الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مأساة التاريخ ومهزلتُهُ!

عمار شريف

2004 / 8 / 21
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


في غفلة من الزمن (البريء) الذي جاء به، تجرأت جماهير العراق وصحافتها على توجيه الانتقاد الى شخص علاوي ومنصبه!!. انه محض تجنٍ وقح على شخص رئيس الحكومة. ولذلك شكّل رئيس الوزراء مايسمى باللجنة الاعلامية العليا لفرض قيود على الصحافة المكتوبة والمسموعة والمرئية وعيّن ابراهيم الجنابي رئيساً للجنة المذكورة التي ستفرغ من صياغة قانونها الذي أصطلح على تسميته بـ "الخطوط الحمراء" على حدّ قول ابراهيم الجنابي، الذي اضاف لصحيفة الفاينانشيال تايمز؛ ان القانون يشمل حظر توجيه الانتقادات غير المبررة لرئيس الوزراء العراقي.
يريدونه قدراً للمجتمع العراقي ان يناضل عقوداً، يقدم التضحيات الجسام، يتخلص من القهر والاستبداد، ثم تأتي حفنة من زوايا ودهاليز السياسة لتستولي على كل شيء، الانسان وروحه والمجتمع ومقدراته لعقدين أو ثلاثة. هكذا وببساطة.
تحدثوا واطنبوا في الحديث عن الديمقراطية الآتية مع حرب امريكا المدمرة ووعدوا بها بعد ما يسمى بتسليم السلطة للعراقيين. نحن لم نكن من ضمن المخدوعين أو المتوهمين بسياسات امريكا ووعودها. هاهي الحكومة المؤقتة التي يرأسها عضو مجلس الحكم السابق اياد علاوي الذي بدأ عضويته في المجلس المنحل بالدعوة الى العمل بعقوبة الاعدام الوحشية، ثم الآن وبعد تنصيبه رئيساً للوزراء لم يتحمل النقد الذي هو من ابسط الحقوق السياسية والذي هو جزء اساسي من حرية التعبير عن الرأي. فشكّل اللجنة الاعلامية العليا التي مهمتها تكميم الأفواه. وليس تكميم الأفواه الّا مقدمة لبدء أي استبداد من النوع الصارخ.
ظل المسؤولون الامريكيون واتباعهم في العراق، ولمدة أكثر من عام مضى على سقوط دكتاتورية البعث، يتبجحون بان الصحافة في العراق هي الأكثر حرية في المنطقة. ومن يرى تبجحهم يعتقد انهم اعلنوا حين ذاك لائحة حقوق الجماهير في العراق وضمنوها ودافعوا عنها. في حين ان الأمر الأكثر رخصاً والأكثر تركاً للعبث هو حرية وحقوق وأمن الجماهير وكرامتها. وفي ظل الاحتلال الامريكي ومريديه في العراق صار الاعتداء على النساء وكرامتهن وحقهن في الحياة هو الممارسة اليومية لكل فرد وجماعة مريضة ومتعصبة. ولن يُنسى قرار مجلس الحكم المهين للنساء. وصار الاغتيال السياسي مظهراً يومياً تنفذه وترعاه نفس الاطراف المشاركة في الحكم.
من بين كل صلاحياته والامكانات الموضوعة بيده والمسؤوليات التي يفترض ان يقوم بها، لم يجد علاوي شهية الّا لممارسة الاستبداد ومصادرة الحقوق والحريات. وكأي بعثي وجد مهماته المقدسة في الشهوة الى الدم بدعوته للعمل بعقوبة الاعدام، سيراً على خطا السلف الصالح! وفي منع حرية الصحافة وما شابهها من مهمات جليلة! لم تشكل الخدمات الحياتية الأساسية شبه المفقودة في العراق الآن، أمرا ذا بالٍ لرئيس الحكومة المؤقتة. كالماء والكهرباء والصحة والاتصالات...الخ. ليس التعليم وأمن المواطنين، من فعالين سياسيين ونساء ومسيحيين وصابئة وغيرهم، بالأمر المهم والملح إزاء النقد الذي تعرض له علاوي. ان الوضع خطير لأن النقد طال رئيس الحكومة ويجب ان تتوقف كافة المهمات وتُعلن حالة الطوارئ فوراً (بالمناسبة العراقيون يعرفون ان علاوي جاء ولم يحمل في جعبته سوى القول؛ دعوني أعلن حالة الطوارئ. هذا كل برنامجه).
الحكومات التي تحمل صفة الاستبداد والاستهانة بالانسان ومجمل حقوقه وحرياته، كحكومة علاوي القومية-الاسلامية، تنظر عادة الى حقوق الجماهير وكأنها منحة ومكرمة من لدن الحكومة وعلى غرار نهج البعث الذي كان يسمي كل مايقرره ويفرضه مكرمةً. وطبقاً لهذا فان أول المكارم التي تفضل بها علاوي كانت الدعوة الى العمل بعقوبة الاعدام والمكرمة الأخيرة مازالت طازجة وهي مصادرة حرية الصحافة لأنها تنتقد شخصه.
فرضوا حصاراً مميتاً لسنوات طوال بحجة اضعاف نظام صدام حسين ولكن النتيجة هي اماتة عشرات الألوف وانتشار الأمراض واضعاف القدرات النضالية لجماهير العراق واطالة يد النظام المقبور في تشديد استغلال الجماهير العمالية والكادحة وتدمير أسس الحياة. وباختصار فرضوا اكبر تراجع مادي ومعنوي على المجتمع. ثم شنوا حرباً دمويةً أتت على المتبقي من هامش للحياة. سمّوها تحريراً وهاهو التحرير ليس سوى امتهان كرامة الانسان في السجون واطلاق يد العصابات الاسلامية المجرمة سواء في الحكومة أو خارجها للعبث بحياة الناس وأمنهم من نساء وتحرريين وأقليات دينية. ثم الاعلان عن تشكيل لجنة حكومية مهمتها تكميم الافواه وخنق الاصوات ووضع الخطوط الحمراء.
إنهم يعمدون الى فرض اجواء القمع على المجتمع. ولهذا الغرض يبدأون كخطوة أولى باسكات الصوت الاحتجاجي في المجتمع وقنوات هذا الصوت، وهي الصحافة والاعلام. هو نفس السيناريو الذي عمدت اليه البرجوازية في كل مرحلة أرادت فيه احكام سلطتها غير الشرعية على حياة ومقدرات المجتمع. ولكن هذا ليس سهلاً او ممكناً في كل الاوقات والظروف. انها ليست نفس الظروف التي جاء فيها البعث الى السلطة. انه ليس نفس الوضع قبل عشرين أو ثلاثين عاماً. هم يحلمون ويحاولون تحقيق احلامهم المعادية للحرية وآمال الجماهير. يحاول علاوي تكرار سيناريو عصابة البعث. ولكن ليس من أحد مستعد للتنازل عن حقه في الحرية وحقوقه الاساسية وأولها حرية التعبير والانتقاد. لم تتنازل جماهير العراق تجاه أشد الدكتاتوريات دموية في التاريخ المعاصر وظلت تناضل وتقارع نظام البعث القومي الفاشي رغم الوحشية المنقطعة النظير التي مارسها ذلك النظام تجاهها. لم ترضخ ولم تقبل يوماً بذلك النظام وظل فاقداً للشرعية وقلقاً ومأزوماً طوال حكمه رغم التأييد الذي حظي به من لدن امريكا والغرب والتعتيم على جرائمه ومدّه باسباب القوة. لم يمنح العمال والكادحون والتحرريون في العراق ذلك النظام هدنة ولا لحظة واحدة. فكيف الآن؟ ولأجل سواد عيون مَنْ ستقبل جماهير العراق بعبودية مطلقة كالتي يريدها ويعدها بها رئيس الحكومة المنصبة من قبل امريكا.
كتب ماركس في الثامن عشر من برومير؛ "يشير هيغل في مكان ما الى ان كل الأحداث والشخصيات المهمة في التاريخ تظهر، إذا جاز القول، مرتين. ولكنه نسي أن يضيف: في المرة الأولى كمأساة وفي المرة الثانية كمهزلة". هنا على علاوي أن يتذكر انه بمحاولة تقليده دكتاتوراً وتكرار نسخة باهتة عنه انما يقوم بمهزلة طبقاً لقانون التاريخ. ولكن كون الأمر سيصبح مهزلةً هذه المرة فهو ليس مدعاة للتساهل في النظر اليه. إذا تساهل علاوي وأخذ الأمر هزلاً، فنحن نذكر جماهير العراق بأن مهازل التاريخ ليست بأقل ضرراً من مآسيه. وعليه فان التصدي لهذه المهزلة هو أمر جدّيٌّ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -