الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شلومو الكردي... بين توظيف الاسطورة.. وعنصري...التوقع والربط

صباح هرمز الشاني

2010 / 7 / 18
الادب والفن


( شلومو الكردي... بين توظيف الاسطورة.. وعنصري...)
التوقع والربط

صباح هرمز الشاني

سمير النقاش، واحد من بين أثنين آخرين من اليهود العراقيين الذين كتبوا الرواية، وهما نعيم كطان (وداعا يا بابل)، وسامي ميخائيل (فكتوريا)، الا أنه يتميز عنهما بتدوينها باللغة العربية، وهو أصغرهما سنا ومن مواليد بغداد عام 1938، وله الى جانب الرواية التي نحن الان بصددها، ثلاث روايات اخرى هي:

• نزولة الشيطان 1986
• الرجس 1987
• عودة الملائكة 1991

كما قام بترجمة رواية (فكتوريا) لـ سامي ميخائيل من العبرية الى العربية.

تدور أحداث رواية (شلومو الكردي وأنا والزمن) لمؤلفها سمير النقاش، أبان الحرب العالمية الاولى، في قرية ايرانية تدعى (صبلاخ). أذ لتآخم حدودها مع الدولتين المتحاربتين روسيا وتركيا، تصبح هدفا سهلا لقصف مدافعهما، ومسرحا لغزواتهما، وبالتالي حصد أرواح أهلها، وهجرتهم منها، مع عدم اشتراك إيران في هذه الحرب
ويسكن في هذه القرية أبناء الديانات السماوية الثلاث بوئام ومحبة، فلكل طائفة أماكن عباداتها، وتحترم من قبل الجميع، وتمارس عاداتها وتقاليدها وطقوسها بحرية، وان البعض منها، بلغت اواصر الصداقة، ووشائج الثقة بينها، حدا جعلها تستثمر اموالها معا في قضايا بيع وشراء السلع، كاشتراك شلومو اليهودي مثلا مع المير علي المسلم.
لاتخلو هذه الرواية من الشخصيات الغرائبية، والاحداث غير المألوفة، ووقوعها تحت تأثيرات كازانزاكي وغابريل غارسيا ماركيز وكافكا، والشخصيات التي تتحلى بهذه الغرائبية هي: شلومو الكردي والاقرب الى شخصية زوربا، الشهم، والطيب، والنبيه، والمغامر، والخدوم، وأم أسمر (زوجته) الطيبة والمضحية، وحسن جقماق المؤمن بسذاجة وعفوية بالبولشفيين، بالاضافة الى شخصية استير، وحسن بوزوك، والماس، ورضا، والشقيقين ولي ومرتضى.

