الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كتاب جديد للدكتور ميثم الجنابي عن المختار والحركة المختارية - فلسفة التوبة والثأر

مازن لطيف علي

2010 / 7 / 19
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


صدر عن دار الجواهري في بغداد كتاب "المختار والحركة المختارية - فلسفة التوبة والثأر" (2010) للبروفيسور ميثم الجنابي. وفيه نعثر على نموذج خاص لكيفية ربط التاريخ بالمعاصرة، وفي الوقت نفسه الخروج من اثر وقيود التأويل المفتعل أيا كان شكله ومضمونه. بحيث يتحول المختار إلى كيان يجمع في ذاته التاريخ والمعاصرة، والواقع والرمز، والفكرة والعمل من اجلها. وبالتالي يصبح جزء من واقع الصراع الحالي في العراق والعالم العربي. بمعنى انه يجري تناوله بطريقة تجعله اقرب ما يكون إلى احد مصادر الوعي الاجتماعي والسياسي الفعال من اجل حل القضايا الاجتماعية والسياسية بمعايير الحق والعدالة. وهو الأسلوب الذي يميز كل الكتابات التراثية التي وضعها ويضعها ميثم الجنابي بهذا الصدد.
ولا يشذ كتاب المختار والحركة المختارية عن هذا التوجه, بل يمكننا القول، بأنه يشدد عليه بصورة أقوى واشد وذلك لما للمختار من اثر ونكهة ومصير في الذاكرة العراقية. إلا أن الاعتبار الحقيقي والمضمون الأعمق للكتاب يبقى فاعلا ضمن إطار رؤية المصير الفعلي للشخصية (المختار) وأثرها التاريخي (الحركة المختارية). وضمن هذا السياق يجري منطق البحث والتحليل والتأسيس للأفكار والنتائج.
فالكتاب يتألف من ثلاثة أبواب. هي على التوالي (المختار الثقفي – تاريخ الأسطورة وأسطورة التاريخ) و(العقيدة السياسية الجديدة وفكرة الثأر الشامل) و(البطولة والمأساة). ولعل المقدمة تشير من حيث التأسيس إلى ما ينوي الجنابي قوله. فهو يشير إلى قوة شخصية المختار . بحيث جعل ذلك منه قوة تتماهى في التاريخ مع آثاره ومآثره الكبرى. بحيث جعل ذلك منه ذلك قوة سارية في أعمق أعماق الفكرة الحرة، كما جعل منه أحد أجمل المساعي الجليلة من اجل الحق والعدالة، وأحد اصدق نماذج العمل من اجلها في ميدان الصراع الاجتماعي والسياسي. من هنا فكرة الجنابي عن أهمية وقيمة ما يدعوه بالنماذج المتنوعة للمثقف أو رجل الفكر العملي. وليس مصادفة فيما يبدو أن يعتبره نموذجا للمثقف المجاهد. وأسس لهذه الفكرة بعبارة وجيزة تقول، بأنه قد يكون من الصعب بالنسبة للإنسان المعاصر أن يتحسس بصورة مباشرة طبيعة وحجم المعاناة التي كان يواجهها المختار في ثنايا الوحدة والعزلة، وفي أوساط الحشود حالما تنظر إليه مسترقة السمع لكل كلمة ومتأملة معنى الإيماء والحركة في اليدين والعينين، لكنه يجبر العقل والضمير على رؤية ما فيه من نموذج مدهش لما يمكن دعوته بالمثقف المجاهد.

