الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ارحموا غزة - 3 النسيج الاجتماعي ولعنته القادمة

أكرم أبو عمرو

2010 / 7 / 14
القضية الفلسطينية


إن امن وسلامة واستقرار المجتمعات ودرجة تقدمها ونموها، مرهونة بشكل كبير وأساسي بقوة ووحدة النسيج الاجتماعي فيها ، فكثير ما سمعنا ورأينا وقرأنا عن حروب أهلية طاحنة أحرقت الأخضر واليابس وأهلكت الحرث والنسل في كثير من البلدان ، وجعلتها تتراجع كثيرا إلى الوراء في مجاهل التخلف والفقر والفوضى بسبب ضعف وتمزق نسيجها الاجتماعي، حيث عانت هذه المجتمعات من سطوة الطبقية الاجتماعية أحيانا، وسطوة الطوائف الدينية والعقائدية المختلفة أحيانا أخرى ، وهذا يرجع إلى وجود نوع من التنوع العرقي والطائفي والديني وربما تزايد الفجوات بين الفقراء والأغنياء ، بين النخب والعامة ما يجعل النسيج الاجتماعي غير متجانس قابل للتمزق والتفرق ليصبح فيما بعد نقمة ولعنة على أفراد المجتمع ، وهذا ما نخشاه ونحذر منه في بلادنا التي بدأ فيه انتشار وتزايد عوامل التفسخ والتحلل الاجتماعي ما يهدد وحدتنا ومجتمعنا ، لفقد عاش شعبنا الفلسطيني تاريخه الطويل شعبا واحدا موحدً وعلى خلاف غيرة من الشعوب حتى الشعوب العربية خاليا تقريبا من كل شكل من الأشكال العرقية أو الطائفية أو التعدد الديني أو المذهبي ، عاش بمسلميه ومسيحييه شعب واحد وهدف واحد بعاداته وتقاليده وقيمه مترابطا موحدا ولم ينغص عليه استقراره ووحدته سوى الاحتلال البغيض الذي استباح الأرض والمقدسات، فكان الوقوف صفا لمجابهته ومقاومته منذ أكثر من ستين عاما وما يزال ، ولكن ما يثير مخاوفنا هو ما افرزه ويفرزه الانقسام من نتائج قد تكون كارثية علينا وعلى الأجيال القادمة ، ففي الرابع عشر من يونيو حزيران عام 2007 حدث ما يشبه الزلزال العنيف هز الشعب الفلسطيني من أعماقه ومن أركانه ، لقد أطلق عليه صفة الانقلاب ، وصفة الحسم العسكري ، ولكنه في الحقيقة أقوى من الانقلاب واقوي من الحسم ، انه الشرخ المادي والنفسي ومن النوع الطويل الأمد فما أصعب الأمراض النفسية وعلاجها عندما تصيب بني البشر، لقد احدث الانقسام انقسامات ونخشى أن تتكاثر هذه الانقسامات بالانشطارات المتوالية ، ومن هذه الانقسامات :
- الانقسام الجغرافي : حيث أصبح الوطن وطنين قطاع غزة، والضفة الغربية ومعه انقسم الشعب الواحد إلى شعبين، فلسطينوا غزة وفلسطينيوا الضفة، وربما تترسخ مستقبلا مصطلح الغزاوي والضفاوي لتكتب في بطاقات الهوية وجوازات السفر ، ويندثر الفلسطيني .
- الانقسام الثاني : هو الانقسام السياسي حيث أصبح في كل قسم حكومة برئيسها ووزرائها واجتماعاتها وقراراتها وخططتها وبرامجها.
- الانقسام الثالث : انقسام المشروع الوطني الفلسطيني الذي سالت من اجله الدماء بغزارة، وتكبد شعبنا خسائر فادحة عبر تاريخه النضالي، فمن حلم بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف ووقف الاستيطان وعودة اللاجئين، إلي مشروع وطن محاصر من البر والجو والبحر ، وكل همه اليومي فتح المعابر وحرية الحركة، ومشروع تفاوض واتصالات وعلاقات دولية واسعة يهدف إلى إقامة الدولة .
