس أبو الحسن علي القائل ( الأرض لمن يفلحها ) ورفعت الاشتراكية العلمية هذا الشعار ( الأرض لمن يزرعها) .
أما القبائل العربية التي ساندت القرامطة فهي :
1. قبائل بني قيس
2. بنو كلاب
3. بنو ضبة
4. بنو الخريس
5. بنو عقيل
6. بنو أسد
7. بنو شيبان
8. بنو المنتفق
9. بنو سليم
10. بنو خفاجه
11. بنو نبهان
وجمهرة هذه القبائل تدحض مقولات من نسبوا القرامطة زورا وكرها للحط منهم ومن فكرهم التقدمي لـ (المجوس ) فسموهم ( الباطنيين اليهود ) أو ( الشيعة المجوس ) والحقوا بهم كل سوءة واتهموا كل من تحدث عن حركتهم بـ (الشيعية ) و ( المجوسية ) . وللخوف من انتشار الفكر الاشتراكي القرمطي فقد قاموا بحرق وإتلاف كل ما خطه فلاسفتهم حيث تم حرقه وإعدامه خوفا منهم وما تبقى من أخبار نعرفها عنهم كان ضمن مخطوطات إخوان الصفا وما رواه الرواة .

ثورة 14 تموز 1958 :

ومثل مثيلتها ثورة القرامطة فقد كانت الظروف الموضوعية والتاريخية ناضجة لقيام الثورة وتغيير الحكم الملكي الإقطاعي المرتبط بالاستعمار البريطاني في العراق . فقد شهد ريف مدن الجنوب العراقي تسلط الإقطاع على حياة الفلاح العراقي في كل مناح الحياة فترك الفلاح معدما فقيرا لا يملك شيئا من متاع الدنيا مثله مثل أي رقيق يعمل على أرض ولا يسد حتى رمقه إضافة للبطش الحاصل من قبل حوشية الإقطاعي من سراكيل ووكلاء ، لذلك فضل الفلاح العراقي ترك أرضه التي لا يملك شبرا منها للمدن القريبة فكانت العاصمة بغداد ملجأ البعض منهم تجمعهم مدن القصب والبردي خلف السدة ، وتجمعات الصرائف في مدينة البصرة .
كذلك شهد سوق العمل نهوضا عماليا بارزا وكبيرا خاصة في مدينتي بغداد والبصرة حيث معامل النسيج والتبوغ والزيوت وسكك الحديد في بغداد ، والموانئ وسكك الحديد وشركات النفط والمطار وچراديغ التمور في البصرة التي استقبلت جموع الفلاحين الهاربين من ظلم وتسلط الإقطاع .
وشهد الجانب السياسي الأمني بطشا متصاعدا بعد حدوث النمو السياسي نتيجة وعي الطبقة العاملة ومطالبتها بحقوقها بواسطة نقابات العمال التي كان يقودها الحزب الشيوعي العراقي ، إضافة للنشاط الكبير للحزب بين جمهرة المثقفين ورفع مطالب الشعب والإصرار على تنفيذها بواسطة الطرق السياسية المشروعة كالاضرابات والاعتصامات ورفع العرائض المتضمنة مطاليبهم للجهات الرسمية المسؤولة ( المضابط ) . وقد شهدت سجون ومعتقلات النظام الملكي الحجز على آلاف الشبان الشيوعيين وحجب حرياتهم لا لشئ سوى تصديهم لقيادة الجماهير والمطالبة بحقوقها المشروعة .
وقد انطلقت الجماهير منذ يوم اندلاع الثورة بصورة عفوية وبقيادة حزبها الطليعي لمساندة الثورة وتطبيق مبادئها التي قامت من اجلها كالإصلاح الزراعي وتحقيق مطاليب الجماهير في إشاعة الحرية والعدل والمساواة وظلت الجماهير أمينة على الحفاظ على هذا المكسب الكبير رغم كل ما حدث حتى اللحظات الأخيرة لوأد الثورة من قبل أعدائها الطبقيين.

وأد الثورتين :

يضع علماء الدين وكتابهم أنفسهم دائما في خدمة الحكام الظلمة في كل العصور والأزمنة والعصور ، وعلماء السلطان ووعاظ السلاطين من المسلمين هم جزء من هذا العداء دائما ضد كافة الثورات على مر العصور ، فهم يشوهون كل حركة ثورية تحررية أو أي مطالب شعبية وقد حصل نفس الشئ بالنسبة لبعض القوانين التي أصدرتها ثورة تموز لمساواة المراة بالرجل كقانون الأحوال الشخصية ، وإتاحة الفرصة بصورة اكبر لنهوض ومشاركة المراة العراقية في الحياة السياسية وكانت أول خطوات ثورة تموز بذلك توزير الدكتورة نزيهة الدليمي والنشاط الملحوظ لرابطة المراة العراقية ، ومشاركة المراة في الحياة السياسية ، والزخم الهائل من الشابات الدارسات خاصة في الدراسات الأكاديمية.
وهم لخوفهم من حركة التاريخ وتطوره يقعون في فخ ازدواجية الحكم أو كما نسميه بالكيل بمكيالين فعلماء ومؤرخو التاريخ الاسلاموي السلطوي يشتمون القرامطة وينسبون إليهم كل ما هو سئ ويعتبرون إن سرقة الحجر الأسود من الكعبة إثم كبير بينما يسكتون عمن هدم الكعبة وضربها بالمنجنيق في زمنين أول الأمر في زمن يزيد بن معاوية والثاني في زمن عبد الملك بن مروان رماها الحجاج وحاصرها . لكن لكون حركة القرامطة حركة تحررية تقدمية فهم يخافون على مصالحهم منها . فالقرامطة أسسوا أول حكومة شعبية اشتراكية في التاريخ الإسلامي وثورتهم تماثل في قوتها ومعناها ثورتي سبارتاكوس وثورة الزنج التي تزامنت معها ولم تحصل ظروف لاتحادها .
وإذا رجعنا للتاريخ سنرى إن هناك فتوى دينية تقول ( هذا داعية قرمطي فاصلبوه) ، بينما قالت الفتوى التي سخرت من اجل إسقاط ثورة 14 تموز وأعطت الضوء لإصدار البيان رقم 13 من قبل المجرم رشيد مصلح التكريتي ( الشيوعية كفر والحاد ) والفتويان يقعان في نفس المنحى ويسيران في نفس الاتجاه ، فقد بدأت أول تجليات معارضة الجماهير للتسلط الدكتاتوري وللحكام الظلمة منذ أول نشوء الدولة الأموية بعد الخلافة الراشدة وفي مدينة الكوفة بالذات مهد الثورات الإسلامية مما دعا طاغية هو زياد ابن أبية لكي يطلق على المعارضة مصطلح (الجارية الحسناء) ، لكن العكس ظهر بعد ذلك إذ كانت نارا مستعرة أذاقت الحكام الدكتاتوريين الويل ، ولم تنفع كل محاولات الحكام الذين فكروا منذ الخلافة الراشدة بدفع الكتائب المسلحة وخاصة من الشباب للانشغال بالفتوحات وجلب الأموال والجواري عن الاشتراك في الثورات والانتفاضات المتعاقبة . ورغم مقولة معاوية المشهورة ( أنا أول الملوك ) فقد سقطت الدولة الأموية من بعد ذلك بصورة مريعة . وكذلك حدث مع العباسيين الذين تلوهم في الحكم والتجبر والتسلط فلم تنفع وحشية المؤسس عبد الله الأول بن محمد بن علي (727 - 754 م) ، أو أبو العباس السفاح ، ولا أساليب المتعضد العباسي الوحشية في التعذيب ( انظر تاريخ التعذيب في الإسلام / هادي العلوي ) .
وكلا الثورتين سقطتا أي تموز والقرامطة بفعل التآمر والتدخل الخارجي ودور قوى الردة والرجعية المحلية ودور عبد الناصر التآمري على ثورة تموز صاحب الهزيمة الشنيعة في الخامس من حزيران التي جرت كل المصائب الحالية على العرب . والترهل والتراخي الثوري ، وبالنسبة لثورة تموز اخطاء القيادتين قيادة الحزب الشيوعي التي لم تأخذ زمام المبادرة لاستلام السلطة بكل شجاعة وأخطاء قيادة الثورة ودورها المتذبذب في الميل لهذا الطرف أو ذاك والسكوت عن تآمر وممارسات الفاشست القوميين ، واستخدام قائد الثورة الشهيد الزعيم عبد الكريم قاسم لمصطلح ( عفا الله عما سلف ) أي عدم اخذ المتآمرين على الثورة بالشدة والحزم. والدور الكبير للرجعية المحلية والعربية والاقطاع ودول الجوار .
لذلك ومن باب التفاخر بالثورة القرمطية ودورها الإنساني والاجتماعي الرائع وصفة العدالة والمساواة التي تحلت بها وتوزيع الثروات على الناس بصورة عادلة فـ (أنا قرمطي ) ، وأدعو لعودة لحركة القرامطة الجدد وفي ثوب تقدمي وعلماني جديد يعيد للحركة رونقها ونقاوتها ويبشر بعهد جديد للبشرية جمعاء .

آخر المطاف : وضع الانترنيت الحقائق واضحة بين الناس بصورة مفصلة كونه دخل كل بيت في أرجاء المعمورة وسهل عملية النشر بحرية تامة لكن البعض ممن يتخفون بعناوين وأسماء شتى يجلسون القرفصاء خلف تلك الأسماء والعناوين المزيفة للتهجم على هذا الكاتب او ذاك ولشتمه والعيب بما يكتب ظنا منهم أن القراء والكتاب بتلك الغفلة التي لا تستطيع التمييز بين الغث والسمين وبين الوطني الحق ومدع الوطنية من الداعمين للقتلة والمجرمين مهما تسموا من أسماء وصفات وألقاب . لذلك أرى أن يكون هناك وضوح ونقاء في الرد والتعليق وتمييز أولئك الذين يتخفون خلف أسماء وعناوين يسارية هي براء منهم .


* شروكي من بقايا القرامطة وحفدة ثورة الزنج

http://www.alsaymar.org
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - طلب توضيح
البراق احمد ( 2010 / 7 / 12 - 21:33 )
الكاتب الفاضل ورد في مقالتكم جملة تقول ( وضوح الفكر الشيعي التقدمي ) والمعروف انه عندما نطلق كلمة فكر شيعي او فكر سني فقد حددنا هذا الفكر بالطائفية فاصبح فكرا طائفيا فكيف يمكن ان يكون الفكر الطائفي فكرا تقدميا ؟ فهل هو من باب السهو في التعبير ام ان هناك شيئا جديدا لديكم نرجو توضيحه لنا مع التقدير


2 - السائل ممن عنيتهم بملاحظتي في آخر المطاف
وداد فاخر ( 2010 / 7 / 12 - 21:54 )
من يسمي نفسه البراق احمد معروف لدينا ولا حاجه لتكرار الحديث عنه وكان الاجدر بالحوار المتمدن ان لا ينشر سؤاله كونه اسم مستعار لانني انا من يكنى باسم بأبا براق وهو يتقصد هذه التسمية واقول له يا عجبا من شيوعي قديم قلب ظهر المجن لرفاقه القدماء واصبح ؟؟؟؟؟؟؟؟؟ .من المعيب ان اكمل الجملة ، واتمنى على رفاقنا في الكويت تكملتها خاصة الرفيق صفاء البلادي الموجود في كندا والاخ خالد حميد شلتاغ من لندن ورفاقنا في البصره فلماذا لا يتحدث البعض عن الحقيقه ، او حقيقه من هو كاعد ركبه ونص لرفاقه ( القدماء ) بعد ان اصبح ... ؟؟؟


3 - لا مقارنة بين القرامطة وانقلاب 1958
سنان زياد ( 2018 / 3 / 6 - 20:58 )
الكثير معجبون بعبد الكريم قاسم الذي اسس للاوضاع اللاحقة نعم هو وطني نظيف شريف نزبه لكن حسب تعليق الجواهري هناك حماميل بالشورجة يحملون الصفات ذاتها عبد الكريم هيء الدفء للافاعي النائمة حسب التعبير الرائع لمير بصري الكاتب اليهودي العراقي والنظام الملكي مع كل المأخذ عليه كان مستقرا لم تنزف دماء اذا استثنينا فهد وصارم وحازم وقادة مايسمون بحركة رشيد عالي الكيلاني فنوري السعيد 14مرة رئيس وزراء وزوجته تمد يدها للعراقيين في لندن لدتور مسيحي عراقي وللمرحوم عبد الفتاح ابراهيم المثقف الكبير واليساري وأخرون الذين اكدواا
نزاهة نوري السعيد لو استمر الوضع لكان العراق لم تصبه العواصف التي ستبقى مستمرة

اخر الافلام

.. الحوثيون يعلنون بدء تنفيذ -المرحلة الرابعة- من التصعيد ضد إس


.. تقارير: الحرب الإسرائيلية على غزة دمرت ربع الأراضي الزراعية




.. مصادر لبنانية: الرد اللبناني على المبادرة الفرنسية المعدّلة


.. مقررة أممية: هدف العمليات العسكرية الإسرائيلية منذ البداية ت




.. شهداء وجرحى في قصف إسرائيلي على خان يونس