الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أللهم لاحسد ...؟

مصطفى حقي

2010 / 7 / 20
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


عبر متاهات عشق القيس ليلية ، وأساطير العناترالعبسية ، والهراقل الهيتشكوكية ، ومروراً بمسارح الخيال ، والخرافة ، وبطولات هزلية وصولاً إلى واقعنا المترف بقطار سريع في قمة البذخ ، والرقي ، وإبداعات تسبق الزمن ، وتتعداه في كافة المجالات العلمية ، والاقتصادية ، والاجتماعية ... وفي النصف الآخر من واقعنا المقرف يبدو نهاية الذيل الذي لايرى يعود بقطار أخر متهالكاً عكس الاتجاه عبر دهاليز مزمنة من الجهل والتخلف ، والضياع في صحراء قاحلة ، يفخر بسلطة أولياء الأمور وعصا الراعي القائد وقطيع الرعية المنصاع المسيّر ، وبإبداعات سخية ، وبالمجّان ، حبة البركة ، وبول البعير ، وجناح ذبابة ، والحجاب ، والأدعية ، واوبرا رقصة الدراويش...؟ ..يسأل الأب المتقاعد ابنته المتزوجة مستهلاً ..: اللهم وبلا حسد .. من أين حصل زوجك على نصف مليون ليرة قيمة سيارته الجديد .. أيضاً بلا شماتة ولا حسد ، وتقولين ياابنتي انكم تنفقون في الشهر الواحد بما يوازي ثلاثة أمثال راتب بعلك ..! وأنا أمضيت عمري عاملاً لدى الدولة ، وتقاعدت ، ولم أستطع توفير قيمة دراجة عادية ، وليست نارية ... ولولا بعض ما ورثته من والدي وما استقرضته من المصرف العقاري على أقساط لعشرين عاماً من التقشف المضني ، لما استطعت أن املك هذا المنزل الصغير والمتواضع ... أيضاً اللهم لا حسد ولا غِيرة ، ويستمر الأب متسائلاً : وان زوجك صهري العزيز ، وبراتبه المتدني ملك منزلاً بحجم ثلاثة أمثال منزلي ، وبأثاث فاخر بينما داري خالٍ إلا من الضروريات ، وبأدنى المستويات ... وتدافعين عن زوجك من انه إنسان نظيف ومحبوب جداً من جميع زملائه ، وحتى رؤسائه يشيدون بأخلاقه ، ونزاهته ، وانه يصلي ويصوم وينوي أن يحج قريباً ، وان الله هو الرازق ، ولولا رضا الخالق عنه أيضاً لما وفقه ، وانه كريم على عباده الصالحين ...وان الهدايا برضاء المهدي ليست حراماً ؟ ويرد الأب الذي يكاد ينهزم : ولكن يا ابنتي الإله الذي لم نراه بأعيننا ولكننا بالعقل عرفناه .. وبالعقل هل يرزق الله الناس عن طريق الرشوة ، والتي تطلقين عليها اسم الهدية ، وهي هنا لتحقيق مصلحة ، والهدية بين الطرفين تكون بالمجان ،وبدون مصالح ، ولولا أن زوجك في موقع حساس ، والموافقة من عدمها تكون عبر إرادته ، والناس يدفعون تلك الهدية ليس من أجل عيون زوجك ، بل انهم لم يكونوا ليتعرفوا عليه لولا حكم عمله الوطيفي..؟ وتحتج الإبنة ... : بابا لا تؤاخذني .. انك تحمل على زوجي كثيراً ، وهو لم يقصر من طرفكم ، ومنذ أيام سدد قسط الجامعة لأخي أحمد ابنك الصغير آخر العنقود كما سدد عنكم فواتير الماء ، والكهرباء عن ستة أشهر ، ولا تؤاخذني يا أبي وتذكر جيداً ، ومن باب الواجب دفع مصاريف دخول، وخروج ، ومعالجة والدتي في المستشفى ، وكذلك ... وهنا انتفض الأب وطلب من ابنته الصمت ، فانسحب إلى غرفته ، وأخرج لفافة تبغ فاخرة وشم رائحتها بتلذذ ’ ثم تناول قداحة ثمينة من جيبه ، وأشعل السيكارة ، وسحب منها نفساً عميقاً ملء رئتيه ، ونفخ الدخان الكثيف في غاية المتعة والنشوة ، وهو يردد : قال هدية قال ..؟ ثم أدار التلفاز الجداري الحديث ( البلازما) يتنقل بين أخبار العالم ، وقد أراح جسده على كرسي وثير ماداً قدميه ، وفي أرج نشوته ، وسروره ، وفجأة أحس بوخزٍ حاد في كل أنحاء جسده ، وهو يتذكر أن السيكارة الفاخرة التي يدخنها ، والتلفاز( المودرن) الذي يتفرج عليه ، والكرسي الوثير الذي يتمدد فوقه كلها هدايا من صهره العزيز زوج ابنته ... وعندما هم بإطفاء التلفاز كانت أم كلثوم تشدو ، هل رأى الحب سكارى مثلنا ....وأللهم لا حسد ولا غِيرهْ ، ولا شماتة...!؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - القصة المقالة
صلاح البياتي ( 2010 / 7 / 20 - 19:09 )
تحية عزيزي الكاتب الأخ مصطفى حقي إنه نوع او جنس أدبي جديد كما أرىأستطيع تسميته مجازا القصة المقالة او المقالة القصة ،لا تهم التسمية قدر أهمية الموضوع، تهنئة خالصة مع أمنياتي بالموفقية ودمت بخير


