الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


﴿ خرابيط 1 ﴾

زاهر زمان

2010 / 7 / 18
الادب والفن


قلت : أنا عمرى ماحسيت بالقرف اللى أنا حاسس بيه اليومين دوله أبداً ! واستطردت : الواحد حاسس زى مايكون الدنيا بقت أضيق من خرم الإبرة قدامه !
سألنى وهو مستغرباً مايسمعه منى : ازاى ؟
أجبت : من يوم الواحد مافتح عينيه ع الدنيا وما بيسمعش ولا بيشوف الا المصايب والبلاوى اللى نازله ترف فى كل حته حواليه0
ازدادت دهشته أكثر فراح يحثنى على الاستطراد والتوضيح عندما كرر السؤال : ازاى يعنى ؟ وأردف : بصراحه أنا عمرى ماشفتك يائس أو محبط زى اللحظة اللى انته فيها دلوقتى !
قذفت بصرى بعيداً إلى متاهات حياتى فى أغوار ذلك الماضى السابق لتلك اللحظة الآنية التى جمعتنا ، وقلت بعد برهة من الصمت ، جاهدت فيها لاسترجاع مامر من شريط حياتى أمام عينى :
- زمان .. لما كنا عيال صغيرين.. كنا نعيش اللى بيحصل حوالينا من غير مانفكر فيه.. يعنى مثلاً .. أنا ماانساش أبداً حالة أبويا وأمى وناس الحارة بتاعتنا ، لما فى ليلة كان فيه واحد – كان عسكرى على ماأظن – داير يصرخ فى الحارة بأعلى صوته وكأنه قرصه ثعبان أو لاشته عقربة ( طفى النور .. طفى النور.. طفى النور ) .. ليلتها كنا قاعدين فى صحن الدار .. أنا وأبويا وأمى واخواتى .. واللمبة الجاز اللى كان نورها أصفر باهت يادوب بالعافية منوره صحن الدار .. ليلتها .. أبويا مارضيش يطفى اللمبة الجاز وشد نفس جامد من التعميرة .. وبخ الدخان من بقه وقال وهو متكدر : هيه يعنى الطيارات حتيجى تضرب اللى قاعدين يشربولهم حجرين معسل ؟! .. وكأن العسكرى اللى بره كان سامعه .. صرخ العسكرى بعدها علطول : طفى النور يامحمود يااخميمى .. طفى النور بدل ماأجيب لك غرامة ! اصل صحن الدار ماكانش عليه سقف ..وأكيد العسكرى لمح نور اللمبة وهو ضارب على حيطة البيت اللى قصاد الدار .. بيت أبو رومانى اللى كان بلدياتنا من ( اخميم )..
استفسر : طبعاً الحكاية دى تلاقيها كانت أيام سبعة وستين ؟
استطردت مصححاً : لا.. ده الحكاية دى فات عليها أكتر من خمسين سنة .. ده أنا أيامها كان عندى ييجى تلات أربع سنين.
هو يعرف أننى أكاد أكمل عامى السابع والخمسين ، لذلك صحح تخمينه السابق :
- يبقى الموضوع ده كان أيام سته وخمسين. وأبدى اندهاشه ثانية :
- ولسه فاكر اللى حصل أيام العدوان الثلاثى ؟!
قلت : أيامها طبعاً الواحد ماكانش عارف ايه اللى بيحصل ده ، ولا فاهم حتى معناه ايه .. لكن الواحد كان عايشه زى بقية الناس ماكانت عايشاه وخلاص ! لكن لما كبرنا شويه ودخلنا المدارس عرفنا بعد كده انه كان فيه حاجه اسمها العدوان الثلاثى.. لكن برضه فضلت كلمة العدوان الثلاثى مربوطة فى ذهنى بصوت العسكرى اللى كان بيصرخ بأعلى صوته ليلتها : طفى النور ..طفى النور يامحمود يااخميمى بدل ماأجيب لك غرامة !
سألنى ممازحاً: وطفى النور أبوك ليلتها ؟
استحضرت رباطة جأش أبى فى تلك الليلة ، واستهانته بكل ماكان يجرى فيها وأجبت :
- انته عارف ...؟.. عمك محمود الخميمى .. ماكانش يخاف حتى من الجن الأزرق.. ليلتها .. حتى لما صرخ أحدهم فى الحارة ( اهى.. الطيارات هناك أهى .. فوق بيت أم فاروق.. أهى هناك .. عامله زى النجمة فوق بيت أم فاروق..) ليلتها رغم الارتباك اللى حصل للناس فى الحارة وصراخ العسكرى زى المدبوح ( طفى النور.. طفى النور .. طفى النور يافلان.. طفى النور ياعلان..) كل ده وعمك محمود الخميمى قاعد يشد فى الدخان من التعميرة اللى فى ايده ولا كأن الدنيا مقلوبة برة فى الحارة ! انته عارف..؟ ده حتى ماقامش من مكانه وخرج بره البيت عشان يشوف ايه حكاية الطيارات اللى زى النجمة فوق بيت أم فاروق دى ! ولا حتى كلف خاطره يطلع يسأل العسكرى اللى بره عايز يجيب له غرامة ليه ولا حتى الغرامة دى أد ايه!
