الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المشهد السوري - أول التفكير

فاضل فضة

2004 / 8 / 22
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


كتبنا في الحلقات الماضية عن الهدف من تشريح المشهد السوري عامة، وعن المشاكل التي يعاني منها المجتمع والدولة والنظام السوري. كما قدمنا لمحة التغيرات العالمية الجذرية بمحتوياتها خلال أكثر من ربع قرن مضى، كما تحدثنا عن المعارضة التقليدية السورية بدون الدخول في تفاصيل قضايا القوميات والإتنيات، والسبب في هذه الحالة هو إيماننا بوطن يحقق الخير والمساواة وتكافؤ الفرص لجميع أبناءه.

وقد يتساءل البعض، ماذا يقصد الكاتب عندما يتحدّث عن دولة الدستور والقانون، وماذا يقصد بدولة المواطن، وليس دولة الشعارات. كيف يتم العيش بأمن وسلام بدون أمتيازات أو محسوبيات أو مزايا لانتماءات، كيف يتم التوازن في الحقوق والواجبات بين كافة أبناء الوطن. وكيف تعمل الألة السياسية لبناء إستقرارالدولة ومؤسساتها، كيف يتم الإستقرار السياسي والإجتماعي والإقتصادي ، كيف يمكن للمجتمع أن يسير في طريق التحرر من العشائرية والطائفية والحقوق الخاصة لبعض فئات المجتمع، أوكيف يتم التوازن لإقتصادي جغرافياً. إنها اسئلة، طبيعية لأي أنسان عادي في أي مكان من هذا العالم، لكنها مغيبة في الدولة والمجتمع السوري تحت غطاء شمولية السلطة والمصالح الخاصة، كما أنها مغيبة بسبب الإصرار على العمل السياسي بالإيديولوجيات التي اثبتت أنها لم تكن قادرة على تحقيق مجتمع التطور والسلام الإجتماعي ولم شمل جميع المواطنين حول صيغة مقنعة لهم. كونها كانت تدعي وتطالب بحقوق الجماهير (بالجملة)، وتنادي بغطاء ليس مقبولا من الكل. كما أنها لم تركز على دولة الفرد المواطن، صاحب الحقوق الطبيعية بالقانون والواجبات الطبيعية ايضاً بنفس القا نون. هذا القانون الشفاف، الذي من المفروض أن يطبق على الصغير والكبير، اليوم وغداً وكل يوم، مع كل جيل قادم. ليس لإنه يفرض بالقوة، بل لإنه اضحى قناعة حياتية وثقافية في الدولة والمجتمع.

لن ندخل في تعابير الليبرالية الحديثة، وتطورها التاريخي، وتجاوز دول القوميات بعد حروب أوروبية وعالمية متعددة. لكي لانتهم بما هو سهل لدى الجميع. لكننا سنحاول التساؤل عن الصيغة الأفضل للعيش المشترك، والمناخ السياسي والإجتماعي المطلوب في دولة أسمها الوطن العربي السوري. دولة قادرة على أرساء حق المواطن ككائن حيّ، له حقوق مثل غيره في الدستور والقانون. ودولة لاتعامل سياسييها ومفكريها ومبدعيها وأقلياتها وأتنياتها وقومياتها (القديمة والجديدة) بقوانين الفصل أو التحديد أو المنع. نعم يهمنا أن نتساءل عن دولة تعمل من اجل رفعة شعبها أبتداء من الفرد الكبير سناً أو الطفل الذي ولد من جديد. دولة ينتفي بها العنف السياسي والقسري، دولة تقبل بالإختلاف بأي صيغة. لكنها دولة تعمل لصالح مواطنيها، ومواطنيها يؤمنون بما تعمل به عبر الأليات السياسية والإقتصادية وغيرها.