أما الاحداث غير المألوفة، فهي نبوءة النبي ناحوم بقتل اليهود في بغداد يومي العيد، وأن دمهم لن يتوقف الا بأفتداء رجل وامرأة من الاتقياء، وتلصص رضا على زوجة أخيه (فاطمة) وهي تسبح في الحمام، ومقتل أولاد شلومو وزوجته أستير، وانتحار رضا، ولقاء حسن بوزوك بألماس، ولقاء جقماق بالضابط الروسي، وجمود قدمي شلومو ووضع الروث عليهما، وظهور المرأة النذير.
تبدأ الرواية من حيث تأتي على نهايتها، اذ تبدأ احداثها في عام 1914 في (صبلاخ) وتنتهي عام 1985 في (رمات كان) وقد جلس شلومو الكردي البالغ مائة عاما في سريره، وهو يتحدث عن تمسكه بتقاليد وعادات عصره الغابر، وقوة عزيمته التي لاتقهر، هذه العزيمة التي حدته الا يبكي طوال عمره سوى مرتين، مرة يوم ذبحوا اسمر أم البنين (زوجته) ومرة يوم قتلوا أستير الصغيرة وأستير وناحوم.
يبدأ الفصل الاول باستهلالات متفرقة وسريعة ومقتضبة، إيحاء لما ستجري من أحداث في الرواية لاحقا، يتخللها حدثين أفرد لهما المؤلف مساحة واسعة، واكسبهما عناية خاصة من حيث اسلوب السرد الذي أتبعه فيهما، بالانتقال بين الضمائر الثلاثة، وهذا الحدثان هما رحلة شلومو من بغداد الى بومباي للتجارة عام 1924، وتهجير يهود العراق الى ايران مطلع حزيران عام 1941، موظفا الحدث الاول، بالاستفادة من تراث الادب العربي في (الف ليلة وليلة) تحديدا (حكاية السندباد)، والثاني بتوظيف الميثولوجيا الدينية. ويأتي مقارنة رحلة شلومو الى بومباي بحكاية السندباد لأن شلومو شأن السندباد، يغامر ويواجه المحن، ويخرج منها في كل مرة فائزا، وتكمن وجه المغامرة في هذه الرحلة على المركب المتجه من البصرة الى الهند، عدم اجادته الحديث باللغة الهندية، وسعيه، مع معاناته التفاهم بها، إنفاق مبلغ قليل من المال، ويتم تحقيق كلا مطلبيه، وذلك من خلال اللقاء على ظهر المركب بيهودي واسمه (يهودا بحر) جاء الى العراق زائرا اهله وحاجا النبي حزقييل عزرا، في طريق عودته الى الهند، الذي يأويه في بيته لعدة ايام، ثم ينتقل الاقامة بكنيس نكبارا، لتحل مشكلة حاجز اللغة، عن طريق الترجمة التي يقوم بها صديقه اليهودي بينه وبين التجار اليهود، ليشتري منه شحنة من اللكنات (الثياب القديمة) بثمن رخيص جدا، وهكذا يعود دون ان ينفق مليما واحدا من الصرة التي كانت بحوزته لا على مبيته ولا على طعامه، وليربح مبلغا كبيرا من المال في هذه الرحلة ، يبتاع به دارا في منطقة الكرادة ببغداد.
وتتكرر مثل هذه المغامرات على إمتداد الرواية، كما في ابتياعه اربعين قطعة سلاح في طهران وبيعها لاهالي قرية صبلاخ، ومن ثم مثوله امام شاه ايران جراء ذلك وجلده بالعصا المرنة خمسين جلدة وبالجافة مئة، لاتهامه باعلان العصيان على الحكومة، وزجه في السجن، وانقاذه من قبل جلال رافضي وهو من الحاشية الشاهنشاهية، بتبرير انقاذ والده له من ضائقة مالية كادت تقضي عليه، وعودة شلومو سالما الى صبلاخ.

وهنا يطرح هذا السؤال نفسه بالحاح:
- ترى كيف فات شلومو وهو انبه رجل في القرية، ان التجارة بالسلاح سوف تجلب له المشاكل؟!
بالاضافة الى حادث خروج السفاحين الشقيقين جعفر وحسين عليه، وهو في طريقه الى طهران، يمتطي حصانه ويقود ثلاث بغال محملة بالعفص بين جبال ووهاد وتلال، لبيعها فيها، طالبين منه، ان يترك حصانه وبغاله وان ينجو بجلده، ولكنهما عندما يتعرفان على هويته، يعتذران منه، ويبادران الى شراء العفص والدواب منه، وذلك بتبرير، انهما مدينان لوالده، حيث أنقذ رقبتهما من حبل المشنقة. ويعالج المؤلف هذا التكرار، في تبيان الحجة، بتوظيفهما في نهاية الرواية، الاول، بتبليغ شلومو الخروج من القرية من قبل جلال رافضي، والثاني عبر استخدام أحد المسدسات التي باعها شلومو لاهالي القرية من قبل حسن بوزوك، للحصول على الطعام.
وجاء توظيف الميثولوجيا الدينية في تنبؤ قتل اليهود في العراق أجمل ما في الرواية، وهي كذلك، لأننا هنا لسنا بصدد تحليل حدث سياسي او تاريخي، مر عليه الاف السنين، وانما بصدد قراءة رواية فنية، فقد تعمد المؤلف اختيار المكان الذي يصوره بعدسة المتلقي، وهو حادثة سبي اليهود، من مدينة القوش، بأعتبارها مدينة أشورية (وقد سبق للاشوريين من وجهة نظر المؤلف سبي اليهود)، أن يرى تكرار نفس الفاجعة في بغداد وعلى بعد 600كم من القوش، لافرق، او تكرار فاجعة صبلاخ فيها، ذلك ان هذا المعنى يأتي ويتكرر مرتين على لسان شلومو، مرة في الصفحة الثامنة عشرة، ومرة اخرى في الصفحة السادسة والاربعين، وعلى هذا النحو:
* الجبيلية أرامية الجبل ((هذه لغة اليهود منذ سبانا الاثوريون)).
* صبلاخ تتكرر في بغداد؟ الانكليزي يرحل ويقول للنازي تفضل؟!
والملاحظ أنه يستخدم مفردة (الاثوريون) وليس (الاشوريون)، وقد يكون القصد من وراء اختيار مدينة القوش المعروفة بارتفاع اراضيها ووجود الجبال فيها، بعكس ما ذهبنا اليه، وهو تمجيد الاشوريين عبر هذه المدينة.
كما أن أختيار المكان، وهو المرقد الى جانب الاكسسوارات التي تحتويه كالقناديل والقرايات المتوهجة والتي تتحول لون مياهها الى لون احمر كالدم، والرهبة التي تتركه بين انطفائها واشتعالها. والبعد الفاصل بين المكانين، والفارق بين إرتفاع مدينة القوش قياسا بمدينة بغداد، كل هذا اشاع جوا مفعما بالسحر والقدسية، وزاد من وهجهما إقتران رؤية موت الرجل والمرأة من هذا المكان، سيما بعد معرفة هوية المرأة.
تبدأ النبوءة بألقاء مونولوجات داخلية، وحوار خادم المرقد مع النبي ناحوم الذي حضر المرقد، الذي يوعز إليه، بتوجيه انظاره الى بغداد التي تقترب منه، فيراها وكأنها على كفيه، ويشاهد كل ما يجري فيها، فالرجال والنساء والشيوخ والاطفال يذبحون ذبح السوام والبيوت تنهب والدكاكين تفرغ من سلعها والحرائر تغتصب والدماء تسيل أنهارا والرعاع يرقصون جذلا على جثث الضحايا ملوحين بالخناجر والسيوف المضرجة بالدماء.
يأتي الحوار الدائر بين خادم المرقد والنبي ناحوم، ووصف هذه المجزرة، كشريط سينمائي يشاهد المتلقي احداثها ويشارك فيها، او هكذا يترأى له انه في اللحظة.. الان.. يخوضها.. وهو في مركز الاحداث.. واخر من يقتل في هذه المجزرة هما رجل وامرأة. ومع ان خادم الحرم يصف المرأة غير ان المتلقي لايعرف بأنها اسمر زوجة شلومو، الا بعد خروجها من البيت بحثا عنه.
وهنا تكمن حذاقة اللعبة الفنية للحبكة في ايصال الحدث الى الذروة عبر تاخير الفعل الدرامي وايهام المتلقي اذ ان هذه المعرفة المتأخرة تصعق المتلقي وتنبهه الى الحدث المفجع.
الصورة الاولى:
(ونظر الشيخ مردخاي حاي (خادم المرقد)، فرآى شيخا بغداديا ناصع اللحية، يجلس على كرسيه منهمكا في تلاوة مزامير داود، واذا بأزيز رصاص يقطع التمتمة المنغمة العذبة شرارة نار وفرقعة يعقبها خيط من دم يتدفق من الجبهة المغضنة ويتطاول حتى يسقط طرفه على كتاب المزامير ويغدو بسرعة بركة حمراء ويهوي رأس الشيخ اليهودي البغدادي على صفحة زبورة وتنغمس لحيته في بركة دمه) ص 50
الصورة الثانيةوأمتثل ايضا، فرأى إمرأة كهلة ملفعة بعباءة سوداء، تمرق في شارع وهي تتلفت يمنة ويسرة كالمجنونة، خائفة، وجلة تصرخ بأشياء تتناهى الى سمعه، لكنه لايفهمها، والمرأة تلطم خديها وتخمش وجهها، واذا بجمع يحيط بها، جمع يلوح بمدى وخناجر وسيوف، جمع هائج يحيط بالمرأة ثم ينهال عليها طعنا بسكاكينه، وتسقط المرأة وسط الشارع غارقة في بحر من دمها) ص 50 – 51.
أما الاستهلالات التي جاء بها في الفصل الاول من الرواية، فهي على نوعين، فالنوع الاول استخدمه لاعطاء تفصيلات الحدث لاحقا، والنوع الثاني وهو الاهم، استخدمه لحالات التنبؤ لما تحدث للشخصية، والاستهلالات التي تمثل النوع الاول هي:

• دخول شلومو في سجن طهران.
• دعوة اسمر من زوجها شلومو الزواج من استير
• انقاذ شلومو بيت صديقه المير علي من السرقة
• طلب شلومو من علي وجعفر الخروج من مخبأيهما ليتفاهم معهما.

والنوع الثاني هي:
• الايحاء الى موت أستير زوجة شلومو وابنه ناحوم وابنته استير.
• وظهور المرأة النذير....

ان اكثر الاستهلالات أهمية، ومانحا حجما واسعا من الرواية، هو الايحاء الى موت استير زوجة شلومو وأبنه ناحوم وأبنته استير الصغيرة، أذ يأخذ هذا الاستهلال من بداية الفعل الدرامي له الى لحظة تفجيره بحدود مائتي صفحة، أذ يبدأ من الصفحة الثامنة عشرة وينتهي في الصفحة مائتين واثنتين وعشرين،

هكذا:
• قالت أسمر سأزوجك استير. قالت اسمر. (ماتت استير ومات الطفلان) ص18
• وتساقطت القذائف على رأس استير مصحوبة بصراخ ناحوم المذعور ص160
• ألم احذرك من ان الخروج في هذه الاوضاع الخطرة محظورة، فهل تسعين الى عصيان امري وتعريض ناحوم والاخر الراقد في بطنك الى خطر الموت. ص 168
• لم ار استير والطفلين فسألت اسمر: الم تعد استير بعد من بيت اهلها. ص 199
• الححت على استير بأن تعتكف في البيت وحذرتها من الخروج وحيدة او مع الطفلين. ص 222
وإذا كان الايحاء الى موت زوجة شلومو واطفاله قد أخذ حجما واسعا من الرواية، فأن ظهور المرأة النذير لاهالي القرية، وأحد ابنائها، وحسن بوزوك، يوحي بما لا يقبل الشك الى الدمار والخراب الذي تنتظره القرية وذلك ان السعلاة تعتبر جزءا من ثقافة العقل الجمعي للانسان الشعبي او القروي، وتحتل قسما كبيرا من تفكيره، على الرغم من عدم تصديق اهالي القرية بتحذيرات السعلاة المبهمة وغير المفهومة، وقد استطاع المؤلف ان يعبر عن ذلك من خلال لوحتين، اعتمد في الاولى على مسخ الانسان، بالاستفادة عن طريقة السرد المتعبة لدى كافكا، في روايته المعروفة (المسخ) عبر تحول السعلاة من بنت صبية الى فتاة، وهي تتخطى مراحل العمر، الى عجوز شمطاء، والثانية في ظهورها لحسن بوزوك كغانية فاتنة، وتنبؤها بموته قبل أن يرى طفله الراقد في احشاء الماس.
*

اللوحة الاولى:
(واخذت تنمو امامه، وفي ثوان تحولت من بنت الى صبية الى فتاة... شرع ذراعها يطول حتى اصبح امامه وصده عن الفرار... كان يراها حتم انفه) وهي تتخطى مراحل العمر بسرعة جنونية، ها هي الان امرأة في خريف العمر، بل عجوز شمطاء البشرة التي كانت غضة قبل لحظات قد ذبلت.. انها تتغضن وتجف، وها هي اخيرا بيضاء بلون الثلج، أما البشرة الجافة من فرط الشيخوخة، فقد أخذت تتقشعر وتتفتت ثم تتساقط عن الوجه، وما بقي اخيرا، لم يكن أكثر من جمجمة فوق هيكل عظمي...). ص252