وجعل الجنابي من الباب الأول مدخلا لما يدعوه بكيفية تحقيق مرجعيات الروح الأبدي في شخصيات التاريخ القومي والإنساني. وكتب بهذا الصدد يقول، بان المختار قد جسّد في حياته وموته،, أفعاله ومآثرها،, أقواله وآثارها ، وذاكرته وذكراه،حقائق الروح الأبدي ومرجعياته القائلة، بان البقاء في التاريخ يفترض الذوبان في مجراه الحي. لكنه ذوبان جعل منه على الدوام قطرة منعشة وسيلا عارما، وهواء عليلا وعاصفة هوجاء، ودفئا لذيذا ونار محرقة، وترابا للقصور والقبور، أي مكونا حيا ومعاصرا، شأن كل الشخصيات الفاعلة في تاريخ وعي الذات. ويكفي المرء النظر إلى أحداث العراق الحالية لكي يحس ويدرك ويفهم قيمة المختار بالنسبة للعقل والضمير الحي.
ثم ينتقل الجنابي لتحليل المقدمات التاريخية لظهور المختار والحركة المختارية من خلال التركيز على مختلف معالم الاحتجاج وصوره الكبرى. من هنا تناوله لحركة التوابين، التي نقلت، كما يقول الجنابي، فكرة "القداسة" إلى الوسط الاجتماعي. وأدخلت الجمهور في معترك الحياة الكبرى، وأدرجت كل ما كان يحلم به نبلاء الخواص وعوامهم من قيم مثلى، في فلك الأفعال والمواجهات والتضحيات. بمعنى أنها خلطت مكونات العقل والضمير، والروح والجسد، والظاهر والباطن، في حركة اجتماعية روحية مبدؤها الضمير وغايتها الحق. ووجد في هذه الحالة نتاجا طبيعيا لما اسماه بتراكم هذه السبيكة من تحسس وتأمل حجم المأساة وطبيعتها. وليس هناك من مأساة كان بإمكانها القيام بهذه الصدمة الغائرة في أعمق أعماق النفس البشرية في العراق أكبر من تلك التي أحدثها مقتل الحسين وفاجعة كربلاء. فقد جسّدت هذه الحالة، كما يقول الجنابي، في شكلها ومحتواها وأساليب تنفيذها وغايتها قمة الرذيلة. من هنا عمق الاحتجاج الممكن لتطهير النفس من بقاياها. وليس مصادفة أن تظهر حركة التوابين في العراق، أو أن تظهر في العراق حركة التوابين، بوصفها الدورة الضرورية للنفس الأخلاقية والعقل النقدي، أي للتاريخ والحق. لكنها دورة لا يمكنها النطق في الأعمال دون تلقائية الوعي الفردي بالمسئولية العامة، أي المسئولية الشخصية في مواجهة الظلم وتحديه. مع ما يترتب عليه من تأسيس لفكرة التحدي بوصفها الشرط الضروري لفكرة المثقف الحر بشكل عام والمثقف المجاهد بشكل خاص.
ومن هذه المقدمة دخل الجنابي في تحليله لشخصية المختار. وأشار بهذا الصدد إلى أن تحليل شخصية المختار التاريخية والروحية يكشف، بما في ذلك من خلال الرؤية المتعارضة والمتضادة عنه بين القوى المتحاربة، عن أنه احد التجليات النموذجية للروح الشعبي المجاهد ضد الظلم والطغيان. وهو السبب القائم وراء كراهية السلطات له وحب الجمهور إياه، وتشويه الدعاية الرسمية (الأموية) وتعظيم الوجدان الشيعي المعذب بويلات الاستبداد والانتهاك الفض لمبادئ الإسلام الحقيقية.
أما في الباب الثاني فيتناول الجنابي المختار صيرورة العقيدة السياسية وفكرة التحدي والثأر، أي الفلسفة الاجتماعية السياسية الجديدة التي أسس من حيث الجوهر لتقاليد الوعي الحر وفكرة الحرية. إذ وجد في المختار والحركة المختارية النموذج الأولي الأكبر والأمثل لتمثل فكرة وأساليب وغاية الصراع الاجتماعي والسياسي والآفاق والبدائل القادرة على استقطاب العراقيين في الصراع ضد الأموية والزبيرية على السواء، ولكن من خلال أولوية وجوهرية المبادئ العامة المتعلقة بالاقتصاص من قتلة الحسين بوصفه انتماءا شيعيا، وتوزيع عادل للثروة بوصفه مبدأ اقتصاديا سياسيا، ودعوته للمساواة من خلال دمج الموالي المستضعفين بوصفه مبدأ اجتماعيا وإسلاميا وإنسانيا عاما، والتعويل على أهل العراق في خوض الصراع ضد الأموية. ذلك يعني انه ربط في برنامجه الجديد الجانب السياسي والاجتماعي والروحي والقومي والإسلامي العام. وهو برنامج أو رؤية لم تفقد ولن تفقد أهميتها بالنسبة للعراق ما لم يجر تأسيس الدولة والمجتمع على أسس تكفل وحدة الحرية والعدالة والحق. وقد تكون هذه الفكرة هي الغاية الخفية القائمة وراء كل سطور الكتاب. وليس مصادفة يما يبدو سعي الجنابي لإبراز الملامح النظرية والعملية لهذه المكونات في وحدة شعار الثار للحسين والعدالة في توزيع الثروة ومساواة أفراد المجتمع من خلال إلغاء فكرة "الموالي" و"الأشراف" الأموية بإعلاء شأن "المستضعفين" واتخاذهم قاعدة اجتماعية لتحقيق أهدافه السياسية العراقية. بمعنى انه ربط المكونات الكبرى للفكرة الاجتماعية العراقية العربية الإسلامية عبر تأسيسها بمقومات الرؤية الإنسانية. وقد كانت تلك، كما يقول الجنابي، الذروة التي وجدت انعكاسها في سعيه لتحرير العراق (والخلافة) من فكرة الاستعباد والاسترقاق، بما في ذلك تذليل فكرة "الموالي" بوصفها الصيغة الأولية والجنينية للغزو والحرب.