رغم أنه لا يعرف محمود الخميمى ولم يره ولو حتى للحظة واحدة فى حياته ، الا أنه قال وهو يترحم على الرجل :
- الله يرحمه.. لو كان شاف حرب العراق على الهوا فى قناة الجزيرة زى ماشفناها ، وقرا كلمة ( بغداد الآن تحت القصف)... والدنيا براكين بتتفجر حوالين السطر المكتوب ع الشاشة.. والليل بتاع بغداد بيتحول نهار من شدة الانفجارات والصواريخ والقنابل الألف رطل.. ولا لو كان شاف الأطفال والحريم والرجالة اللى اجسامهم ووشوشهم كانت محروقة ومعالمها متشوهه من الغارات فى عملية ( الرصاص المسكوب ) بتاعة اسرائيل فى غزة .. وكأن الواحد من دول ، حتة بطاطا اتحرقت فى الفرن.. متهيألى.. لو كان شاف اللى احنا شفناه ده... مش بس كان طفى النور وطفى التعميره ليلتها .. ده كان دوَّر له على سرداب يستخبى فيه فى سابع أرض ..زى ماعملوا أشاوس حماس وسابوا الغلابة يتحرقوا فوق الأرض!!!
قلت معترضاً :
- أصل انته ماتعرفش محمود الخميمى زى انا ماعرفته..
واستطردت بعد برهة صمت قصيرة :
- محمود الخميمى ماكانش فى حاجه فى الدنيا تهمه غير التعميرة وكوباية الشاى الحبر وسِنة الأفيون اللى كان يحطها تحت ضرسه عشان ينسى بيها نايبه فى بيت أبوه اللى سابه لأخوه فى (أخميم ) وساب له البلد بحالها وخد مراته وعياله وطفش بيهم على ( نَقَادة).
قاطعنى متسائلاً :
- بس اللى انا اعرفه.. ان انته من ( قنا ) ؟
أجبته :
- ده صحيح .. أنا من مواليد ( قنا )...
سألنى :
- أمال ايه حكاية ( أخميم ) وحكاية ( نَقَادة ) دى ؟
أجبت بعدما ارتشفت رشفةً من كوب الشاى الذى أمامى ، أتبعته بنفس عميق من السيجارة الكليوباترا التى بين أصابعى:
- ماهى ( أخميم ) دى.. هيه بلدنا الأصلية..لكن ساعات .. مهنة الواحد فينا تحدد خطواته فى الحياة.. ولإن عمك محمود الخميمى ..أبويا.. كانت مهنته هيه النسيج.. زى أغلب ناس ( أخميم ) فى الوقت ده.. فكان لابد لما ييجى يسيب البلد.. يروح على بلد يلاقى فيها مهنته.. وكانت ( نقادة ) فى الوقت ده .. زى ( أخميم ).. أغلب ناسها بيشتغلوا فى النسيج .. كانوا بيعملوا ملايات حريمى من الحرير.. وكان فيه تجار بياخدوا الملايات دى ويبيعوها فى السودان.. وكانوا النوالين- نسبة لمن يعملون بالنول الذى يستخدم فى صناعة النسيج – فى الزمان اللى باحكيلك عليه ده ؛ كانوا أحسن من موظفين الحكومة .. كانوا بياخدوا أجور أكتر من أى موظف.. المهم.. أبويا مالاقاش قدامه غير ( نقادة ) يروح يشتغل ويعيش فيها ..
قاطعنى وهو يستنتج :
- وطبعاً ماعجبوش الحال فى (نقادة ) ، راح سايبها ومشى على ( قنا ) ؟
صححت له استنتاجه :
- لأ .. هوه من ناحية الحال .. الحال كان عاجبه فى ( نقادة )..
عاد يسأل :
- أمال سابها وراح على ( قنا ) ليه ؟
قلت : الحكاية ياسيدى .. انه كان له معارف فى ( قنا ) بيشتغلوا برضه فى موضوع النسيج .. بس كانوا بينسجوا سجاد .. مش ملايات.. والسجاد اللى كانوا بيعملوه .. كان من الملابس القديمه.. كان الناس يقطعوا الهدوم القديمة ويعملوها شرايط طويلة ويدوها لبتوع النسيج اللى كانوا ينسجوها لهم سجاد..
تساءل وهو يستغرب السبب :
- وهوه السجاد اللى من القماش القديم .. كان أكسب من الملايات اللى من الحرير ؟
أوضحت له :
- بالطبع لأ.. لكن البوار اللى حصل لتجارة الملايات مع السودان أيامها، أثر على المهنة دى .. مش بس فى (نقادة ).. لكن كمان فى ( أخميم ).. وكان طبيعى ان أبويا يفضل يروح يعيش ويشتغل فى ( قنا ) ..ولا يرجعش (أخميم ) اللى سابها وساب حتى ورثه فيها .. وحلف ماهوه راجعها تانى !
استفسر منى :
- وماراح (أخميم ) دى خالص بعد كده ؟
- لا.. طبعاً راحها .. مرة أو مرتين..مش فاكر بالظبط..حتى أنا مش فاكر المناسبات اللى راحها فيها كانت ايه بالظبط !
- وعمك ؟ ماجاء زاركم فى (قنا) أبداً ؟
- يمكن جاء عندنا فى البيت اللى كان فى شارع " سفينه " فى ( قنا ) مرة ، وتقريباً كان ده بمناسبة المولد السنوى بتاع سيدى " عبدالرحيم القناوى "..