اللوحة الثانية:
(وفجأة شع أمام حسن بوزوك نور باهت،وظهرت المرأة النذير من اعماق هذا النور غانية فاتنة، اقتربت منه كالقمر البدر محاطا بهالته، ضحكت له وهمست بصوت هرم كأنه ينبعث من اعماق قبر: (لن يتقيأك القبر ولن يعرفك اليتيم). ص 312 وهذا التنبؤ ينسحب الى (الماس) ايضا ولكنه يأتي بدرجة اقل، والخاص بكبريائها وما سيؤول اليها من عواقب وخيمة.
كان يراها شلومو فيقول (ما فائدتها وهي لاتفعل في الدنيا شيئا غير ان تأكل وتنام وتنظر الى نفسها من خلال مرأة تضخمها وتقلص الناس بعينيها، وتجعلهم بمحاذاتها في حجم واشكال الحشرات، كان يقول لنفسه ايضا، لن تتزوج هذه المغرورة ولن تدخل مجتمع الناس، لكن الدنيا خؤونه ولن ترحم أمثال الماس). ص 124
وبتناوب الهجمات التي تشنها تركيا وروسيا على (صبلاخ) تدخل هذه القرية في مشاكل كانت تفتقر اليها اصلا في السابق، ماعدا بعض الهامشية منها، والمتوقع حدوثها في كل المجتمعات، واذا عددناها فأنها لاتتعدى على الثلاثة، موزعة بين ثلاث عوائل، هي عائلة شلومو وعائلة المير علي، وعائلة الماس، متمثلة الاولى في مشكلة، عدم إيلاء استير لنصائح زوجها الداعية الى تجنب اصطحاب ناحوم واستير الصغيرة الى البستان اذنا صاغية، والثانية في ميل رضا الى زوجة شقيقه (فاطمة) والثالثة الى الكبرياء التي تتحلى بها الماس وتجاهلها لشباب القرية، مستغلا المؤلف هذه الحرب، جاعلا منها لعبة حاذقة لفبركة هذه المشاكل الصغيرة وتضخيمها، من خلال تزاوج الحدث والشخصية والخروج منهما بواقع جديد يكشف بعمق اسباب عذابات شخصيات الرواية التي لاطائل لها امام الاحداث العاتية والتي تواجهها، لتنزلق الواحدة تلو الاخرى في منحدر لامفر من الخروج منه، وذلك عبر هجرة شلومو من القرية، وإنتحار رضا، وموت حسن بوزوك جوعا، وأكل الام لابنها وخيانتها لزوجها، ومقتل زوجة شلومو واطفاله، والقتال الدائر بين مرتضى وعلي للحصول على قدر اكبر من غنائم الحرب.
ولفهم هذه الرواية بشكل افضل لا بد ان نشخص علاقة بنيتها بخطابها وفي هذا السياق فهي وان تبدو مبنية على النص المغلق بسبب عودة النهاية الى البداية فأن تعدد اصواتها وترك معالجة بعض الاحداث دون حل كعدم معرفة ماحل بألماس وعائلة المير علي بعد هجرة شلومو من القرية فهي تنضوي تحت لواء النص المفتوح.
ويحتل صوت الراوي فيها الصدارة بل ويأخذ دور المؤلف ويأتي بثلاث صيغ. مرة بضمير المتكلم ومرة بضمير المخاطب ومرة اخرى بضمير الغائب. واذا كان صوت المتكلم في الرواية كما يقول ميخائيل باختين هو دائما وبدرجات مختلفة منتج ايديولوجيا وكلماته هي دائما عينة ايديولوجية فأن الراوي في شلومو انا الكردي يحدد موقفه المناهض للحرب والمتعاطف مع اليهود.
ومن اجل ان يتطابق هذا المعنى مع بنية الرواية يلجأ النقاش الى قلب قواعد الرواية التقليدية عبر شرع السرد من النهاية وارتداده الى البداية عن طريق استخدام الفلاش باك او الاسلوب السينمائي وتقنية الانتقال من حدث الى اخر بشكل سريع بالتعويل على الضمائر الثلاثة والجمل البرقية بدون ان يلتزم بترتيب الاحداث وتنظيمها وفق تسلسل الاحداث في الروايات التقليدية اذ تبدأ في عام 1985 ثم تنتقل الى عام 1924 وترجع الى عام 1919 وتأخذ بالصعود عام 1930 – 1941 – 1951 – 1961- 1985 ثم تبدأ بالنزول الى عام 1914 حيث تبدأ احداث الرواية وتنطلق الشرارة الاولى للحرب العالمية الاولى.
يقوم النقاش بتوظيف هذه العناصر اتساقا مع الحدث غير التقليدي الذي هو الحرب وبالتالي بشخصيات غرائبية لتعطي نفس المعنى وتتطلبق معه وذلك باللجوء الى التقاطع مع اسلوب الحرب المدمرة بأسلوب التكثيف والاختزال سواء في اللغة او الشخصيات او الاحداث.

ان المؤلف على دراية بصناعة الحدث، وتوضيبه وتهذيبه، لدفعه الى امام، وغالبا ما يعول على الايقاع البطيء، والانتقال به من فعل الى آخر، لأعطاء السلم الدرامي اهميته، واتيان توتره بشكل تصاعدي وتعاقبي متسلسل ومتدرج، اذ يجعله يغلي تحت نار هادئة ولا يفجره الا عندما يفور ويصل الى اخر درجة من درجة الغليان، اي ان المؤلف لايمنح المتلقي هذه اللحظة بطريقة سهلة وجاهزة، وانما بأنقطاع الانفس، اذ يجد في انتقال عائلة المير علي للعيش مع عائلة شلومو، تبريرا مقنعا، لتصعيد الحدث الدرامي لمأساة رضا، بالانتهاء منها، وهي جعل غرفته في مواجهة غرفة شقيقه وزوجته، وذلك بهدف زيادة توتره وانفعاله، لفصل جدار واحد بينهما، متخيلا اعضائها وقد أصبحت عبر هذا الحائط مومسا عارية كما ولدتها امها ومعها رجل مباح له ان يفعل بجسدها ما يشتهي، فيزداد توترا وشبقا، وفي لحظة من لحظاته هذه، يهجم على شقيقه ماسكا بخناقه وهو يصرخ: اريد فاطمة. وبعد خمس اوست دقائق على خروجه من البيت تسمع دوي طلقة.
ان هذا الحدث، اوميل رضا الى زوجة شقيقه، يمر بثلاث مراحل الى ان ينفجر، اذ يبدأ من محاولة لمس يديها، مرورا باستغلال غياب شقيقه لاقتحام مخدعها، والتلصص عليها وهي تستحم في الحمام، وينتهي بالانتحار.
وهو مثلما يلجأ الى الايقاع البطيء في تفجير الحدث، كذلك فأنه يستخدم عين المتلقي لالتقاط هذا الحدث، لتصبح بمثابة الكاميرا السينمائية لتصوير الشخصيات من مختلف الزوايا، وقد وظف هذا الاسلوب في المشاهد المهمة في الرواية، وبشكل خاص في مشهدي تنبؤ النبي ناحوم بقتل اليهود في العراق، ومشهد (فاطمة) زوجة المير علي وهي تسبح عارية في الحمام، ويذكرني هذا المشهد بمشهد استحمام (ريميديس) في رواية (مائة عام من العزلة) لماركيزعندما ينتزع احد الغرباء قرميدة من السقف ويقف منقطع الانفاس امام مشهد عريها الرهيب، طالبا منها ان تتزوجه، ويضيع قرابة ساعة من الزمن لمجرد ان يرى إمرأة تستحم.ومع موت الرجلين، الرجل الغريب في مائة عام من العزلة، لزحف القرميد وانكساره تحت قدميه ووقوعه على الارض، ورضا في هذه الرواية، الا ان مشهد روايتنا هذه، لاتسامه بمصداقية، سواء من خلال انفعالات البطل ومشاعره، أو وصفه لعريها جاء اكثر إقناعا وابلغ نضجا. وان وصف عري المرأة لا يأتي بشكل مبتذل كما هو معروف في روايات الجنس وانما لحاجة النص اليه.
( الابطان بيضاوان لا أثر فيها لشعر محفوف او محلوق، الرقبة اسطوانة عاجية لدنة هشة، عنق غزال بلون حمامة يحركها نابض الثديان نافران منتصبان كأنهما ثديا طفلة قد نبتا في التو، لا اثر فيهما لهبوط ولا قيد انملة فكأنهما لم يمتائا يحليب يوما وكأنك لم تلدي ولا ارضعت طفلين... اريد ان انطلق اليك كرصاصة لاضمك، لكن شيئا في الارض يسمر قدمي، اخور اتشبث بالحائط، كل ما بي يندلق منصهرا، الا هذا الشيء المتصلب المتفقع من فرط توتره في اعلى ساقي، سبحان من سواك، يداك تعبثان بالثديين، هذا بطنك كوسادة بيضاء يتوسطها ثقب، كأس صغيرة، لعابي يسيل اتمنى ان يملأ هذا الثقب.... يقال ان لكل بنات العالم عضوا يشبهها، كذب من قال هذا؟ اقسم اني لم اشهد غير فرجك، لكنني اقسم ايضا انك وحدك ذات الفرج في الدنيا.... اني لو طوقتك من خلفك وزحلقت يدي مرورا بنهديك الى بطنك ثم الى ذلك الحر المعبود، لكنت استطعت ان اروي قصة اسرائي الى الجنة....) ص 207 واذا كان الحدث الدرامي لرضا يمر بثلاث مراحل، فأنه يقطع نفس الاشواط بالنسبة لاستير والماس متمثلة الاولى، مرة بتساقط القذائف ومرة اخرة بتحذيرها من الذهاب الى البستان ومقتلها في المرة الثانية متمثلة في الماس بالبصاق في وجه شلومو،وموت والدها، وحملها من حسن بوزرك. وتعويل المؤلف لحالات الربط التي جمعها بين شخوصه، اضفى بعداً وأعمق وفهماً اوسع لها ،وسهل للقارئ عملية الفرز بينها، كربط خيانة الاخوين علي ومرتضى لاهالي قريتهم بخيانة رضا لشقيقه ص 130 ،وربط استمتاع مرتضى حاجي بصراخ الناس ص159 ، وربط طلقات العثمانين بأنجاب استير ص174 وربط حالة الجو بالحرب،ثم الحرب برضا وبالماس وحسن بوزوك ص221 ، وربط تطاول رضا على فاطمة بكارثة جعل الروس والعثمانيين هذه البلدة موطئاً لاقدامهم وممراً لأهدافهم الشريرة.