لقد استحوزت على النخب السياسية والفكرية في الوطن السوري لغة الفضاء المعنوي للكلمة والخطاب بأي صيغة، ولم تستحوذ وللإسف إلى اليوم لغة النتائج، أو طرق أو اساليب جديدة لتصحيح الإخطاء عبر التجربة. كما كان ومازال مشروع الشعار السياسي اداة لخلق حالة معنوية عند المغلوبين على أمرهم ودفعهم إلى التفكير المطلق بالحلم لا بالعقل والأداء. حيث لايمكن على المستوى السياسي والأبوي (العام) مراجعة ماتم ومالم يتم. وإن كان الفعل معاكساً لأي شعار أو حتى هزيمة. وللأسف مازال المواطن لسوري العربي وغير العربي (ولو كان فرداً فقط) يشارك بهذه الصيغة العاطفية في تحليل الإمور، عن قناعة أو بدون قناعة. وكأن الأمر مقدّر، ولاحول له في تغييره. ومازالت بعض النخب تتحدث عن هذه الشعارات وكأنه، لايوجد طريق غير طرح الضبابيات المعنوية العامة، بدون الخوض وبالتفصيل المُمل (وهذا مانرغب به)، في الألية السياسية لما يمكن أن يطبق منها. وكأن حل المشاكل الأن أوفي المستقبل، سيتم عن طريق إعادة إحياء بعض هذه الشعارات، أو تبديلها، لتناسب مع زمنها وعصرها. بدون التأكد من أنها فعلا يمكن أن تطبق في مجتمعاتنا ودولتنا. إذ يكفي المطالبة بها، وترك الأمر لمصداقية مشكوك بها تاريخياً لأحزاب سياسية قد يلعب الشيطان في عقول بعضها الأنتهازي، لتحيد عن اهدافها وتتحول إلى شمولية مدمّرة.

مانريد قوله في بعض الجمل الواضحة للبعض، والغريبة على الأخر المتأدلج يقوة الفصل والقومية، أو الدين، هو أننا نبحث عن المشترك الواقعي والعملي لبناء دولة الإستقرار، عبر الحوار الجدّي، بين الجميع. متجاوزين اللعبة السياسية التقليدية في البحث عن مواقع معينة في أي شئ. ومانعنية من دولة الإستقرار، بناء الوطن السوري الذي يؤلف شعبه أتنيات وقوميات ومذاهب دينية مختلفة، كان االمحتوى عربي أم لم يكن. المهم في كل هذا إلا يصرف الجهد على قضايا لاتنتج، أو قضايا تدفع إلى الفصل من أي نوع في المجتمع والدولة. بسبب أهمية مسألة بناء دولة بعوامل الإستقرار والعيش المشترك بين الجميع.

ونذكر لمن يهمهم الأمر أننا لسنا ضد أية صيغة تولف بين الجميع، ولسنا في نفس الوقت، مع أية صيغة متشنجة لأي مفهوم فئوي قومي أو ديني أو غيره. لسنا فعلا مع أي تعميم يدعو إلى الفصل والأمتياز بالقانون، أو إلى المزايا، أو أي شئ من هذا القبيل. مهما كان الفصل والإمتياز كبيراً أو صغيراً. لأن الفصل وأي كان شكله يدعو في زمن الأزمات إلى التأثير على اصحابه وتجاوز عقلية الهدوء وتحوّل ذلك إلى عنف، إي إلى البدائية الجماعية داخل الدولة.

ألا يجب إعادة التفكير بمنهجية العمل السياسي، والبحث عن براءة الشعارات الضخمة، ألا يجب التساؤل عن حق الفرد المواطن السوري، وحق المجتمع بدون أي تمييز أو تفريق. فصلنا الدين عن الدولة أم لم نفصل، كنا قوميين أو لم نكن. كنا مواطنين سوريين، جدد، أو قدامي، اصلنا من سورية أو حصلنا على الجنسية منذ زمن قريب. ألا يجب البحث، لمن يهمّهم الأمر العمل على إيجاد هذه الصيغة الإعجوبة للإستقرار الأمثل، لا العمل من خلال الإجراءات المختصرة لترقيع ماهو منهك بالأصل.
يجب البحث لم لايرغب في الخروج من معاقله التاريخية في التفكير، ولمن اصرًّ على البقاء كأخر شيوعي في العالم، ولكل من لايريد قراءة تاريخ القومية وفوائدها وسلبياتها على دولة المواطن. يجب الخروج من زجاجة التأطير الفكري التقليدي في تاريخنا السياسي المعاصر، والبحث عن أليات عملية، واستراتيجية حقيقية للوصول إلى دولة المستقبل السورية، كانت أسرائيل على حدودنا أم لم تكن. كانت أمريكا وقواعدها في العراق أم لم تكن. يجب بناء الأساس الفكري المؤدي إلى نتائج على صعيد الواقع. لا البحث عن مخارج معنوية، خاصة لمن هم خارج السلطة.

