الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يتقيأ جهاز المخزن السموم التاريخية ويسمح لنا ببناء نسخة ثانية من الشخصية الوطنية؟

عبدالحق فيكري الكوش

2010 / 7 / 15
دراسات وابحاث قانونية


لقد خلق جميع الناس متساوون، في الواجبات والحقوق، في البحث عن الحرية وفي الاستثمار فيها، في الحصول على الكمية الضرورية من العلم والمعرفة والسعادة، في التصرف في الحلم والوهم... لكن هل يمكن ضمان هاته الحقوق والواجبات تحت رداء فيودالي عتيق؟ ونحن أمام شعب خسيس لا يقوم بأي واجب ولا يأخذ أي حق؟ هل وصفة الجهوية هروب الى الأمام؟ أم عودة بحجم خطوة نحو الوراء للذهاب خطوتين نحو الإمام؟ هل حقا ضمن لنا المخزن –من خلال عناصره- حقوقنا تاريخيا؟ حقنا في العلم والمعرف والسعادة وحقنا في الحرية والاستثمار فيها؟ وهل ضمن لنا كل الحقوق الترابية للوطن؟ وكيف تصرف في استعمال هذا الحق وتعسف فيه مثلما تعسف في استعمال السوط الثيوقراطي؟ وبالغ من خلاله ومن غيره في مص عرق الشعب الخسيس؟ وهل يمكننا أن نطلب اليوم من المغاربة أن يطلقوا ألسنتهم في انتقاد المخزن إن هم فعلا أحرار وينعمون بالحرية؟