كل الشخصيات رئيسية في هذه الرواية ، الا ان شلومو بأعتباره يقوم بدور الراوي اي يروي الاحداث التي عاشها ، والاحداث التي مرت على اهالي قريته ، يحتل موقع الصدارة فيها ، بالاضافة الى الشجاعة التي يتحلى بها وقوة الارادة والعزيمة ، او كما يقول هو عن نفسه ، انه اشبه بالثور الهائج الذي حمل الدنيا ونقلها من قرن الى قرن ، والمجذاف الذي فج الاهوال وساط الزمن ، ولم ينقصف ، بل وعاء يفج غمار الهول ويمضي في طريقه ، والاحداث التي مرت عليه في هذه الرواية كثيرة الاان اهمها هي حادثة انقاذ بيت صديقه المير علي من السرقة بتزويد جنود الروس بقناني الوسكي ،وتعرض قدميه للتحجر وهو في طريق العودة الى بيته وسط الثلوج في الليل ،لتبليغ اهالي القرية ، بأوامر الروس ، ومعالجتهما بوضع الروث عليهما ومبيته في الطولة مع الحيوانات تحت (الصون_رجيع البهائم).
وشخصية حسن جقماق الظريفة ، الذي يعتقد بان هذه الحرب ليست كابوسا طالما الروس هم الذين يملكون امرها بأعتبار ان الصراع القائم بين الرجعيين والبو لشفيين في الجيش القيصري ، لابد ان ينتهي بأنتصار الشيوعيين ومقابلته للضابط الروسي ، دفاعاً عن المسلمين او عدم قتلهم ،لأن دلك يؤدي الى ابتعادالانصار و المؤيدين عنهم ،وبوشوك اعتقاله من قبل الضابط ، لولا انقاذه احد الجنود الذي كان من حسن حظه بولشفياً.

