الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وزارة النفط وغاز العراق ومحنة الشعب العراقي

محمد علي زيني

2010 / 7 / 19
الادارة و الاقتصاد


الشعب في محنة
المحنة الحالية التي يمر بها الشعب العراقي ذات رؤوس متعددة منها ضعف الحالة الأمنية واستمرار العنف والجريمة (وإن بوتيرة أقل)، قلة ورداءة الخدمات، تراجع الاقتصاد وانتشار البطالة، واستشراء الفساد. رؤوس المحنة هذه تستحق الدراسة الجادة لتحديد الأسباب واجتراح سبل المعالجة. لا مجال في هذه المقالة للخوض الرصين في أمور كهذه ولكنني أريد – وباختصار شديد – تلمس إحدى السبل لإعادة بناء الاقتصاد العراقي وفتح مئات الآلاف من فرص العمل للقوة العاملة العراقية، والقاعدة أكثرها عن العمل، وخلق حالة من النمو الاقتصادي المستدام بعيداً عن الاعتماد التام على تصدير النفط الخام كما هي عليه حالة العراق الآن.
إن أهم السبل لإعادة بناء الاقتصاد العراقي هو إعادة الحياة للقطاعين الصناعي والزراعي وخلق بيئة مؤاتية للاستثمار الخاص بما فيه الوطني والأجنبي. ومن بين الشروط التي تتطلبها البيئة المؤاتية للاستثمار هو توفير طاقة كهربائية رخيصة نظراً لاعتماد الصناعات الصغيرة والمتوسطة عليها، وكذلك توفير الطاقة الحرارية والمواد الخام الرخيصة المتوفرة داخل البلد إلى الصناعات الكبيرة، وأهم تلك المواد الخام المتوفرة بالعراق بكثرة هائلة وتصلح مصدراً للطاقة ولقيم أيضاً هي النفط والغاز الطبيعي.
إضاعة حقوق الشعب
لقد كان المأمول من وزارة النفط التعاون والتنسيق مع وزارة الصناعة ووزارة الكهرباء من أجل توفير الغاز الطبيعي بغية استعماله كمادة أولية (لقيم) في الصناعات البتروكيمياوية والكيماوية والأسمدة والصناعات كثيفة الطاقة (energy intensive) كصناعات الألمنيوم والصلب، وكذلك تجهيز الغاز لتوليد الطاقة الكهربائية. إن الميزة الرئيسية التي يتميز بها الغاز العراقي كونه رخيص الثمن لإنتاجه مع النفط (associated gas)، ونظراً لرخص الثمن هذا، فإن المنتجات التي يدخل فيها الغاز – سواء كانت منتجات صناعية أم طاقة كهربائية – ستكون هي الأخرى رخيصة قياساً بالمنتجات التي تنتجها الدول الصناعية، كاليابان مثلاً، والقائمة على غاز مستورد بالأسعار العالمية.
ونظراً لهذه الميزة الفريدة فإن الصناعات المحلية المستندة إلى الغاز ستتميز بأفضلية نسبية (comparative advantage) وبإمكانها عند ذاك منافسة مثيلاتها بالأسواق العالمية. ولقد استفادت الدول المجاورة للعراق والغنية بالغاز من هذه المزية، وبالأخص المملكة العربية السعودية التي تمكنت من إقناع الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية والمنتجة للصناعات البتروكيمياوية كأمريكا واليابان ودول أوروبا الغربية بأن الغاز الطبيعي المستعمل لإنتاج البتروكيمياويات في المملكة هو رخيص بطبيعته لكونه مادة عرضية من جهة ولعدم تحمله كلفة النقل إلى الأسواق العالمية – وهي تعادل نحو 30٪ من السعر النهائي لتلك المنتجات – من جهة أخرى. ولقد حصلت السعودية على تلك الميزة التنافسية (competitiveness) عند دخولها عضواً في منظمة التجارة بعد مفاوضات مضنية دامت أكثر من عشر سنوات.
والآن تأتي وزارة النفط، وبدلاً من الاستماتة في الدفاع عن حقوق الشعب العراقي في موارده الطبيعية لتحصل للعراق مزايا مثيلة لما حصلت عليه السعودية، نراها تفعل العكس وتهدر فرصة العراق التنافسية بجرة قلم عندما وقعت بالأحرف الأولى في أيلول (سبتمبر) الماضي اتفاقية استغلال غاز الجنوب – وهو يكون 83٪ من مجمل الاحتياطي الثابت لغاز العراق – لإنشاء شركة مشتركة (joint venture) مع شركة شل تكون مملوكة بنسبة 51٪ لشركة غاز الجنوب و49٪ لشرك شل على أن تقوم هذه الشركة الجديدة بشراء الغاز الخام بالأسعار العالمية وبيعه للمستهلكين المحليين (محطات توليد الكهرباء، المجمعات البتروكيمياوية، صناعات الحديد والصلب والأسمدة والأسمنت والصناعات الإنشائية ... الخ) بالأسعار العالمية أيضاً بعد معالجته وفصله إلى غاز جاف وسوائل الغاز الطبيعي ومنها غاز التعبئة بالاسطوانات التي تستعملها ربات البيوت في المطبخ العراقي. وبهذا العمل ستفقد الصناعات العراقية المذكورة أفضليتها النسبية في الأسواق المحلية والعالمية، وستنافسنا المنتجات الأجنبية في عقر دارنا بدل أن نعمل العكس كما تفعل السعودية الآن. وستضمر الصناعات العراقية المستندة إلى الغاز وتختفي لأن منافسينا الأجانب يفضلونا بالوقت الحاضر بقدراتهم التكنولوجية والإدارية والتسويقية وكذلك بانتاجية القوة العاملة لديهم. وسوف لن تتمكن وزارة الكهرباء من تزويد الطاقة الكهربائية إلى القطاع الصناعي والقطاع الزراعي بأسعار تفضيلية لمساعدتها على النهوض والنمو والمنافسة بمنتجاتها محلياً وعالمياً.
لقد قلتُ ذلك في مداخلتي التي ألقيتها بعد خطاب السيد وزير النفط إلى مؤتمر الكندي الهندسي صبيحة يوم 20/11/2008م في بغداد. ولقد أجابني الوزير خلال فترة « سؤال وجواب » بأن أسعار الغاز المجهز إلى الأسواق المحلية ستكون مدعومة، فلا ضير إذن من شراء الغاز من الشركة المشتركة بأسعار عالمية طالما أننا سندعمها وتباع محلياً بأسعار مخفضة. ولقد أدهشني السيد الوزير بهذا الجواب فقلتُ له أن هذا هو عين الخطأ الواجب تجنبه، ذلك أن الدول الأعضاء بمنظمة التجارة العالمية سوف لن تقبل بالمنافسة غير العادلة(unfair competition) بتعريض منتجاتها للمنافسة مع منتجات مدعومة الأسعار من دول أخرى، ولمعالجة مثل هذه الحالات يتم تحميل أسعار المنتجات المدعومة تعريفات جمركية من شأنها إزالة آثار الدعم، وعندئذ ستفقد المنتجات العراقية أفضليتها النسبية بعد تعرضها لتلك العقوبات الجمركية. هذا ناهيك عن صندوق النقد الدولي الذي لا يوافق على سياسة الدعم ويطالب دوماً بتقليل الموجود منها تدريجياً بهدف إلغائها نهائياً.
ولا أعرف لماذا تقبل وزارة النفط بعملية بيع الغاز الخام بالأسعار العالمية إلى الشركة المشتركة ثم شراء المنتجات من نفس الشركة بالأسعار العالمية أيضاً ثم تجهزها بعد ذلك إلى الأسواق المحلية بأسعار مدعومة، وتلك لعمري عملية تؤدي إلى تشويه أسعار الصناعات العراقية وتعرضها بالتالي إلى عقوبات المنظمات العالمية، بدلاً من تجهيز الغاز إلى الأسواق المحلية بسعره الحقيقي وهو منخفض أصلاً ولا يحتاج لأي دعم، وبذلك تحافظ المنتجات العراقية على تنافسيتها وأفضليتها النسبية بالأسواق العالمية دون أي تدخل أو محاسبة من قبل المنظمات العالمية. أليس الذي تقوم به وزارة النفط بموجب هذا العقد هو كمثل مََن يقوم بشق بطنه بدون مبرر ثم العمل على خياطتها وينتهي بالتالي بتشويهها ؟
تمويه متعمد؟
أوضح الناطق باسم وزارة النفط إلى جريدة الحياة مؤخراً أن ما وُقّع بين وزارة النفط وشركة شل هو اتفاق مبادئ وليس عقداً ملزماً، وسيلغى الاتفاق في حالة عدم التوصل إلى اعتماده نهائياً (الحياة 5/12/2008). أنا لا أعرف أن ما قاله الناطق هو تمويه متعمد أو قيل بحسن نية. إن اتفاق المبادئ هذا هو غير ملزم من حيث كونه لا يُلزم وزارة النفط بالاتفاق والتوقيع على عقد نهائي يقضي بتشكيل الشركة المشتركة وبشروط يتفق عليها بين الوزارة وشركة شل. إن هذا شيء طبيعي، إذ لو كان اتفاق المبادئ ملزماً بالمفهوم المذكور لانتفت الحاجة لمثل هكذا عقود ولبُدئ بصياغة العقد النهائي مباشرة ومنذ البداية دون إضاعة