الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دراسة علمية خطيرة تدق نواقيس الخطر

سعد هجرس

2010 / 7 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


لا ننكر أنه تم القيام بإصلاحات كثيرة لتحسين مناخ الاستثمار في مصر في السنوات الأخيرة، وأنه تم تحديث كثير من اللوائح والآليات العتيقة والبالية، لكن من الخطأ اعتبار أن كل ما تم إدخاله من إصلاحات هو »غاية المراد من رب العباد«، أو انه »ليس في الامكان أبدع مما كان«، فالشوط مازال طويلا والأعشاب السامة التي تتكاثر في مجال الاستثمار مازالت كثيرة وخطيرة.
وبعيدا عن الشعارات الوردية أو السوداوية علي حد سواء تعالوا نحتكم إلي النتائج والأرقام التي انتهي اليها مسح علمي عن بيئة أعمال المشروعات الصغيرة والمتوسطة في مصر، وعلاقة المشروعات الصغيرة والمتوسطة بالإدارات الحكومية.
الدراسة المسحية التي نتحدث عنها شملت نحو 800 من المشروعات الصغيرة والمتوسطة للتعرف علي تجربتها الفعلية مع الفساد أثناء أدائها للأعمال.
وقام بهذه الدراسة المهمة مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية في الفترة من 21 ابريل 2009 إلي 14 مايو ،2009 بمشاركة مركز المشروعات الدولية الخاصة وشركائه، واتحاد جمعيات التنمية الاقتصادية، والجمعية المصرية لشباب الأعمال، ومنتدي ريادية الأعمال، التي ساعدت مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية في الوصول إلي المشروعات الصغيرة والمتوسطة في عدد من المحافظات.
علما بأن اجراء هذه الدراسة المسحية المهمة لم يكن هدفا في حد ذاته، بل كان »وسيلة« اعتمد عليها مركز المشروعات الدولية الخاصة وشركاؤه لتعميم برنامج »مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية« لحشد التأييد من أجل رفع الوعي بمكافحة الفساد، والتوصية بتعديلات محددة في السياسات تهدف إلي الحد من مخاطره، وهو البرنامج الذي يسير بخطي حثيثة، بإشراف مجلس استشاري يتشرف كاتب هذه السطور بالمشاركة في عضويته جنبا إلي جنب مع عدد من الخبراء المرموقين الذين ينتمون إلي تخصصات متنوعة وخلفيات فكرية متعددة.
***
المحور الأول في الدراسة المسحية المشار اليها يتعلق بملاحظات عامة حول علاقة المشروعات الصغيرة والمتوسطة بالحكومة.
وبهذا الصدد.. وردا علي سؤال: كيف تصف خبرتك مع المؤسسات الحكومية أثناء عملية تأسيس المشروع »سهلة جدا، سهلة، عادية، صعبة، صعبة جدا« هل كانت الصعوبة التي واجهتها في عملية التأسيس »أصعب جدا مما توقعت، أصعب مما توقعت، مثلما توقعت، أسهل مما توقعت، أسهل جدا مما توقعت«؟!
أظهرت الإجابات أن هناك فجوة في مصر بين ما يتوقعه أصحاب الأعمال عند تعاملهم مع المكاتب الحكومية وتجربتهم الفعلية معها، واتضح أن 47% وجدوا أن تجربتهم الفعلية كانت صعبة علي الرغم من أن 36% فقط توقعوا تلك الصعوبة.
هذه الفجوة - في رأي الدراسة المشار اليها - تعكس التشوش الذي يعتري تصور أصحاب الأعمال، وان كان يعكس أيضا عدم الاتساق في أداء المكاتب الحكومية، وهو ما يضيف مستوي من عدم القدرة علي التوقع ليس في صالح أداء الأعمال.
***
وردا علي سؤال: هل اضطررت لدفع أموال أو تقديم هدايا للحصول علي الترخيصات اللازمة لتأسيس المشروع أو بدء ممارسة النشاط؟ وبعد الانتهاء من مرحلة تأسيس المشروع والانتقال لمرحلة التشغيل هل تضطر لدفع أموال أو تقديم هدايا بعد تأسيس المشروع لتسهيل وضمان استمراره؟
جاءت الاجابة مروعة بالفعل.. حيث قال 42% من أصحاب الأعمال إنهم دفعوا رشاوي أثناء تأسيس الأعمال، وقال 29% من أصحاب الأعمال أنهم دفعوا رشاوي خلال عملية التشغيل.
***
وفيما يتعلق بالمشتريات الحكومية جاءت النتائج والإجابات سلبية أيضا حيث قال 20% فقط من أصحاب الأعمال إن المشتريات الحكومية تجري وفقا القانون، وقال 33% إن القانون لا يتم احترامه، بينما اعرب 26% عن ضعف آليات الرقابة.
وأعرب 37% عن اعتقادهم بأن الرشاوي يتم دفعها للفوز بالمناقصات الحكومية، ولم ير سوي 9% فقط أنه لا تحدث عمليات رشوة بهذا الصدد.
***
وعندما سئل من شملهم الاستطلاع عن رأيهم في السبب الذي يدفع موظفي الحكومة لقبول الرشاوي كانت اختياراتهم كما يلي: تدني مرتبات الحكومة »44%«، الطمع وانعدام الضمير »29%«، انعدام الرقابة »24%«.
***
وفي تعليق اتحاد جمعيات التنمية الاقتصادية علي هذه الدراسة المسحية اتفق الاتحاد مع نتائج الدراسة التي أظهرت أن أكثر أشكال الفساد انتشارا بالنسبة لأصحاب الأعمال هو دفع مبالغ مالية بشكل غير مشروع للموظفين الحكوميين الذين يعملون في مكاتب المصالح الحكومية أو المجالس المحلية.
لكن الاتحاد لا يتفق مع نتائج الدراسة التي أظهرت أن 43% من العينة دفعت رشاوي أثناء عملية إنشاء الأعمال و20% من تلك العينة دفعت رشاوي للجهات المرتبطة بأداء العمل وإصدار التراخيص، ويري الاتحاد أن هذه النسبة تبدو متناقضة مع الوضع الحالي في مصر لأن عدد الهيئات الحكومية المرتبطة بأداء العمل أكثر ثلاث مرات من تلك المرتبطة بإنشاء الأعمال.
ويتفق الاتحاد علي نتائج الدراسة التي توصلت إلي أن بعض المواطنين يدفعون رشاوي، ليس فقط لاستخراج تصاريح وتراخيص، ولكن أيضا للحصول علي تصاريح أو أذونات لا حق لهم فيها، ومثل تلك الممارسات الفاسدة تشي بافتقار السلطات الحكومية للرقابة، حيث لم تهتم بالكثير من المتطلبات الضرورية لبدء الأعمال في مصر. وتؤكد هذه الدراسة أن القوانين واللوائح الحالية غير واضحة، وغير قابلة للتطبيق، ومعوقة لتحول مصر إلي اقتصاد حر.
فالقوانين واللوائح الغامضة تتيح الفرصة أمام المسئولين في السلطات المعنية لاستغلال مناصبهم للحصول علي رشاوي ولذلك يتفق الاتحاد مع الدراسة المشار إليها علي أن مكافحة الفساد ينبغي أن تتم وفق عدة مقاربات، من بينها التخلص من القوانين واللوائح الغامضة التي تهيمن علي الأعمال وأنشطتها.
ويتفق اتحاد جمعيات التنمية الاقتصادية مع نتائج الدراسة التي تقترح التوصيات التالية من أجل تقليص ممارسات الفساد في المعاملات الحكومية:
* نشر كل المعلومات المتعلقة بتأسيس الأعمال واستخراج التراخيص.
* وضع قانون إتاحة المعلومات علي قمة الأولويات.
* مراجعة وتحديث اللوائح القائمة المتعلقة بإصدار التراخيص للأعمال.
***
مما سبق.. يتضح من هذه الدراسة العلمية البالغة الأهمية التي يستحق كل المشاركين فيها جزيل الشكر، يتضح أن هناك فجوة شاسعة بين الخطاب الرسمي وبين الواقع الذي نعيشه.
وأن خطوات الإصلاح التي تم قطعها ـ والتي لا يجب التهوين من شأنها أيضا ـ مازالت غير كافية، بل إن المشوار مازال طويلا حتي تكون لدينا بيئة صحية لأعمال المشروعات الصغيرة والمتوسطة ولتعاملات هذه المشروعات مع الإدارات الحكومية.
علما بأن الحصول علي هذه البيئة »الصحية« غير ممكن التحقيق في مجال المشروعات الصغيرة والمتوسطة وحده، بها هو لن يتحقق بكل تأكيد إذا استمر فساد بيئة عمل المشروعات الكبيرة.
وعلما بأن الفساد »الصغير« لا يمكن أن تؤتي مكافحته ثمارها المرجوة إذا استمر الفساد »الكبير«.
وعلما بأن الإصلاح الاقتصادي ـ ومن بين متطلباته إصلاح بيئة أعمال المشروعات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة ـ لن يكون ناجزا وفعالا دون إصلاح سياسي واجتماعي وثقافي.
وعندما تقول لنا دراسة مسحية علمية محترمة إن 42% من أصحاب الأعمال يدفعون رشاوي أثناء تأسيس أعمالهم.. فإن لنا أن نضع أيدينا علي قلوبنا.. لأن هناك شيئا غلطا في المجتمع.. وهذا الشيء الغلط يضرب جذوره في جميع مجالات السياسة والاقتصاد والثقافة والقيم الاجتماعية.
إن هذه النسبة المخيفة هي جرس إنذار، يضاف إلي العديد من نواقيس الانذار الأخري، يجب أن ندرك مغزاه وأن ندفع استحقاقات تغييره.. قبل فوات الأوان.. وقبل أن تصبح الرشوة ـ في كل المجالات ـ هي القاعدة وليست الاستثناء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - احييك ياعزيزي استاذ هجرس
لطيف شاكر ( 2010 / 7 / 20 - 17:51 )
صوتك يصرخ في برية الظلم وكلماتك شمعة تضئ دماسة الظلام ... الامل مازال معقودا مادمت انت ومحمدالبدري وطارق حجي واحمد عبد المعطي حجازي وامثالهم الكثير ونأمل في زيادة صفوف المستنيرين والمثقفين لعلها تكون فرصة للتغيير

اخر الافلام

.. خبراء عسكريون أميركيون: ضغوط واشنطن ضد هجوم إسرائيلي واسع بر


.. غزة رمز العزة.. وقفات ليلية تضامنا مع غزة في فاس بالمغرب




.. مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة مدنية شمال غرب مدينة رفح جنوب ق


.. مدير مكتب الجزيرة في فلسطين يرصد تطورات المعارك في قطاع غزة




.. بايدن يصف ترمب بـ -الخاسر-