الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أهم معوّقات التقدم العربي

عبدالله تركماني

2010 / 7 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


ينطوي الوضع العربي على عدد من المعوّقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تحول دون النهوض الحضاري: تضخم دور سلطة الدولة وغياب الدور الأساسي لمؤسسات المجتمع المدني، وضعف الالتزام باحترام القانون في أغلب المجتمعات العربية، بل الافتقار إلى سيادة القانون وتساوي كل المواطنين حكاماً ومحكومين أمام القانون، مما جعل معظم الناس يعيشون ثقافة تولد أجيالاً عربية لا تحترم القانون وتنظر إليه على أنه تنظيم لردع الأقلية غير المنضبطة، وليس نظاماً لضبط الحقوق والواجبات وتحديد المسؤوليات.
ثم أنّ مسألة الفشل والنجاح قد بلغت عندنا حداً تجاوز المعمول به لدى سائر الشعوب تحت أية اعتبارات، إذ يحمل مفهوم الانتصار مضامين خرافية في ظل " النزعة الظافرية " التي تعم فضاءنا العربي، غير خاضعة لمعيارية عقلانية، تستمد المشروعية والزخم في ذاتها، ولا تأبه بالوقائع والحسابات العقلانية.
وإذا كان ليس عيباً أن تنظر الأمم إلى ماضيها كي ترسي دعائم تقدمها، فإنّ عيب أمتنا أنها ظلت منبهرة بماضيها لا تنظر إلا لما هو مشرق فيه حتى توقفت عن التقدم. إنّ العرب هائمون بماضيهم لأنهم كتبوا صفحات مشرقة من التاريخ الإنساني لقرون، لكنهم ظلوا خارج هذا التاريخ لقرون أيضاً. لقد أضاعوا الطريق الذي قادهم ذات يوم نحو الحضارة فبحثوا عنه، ولكن دون جدوى، فالالتحاق بركب الحضارة مجدداً ودخول التاريخ من بابه الواسع يقتضي معرفة كيف خرجوا منه من الباب الضيق.
ومن المهارات التي يحتاجها العالم العربي، والتي تنقصنا كأفراد ومجتمعات، تأتي مهارة تحديد الأولويات، حسب تعبير الدكتور عبد الملك خلف التميمي: هل هي قضية فلسطين بعد مرور 62 عاماً على اغتصابها وقيام إسرائيل ؟ أم الأمن المائي العربي ؟ أم الحروب الأهلية وقضية الأقليات في بعض الدول العربية ؟ أم مشكلات الحدود الموروثة عن الفترة الاستعمارية ؟ أم أزمة الديمقراطية وحقوق الإنسان والتنمية المستدامة ؟ أم أزمة الفساد وضرورة الإصلاح ؟ أم الخلل في التركيبة السكانية لبعض الدول الخليجية ؟ أم أزمة التيارات الفكرية والسياسية ؟ ....
إن غياب سلم للأوليات في حياتنا - كأفراد ومجتمعات - له نتائج سلبية لا تُعد ولا تحصى، وقد آن لنا أن نتعلم من تجاربنا، وندرب الجيل القادم على مهارة بناء سلم الأولويات في حياته.
ومن المعروف أنّ معظم دول العالم تعمد إلى وضع استراتيجيات خاصة بها، تحدد من خلالها الخيارات المتاحة وطريقة تعاطيها مع شؤونها السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية لفترات زمنية معينة، وبعض هذه الاستراتيجيات توضع للتعاطي مع الشؤون الإقليمية والدولية، وتكون بمثابة " خريطة طريق " تستدل من خلالها على السبل والوسائل التي تمكّنها من تحقيق أهدافها. والاستراتيجيات تستهدف جمع كل الطاقات والإمكانات وعوامل القوة بمختلف جوانبها التي تمكّن الدولة من استخدامها لمواجهة الاحتمالات كافة، وبما يمكّنها من النجاح. فهل لدى دولنا العربية استراتيجيات واضحة ومحددة تتعامل من خلالها مع الواقع الراهن ومع التطورات والمستجدات والمتغيرات المحلية والإقليمية والدولية، بحيث لا تجد نفسها فجأة في مأزق أو أزمة لا تعرف كيف تتعامل معها أو تواجهها ؟
