الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اختطاف مشاهد !!

بشير زعبيه

2010 / 7 / 21
الصحافة والاعلام


ظهر التلفزيون ليحدث ثورة في عالم الإعلام والاتصال وفرض عصر الصورة بكل ما يمكن أن تحمل من عوامل التأثير المباشر على المتلقي , وهي ثورة مستمرة بقياس الإنجاز الذي تحقق بدخول عصر الأقمار الاصطناعية والانتقال من البث الأرضي الى البث الفضائي ثم الاستقبال الرقمي, وليس أخيرا استقبال الصورة ثلاثية الأبعاد , ما نقل التلفزيون من مجرد أداة للفرجة الى وسيلة للتفاعل مع المتلقي أي مع الناس وعنصر مهم في التأثير على السلوك العام ، سواء كان تأثيرا مباشرا أو تراكميا .. وهنا تكمن المسألة وتكمن الخطورة حين نرصد اتجاهات هذا التأثير فقد تأخذ منحى الايجابية وقد يكون تأثيرها سالبا , إن المحتوى هو الذي يحدد مسار الاتجاه وهدفه , وفي الحالتين سيبرز التلفزيون كعامل مهم وبنسب عالية في التأثير على سلوك المتلقي بمختلف شرائحه العمرية..
ولأن السلوك الإنساني قابل للتبدل, فان مرحلة الطفولة هي أخطر المراحل قابلية لهذا التبدل كما هي الأخطر في تشكل شخصية الفرد , وما يقال عن شريحة الأطفال يمكن أن يقال بنسب أخرى عن شريحة الشباب الذي تشكّل وعيه بوجود الصورة أي الذي ولد في عصـــر نفسه أمام هجمة طغيان لصورة خرجت عن مكوناتها المحلية بخروجها من دائرة الإعلام المحلي المغلق الى فضاء أرحب وأشمل مع الانتقال الى عصر البث الفضائي.. انه يجد نفسه أمام صورة معولمة ليس بالضرورة أن تتفق مع تلك التي ألفها في محيطه الصغير , انها تقدم في الغالب نمطا آخر من الحياة ومن السلوك يطال كل العناصر المكونة للثقافة , من اللباس الى الطعام الى الفنون الى المسميات الى لغة التخاطب وصولا الى طريقة التفكير .. انه يقف في مرمى المفعول به وسط صراع خفي هو الصراع من أجل تسييد نمط معين من الحياة , قد يكون هو ما عناه مصطلح ( صراع الحضارات ) .. وقد سيطر مثل هذا الفهم على نسبة كبيرة من عقل النخبة الأمريكية عقب أحداث 11 سبتمبر 2001 إذ سمي (دونالد رامسفيلد ) وزير الدفاع الأمريكي على سبيل المثال ما حدث بأنه ( محاولة للتأثير على نمط حياتنا ) .. ولم يكن من باب المصادفة أن نلحظ فيما بعد هذا التدفق لقنوات الغرب والشرق معا مستهدفة الفضاء العربي مخاطبة المتلقي العربي بلغته العربية , بل بلهجته المحلية , وهذا التدفق لم يكن بالطبع عملا خيريا تقف وراءه جمعيات خيرية , ولكنه عمل استراتيجي دفاعي استباقي في مفهوم مخططيه والقائمين عليه .. انه استباقي بالمعنى الذي يستهدف تغيير أفكار المتلقي العربي وتوفير شروط تبدل سلوكه بما تحمله من قيم ومفاهيم ومعتقدات يراها هؤلاء بأنها تناقض نمط حياتهم وتشكل مشروع صدام ..
إذن نحن أمام استهداف حقيقي للشخصية العربية تبدأ من مرحلة الطفولة ثم الشباب وصولا الى النخبة , وقد رأينا حجم التأثير المذهل والسريع الذي أحدثته (الميديا) وبدور أكبر التلفزيون في تبدل العديد من أفكار النخبة العربية ممثلا في تلقف وتبني مصطلحات جديدة خطابا وسلوكا هي نتاج لتداعيات أحداث الحادي عشر من سبتمبر .
إن ما يزيد المسألة تعقيدا وخطورة هو أن الخشية لم تعد تتعلق بخطاب عابر موجه أو خبر موظف يسوق .. سأشير هنا الى هذا الفيضان من البرامج المستنسخة والمسلسلات المدبلجة التي تحمل في مضامينها وحتى أشكالها مفاهيم وقيما وسلوكيات وافدة غير أنها للأسف أصبحت مركز استقطاب ومتابعة واهتمام من قبل شرائح مهمة في المجتمع العربي وفرضت حضورها بقوة داخل البيت العربي في وقت تراجعت فيه مستويات التعليم والثقافة وغابت القدوة في المجتمعات العربية .. ما جعل المتلقي المحلي في دائرة الاستهداف السهل لقدوات مجسدة أو افتراضية تسوقها الصورة الوافدة مسلسلات كانت أم برامج أم أخبارا أو إعلانا.. ان المتلقي العربي بفعل ذلك انما يتعرض لعملية خطف ممنهجة لشخصيتة بما تتسم من خصوصية الثقافة سينتج عنها لا حقا ثقافة أخرى ستنتج بدورها سلوكا مغايرا ونمط حياة آخر وطريقة تفكيرأخرى , ولا يبدو أمام هذا الواقع ما يمكن أن يحمي هذا المتلقي , بل قد نجد أنفسنا قريبا وقد انتقلنا من محاولة حماية هذا المتلقي الى حقيقة أكثر تعقيدا وهي العمل على استعادة هذه المخطوف .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ريبورتاج: مزارعون في الهند مصممون على إلحاق الهزيمة بالحزب ا


.. السباق إلى البيت الأبيض: حظوظ ترامب | #الظهيرة




.. ماهو التوسع الذي تتطلع إليه إسرائيل حالياً؟ وهل يتخطى حدود ا


.. ترامب: لم يتعرض أي مرشح للرئاسة لما أواجهه الآن | #الظهيرة




.. -كهرباء أوكرانيا- في مرمى روسيا.. هجوم ضخم بالصواريخ | #الظه