جذبت نفساً عميقاً من السيجارة ، وأكملت :
- على فكرة .. احنا بيتنا كان بيبقى عامل زى المضيفة فى الأيام الأخيرة بتاعة المولد .. كل قرايب أبويا وأمى وحبايبهم ..كانوا ينزلوا عندنا فى الأيام الأخيرة بتاعة مولد سيدى " عبدالرحيم القناوى ".. البيت كان بيبقى عامل زى اللوكاندة من الزحمة اللى جواه..
- أكيد .. انته كنت بتبقى فرحان قوى بالجو ده ؟
- ياااااااااه..ده أنا ..وأنا بأفتكر الزمن ده..بأحس كأنى عايش فيه دلوقتى ..مش بس مجرد بأفتكره !!!
عقب قائلاً :
- طيب..يعنى فيه أيام حلوة عشتها برضه..مش كله سواد زى الليله بتاعة " طفى النور " ؟
- أيوه..بس..
- بس ايه ؟
- بس الأيام الحلوة.. تتعد ع الأصابع!!
- ياأخى الواحد يحمد ربنا على كل حال.
- يعنى هوه أنا عشان بافضفض لك ، ابقى كفرت ؟!
- لا.. مش قصدى..أنا اقصد يعنى..
قاطعته :
- احنا بشر.. وعشان احنا بشر..لازم.. زى مابنفتكر الحاجات اللى فرحتنا ، نفتكر الحاجات اللى زعلتنا كمان..
- ده صحيح.. بس الأفضل ان احنا مانقفش عند الحاجات اللى آلمتنا أو سببت لنا أحزان..
- انته عارف..؟ الحاجات اللى بتآلم الانسان وهوه صغير ، بتفضل جواه طول العمر..وعمرها ماتتنسى .. ويمكن كمان يكون لها تأثير على كتير من أمور حياته بعد كده... ومن غير ماياخد باله !
- أنا معاك فى اللى بتقوله.. والا ماكناش نقرا ونسمع عن الناس دول بتوع حقوق الأطفال اللى بيطالبوا بعمل دراسات عن تأثير الحروب والصراعات المسلحة على سلوكيات الأطفال.
مازحته قائلاً :
- خلاص.. هاتهم يدرسوا حالتى بعد الليلة السودة اياها..
ضحك وهو يعلق متسائلاً :
- بتاعة " طفى النور يامحمود ياخميمى " ؟
قلت وأنا أتنفس الصعداء ، وكأننى خارجاً لتوى من تلك الليلة الرهيبة :
- أما كانت ليله !! أسود من السواد نفسه !!
لحظات من الصمت الطفيف ، أردفت بعدها :
- بس برضه..فيه حاجات حلوه كمان..عمر الواحد ماينساها...يعنى مثلاً... لما الخمايمه – أهل أخميم – كانوا ينزلوا عندنا فى البيت فى الأيام الأخيرة من مولد سيدى " عبدالرحيم القناوى "، كانت الحلل بتاعة البيت ، تتملى لحمة وطبيخ ، وكانت أمى تستلف شوية حلل وشوية أطباق من الجيران .. على فكرة .. الجيران ماكانوش يستنوا لما أمى تقول لهم ع الحلل.. كانوا أول مايشوفوا الخمايمة هلوا على البيت عندنا .. يبعتوا الحلل والاطباق اللى يلاقوها قدامهم ع البيت علطول..كانوا الخمايمة ييجوا همه وحريمهم وعيالهم عشان يحضروا المولد فى التلات ليالى الأخارى..وكانوا .. كبار وصغار.. مايفوتوش أى حاجة فى المولد الا ويتفرجوا عليها..مهما كان الزحام..ومهما كان التعب..
- اللمة حلوة .. و...وَنَس..
- ده صحيح.. بس كمان اللمة ساعات يبقى فيها حاجات تضايق.. عارف.. أنا ماأنساش أبداً ان أنا واخواتى ، ماكناش نقدر نمد ايدينا وناخد نوايبنا من اللحمة ، الا لما أبويا يعطى كل واحد من الخمايمة نايبه..طبعاً أيامها الواحد كان صغير.. ومايعرفش ان اللى بيعمله أبوه ده ، هوه اكرام الضيوف..الواحد - كطفل – كان يعرف حاجه واحده بس..عايز نايبه فى اللحمه دى... قبل أى حد فى الناس دى..ومالوش دعوه بأى حاجه تانيه !
- واضح ان الوالد كان مضياف ؟
- مش هوه بس اللى كان مضياف..غالبية الناس كانت كده فى الأيام اللى احنا بنحكى عليها دى..مش بس أبويا..انته عارف..كان ساكن فى البيت اللى ورانا علطول ، راجل كان اسمه " الصَّقلى ".. الراجل ده .. كانوا بيقولوا انه من بلد اسمها ( دندرة)..طبعاً أيامها أنا ماكنتش أعرف من ( دندرة ) دى الا اسمها..وانها بلد عم " أبو محجوب الصَقلى ".. ..(دندرة ) دى ياسيدى دلوقتى .. من البلاد المهمة فى محافظة ( قنا )..من البلاد المحطوطة ع الخريطة السياحية..