ومن خلال ما هو واضح وقائم، لا يبدو أنّ الأمر كذلك، فمعظم دولنا العربية تتعامل مع المستجدات يوماً بيوم من دون وجود خطة أو رؤية أو استراتيجية، وإلا لما كان وضعنا العربي في مثل هذه الحالة من الهشاشة والتراخي والضعف والتمزق، حيث تم التخلّي عن المسؤوليات في تحمل وزر كل المشكلات والأزمات التي تهدد الدول العربية، وترك الساحة للآخرين يعبثون بها وبمقدّراتها ويرسمون لها حاضرها ومستقبلها.
في حين أنّ الحكومات التي تحترم شعوبها وتحافظ على مصالحهم، لا تتخذ موقفاً من قضية من القضايا إلا بعد دراسته في مراكز أبحاث استراتيجية تضم أفضل الخبراء وأقدر الباحثين في مختلف التخصصات. ولا أعتقد أنّ أغلب حكوماتنا العربية تعتمد هذه الطريقة، لأنها أولاً تعودت أن تسمع من الحاشية المحيطة بها أنها على درجة كبيرة من العصمة تجعلها لا تحتاج لغيرها، وثانياً لا تستمد قراراتها من المؤسسات التي هي شبه غائبة أصلاً، وثالثاً هي لا تملك حريةً في اتخاذ القرار واستقلالاً في الإرادة.
إنّ مشكلتنا تكمن في إخفاء العلل وتجهيلها ورفض الاعتراف بالواقع المرير ودفن الرؤوس في الرمال، هروباً من مواجهة الحقائق والمصارحة في تحديد الأسباب وتوصيف العلاج. فالتأجيل هو الأساس، والتسويف هو سيد الموقف، والتجميد هو سيد القرارات، لعل الزمن يحل المشاكل من دون جهد يُبذل، أو لعل عامل الوقت يتكفل بدفنها وطيها في عالم النسيان.
بل أنّ بعض خبراء هذه الحكومات دأبوا على التشكيك في عالمية الخبرة السياسية الإنسانية، وما أفرزته من صياغة لعلاقة الدولة والمجتمع والفرد المواطن، والدفع بعدم صلاحية المعايير الأممية والشرعة العالمية لحقوق الإنسان للاسترشاد بها في البلدان العربية. وواقع الأمر أنّ فساد مثل هذه النظرة لا يرتبط أساساً بعدم دقة بعض جزئياتها، وإنما بتجاهلها المشترك الإنساني في الخبرات التاريخية المتنوعة ومعايير التقويم الموضوعي للأخيرة، فضلاً عن تناسيها مغزى ما تنطوي عليه تدفقات العولمة في عصرنا الراهن.
إنّ رهان إخراج العالم العربي من أزمته الحالية يتوقف على إعادة قراءة التاريخ قراءة واقعية، بعيدة عن اليأس القاتل والتفاؤل الحالم. هذا هو المسار الأمثل للتغيير، مسار يجعلنا قبل كل شيء نغيّر ما بمجتمعاتنا العربية من عيوب ترسخت عبر التاريخ، فنضع بذلك اللبنة الأولى لتطور قد يلحقنا بركب الحضارة من جديد ويمنحنا فرصة جديدة لدخول التاريخ مرة أخرى. لم تعد القضية هي معرفة طرق التقدم، فتاريخ الإنسانية والأمثلة التي نشاهدها أمامنا في كل مكان قد أشارت منذ أمد طويل إلى المسالك التي تقود إلى الصعود . القضية هي إيجاد الأداة المجتمعية الفاعلة التي تقلب الأحلام والرغبات والأقوال إلى واقع يلمسه المواطن .
أليس من المعيب، في زمن تطور فيه مفهوم المواطنة في العالم، أن نطرح نحن العرب سؤالاً قد يبدو بدائياً ومضحكاً وهو ما إذا كنا في أوطاننا مواطنين أم رعايا ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقال قوي
ناهد سلام ( 2010 / 7 / 19 - 23:22 )
تحياتي لك استاذ تركماني ومقال قوي اصبت به الحقيقة

اخر الافلام

.. طارق متري: هذه هي قصة القرار 1701 بشأن لبنان • فرانس 24


.. حزب المحافظين في المملكة المتحدة يختار زعيما جديدا: هل يكون




.. الرئيس الفرنسي يدعو إلى وقف الأسلحة نحو إسرائيل ويأسف لخيارا


.. ماكرون يؤيد وقف توريد السلاح لإسرائيل.. ونتنياهو يرد -عار عل




.. باسكال مونان : نتنياهو يستفيد من الفترة الضبابية في الولايات