2 - ابدعت مرة اخرى
محمد الرديني ( 2010 / 7 / 20 - 19:38 )
زميلي العزيز مصطفى
لاشك انك ابدعت كعادتك هذه المرة
ويبدو ان هذا لجنس الادبي الرائع يستعيد عافيته في هذا الموقع على يديك ويد زملائك
تحية لك ودمت


3 - إضافة جديدة
محمد البدري ( 2010 / 7 / 21 - 23:56 )
بلاغة تنتفي معها اي محاولة للشرح او التوضيح. بلاغة تحمل ما غلا ثمنه وسهل فهمه وضعف نسيانه وكشف عورات تحملنا مسؤليات هي ما قصده الاستاذ الفاضل حقي. شكرا وتحية للنزاهة والمصداقية


4 - هذا المقال الواقعي والصادق
توما خوري ( 2010 / 7 / 22 - 03:47 )
شكرا استاذ مصطفي على هذا المقال الواقعي والصادق
اريد ان اغير النهاية قليلا اذا سمحت لي:
وعندما زادت اسئلة الاب المتقاعد , واخذ يرفض هدايا صهره من المال الحرام, تم اتهامه بالجنون والتخريف , وقضى بقية حياته معزولا في وحدة قاتلة...
تحياتي للجميع

ِT. Khoury سابقا


5 - تعقيب
مصطفى حقي ( 2010 / 7 / 23 - 11:48 )
شكراًأستاذ صلاح بياتي على رأيكم بالمقال ، وياأخي محمد الرديني أشكرك أيضاً وتحياتي لصديقك أبو الطيب . أستاذ محمد البدري أشكرك جداً على تعابيرك المشجعة . الأخ توما خوري شكراً لمرورك ولاقتراحك حو النهاية ، يا صاحبي لكل قصة أكثر من نهاية ، وقصتي في السادس من هذا الشهر كانت في مشفى الجامعة الأمريكية في بيروت لمعالجة زوجتي ، وصورة الرنين المغناطيسي فيها أكثر من خمسمائة دولار وعندنا في سورية لا تتجاوز المئة وتصور يا رعاك الله؟

اخر الافلام

.. حماس: تلقينا رد إسرائيل على موقفنا حول وقف إطلاق النار وسندر


.. كارثة غزة بالأرقام.. ورفع الأنقاض سيستغرق 14 عاما | #سوشال_س




.. قوات النيتو تنفذ مناورات عسكرية متعددة الجنسيات في سلوفاكيا


.. طلاب جامعة كاليفورنيا الأمريكية يقيمون مخيم اعتصام داخل حرم




.. رئيس سابق للموساد: حماس متمسكة بمطالبها ومواقفها ?نها تحررت