بينما يتناول الباب الثالث البطولة والمأساة في شخصية المختار، من خلال إبراز قيمة الإرادة الفردية وأثرها في صنع الشخصية السياسية التاريخية الكبرى. بمعنى أن الجنابي يريد أن يوصلنا للفكرة السياسية المهمة المتعلقة بالنخبة، أي القوة الفعلية القادرة على التوجيه والإدارة، أي صنع المستقبل. فالمختار صنيعة قوته واردته وفكرة الحق والعدالة، وليس سليل ما يدعوه الجنابي بالعائلة المنوية. انه تملك إرادته وبسطها بالطريقة التي تجعل منها مغناطيس الإرادة الاجتماعية الحرة. ومن ثم لم يكن يفعل بأثر تأثير الآباء والأجداد أيا كانوا. انه لم يحصل على "الرئاسة" بأثر الإباء والأجداد والعائلة والقرابة والنسب وما شابه ذلك من مكونات "دموية" عقيمة بالنسبة للروح الحر، بل من إرادة فعله الحر والمحكوم في القوت نفسه بفكرة الحق والعدالة. وليس من الصعب رؤية الوجهة النقدية للجنابي من ثقل مكونات العائلة والجهة والنسب الكثيفة في "النخبة الديمقراطية" الحالية في العراق. وهي فكرة يمكن رؤيتها في اغلب المقارنات التي يقدمها الجنابي في مجرى النص أو في حواشيه وتعليقاته. ومن الممكن رؤية ذلك في الفكرة التي وضعها الجاني عن المصير المأساوي والعظيم في لوقت نفسه لشخصية المختار وفكرته عن الثأر السياسي. وفيه ومن خلال يمكن تأمل فكرة الجنابي عن أن ما قام به المختار لم يكتمل، وان النخب السياسية التي تخرج عن منطق الحق والعدل سوف يكون مصيرها في نهاية المطاف الوقوع تحت طائلة الثأر الاجتماعي، وان هذا الثأر ما زال كامنا في الاجتماعي والسياسي العراقي ما لم يبلغ مداه الفعلي، أي إزالة كل تقاليد واثر "الأموية" في الدولة، أي إزالة أولية السلطة على الدولة، والحاكم على المجتمع، والشر على الخير، والرذيلة على الفضيلة، والظلم على العدل.
وليس مصادفة أن يختتم الجنابي كتابه قائلاً: انتهى مقتل المختار بإخماد أغلب الحركات الاجتماعية السياسية المناهضة للنظام الأموي. فالمناهضة الزبيرية، لم تكن تحتوي في أعماقها على بديل فعلي للأموية. وذلك لأنها كانت من حيث مقوماتها وغايتها وأساليبها وإيديولوجيتها احد أوجه الأموية، أي لخلافة الملك العائلية والقبلية. فقد كانت السلطة مبدأها وغايتها. ومن ثم لم يكن بإمكانها، حتى في حال افتراض فوزها، أن تنتج غير أموية جديدة، أو زبيرية. وكلاهما ما كان بإمكانه العيش طويلا. من هنا لم يكن الفراغ الذي أنتجه الاستبداد الأموي، سوى هدوء العاصفة. وذلك بسبب طبيعة التطور الإمبراطوري للدولة. وهو تطور كان يتعارض في اغلب مكوناته مع الأيديولوجية العامة المعلنة (الإسلام ومبادئه التوحيدية) والاستحواذ العائلي على أراض شاسعة وقوى متمرسة ومتعركة بمشاعر الحرية، من تجارب "جاهلية" و"إسلامية" حية في الذاكرة والوجود الفردي والجمعي للعرب. وبالتالي، لم تفعل السياسة الدهائية للأموية من استجلاب الزنج (العبيد) واستيطانهم في العراق، إضافة إلى الموالي سوى العصا السحرية التي انقلبت على ساحرها.
بعبارة أخرى، إن الجنابي يضعنا هنا أمام درس بليغ فيما يتعلق بالمصير الذي يدغدغ الخيال المريض لكل من يعتقد بان "العصا السحرية" للسلطة قادرة على أن تصنع ما يريد. ومن إرجاعنا إلى الحقيقة القائلة، بان الوجود الاجتماعي للبشر والدولة والأمة لا يحتاج في الواقع إلى شيء أكثر من الرجوع إلى نفسه والفعل بمعايير المعاصرة المبنية على قيم الوجود الإنساني نفسه: الحق والعدالة. فهي المرجعية الكبرى التي تمثلها المختار، كما أنها المرجعية الكبرى لكل وجود أنساني حر.
إن كل ما قيل هنا هو مجرد شذرات متفرقة لكنها تعكس المسار العام للبحث. ويبقى الكتاب الصيغة الأوسع والأدق والأعمق لتتبع ما فيه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا: القيادي اليميني المتطرف إريك زمور يتعرض للرشق بالبيض


.. وفد أمني إسرائيلي يزور واشنطن قريبا لبحث العملية العسكرية ال




.. شبكة الجزيرة تندد بقرار إسرائيل إغلاق مكاتبها وتصفه بأنه - ف


.. وزير الدفاع الإسرائيلي: حركة حماس لا تنوي التوصل إلى اتفاق م




.. حماس تعلن مسؤوليتها عن هجوم قرب معبر -كرم أبو سالم- وتقول إن