الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقد الذات قبل نقد الوقائع / تأملات 6 // جزء 2 (2)

غالب محسن

2010 / 7 / 14
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


14 تموز وهم الثورة والحلم والخيال / جزء 2 (2)

الثورة باب الأمل والدعاء

للجنة ثمانية أبواب لا تفتح ألا للمؤمنين والتوابين (جنات عدن مفتحة لهم الأبواب .....قرآن سورة ص ) أما الجحيم فلها سبعة أبواب ( سورة الحجر ) ، أُعدت للكافرين والمنافقين أشدها الهاوية ثم يأتي بعدها الجحيم ثم سقر ، لظى ... الخ .

والقصور تفتح أبوابها للملوك والطامحين، والكنوز للجهل والأميين ، والمعرفة تفتح أبوابها فقط للساهرين . ومُنح الباب قدسية سواء في الأدب الأسطوري أم في كتب الدين . هذا أله الشمس أوتو (شمش) يفتح أبواب السماء ليمر منها ضوء الشمس ، و " أنا هو الباب . أن دخل أحد بي فيخلص" نادى المسيح أتباعه (أنجيل يوحنا 10 : 9 ) . والنبي محمد قال : أنا مدينة العلم وعلي بابها (رواه كثيرين منهم أبن عساكر ، السيوطي ، الترمذي ......) .

وباب الحوائج ̽ معروف في العراق " يستجيب للداعي أذا دعا " ويُزعم أنه لا يرد حاجة محتاج بل ويُنسب له العديد من المعجزات كشفاء المرضى حين يعجز الطب ، ويعيد السمع والبصر و أحياناً حتى الحياة .

والثورات كما السماوات تفتح أبواب الأمل والدعاء لكنها تنسى أن توصد أبواب الجحيم !

الثواريحلمون أولاً ثم يموتون

تجاوزا لأي نقاشات حول ما أذا كانت 14 تموز ثورة أم أنقلاب سأشير دائما اليها بحيادية كلما لمحت الفرصة ( وأن بدت غريبة شوية بل وربما أثارت غيض البعض ) تاركاً هذه الأشكالية لذوي المواهب الفكرية " للتناطح " و " التباطح " فهذا الأمر ( ثورة أم أنقلاب ) لا يؤثر في صلب موضوعنا الذي نحن بصدده . وأن وردت 14 تموز كثورة ففي مفهوم العوام ومثلهم أحيانا من أهل العلم والشان .

مثلها مثل شقيقاتها من الثورات والأنقلابات جاءت 14 تموز في مرحلة تأريخية تميزت بالصراعات والتحولات والحاجة للتغييرات التي فرضتها مجموعة من العوامل مُجتًمِعات ، يسميها " أهل الحل والعقد " بالظروف الموضوعية والذاتية في أغلب الحالات. وأن شئنا الأسترسال جاءت في مرحلة النهوض التحرري والوطني وأنهيار النظم الأستعمارية الماضيات.

وأذا كان قادة الأغريق وطروادة ، في الألياذة ، قد قتل (في الظاهر) بعضهم بعضا بسبب الحب والجمال في واحدة من أشهر ملاحم القتال ، فأن 14 تموز تُثير الجدال . فهي مثلها مثل شقيقاتها الكبرى الفرنسية والبلشفية والمصرية ̽̽ ̽ تميزت بأن قادتها وزعمائها كانوا مُلهمين ومُثقلين بالأحلام " الثورية " قبل أن ينتصروا ثم ليأكل بعضهم بعضهم الآخر بعد حين . هكذا فعل الأسلاف والأخلاف من قبل ومن بعد والى حين . والأسباب على الأرجح هي ذاتها في جميعها من غير أختلاف ، ليس الحب والجمال بالطبع بل السلطة والميراث في آخر المطاف . هكذا كان روبسبير و ستالين وهكذا كان الناصرين ، عبد و علي ، وغيرهم دون خلاف . لكن زعيمنا كان متميزاً عنهم بفيض وافرمن البساطة والتواضع والرحمة وطيبة أهل الأرياف .

الأنجاز الذي أغرقنا في فضائله

لقد كُتب وما زال الكثير الكثير عن " أنجازات ثورة 14 تموز" ولست بصدد تكرارها أو التنكر لها . فهذه الأنجازات كانت حقيقة و بالنسبة للشعب العراقي ليست ذات قيمة تأريخية فحسب بل وفي الكثير من الأحيان ما زالت أعين العراقيين مشدودة للوراء بأعتبارها أهدافاً آنية للنضال بعد مرور أكثر من نصف قرن على صدورها وأكثر من سبع سنين منذ سقوط الدكتاتورية وتمتع العراقيين بالحرية والديمقراطية و كذلك بالفقر والأمية والحزن والقتل " يوميه " . لا أود الوقوف عند هذا الباب (الأنجازات) فهو معروف للقاصي قبل الداني . والحديث لو طال هنا سيُطرب الكثيرين خصوصا أولئك ممن يشعرون بالحنين للماضي السعيد وأولئك الذين يرون فيها تأريخهم التليد .
مُنجزات 14 تموز أحد الأبواب المتاحة التي كثر" زوارها " على مر الزمان وليس في ذلك أية غرابة ففي العراق كثيرة هي " الأبواب " وحُجّابها . لكني أود طرق أحد ألابواب شبه " المنسية " ممن ليس له " زواراً " كثيرين .

أنا أتفهم لو أن كثيراً من الشيوعيين العراقيين تحديداً وأصدقائهم والكثير من اليساريين والثوريين شعروا بالأنزعاج وربما بالغضب في كل مرة تُثار فيها الشكوك حول بعض أحداث الرابع عشر من تموز. فهم كانوا أكثر القوى حماساً لها بل وكثيراً ما يُقصد بأنهم كانوا القوى الفاعلة الرئيسية في الأحداث ومن ثم في أسناد وتأييد السلطة الجديدة لاحقاً قبل أن يصبحوا هم أنفسهم ضحايا لها . فالصورة واضحة أذن : " ثورة 14 تموز " هي ربما " الأنجازالوحيد " لهذه القوى والجزء الأكثر أشراقاً في تأريخها النضالي وأن أي محاولة لنفض " الغبار " عن تلك " الصفحات غير المروية " أنما تعني " نبش " التراث المقدس الملئ بالبطولات ودماء الشهداء .

هل هناك ثورة من غير أخطاء وضحايا ؟

في حديث رواه البيهقي في الشعب أن أعرابياً سأل النبي محمد : من يحاسب الخلق يوم القيامة ؟ قال : الله . فقال الأعرابي : نجونا أذن ورب الكعبة . فقال له النبي : كيف ؟ فقال الأعرابي : لأن الكريم اذا قدر عفا .. هكذا في السماء وهكذا فعل الزعيم على الأرض فكانت سبب مقتله .
بالرغم من دعم رب السماء لطوفان نوح في التوراة والكتب التابعة فأن التشابه لا يرحم مع طوفان أوتنابشتم في ملحمة كلكامش المدعومة بقوة النقوش السومرية . والأنكار لا يزيد في الأيمان خردلة . يعني بقليل من التأويل والأجتهاد والصبر يمكن أكتشاف بعض مظاهر " تشبه " 14 تموز ببعض تطبيقات ومُثُل الثورات التي سبقتها كأصدار بعض القوانين لصالح الفقراء و أقامة ما يُماثل اللجان والمحاكم الثورية (لجان المقاومة الشعبية ، محكمة الثورة ..... ) وملاحقة أعداء الثورة بل و حتى في طريقة أعدام العائلة المالكة وغيرها ولكنها تتشابه معها أيضا بكثرة الأخطاء .

ليكن كل عمل من أعمالك هجوما على الأخطاء ، هكذا أوصى بوذا أتباعه في خطبة الوداع ! لم يبقى لنا شئ نخشاه أو نخشى عليه ! فالعراق مقبل على أصعب الخيارات وكذلك نحن اليسار الديمقراطي . فأِما الأمامة وأِما القيامة وفي الأثنين نحن " اليتامى " . الفساد اصبح ثقافة مزدهرة كما في الهشيم ناراً مستعرة . و أذا كان للفرهود (النهب) في العراق تأريخاً " مدوياً " فهو يأخذ اليوم أبعاداً أوسع ومديات أرفع ولم يعد بشكله الكلاسيكي القديم مقتصراً على " الرعاع " فقط بل يشترك فيه من عموم الشعب و أولاً قادته ، كل حسب طاقته ، بالعمامة أم بغيرها ، سياسيها أم مُفتيها ، صغيرها وكبيرها ومن شمالها الى جنوبها. هذا النهب المجرد من أية قيم أخلاقية في طريقه لأن يصبح تقليداً متأصلاً وفلكلوراً لا يُخجِل أصحابه ولا يحتاج الى تبريرات ، تتوارثه الأجيال كما الجينات لا يأبه لأنين الآباء والأمهات الأحياء منهم والأموات .
دعونا أذن نُجرّد الُمغرضين من "السياسيين الهمّازين اللمّازين" ومن بعض الذين يزعمون الأكاديمية والمهنية من فرصة الصيد في المياه العكرة ( رغم شحتها في بلادنا ) . والأعتراف بالخطأ هو قوة و شجاعة قبل أن يكون فضيلة كما يقولون ولن يصدّق أحد من أننا لم نُخطأ وأن الآخرين فقط يريدون تشويه تأريخنا وقلب الحقائق وكذا تزوير الوقائع عنّا نحن أصحاب المطارق وحمر البيارق .