وشخصية الماس المدللة التي تتعامل مع الناس بكبرياء ، وتتصدى لأجمل شباب القرية وفي مقدمتهم حسن بوزوك ، ان تتحول الى مجنونة بعد موت والدها ، وتحبل من بوزوك ، حيث ياتيها الى منزلها الايل للسقوط و المتهرئ ويضاجعها.
تتشابه شخصية حسن بوزوك الى حدٍ كبير بشخصية الماس المراهقة ، من حيث تعامله مع الناس ،، لانحدارهما من نفس الطبقة ، اذ تعلم معنى السلطة منذ نعومة اظفاره ، وخيل له انه يتملك الدنيا وكل ماعليها ، هو يتبختر في افخر ثيابه ، ولم يعجبه الخنجر المرصع بالذهب، فتمنطق بطبنجة ابيه التاجر الكبير ، لجذب انتباه فتيات القرية بالتحديد الماس ، لينزع تكتها ، ولم تسنح له الفرصة الا بعد جنونها ، ويموت جوعا بعد ان يشهر السلاح في وجه شلومو طلباً للطعام وتعتبر شخصية رضا من اكثر الشخصيات الرواية غرائبية ، موضعاً للعطف ، لميله الى الوحدة والانعزال ، نتيجة الكبت الجنسي الذي يعانيه ، وقيود المجتمع المفروضة عليه ، وولهه بزوجة شقيقه ، وقد فرغ عقله وضميره الاّ منها ، فاطمة الثمرة المحرمة ، ومات منتحراً بدون ان يقاوم او ان يدافع عن نفسه وبهدوء المضطهدين الذين لا حول لهم ولا قوة.

ولفهم هذه الرواية بشكل افضل لا بد ان نشخص علاقة بنيتها بخطابها وفي هذا السياق فهي وان تبدو مبنية على النص المغلق بسبب عودة النهاية الى البداية فأن تعدد اصواتها وترك معالجة بعض الاحداث دون حل كعدم معرفة ماحل بألماس وعائلة المير علي بعد هجرة شلومو من القرية فهي تنضوي تحت لواء النص المفتوح.

ويحتل صوت الراوي فيها الصدارة بل ويأخذ دور المؤلف ويأتي بثلاث صيغ. مرة بضمير المتكلم ومرة بضمير المخاطب ومرة اخرى بضمير الغائب. واذا كان صوت المتكلم في الرواية كما يقول ميخائيل باختين هو دائما وبدرجات مختلفة منتج ايديولوجيا وكلماته هي دائما عينة ايديولوجية فأن الراوي في شلومو انا الكردي يحدد موقفه المناهض للحرب والمتعاطف مع اليهود.
ومن اجل ان يتطابق هذا المعنى مع بنية الرواية يلجأ النقاش الى قلب قواعد الرواية التقليدية عبر شرع السرد من النهاية وارتداده الى البداية عن طريق استخدام الفلاش باك او الاسلوب السينمائي وتقنية الانتقال من حدث الى اخر بشكل سريع بالتعويل على الضمائر الثلاثة والجمل البرقية بدون ان يلتزم بترتيب الاحداث وتنظيمها وفق تسلسل الاحداث في الروايات التقليدية اذ تبدأ في عام 1985 ثم تنتقل الى عام 1924 وترجع الى عام 1919 وتأخذ بالصعود عام 1930 – 1941 – 1951 – 1961- 1985 ثم تبدأ بالنزول الى عام 1914 حيث تبدأ احداث الرواية وتنطلق الشرارة الاولى للحرب العالمية الاولى.
يقوم النقاش بتوظيف هذه العناصر اتساقا مع الحدث غير التقليدي الذي هو الحرب وبالتالي بشخصيات غرائبية لتعطي نفس المعنى وتتطلبق معه وذلك باللجوء الى التقاطع مع اسلوب الحرب المدمرة بأسلوب التكثيف والاختزال سواء في اللغة او الشخصيات او الاحداث.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز -ديدي- جسدياً على صدي


.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض




.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل


.. كل يوم - رمز للثقافة المصرية ومؤثر في كل بيت عربي.. خالد أبو




.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : مفيش نجم في تاريخ مصر حقق هذا