الوقت لاتفاق بالأحرف الأولى أو اتفاق مبادئ. على أن اتفاق المبادئ هذا ملزم بصفته التزاماً نافذاً يلزم الطرفين الموقعين وزارة النفط وشركة شل. ولقد أصبح نافذ المفعول منذ التوقيع عليه في 22/9/2008 وسيستمر نافذاً لمدة 12 شهراً منذ تاريخ الاجتماع الأول للجنة الإدارة المشتركة (JMC)، ويمدد تلقائياً لمدة ستة أشهر أخرى ما لم يحل محله عقد نهائي يتمخض عن المفاوضات بين الوزارة وشركة شل. وسيكون لزاماً على وزارة النفط خلال الفترة الزمنية لاتفاق المبادئ والتي قد يستمر أمدها لمدة 18 شهراً الامتناع عن المساهمة بصورة مباشرة أو غير مباشرة في أي مشروع يتضمن تصدير الغاز المسال من جنوب العراق، كما سيكون لزاماً عليها الامتناع عن التفاوض مع أي طرف ثالث يكون الهدف منه الدخول في مشروع مماثل للمشروع الذي يعالجه اتفاق المبادئ.
فإذا كان اتفاق المبادئ نفسه غير ملزم كما تدعي وزارة النفط، فلم إذن هذا الإصرار على التمسك به وقد اطلع سيادة الوزير على مثالب ومساوئ هذا الاتفاق ؟ ولماذا تخاف وزارة النفط حتى من عرضه على مجلس النواب، وهو ممثل الشعب، وتدعي بأن الوزير يملك الصلاحيات اللازمة لإبرام مثل هذا العقد على الرغم من صدور دستور جديد يقيّد قوانين النفط القديمة وقانون النفط الجديد المقترح، وذلك بمادته 112 (ثانياً) التي تلزم الحكومة الاتحادية وحكومة محافظة البصرة برسم الاستراتيجيات اللازمة لتطوير ثروة النفط والغاز بما يحقق أعلى منفعة للشعب العراقي، فهل قامت وزارة النفط – بصفتها ممثلة للحكومة الاتحادية – بالتشاور والتباحث مع حكومة محافظة البصرة من أجل رسم الاستراتيجيات اللازمة لتطوير ثروة الغاز كما يفرض الدستور؟
ختاماً نسأل هل في مصلحة الشعب العراقي المظلوم والجريح أن تقوم شركة شل بتكبيل وزارة النفط وتقييدها لمدة قد تستمر 18 شهراً لا يمكن لوزارة النفط خلالها حتى التكلم مع طرف ثالث حول استغلال الغاز بصورة عقلانية ومفيدة للشعب في وقت يعاني فيه هذا الشعب شتى أنواع المعاناة، وهو بحاجة للحصول على المال اليوم قبل غدٍ، وها هي أسعار النفط قد انخفضت ولا تعرف الحكومة الآن كيف تمول ميزانية 2009 لكونها أصبحت تعتاش على موارد النفط بصورة كلية تقريباً، ولا مورد لها آخر يستحق الاعتبار؟ ولماذا لم تقم وزارة النفط بتصليح كابسات الغاز وبعض المنشآت السطحية من أجل تأهيل مشروع غاز الجنوب وإعادته إلى الإنتاج، علماً أنه كان المفروض بعملية التأهيل هذه أن تكمل في نيسان 2004 بموجب خطة إعادة بناء المنشآت النفطية، وكان كاتب هذه السطور أحد المشرفين على تحضير تلك الخطة؟ وبعد مرور خمس سنوات ونصف، وبدلاً من إنجاز عملية تأهيل غاز الجنوب ليصبح منتجاً كما كان قبل الغزو، قامت وزارة النفط في أيلول (سبتمبر) الماضي بإيكال المهمة لشركة شل مقابل مشاركتها بحصة تقارب نصف الغاز (49٪) وبتسعير تشويهي للغاز المنتج قد يقود إلى تدمير الصناعات العراقية المستندة إلى الغاز، كما أوضحنا أعلاه، فهل هذا هو نصيب الشعب العراقي بعد خمس سنوات ونصف من الانتظار؟ ثم لم هذا الدلال الخاص لهذه الشركة؟ ومَن يقف وراء هذا الدلال بالضد من مصلحة الشعب؟ أجيبينا يا وزارة النفط فالشعب صاحب المصلحة ينتظر الجواب!

8/12/2008








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بلومبرغ: تركيا تعلق التبادل التجاري مع إسرائيل


.. أبو راقية حقق الذهبية.. وحش مصر اللي حدد مصير المنتخب ?? قده




.. مين هو البطل الذهبي عبد الرحمن اللي شرفنا كلنا بالميدالية ال


.. العالم الليلة | -فض الاعتصامات- رفض للعنف واستمتاع بالتفريق.




.. محمد رفعت: الاقتصاد المعرفي بيطلعنا من دايرة العمل التقليدي