تدخل مقاطعاً :
- مش هيه دى البلد اللى قلتلى ان فيها معبد كبير من أيام الفراعنة ؟
- أيواااااااه...عليك نور ..انته لسه فاكر أهه..المهم ..سيبنى أكمل لك حكاية عم " أبو محجوب الصَّقلى ".. الراجل ده ياسيدى كانت حكايته مع الأيام الأخيرة من مولد سيدى " عبدالرحيم القناوى " زى حكاية أبويا بالظبط..
وسألته بشىء من التفاخر :
- انته فاكر حكاية " الزِّفَرِىْ " اللى حكاها " عبدالرحمن الأبنودى " فى الحلقات اللى عملها معاه ‘ يوسف معاطى* فى التليفزيون ؟
كان واضحاً من تعبيرات وجهه ، أنه ربما لم يسمع حتى بأمر تلك الحلقات ، ولو من باب السمع.قررت أن أتوسع فى الموضوع ، وأن أستفيض فى الحديث ، حتى يدرك إلى أى مدى كانت جذورى ضاربة ً ، فيما كان يجرى فى واحدة من بقاع صعيد مصر فى ذلك الوقت. قلت :
- " الزِّفَرى " ده ياسيدى كان راجل على باب الله..كل اللى حيلته كانت طبلة كبيرة..كان بيعلقها فى حبل مفتول نازل من على كتفه عشان يخفف حمل الطبلة الكبيرة دى من على كرشه..ماهو " الزِّفرى " كان راجل مليان وكان كرشه غليض..اللى ماقالوش عمنا "الأبنودى"..ويمكن يكون نسيه أو شاف انه مالوش أهميه.. ان " الزِّفرى " كان فى الثلاثة أيام الأخيرة من مولد سيدى " عبدالرحيم القناوى "..كان بيبقى نجم اللمة الدندراوية اللى كانت بتتلم كل ليلة فى بيت عمك " ابو محجوب السَّقلى "..كانت غالبية اللمة دى.. بلديات عم " أبو محجوب السَّقلى "..من ( دندرة ) .. " الزِّفَرى " كان مدَّاح وبيقول مواويل..وكان صوته حنجورى وتخين..تقدر تميز صوته من على بُعد شارعين..لو سمعته مره ماتنساهوش طول عمرك..
اعتقد أن الذكريات تتكاثر وتتناثر فى أنحاء مخيلتى ، وتتسابق مُزاحمةً بعضها البعض للخروج على لسانى ، فتدخل محاولاً اعادتى الى التركيز فى الحكى . قال :
- طبعاً .. " الزِّفَرى " كان بيغنى للخمايمة اللى فى بيتكم زى ماكان بيغنى للناس بتوع ( دندرة ) اللى نازلين فى بيت عمك " أبو محجوب السَّقلى " ؟
- الحقيقة..ان الحتة كلها كانت بتتجمع عند بيت " أبو محجوب السَّقلى " عشان يسمعوا " الزِّفَرى " ويتفرجوا على كرشه اللى بيترقَّص وبيرقَّص الطبلة اللى فوقه مع كل كلمة يغنيها وكل نفس هوا كان بيجاهد عشان ياخده..
تعجَّب من عبارتى الأخيرة. قال :
- مطرب .. ونفسه قصير ؟!
- الناس كانت بتحبه زى ماهوه كده.. وكانوا بيسهروا معاه انشالله حتى للصبح..وعلى فكرة .. " الزِّفرى " كان موجود فى بلدنا والبلاد اللى حوالينا طول السنة..بس هوه زى ماتقول كده.. كان عامل أجنده بمواعيد الموالد اللى فى مديرية ( قنا ) والمديريات القريبة منها – ماكانش الناس أيامها خدت على كلمة محافظة .. كانوا لسه بيقولوا ع المحافظة ( مديرية ) – وممكن يظهر " الزِّفَرى " فى أى وقت من السنة .. فى شوارع ( قنا ) أو أى بلد أو نجع من النجوع اللى تبع مديرية ( قنا )..
قاطعنى ضاحكاً ضحكةً خفيفة :
- مديرية ( قنا ) ؟
- الواحد ساعات..من كُتر مابيرجع يعيش الماضى ويندمج فيه..بيستعمل نفس الأسماء والمسميات اللى كان بيستعملها فى الماضى من غير ماياخد باله ..
سألته بغتة ً :
- تفتكر ان ده يبقى هروب من الحاضر ؟
تريث بعض الشىء ، ثم أجاب :
- المهم... هيه القدرة على الهروب من شىء لشىء تانى ..ودى فى حد ذاتها ..نعمه من النعم اللى أنعم بيها ربنا على عباده..
صمت قليلاً ثم أكمل :
- تخيَّل.. تخيَّل لو الانسان ماكانش عنده القُدره على انه يهرب من ماضيه لحاضره والعكس ..
وأردف بسؤال :
- تفتكر ..شكل حياته كان حيبقى ازاى ؟
لم أتكلف مغالبة الضحك الذى اعتمل فى داخلى ، فأطلقت نفسى على سجيتى وأجبت :
- كان حيعيش حياته كلها متعقَّد نفسياً.
- عشان كده بيقولوا ان من نعم ربنا على الانسان انه وهبه الذاكرة اللى يقدر بيها يهرب من زمان لزمان.