- الانقسام الرابع : هو الانقسام الاقتصادي فقسم يحظى بكل أشكال الدعم المادي والسياسي من مختلف دول العالم لدرجه أصبح يحقق فيها معدل نمو بلغ 8.5% ، في حين أن القسم الثاني تنتشر فيه ظاهرة الفقر والبطالة لدرجة قصمت فيها الظهور ولا يكاد يحقق من معدلات النمو بأكثر من 1% وفي الحقيقة لا ندري من أين جاء هذا الواحد في المائة .
- الانقسام الخامس : وهو الأخطر إنه الانقسام الاجتماعي ، الذي يهدد وبشكل مباشر نسيجنا الاجتماعي ، فلقد تحولت كل من فتح وحماس، وباقي الفصائل من صبغتها السياسية المحضة في ضوء التعددية وحرية الرأي بإطار ديمقراطي، إلى صبغة أشبه بالصبغة القبلية أو العائلية،أثرت بشكل مباشر في مجمل العلاقات الاجتماعية التي تربط أبناء المجتمع الواحد بدءا بالأسرة الواحدة التي لم يتورع قيام احد أفرادها بسب شقيقه أو الاعتداء عليه جسديا نتيجة اختلاف في الرأي، أو لصالح حزب أو فئة ما، وكم من أخوة أشقاء يقاطعون إخوانهم وأسرهم على هذه الخلفية وانقطاع العلاقات بين الأصدقاء لتنشأ بينهم علاقات يسودها الريبة والشك ، وامتدت آثار هذا الانقسام إلى مواقع العمل والتوظيف حيث يتم الانحياز لمن ينتمي لحزب أو فصيل معين وغالبا ما يكون هذا الحزب هو الحزب الحاكم أو المسيطر، فإذا كان طالب الوظيفة ينتمي إلى الحزب الحاكم كانت فرصته أقوى بكثير من غيرة ، لتمتد هذه النظرة الضيقة التي لا تخدم سوى الحزب أو الفصيل إلى أمور ابعد من ذلك بكثير ففي حالات الزواج فكثير من الحالات لا تتم إلا على خلفية حزبية أي لا يتم الزواج إلا من أبناء الحزب الواحد ، وهكذا في العديد من التعاملات والعلاقات الثقافية والتجارية ،يظهر بشكل واضح اثر الانتماء الحزبي والفصائل في كثير من المناسبات الاجتماعية والوطنية وعبر ماكينة الإعلام التي لا تعرف سوى التحريض الذي قلما نسمعه موجه لعدونا المشترك بل موجه ضد بعضنا البعض .
إن استمرار الانقسام أدى إلى تغييب دور القيادات وعلى رأسها أعضاء المجلس التشريعي لعدم انعقاد جلسات المجلس وتعطيل دورة المنوط به ، كما اضعف دور المثقفين في لعب دورهم الهام في توعية ووحدة وتماسك المجتمع ، بل إن الانقسام اضعف كثيرا جزءا هاما من مكونات المجتمع الفلسطيني آلا وهو دور اليسار الفلسطيني الذي أري عدم وقوفه بقوة في وجه الانقسام والعمل على تغليب المصلحة الوطنية العليا عن المصلحة الحزبية .
أن هذه العوامل مرشحة للاستفحال خاصة مع استمرار الحصار وتعطل أدوات الاقتصاد والإنتاج وتزايد معدلات البطالة والفقر ، وما يلحق بها من تزايد وتيرة العنف الأسري والعائلي ما يهدد فعلا نسيجنا الاجتماعي الذي بدوره يهدد أمننا واستقرارنا ووجودنا فما زالت الفرصة مهيأة للنهوض قبل فوات الأوان وذلك بالنزول من أعالي الشجر إلى مصلحتنا الوطنية وحتى لا نصبح كمن يهدم المعبد على رأسه فالتاريخ لن يرحم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استعدادات دفاعية في أوكرانيا تحسبا لهجوم روسي واسع النطاق


.. مدير وكالة المخابرات الأميركية في القاهرة لتحريك ملف محادثات




.. أمريكا.. مظاهرة خارج جامعة The New School في نيويورك لدعم ال


.. إطلاق نار خلال تمشيط قوات الاحتلال محيط المنزل المحاصر في طو




.. الصحفيون في قطاع غزة.. شهود على الحرب وضحايا لها