الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أحبّ كلّ أربعٍ وعشرِ

هاشم تايه

2010 / 7 / 14
الادب والفن


لم يبق في ذاكرتي من قصيدة أطلقتها الشاعرة لميعة عبّاس عمارة تحيةً للرابع عشر من تموز العام 1958 إلاّ قولها:
أحبُّ كلّ أربعٍ وعشرِ لأنّها تختمُ رقمَ الشّرِّ !
وتجلبُ اليسارَ بعدَ العسرِ !ّ
قرأ علينا معلم العربيّة هذه القصيدة أيّام كنّا تلاميذ في المدرسة الابتدائية، بعد أن كتبها على السبورة بخطّ جميل، وأمرنا بنسخها في دفتر المحفوظات، وحفظها.
أحبّ أهلي عبد الكريم قاسم، ولم يعكّر صفو محبتهم له مصرع ملكهم الصغير المحبوب برصاص (ثورته)..
وما أن أرسلت بغداد صور الزعيم إلى البصرة، حتى انتشرت على جدران دكان أبي، وزيّنت ديوانيّة بيتنا، واقتنى أهلي أباريق، وأكواباً، وصحوناً طُبِعتْ عليها صور (ابن الشعب البار)، وازدانت بها أعزُّ الأمكنة لديهم.
أتذكر أنّ أوائل صوره التي احتفينا بها، كانت مطبوعة على ورق مقوّى خشن بلون أخضر باهت.. صور له وحده، وصور تجمعه بضباطه المنتشين بالنصر...
تلك الأيّام كنت أمارس الرّسم بشغف، وأكافح لتحسين مهاراتي فيه، ووجدت في صور الزعيم الذي أورثني أهلي ومعلمي محبته في تلك السنوات، مصدراً لتقوية أدائي في رسم البورتريت، فرسمت له عشرات البورتريتات على أنواع متعددة من الورق، حتى صار وجهه بملامحه العراقيّة، بالنسبة لي، محفوظة صُوريّة مرسومة في خيالي، إلى جوار وجوده في دفتر محفوظاتي المدرسيّ كمحفوظة من كلمات.
المرّة الوحيدة التي قُدِّر لي فيها أن أرى زعيمي عن قرب كانت خلال زيارة صحبني فيها أهلي إلى بغداد... ففي ضحى يوم كنتُ مع قريب لي في ساحة الميدان، وسمعت من يصيح (جاء الزعيم)! مشيراً إلى سيارة سوداء كانت تتقدم على مهل في الشارع.. فهرعتُ راكضاً واقتربتُ منه حتى أوشكت أن ألمس سطح السيارة التي لم يكن فيها إلاّ سائق منشغل بالطريق وراء مقوده، وخلفه كان يجلس عبد الكريم هادئاً .. وفي الحال اقترب رجلٌ فارع الطول بزيّ بغداديّ واندفع نحو نافذة السيارة التي جلس إلى جوارها الزعيم وأطلق كلمةً مدوّية صارخاً به:
( اِعْدِمْ ) !
لم يكن يسيراً أن أتبيّن ماذا صنعتْ تلك الصّرخة الرّهيبة بقلب الرجل الهادئ المتكئ على وداعته وحيداً في سيارته المستوحدة بلونها الأسود الحزين...
كيف أمضى نهاره مع صرخة (اعدمْ)؟ وبأيّ صورة تجسّدتْ له تلك الصرخة على فراش اللّيل؟ ذلك ما لم يكن يعرفه أحدٌ سواه...
أتذكّر متسوّلاً أخرس ظلّ شهوراً يجوب الأسواق في البصرة، يسأله النّاس بالإشارات عن زعيمهم الذي لم يصدقوا حقيقة مغادرته الحياة بعد مصرعه على أيدي انقلابيي 1963 فيجيبهم، هو الآخر، بالإشارات، وكانوا يتنافسون على ترجمة ما تطلقه يداه، وما يحتدم في فمه من أصوات، ويسرّهم أن يؤكد لهم الأخرس أن رجلهم مايزال حيّاً في مكان ما وأنه عائد إليهم..
مرّ عامٌ، وتبعه عامٌ آخر، واختفى الأخرس نهائيّاً..
وباختفائه تهيّأ النّاس لتقبّل حقيقة خسارتهم بطلهم نهائيّاً أيضاً..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة أخيرة - صدقي صخر بدأ بالغناء قبل التمثيل.. يا ترى بيحب


.. كلمة أخيرة - صدقي صخر: أول مرة وقفت قدام كاميرا سنة 2002 مع




.. كلمة أخيرة - مسلسل ريفو كان نقلة كبيرة في حياة صدقي صخر.. ال


.. تفاعلكم | الفنان محمد عبده يكشف طبيعة مرضه ورحلته العلاجية




.. تفاعلكم | الحوثي يخطف ويعتقل فنانين شعبيين والتهمة: الغناء!