عقَّبَتْ قائلاً :
- زى مابأحاول أنا دلوقتى أهرب من أخبارانفلونزا الخنازير.. والأزمة الماليه العالميه.. والطاعون اللى ظهر فى ليبيا على حدود مصر الغربيه.. وأخبار البلاوى الحاصله بين الاسرائيليين والفلسطينيين.. وبين الفلسطينيين وبعضهم.. والقرف اللى حاصل فى شبه الجزيرة الكوريه بين الكوريتين ..الشماليه والجنوبيه ..واللى حيجر معاه دول تانيه زى اليابان والصين وروسيا وأمريكا..
تدخل هو مكملاً :
- ماتنساش كمان الحرب على الارهاب اللى مولعه الدنيا فى كل حته.. شوف أفغانستان واللى حاصل فيها..ناس عايزين يرجعوا بالخلق للقرون الأولى من عمر البشرية..قال ايه ..الست تقعد فى البيت عشان تربى العيال !! تعليم البنت حرام !!! المرأة ماتخرجش تشترى حاجه من السوق الا ومعاها مِحْرِم !! نفس الكلام حتلاقيه فى الصومال ..فى باكستان.. فى السودان ..فى موريتانيا...فى أغلب دول العالم الاسلامى حتلاقى كتير من التيارات دى ..اللى مستعدة تتحول فى أى لحظة لغول ارهاب ديكتاتورى ...يحطم كل منجزات البشرية اللى اتحققت فى مجال حقوق الانسان .. شغلانه مش باين لها آخر.. قرف.. .. قرف.. .. قرف. .. قرف ...
قلت له :
- ده حتى فى مصر عندنا..مصر اللى علمت الدنيا يعنى ايه معنى الانسان ..ويعنى ايه معنى الفنون والعلوم والحريه والأديان.. مصر أم الدنيا.. بقى فيها برضه تيارات من النوع المتخلف ده !! .. اللى عايزين بأى طريقه يرجعوا بالبلد لأيام الجمل والناقة وأم سحلول!!
لم يتمالك نفسه من الضحك والقهقهة بصوت مرتفع لفت انتباه الزبائن القريبين منا فى المقهى الذى نجلس فيه لقتل الوقت ، ثم تمالك نفسه بعض الشىء ، وقال وهو يغالب بقايا الضحك :
- هيه أم سحلول رُخره دخلت ع الخط ؟
- أم سحلول وأم بهلول وأم شخلول وأبو شخلول!!
جاهد بكل قوته لكى يكتم الضحك الذى يحاول أن يغلبه ويتفجر من داخله إلى خارجه ، خشية أن يلفت نظر المحيطين بنا مرةً أخرى ، وقال :
- ده الموضوع كده سحلل وشخلل ؟!!
- ياراجل.. ده فى الوقت اللى بنحاول فيه بكل الطرق.. ان احنا ننقل الناس عشان يعيشوا التقدم العلمى والثقافى والسياسى والتكنولوجى ... الحاصل فى كل الدنيا من حوالينا ..عشان ولادنا وأحفادنا يقدروا يجاروا الدنيا .. ويعرفوا يعيشوا زى كل ولاد العالم..فى الوقت اللى بنحاول بكل قوتنا وبكل امكاناتنا..ان احنا نعمل ده.. لسه فيه ناس مصرين على فرض وصايتهم على المجتمع..مره باسم الدين .. مره باسم الوطنيه..مره باسم القوميه.. مره باسم العروبه.., وأخطر ناس فى دول..اللى بيخشوا ع الناس باسم الدين..
تدخال مكملاً :
- طبعاً ..مهو احنا بطبيعتنا كمصريين .. أكتر حاجه تأثر فينا ..هيه الناحيه الدينيه..
صمت برهةً ثم عاد يسألني ممازحاً :
- لكن ماقلتليش.. مين أم سحلول دى ؟ وايه حكاية أبو شخلول ده كمان ؟
- ياسيدى ..ام سحلول دى ..بنت ..انما ايه ؟ كانت ألعن من عاهرات شيكاغو..كانت ماشيه مع طوب الأرض فى الحرام..حتقول لى دى (حريه شخصيه) ..حأقول لك ماشى ..بس النموذج ده من السلوك مرفوض من المجتمع ..حتى فى أعرق الدول فى مجال الحرية الشخصية..ده رغم ان الدعارة مهنة معترف بيها فى غالبية دول العالم ..وليها قوانين بتنظم العمل بيها..الا ان جميع المجتمعات فى الدول دى ، بتنظر للى بيمتهنوا مهنة الدعارة ، وللمترددين على بيوت الدعارة ..بينظروا لهم نظرة احتقار وامتهان..
- الله!! ده ام سحلول دى بأه كانت بلوه من بلاوى الزمن !!
- أنا طبعاً..ماأعرفش أم سحلول دى بصفه شخصيه..ولا عمرى شفتها..لكن باحكيلك الحكايه زى ماسمعتها من صديق لى كان ساكن فى المنطقة اللى كانت عايشه فيها أم سحلول..
- وصاحبك ده ..كان عازب ولا متجوز ؟
- كان عازب..يمكن يكون اتجوز دلوقتى..أصل الكلام ده فات عليه ييجى عشرة ... اتناشر سنه دلوقتى..