إن جهاز الحكم الذي يقود فئة معينة الى التلون والانبطاح على أعتابه، للحصول على كمية قليلة منه وبطريقة مهينة تتجلى فيها كل مظاهر العبودية، أرسى كل مظاهر القهر في سيكولوجية المغاربة منذ زمن بعيد، وساهمت هاته الفئة التي تشبه القمل والبرغوت والقراد ... الذي تربى في جمجمة المخزن، وانتفع من خلال ترخيص صريح بحق بناء أعشاشه في هاته الجمجمة، الى درجة ان كون شبكة معقدة تستوطن خصيتي هذا المخزن ذاته ! فمارست هاته الطفيليات ما تم التبرع به عليها من كمية قليلة من الحكم للحصول على مغانم فئوية، وعلى غنائم وامتيازات تشمل الأرض والتصرف والاحترام والتمتع بالمواطنة من الدرجة الأولى، وعلى حق افتراس العامة والأوباش والدهماء، وأنا أعي أن ملايين المغاربة يتصفون بالخسة التي أورثها لهم وغرسها فيهم نظام حكم عناصره اتصفت بكميات مضاعفة من المكر والخسة والغدر والعنف والجريمة والسلب والنهب والدسيسة والمؤامرة... إنهم لا يترددون في تقديم خدمات خسيسة لهؤلاء الارستقراطيين وجموع السلالات المخزنية من مثل هؤلاء المتكورين من عرقهم ومن خيرات بلدهم ومن إذلالهم بشتى الطرق تحت مسميات ودوافع شتى ...
لم يكن قصر الملك على مر التاريخ إلا ضريحا يقصده كل من يريد إظهار براعته في حكم القبائل بالبارود والنار، يقصده الأفراد والجماعات، أو يقوم القصر برمي بعض العظام على القبائل في بعض المناسبات أو حين حدوث بعض القلاقل التي تستدعي ذلك، وتقصده في مجمل الأحيان سلالات عرف عنها الانبطاح والتملق والتزلف الذي يتحول الى طقس منبوذ وكريه ومبالغ فيه الى درجة التقزز، وامتلاكها لجماجم فارغة، لا تعمر إلا بحيل جاهزة وخطط استغلال شرس لخيرات الوطن و الى لعاب يسيل لهاته الفريسة المسماة "وطنا"، جماجم تعمر باحتياطي من العنف و الشطط في ممارسته، وفي تنفيذ الأوامر الشفوية بوحشية شديدة، بل ويقصده من يجبي أكثر ويثبت قدرته على تقديم خدماته العنيفة في تطويع الأفراد والقبائل...
وتاريخيا الذين تكوروا في دهاليز المخزن، لم يكن عندهم دافع ما لإسعاد المغاربة، ومنذ القرن السادس عشر الميلادي، كانت مؤسسة الزاوية الوحيدة التي قدمت للمغاربة نموذجا جديدا من المؤسسات والتي اعتنت مرحليا بتقديم للمغاربة الطعام والعلم ولقنتهم فن المقاومة والنضال وأطرت انتفاضة الجماهير، وجاءت بإيديولوجيا حكم جديدة أقصت عصبية ابن خلدون، عنصر تم توظيفه لغاية توحيد شعب المغاربة المتعدد الإثنيات والعرقيات، فكانت إيديولوجيا النسب الشريف الممهد لانقلاب تاريخي...
لقد قدم الشرفاء السعديون على أكتاف الزوايا الى الحكم، ولما سقطت دولتهم تم اللجوء الى احتياطي من الشرفاء هم العلويون، ومنذ ذلك العصر تكورت في ردهات المخزن أفراد تحولوا الى سلالات تقدم خدماتها للدولة في مقابل وحسب الطلب ولا تناقش المطلوب منها، بل لجأت هاته السلالات في حالة ضعف جهاز المخزن نفسه الى الجهات الأجنبية لضمان مصالحها، إنها مع الأقوى في الساحة ومع من أصبح ومن أمسى ...
إن الحكم ليس ملكية فكرية حكرا على أسر معينة، ولا يجب أن يظل، والحرية والسعادة وتقلد وظائف الدولة الهامة ليست حكرا على فئة معينة، ولا يمكن أن يوجد مغاربة أحرار من الدرجة الأولى وأحرار من الدرجة الثانية، ولا يمكن أن توجد عوائل مخزنية مختارة، وأخرى غير مختارة.
كما ان المغاربة ليس عندهم طبقات "نبلاء" و مواطنون من الدرجات الثالثة والرابعة والخامسة ولا يمكن أن يكونوا، والمتعارف عليه هو الاحترام الواجب لآل البيت أو الشرفاء، وهاته هي الطبقة التي يجب أن تحظى بالاحترام شرط أن تتصف بصفات العقل والحكمة وبصفات تؤهلها لنيل هذا الاحترام، وهو احترام فطري شائع في ارض الإسلام عامة، ولا يعني بالضرورة أن ندفع الشرفاء الى المناصب النظيفة والهامة والى تقديمهم كسادة، فكل المغاربة متساوون وأحرار في وطنهم حقوقا وواجبات، ولكن هذا احترام يدخل في إطار بناء الشخصية الوطنية التي لا يجب أن تخلو من وجود ضمير حكيم، هي هاته المؤسسة التي نلح على إعادة الاعتبار لها، والتي تميزت على مدى التاريخ المغربي بالحكمة اللازمة والضرورية حتى في أحلك الظروف التاريخية.
إن سياسة هؤلاء النفعيين الجدد و أولئك النفعيين القدامى والذين يتوحدون في تقديم صنوف شتى من التملق والتمسح البغيض بالملكية والملك، ستقودنا الى حرب أهلية في المستقبل، والى تمزيق خريطة الوطن على مآدب السادة المستغلين الجشعين من كبار لصوص العالم، الذين نسميهم في غفلة بالقوى العظمى بعد أن نجحوا في تسويق أنفسهم في لاوعينا كسادة ديمقراطيين ونبلاء وعقلاء وأذكياء...