صحيح، أن الزمن كان قاسياً على المواطن السوري خلال اربعة عقود زمنية ماضية، كما كان اقسى على المهاجرين الذين تحدثنا عنهم، وهم أكثر من مليون أنسان تقريباً. بعضهم أسمى نفسه بالمنفيين، وهذا صحيح. كما أنه صحيح أن سورية قد خرّجت من سجونها أكثر من مانديلا سياسي، لابل ضربت الرقم القياسي لعدد السنوات في السجن. لكن الأمانة التاريخية تتطلب لكل من يملك مصداقية الإنتماء إلى وطن، البحث عن الصيغ الأساسية المحورية العملية القادرة على إخراج التفكير التقليدي من حصاره الغير مستحدث بهدف تحقيق حلولا للجميع.

إن الصراعات الفئوية المؤدية إلى عنف جسدي أو فيزيائي ومادي في ألة الدولة والمجتمع، ماهي إلا تعبير عن عدم وعي وقوة فكر من نخب هذا المجتمع والدولة. وما سيطرة قوى الظلام في هذه القوة، إلاّ إثبات لغياب هذا الوعي الحضاري المتطور مع فعل الزمن، الذي ذكرنا أن بذوره مازالت متأصلة لدى الشعب السوري الطيب.
ولايمكن لأي سوري عربي أو غير عربي، أن يحلم بوطن حقيقي يرغب بالعيش الإستراتيجي الأَمِنْ به، من النخب وأهل السياسة، إلا أن يتجاوز فئويته أو امتيازاتها الظاهرة والمخبأة، ويقبل بحق الجميع، ونكرر الجميع عملياً بالعيش.

إنه التفكير الأول للأرض. البيئة التي صحّرها الزمن قليلاً، ودعوة للعقول التي تجاوزتها كبريائها وعاطفتها في إصرارها على معنوية الكرامة والمبدأ، وإن كانت الحقيقة قد تطورت بفعل التاريخ الحديث وتقلبات الزمن، وقلبت أشياءّ جوهرية في ادبياتها. هذه الأدبيات التي اصبحت في ذاكرة الزمن بحاجة إلى مداعبة فكرية معاصرة لكي تتحرر من سجونها التي أودعت بها. إنه التفكير الأول بالقبول بما لم يكن مقبولاً من قبل. التفكير في صفاء العقل الإنساني من أجل وجود إنساني حقيقي في وطن. نجح البعض في ذلك الأن أم لم ينجح، لكنه لابد أن يكون اللبنة الأولى في هيكلية مؤبدة متفاعلة مع حق الحياة في عيش إنساني في وطن من اقدم أوطان الأرض.

إنه الوطن السوري بكل بساطة الذي أنتشر قديماً في محيطة المتوسطي غرباً وشرقاً، شمالا وجنوباً.
إنه وطن المفكرين بدون إنتهازية الموقع، إنه وطن المبدعين للمستقبل إذا عملوا وصدقوا في نواياهم.

إننا ندعو المخلصين لهذه الأصالة أن تستفيق من اَنيتها، وتستخدم كل مالديهما من ملكات لكي تعمل وبلاعنف وإنسانية من أجل هذا الإنسان في هذا الوطن. هذا الوطن المترنح من كثرة الصراعات، والذي يحاول البعض اختصاره في سجن كبير، والذي عمل بعض المغامرين على أن يكون كهلاً قبل أوانه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الإسرائيلي يطلب من سكان أحياء إضافية شرق رفح إخلاءها ر


.. في سابقة إسرائيلية.. رسالة تحذير من رئيس الأركان لنتنياهو| #




.. مجلس الأمة الكويتي.. لماذا حلّه أمير البلاد وماذا تعني هذه ا


.. قيس سعيد يا?مر بمحاسبة من غطى العلم التونسي بخرقة من القماش




.. وصف بالأقوى منذ عقدين.. الشفق القطبي يزين سماء عدة دول أوروب