- أكيد طبعاً أم سحلول لعبت على صاحبك ده ؟
- لا..ده كان راجل محترم .. مش بتاع الكلام الهلس ده..هوه كان حبيِّبْ.. آه.. بس ماكانش له فى الهلس أو المسخره اللى عايزاها الشرموطه دى..كان يقعد يحب فى البنت من دول ..ويحلم ويسهر ويفكر ليالى طوال .. وييجى عندى البيت ويسهرنى لوش الصبح ..يسمعنى الخرابيط اللى بيكتبها فى البنت من دول..واللى كان بيسميها شعر..وكل ده بالعين بس.. ومن بعيد لبعيد.. عمرى ماشفته فى يوم حتى وقف واتكلم مع واحده من دول .. أو حتى كان له صوره مع بنت من البنات اللى حبهم وكتب فيهم الخرابيط بتاعته دى..
- كان حبِّيْبْ على الورق يعنى ؟!
- المهم..اكمل لك حكاية أم سحلول..
- كمِّل..
- فى ليله..لقيت "كمال" جاينى ع الشقه عندى .. عشان يسمعنى خرابيطه زى العادة..وقبل مايبتدى يقرا الخرابيط من الكراس اللى معاه ..لقيته بيقوللى : حاقول لك على حاجه .. لا يمكن حتصدقها. أنا افتكرته حيقوللى انه خلاص لقي بنت الحلال اللى حيجيب أهله من الصعيد ويروحوا يخطبوها له من أهلها..وانه حيبطل يكتب خرابيط تانى...لكن اتفاجئت بيه بيقوللى : تصدق ان أم سحلول .. مش بس اتحجبت..!! دى لبست النقاب خبط لزق!!!
توهَّجت السماء فجأةً ، وأضاء وميض البرق الخاطف ، كل أرجاء السماء الممتدة فوق البحر الهادر ، وراء كورنيش العجمى الذى يكاد يخلو من المارة ، فى ذلك الوقت المتأخر من تلك الليلة العاصفة ، من ليالى شتاء (الإسكندرية ).أعقب ذلك بثوانى دوى هائل للرعد ، الذى تبعه انهمارٌ غزيرٌ للمطر ، الذى راحت زخَّاته تسيل خيوطاً مائيةً متقاطعةً أحياناً ومتوازيةً أحياناً أخرى ، على الواجهات الزجاجية لمقهى ( سنابل ) ، الذى نجلس فيه الآن .. أنا وصديقى " أنور الشافعى ".
قال متهكِّماً وهو يشير إلى حالة الجو خارج المقهى:
- الظاهر.. ام سحلول بتاعة كمال صاحبك...دى ..سرها باتع قوى.. ؟ شوف الدنيا قلبت مره واحده ازاى ؟
قلت مصححاً :
- أولاً..ام سحلول ..مش بتاعة كمال صاحبى..دى كانت بتاعة كل الشباب الضايعين..اللى فى الحتة .. الا هوه...ماكانش له فى السكة دى ..ثانياً..كان واضح من قبل المغرب ..ان الجو ممكن يقلب فى أى لحظة..
- ياراجل.. !! يعنى مفيش مرة ..غمزت له حتى بطرف عينها ؟
- بالعكس..دى ماكانتش تكره تشوف حد أده !! دى كانت تقبل العمى ولا تفبلوش !!
تسائل مفترضاً :
- مش يمكن أم سحلول لبست النقاب عشان تلفت نظر صاحبك ؟ يمكن كانت بتحبه بس هوه ماكانش واخد باله ؟
- ياعم أنور.. ياعم أنور.. ده هوه وهيه.. مشاعرهم ناحية بعض كانت مكشوفة قوى ليهم همه الاتنين..لا يمكن تكون لبست النقاب عشان تشنكل الراجل المحترم ده وتخليه يقع فيها ويتجوزها..!!
- أمال..هيه اتنقبت ليه ياعم " شكرى " ؟
- شوف ياسيدى.. زى ماعرفت من كمال بعد كده..فى آخر مره شفته فيها قبل مايسافر الكويت..أم سحلول عملت الحكاية دى لما حست ان فيه حد بيراقبها..ومع ذلك قفشوها بتوع الآداب فى شقة مفروشة ..هيه وشلة بنات تانيين كانوا برضه زيها كده..بيستخبوا ورا النقاب..!!
- انته عارف ياشكرى ان النقاب ده رمز بتستخدمه الجماعات اياها .. وبيعتبروه معيار يقيسوا بيه مدى طاعة الست من دول ليهم ؟ الست اللى تقبل تلبس النقاب..تبقى هيه دى الست اللى همه عايزينها..هيه دى الست اللى يقدروا يكلفوها بأى عمل وما تعترضش ..انشاالله حتى لو قالولها : جوزك ده كافر ولازم تتخلصى منه !! حتطيعهم من غير حتى ماتفكر ..وحتخلص على المسكين اللى والديه داعيين عليه ده!!
- طبعاً انته دلوقتى عايز تعرف مين أبو شحلول ده ؟
ضحك ضحكة خفيفة ، ثم هتف يحثنى على متابعة الكلام :
- أيوه صحيح مين أبو شخلول ده كمان ؟
- أبو شخلول ده ياسيدى...
متحفزاً ..هتف :
- أيوه ؟
- أبو شخلول ده ياسيدى..
- أيوا ا ا ه ..مين أبو شخلول ده ؟
- ده ياسيدى لزوم القافيه.. زى مافيه أم سحلول لازم يكون فبه حد اسمه أبوشخلول..