إن المخزن اليوم يراقب كل شيء، وهذا من حقه، انه جهاز الحكم، ولكن ليس من حقه أن يتدخل في كل شيء ويصنع كل شيء، يجب أن يسمح لطبقات جديدة أن تعبر عن صوتها، وأن تنضج فاكهتها، ولو كانت زقوما، عليه أن يكون متأملا لتدبير فورة الأفكار ومشاريعها، ولو ليست في صالحه، عليه أن يوسع صدره، وعليه ان يعمد الى تنظيف جمجمته بالقانون وافراغها من هذا القراد الذي انتفع سنوات طويلة من مص دم الشعب. المخزن وعناصره هو محلول غير متجانس، فيهم النظيف الحداثي وفيهم التقليدي الخسيس، الذي يعتقد أن الملك يجب أن يحصل على كمية مطلقة من القداسة، وليس الاحترام الواجب لرئيس الدولة، ولا يوجد أي تعارض بين واجب الاحترام لأول مسئول في البلد وبين وبناء المجتمع الحديث، بل يذهب هؤلاء التافهون في شكل أرستقراطيين بربطات عنق مستوردة وجنسيات مزدوجة، هي ورقة احتياطية للطوارئ كالمعتاد، أو هي حماية مقنعة جديدة، ينحون نحو إحلال الملك محل الله، ليس حبا في الملكية والملك ولكن للاستمرار في مص دم تلك الجماعة الخسيسة من المغاربة، التي لا تتردد في لي ذيلها كجماعة وتقبل بنيل حقوقها في شكل تبرعات خيرية من هؤلاء السدنة والأزلام الذين لا يخدمون الملكية ولكن يخدمون فئاتهم ودواتهم، في حين أن هذا الملك نفسه تنعدم في دمه كميات من المخزنة التقليدية اقل من كل المغاربة ؟.
إن نحن عدنا للوراء، والى فترة الدولة السعدية والى الآن، فما ربحناه من حقوق كأفراد وجماعات يظهر أن الدولة لم تقم يوما على مفهوم العدالة والمساواة ولكن تدبير شؤون القبائل بحكمة هي مكر مقنع تحضر فيه الميكيافيليلية المخزنية بجلاء ووضوح.
نعم عشنا كأمة مجموعة من الانقلابات ومجموعة من الأزمات وشاركنا مجتمعين في صنع أحداث رائعة، وظهر بيننا نبغاء ثم إقصائهم، بعد أن انزعج المخزن من أرائهم، و هذا الجهاز كان دائما ضيق الصدر ومزاجيا، مغرور بطقوسيته المغرقة في ثوبها الثيوقراطي الذي يسمح لها بابتلاع الأفراد والجماعات. نحن كأمة أيضا كنا غاية في المكر، وكنا غاية في الكر والفر في ساح المكر والمكر المضاد مع جهاز المخزن وأمامي طريف من طرائف هذا المجتمع الماكر فهو يقول عن شخص تمت الوشاية به " ناضت به البيعة"، في حين أن البيعة التي هي أسمى طقس من الطقوس المخزنية السنوية التي يتم من خلالها مبايعة السلطان ! انه شعب دس مكره في لغته الدارجة التي تفضح هذا المكر التاريخي، فكان أن جعل البيعة في مقام الوشاية !
إن الإنسان كما قال لامتري " بوجه عام حيوان مخادع، ومحتال، وخطير، وغادر"، ولكن المخزن قام برعاية هذا الحيوان ووفر له كل أنواع الغذاء من مكر واحتيار وخطورة وغدر وعلى مر تاريخه ! لقد ساهم في حدوث التسمم الحضاري للمغاربة وأقعدهم مشلولين في خرافاتهم ورافلين في أغلالهم، في مقابل جز صوفهم و مص دمهم ورضع حليبهم وذبح سمينهم، وكل هذا باسم الأمن!
المخزن لن يصلح لنا أبدا، وكل طقوسه هي اختراعات الماكرين والأقوياء من عناصره ليحافظوا على استمرار الجهاز وضمان مصالحهم، وليس وجود الأمة المغربية وضمان وجدها بين الأمم العظيمة، وعلى هذا الجهاز أن يتغير، والتغيير هو فرض عين وفرض كفاية وسنة مؤكدة، والجمود هو بداية النهاية، ولا يعني التغيير أن يحلق ذقنه و يضع ربطة عنق ويمسك السبحة في يديه، في حين أن جمجتمه تعمر بوافد جديد من فصيلة القمل، ولكن التغيير الحقيقي هو الفصل الحقيقي للسلط وإرساء حقيقي لدولة القانون والحق، دولة الانتخابات الحرة والنزيهة ودولة الحكومات الحقيقية التي تنبثق عن صناديق الاقتراع وتنفد برامجها بجرأة وتحت رقابة القانون.
إن المخزن بعناصره يجب أن ينسلخ عن جلبابه الفيودالي القديم، ويترك لعناصر جديدة أن تتنفس الحرية في الجهات، شريطة فصل حقيقي للسلط وشرط وجود ترسانة قانونية واضحة وشفافة ترسم خطوط اللعب بين المركز والجهات.

إن الاستمرار في بناء مجتمع مخزني وفق المفهوم القديم يعني التفريط في بناء نسخة جديدة من الشخصية الوطنية، والتفريط في عقود ذهبية من الوقت، وقد حان الوقت للمراجعة وإحداث انتقال نوعي في بناء هاته الشخصية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غانتس: لا تفويض لاستمرار عمل الحكومة إذا منع وزراء فيها صفقة


.. شبكات | الأمم المتحدة تغلق قضية وتعلق 3 في الاتهامات الإسرائ




.. هيئة البث الإسرائيلية: الحكومة تدرس بقلق احتمال إصدار -العدل


.. الأمم المتحدة: هجوم -الدعم السريع- على الفاشر يهدد حياة 800




.. مصادر إسرائيلية: نتنياهو خائف جدا من احتمال صدور مذكرة اعتقا