أن أجواء الأنفتاح وحرية الكلمة و الممارسة الديمقراطية ( وأن كانت عرجاء ) عموماً جديدة علينا ( على الكل في العراق دون تمييز) ولم نستكشف بعد كل أستحقاقاتها . وعلى الأرجح سننتظر طويلا قبل أن تترسخ أذ أن الديمقراطية صيرورة وثقافة تستلزم مراحل تأريخية لبناء متطلباتها الأجتما- أقتصادية وسياسية . أن كثير من تقاليد العمل السري مازالت " معشعشة " في رؤوس الكثيرين ، و ليس في ذلك غرابة لحزب كان في كل تأريخه النضالي تقريباً ملاحقاً من قبل السلطات المتعاقبة ( بما فيها سلطة 14 تموز) وتعرض مناضليه للأرهاب والتعذيب والتصفيات .أن مستقبل العراق الديمقراطي مازال غامضا ويحق لنا أن نقلق وأن نحتاط للأسوأ لكن ذلك لا يمنحنا الحق في " طمطمة" دورنا في أحداث قررت الى حد كبير مسيرة العراق حتى اليوم ، بل أن هذا التوقف العلني والصريح (في هذه المحطة وغيرها كثير) هو أحد متطلبات أعادة بناء الذات لمواجهة تحديات الغد بعد سلسلة المرارات منذ أندحار الدكتاتورية والأخطر ما هو آت.

ليس الزعيم وحده من غرق في الأخطاء بل والقوى الأكثر فاعلة في الأحداث ونحن منهم . وأنا لا أقصد طبعا فقط أحداثا بعينها أثارت ومازالت الكثير من السجال كالتي حصلت في العام 1959 في الموصل وكذلك في كركوك بل عموم تجربتنا في 14 تموز حتى مصرعها في 8 شباط الأسود . وأذا كان أهل مكة أدرى بشعابها فليس أفضلُ منّا علينا من أنفُسِنا أذا كانت الشهادة علينا أما أذا كانت لنا فلتأتي من غيرنا . والأعتراف بالخطأ يقتضي الأعتذار فضلاً عن تسمية أهل القرار خصوصاً و نحن لا نملك غير الكلام وسيلة وليس في اليد حيلة . هذا الأعتراف الرسمي (ليس المحاولات الفردية على أهميتها وشجاعة بعضها) سيمنحنا مصداقية جديدة ويحررنا من أسرار الماضي السعيد ويسحب البساط من تحت أقدام المغرضين . أمامحاولة الأختباء وراء مقولة " البادئ أظلم " فلا تمنح غفران أكثر من صلاة سكران وهي تعبيرعن ثقافة مضافة شيخ العشيرة وليست لفضائات الفكر المستنيرة .

و أن كان هذا محال سأختم هذا المقال ( كما وعدت في جزء 1 ) بسؤال من وحي الخيال :

في أي حال كان العراق لو لم تكن ثورة 14 تموز عنواناً في المقال ؟

د. غالب محسن

-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
̽ باب الحوائج يقصد به على الأرجح (عند الشيعة) ضريح الأمام موسى بن جعفر في الكاظمية ، وكذلك ضريح أبو الفضل العباس في كربلاء .
̽ ̽ ليس في نيتي بالطبع طمس الفوارق بين هذه الثورات كما لست هنا بصدد مناقشة القوى الأجتماعية المحركة لها أو طابعها وأهدافها ....الخ فهذا شأن الباحثين والعارفين ببواطن الأمور.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تناور.. «فرصة أخيرة» للهدنة أو غزو رفح


.. فيديو يوثق اعتداء جنود الاحتلال بالضرب على صحفي عند باب الأس




.. مراسل الجزيرة يرصد آخر تطورات القصف الإسرائيلي في جميع مدن ق


.. حماس: تسلمنا المقترح الإسرائيلي وندرسه




.. طالب يؤدي صلاته وهو مكبل اليدين بعدما اعتقلته الشرطة الأميرك