- ايه ياعم شكرى ؟.. هوه كمال صاحبك بهت عليك بخرابيطه قبل مايسافر الكويت ؟
- والله..الظاهر كده ياأنور.. بس بذمتك.. مش تمشى ؟ .. أم سحلول وأبو شخلول.. فيلم الموسم..تَنْ..تَتَن..تن...تن...
ضحك أنور ثم قال بعد ثوانٍ من التفكير :
- بس والله برافو عليك..
سألته :
- ليه ؟
- أصلى واحده من نوعية أم سحلول دى.. مايمشيش معاها غير حاجه كده زى أبوشخلول.. متخلف زيها وعايز يعيش فى القرون الأولى.. أيام " داحس والغبراء ".. لما كانت القبيلة من دول.. تذل القبيلة اللى بتحاربها .. بأسر حريم كبارها وأسيادها.. أيامها.. لجأ أسياد القبائل وكبار القوم الى فرض غطاء على وجوه جميع نساء القبيلة.. وده كان عشان الأعداء مايعرفوش يفرقوا بين وجوه عامة حريم القبيلة ووجوه حريم السادة وكبار القوم..
صمت برهةً ثم استطرد :
- مش بس عملية تمويه ع الأعداء..!! ده كمان كانت الحكايه دى..فيها نوع من الاستعلاء .. وشىء من التخوين للآخرين..
قاطعته :
- استعلاء ؟ وتخوين ؟ ازاى ؟
- البيئة الصحراوية القاسية اللى العرب عاشوا فيها بالطرق البدائية من بدايات التكوين القبلى .. زى ماغرست فى العربى صفات جميلة ونبيلة..غرست فيه كمان صفات هباب وقطران .. أوسخها ..الاستعلاء والتخوين..
- ماجاوبتنيش برضه.. ازاى ؟
- العربى كان بيحب التملك .. وكان بيغير على القبائل الاخرى عشان يستولى ع المرعى..وأهو بالمره .. يستولى على أملاك القبيلة الأخرى من خيام وأغنام وعبيد وجوارى.. وكانت المكافأة الأكبر هى الاستيلاء على الحرائر- جمع حرة – من حريم القبيلة الأخرى..وهنا كان بيبدأ احساس العربى بالاستعلاء .. مهو قدر يستولى على أعز شىء كانت تمتلكه القبيلة المهزومة..الشىء اللى كان أهل القبيلة المهزومة بيخفوه حتى عن عيون بعضهم البعض.. حرائرهم ونساءهم !!
- طيب ده الاستعلاء..بس.. نقدر نقول.. ان ده.. استعلاء ناتج عن الشعور بالقوة..القوة اللى مكنت العربى انه يستولى على أغلى مايملك العربى الآخر ..
استرسل هو بلهجة العليم بخبايا الزمن الغابر ، والتى صمت عنها المؤرخون ، فأغفلتها كتب التاريخ .قال :
- أما التخوين ياعم شكرى .. فكان برضه مرتبط بنفس الظروف اللى كان بيعيشها الانسان العربى أيام الرعى والترحال فى العصور البدائية..كان الواحد من دول يخاف على مراته أو بنته أو أمه أو أخته..انه حد يستفرد بيها فى مكان بعيد فى الصحراء..وهيه ماشية ورا الغنم - خاصة لو كانت فائقة الجمال والدلال - يروح ينتهز الفرصه ويغتصبها..فكان الحل انهم يغطوا وجوه الحريم بالنقاب..علشان مافيش حد يشوف وجوههم فى وسط القبيلة ويطمع فيهم..وبعدين يستفرد بيهم فى مكان بعيد ومتطرف فى الصحراء..ويحصل اللى يحصل..!!!وبمرور الزمن اترسخت الحكاية دى فى كل القبائل..وأصبح التقليد بتاع النقاب ده شىء لازم للمرأة العربية الصحراوية.. لزوم الأنفاس اللى بتتنقسها !!
اختلست النظر الى الجو الماطر العاصف خارج المقهى وسألت مندهشاً من التحليلات التى ساقها أنور ، قلت :
- أمال الجماعات اياها .. بتحاول تدى الحكاية دى أبعاد دينية.. ليه ؟
- مااحنا اتفقنا.. ان دى سياسة..الهدف منها افراز جماعات ليها غطاء دينى..يسخر لهم استخدام الجماعات دى ضد الأنظمة والحكومات .. اللى همه بيعتقدوا انها كافرة..
أبديت اشمئزازى وتقززى مما يفعلون..قلت :
- ويعنى همه مالقيوش غير الحريم ..يغسلولهم مخهم ..ويشكلوا منهم جماعات رفض للأنظمة والحكومات ؟!!
أجاب بلهجة الواثق العليم ببواطن الأمور والسياسات :
- الناس دى ياحبيبى..دارساها حلو قوى..وفاهمين همه عايزين ايه..ويوصلوا اليه ازاى..
واعقب بسؤال مباغت :
- انته سمعت البيت اللى قاله الراحل العظيم الشاعر حافظ ابراهيم :( الأم مدرسةٌ إذا أعددتها ... أعددت شعباً طيبَ الأعراقِ ) ؟
- طبعاً سمعته.. ده أنا أفتكر انه كان مقرر علينا فى المدرسة..
- هوه ده يأستاذى بيت القصيد.
- تقصد...انهم....
ولم ينتظر أن أكمل ، فأوضح هو قائلاً :
- الناس دى ياحبيبى بيبرمجوا البنات والحريم بالخرابيط بتاعتهم.. اللى بينسبوها للدين ظلمًا وعدواناً .. على أمل ان البنات والحريم دول... يربوا ولادهم وبناتهم على نفس الفكر الخرابيطى اللى اتربوا همه عليه..وبكده بيعتقدوا ان المستقبل يبقى بتاعهم..
- يا ا ا ا ا ه..دا ايه التخطيط ده !! وايه السياسه اللى بحورها غميقه قوى دى ؟!!
- أمال انته فاكر ايه ؟ الناس دى مابتلعبش.. ولا بتضيع وقت.
- انته كده بتصدق على كلامى اللى قلته من شويه..
- انه فيه تيارات فى مصر بتحاول تفرض وصايتها ع الخلق باسم الدين ؟
هززت رأسى بالايجاب ، وأكمل هو :
- دى لعبة كبيرة..وفيها أطراف كتــــــيرة قوى..أطراف بره..!! وأطراف جوه..وأطراف هنا..وأطراف هناك...
- وناس هنا..!! وناس هناك..!! وشُغلانه ملهاش آخر..
بضعة ثوانٍ من الصمت ، سألته بعدها :
- بس تفتكر مين اللى حيكسب فى النهاية ؟ اللى بيحاولوا ياخدوا الناس للمستقبل ويمكنوهم انهم يجاروا البشريه فى تقدمها ويقدروا يعيشوا بكرامة ؟ ولا اللى بيلعبوا على وتر العادات والتراث والتقاليد وبيعملو لهم غسيل مخ باستغلال المسألة الدينية لأغراض سياسية ؟
- اللى حيقدر يوصل لعقول الناس ويقنعهم بارتباط قضيته بحياتهم ..هوه اللى حيكسب..
تشككت فى جدوى فرضيته الأخيرة من الناحية العملية والتجريبية على حد سواء.قلت :
- شوف ياأنور.. الناس فى منطقتنا..ليهم طبيعه خاصة..وبالذات احنا المصريين..الناس عندنا محكومين باللى بيتولدوا ويلاقوا نفسهم فيه..بيعيشوه ويمارسوه بدون مايتعبوا عقولهم فى تحليل أهميته العمليه فى شئون حياتهم اليوميه..
- وضح كلامك شويه ياعم شكرى..
- شوف ياسيدى..سأعطيك مثال بسيط.. ومن الواقع..انته طبعاً ساكن فى منطقة شعبية ..
قاطعنى متهكماً :
- ماانته عارف ان انا قاعد فى الدويقة !!
وأضاف ساخراً وساخطاً فى آنٍ واحد :
- ولا الدويقة بقت جاردن سيتى وأنا ماأعرفش ؟!
- أهى الدويقة دى ياسيدى وكل المناطق اللى زيها على مستوى الجمهورية بحالها.. لما بيبقى فى فرح فى أى شارع من الشوارع.. بتبص تلاقى اصحاب الفرح ..يجيبولك فرقة من الفرق بتاعة اليومين دول ..وتفضل الفرقة من دول تطحن ع ال ( دى جى) من قبل المغرب لغاية قرب الفجر ..وياسلام لو ال ( دى جى ) كان تحت شقتك..أتحداك لو عرفت تنام لك نص ساعة بس..وانته مرتاح..
تدخل مكملا ً :
- ده المنطقة كلها بتبقى متزلزلة من ال ( دى جى ) ومفيش حد بيفتح بقه !!
- الناس بتقول لك آهى ليلة وتعدى..مفيش داعى نعكر الفرح ونعمل مصايخ مع اصحابه ...مع انى غالبية اللى فى الحتة بيبقوا حيطقوا من الدوشة بتاعة ال (دى جى )..!!
أبدى ملاحظة ً قوية عندما قال :
- لأ..وايه !! اللى شغال ع ال ( دى جى ) بيتعمد يعلى الصوت على آخره..لدرجة ان صوت الطبلة اللى بيفرقع زى الرعد..بيرج الشبابيك والأبواب بتاعة الشقق القريبة منه..
قلت :
- يعنى ازعاج مابعده ازعاج !!!...ومع ذلك..مفيش حد بيتحرك ويقول ياجماعه الوضع ده غير انسانى وغير متحضر..ماهو ماينفعش ان واحد يفرح ويفرح أهله وناسه بطريقه تزعج الآخرين..مفيش حد بيفهم الناس دى..ان ال ( دى جى ) ابو سماعات سوبر ده معمول عشان المناطق المفتوحة... زى الملاعب الكبيرة ..أو الجناين الواسعة..أو الصالات الضخمة اللى متركب لها جدران ونوافذ عازلة للصوت.
- كلامك صحيح والله..فعلاً..رغم ان كتير من الناس مش راضيين عن الوضع ده..الا انهم بيعيشوه ويقولولك خليها تعدى!!
- دا .. ده مجرد مثال بسيط على معايشة المصريين للأوضاع .. حتى لو كانوا تعبانين منها!!..دا .. فيه حاجات أخطر من كده مليون مرة..
يتبع

زاهر زمان









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط


.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية




.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس


.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل




.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة