الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-التميمى- فى النار سبعين خريفاً

سعد هجرس

2010 / 7 / 21
الصحافة والاعلام


المقولة التى قلتها "تهوى بها فى النار سبعين خريفا" .. يالطيف !!
لكن من ذا الذى يملك القدرة على علم الغيب بحيث يعلم علم اليقين أن "فلان" أو "علان" مثواه جهنم وبئس المصير؟!
من ذا الذى يملك الدقة – التى تفوق دقة الساعة السويسرية- فى تحديد المدة التى سيمكثها "فلان" أو "علان" فى النار، ويؤكد بكل ثقة أن هذه المدة "سبعين خريفا" وليست خمسين أو ثمانين؟!
من ذا الذى يملك الحق المطلق فى شق صدور البشر والتفتيش فى ضمائرهم وإعطاء هذا صكوك الغفران ليدخل بها الجنة، وتكفير ذات وتهديده بالويل والثبور وعظائم الأمور؟!
إنهم بعض مشايخنا الأجلاء، بل بعض كبارهم الذين ينتظر الملايين من المصريين الطيبين ظهورهم على شاشات الفضائيات والقنوات الأرضية للاستماع إلى "فتاواهم" ليس فقط فى أمور "الدين" وإنما أيضا فى كل أمور "الدنيا" من سياسة واقتصاد وقضايا اجتماعية وثقافية.. بما فى ذلك أدق دقائق العلاقات الزوجية الحميمة.
أما المسكين الذى تلقى هذا الإنذار المخيف بأنه سيهوى فى النار سبعين خريفا .. فهو زميلنا الصحفى الشاب المهذب ودمث الخلق محمود التميمى.
وأما السبب فى تعرضه لهذا الهجوم الشرس فليس سوى مقال سولت له نفسه أن يكتبه وينشره فى جريدة "المصرى اليوم" فى عددها الصادر يوم الاثنين الماضى بعنوان "عن البخارى وكيرلس عمود الدين".
وهذا المقال لا يتناول البخارى ولا كيرلس عمود الدين فى شخصيهما، وإنما جوهر المقال أنه "محاولة لفهم معضلة النهوض وظاهرة معاداة الحضارة التى نعانيها فى مصر.. فنحن ببساطة - فى رأى التميمى ونوافقه عليه- نتعالى على التحضر.. نستسخف المنهج العلمى ونراه ترفا لا داعى له".
***
ومنعاً لـ "الشوشرة" فى الاجابة على هذا السؤال المهم يقول محمود التميمى لكافة أنواع "المبراتية" لا تقحموا التاريخ فى المسألة، لأن "التاريخ المجيد لا فائدة فيه وأنت فى حالة انقطاع تام مع أفضل ما فيه، واتصال دءوب مع أسوأ ما فيه. بل تكريس لهذا الأسوأ وإحاطته بأسيجة تجعل مساوئ التاريخ مع الوقت تراثا لا يجوز المساس به وليس مجرد تجربة من الممكن الحكم عليها والاختلاف حولها.. فتنشأ الجسور الوهمية بين العادة والدين وتتحول الخرافات إلى احاديث نبوية بلا سند ويرتفع الجهل سامقا بلا عمد".
وجاء ذكر البخارى وكيرلس عمود الدين عرضا كمجرد مثال بعدما تعرض له المستشار أحمد ماهر الذى طالب بمراجعة "صحيح البخارى" ويوسف زيدان الذى جسد شخصية كيرلس عمود الدين فى عمله الادبى المهم "عزازيل".
إذن محمود التميمى لم يتعرض لهذين الرمزين، المسيحى والاسلامى، وإنما استخدمهما كمثال على تردى الحالة الفكرية عند المصريين المعاصرين – من الجانبين – ليس من زاوية ما فعله الرجلان وإنما من زاوية ما نفعله نحن الآن بتراثهما .. حيث نتهرب من إخضاعه للتحليل النقدى بل نتصدى لمن يحاول أن يفعل ذلك بسلاح التدين الشامل الشهير بسلاح "التدمير".
وليس "التميمى" هو أول "ضحايا" بعض المشايخ المتطرفين والمتزمتين الذين يعطون أنفسهم – دون حق- سلطات ما فوق بشرية، ويفرضون – دون مسوغ – وصايتهم على خلق الله، ويزعمون احتكار الحكمة والحقيقة.
***
وطابور هؤلاء "الضحايا" طويل جداً، وكان المأمول أن تكون قائمة أسماء من يتعرضون لحملات تكفير التفكير أقصر فأقصر مع تقدم البشرية قرنا بعد آخر، فما بالك وأن العالم يعيش الآن ثالث ثورة كبرى، بعد ثورة الزراعة وثورة الصناعة، هى ثورة المعلومات بكل ما وفرته وقدمته من طفرات فى معرفة الكون والانسان على حد سواء.
لكن المؤسف أن عالمنا العربى يسير فى الاتجاه المعاكس لمسار باقى البشرية، وبدلاً من أن يتطلع إلى المستقبل تصر جماعات من النخب العربية دفعنا دفعاً إلى الماضى السحيق. وبدلا من أن يتسلح بالعلم والبحث العلمى، والعقلانية عموماً، تصر تلك الجماعات الأصولية على حبسنا فى سجن الخرافة. وبدلاً من أن ينعم بالحريات العامة والخاصة، وفى مقدمتها حرية التفكير يجد نفسه محشوراً بين شقى الرحى. فإذا حاول الهرب من الاستبداد السياسى وجد نفسه وجهاً لوجه أمام الاستبداد الدينى، أو بالأحرى الاستبداد الذى يرتدى المسوح الدينية.
وكانت نتيجة ذلك الاستبداد المزدوج – بالأرقام – ان العالم العربى أصبح يحتل المرتبة الأولى فى التخلف. فهو أكبر منطقة فى العالم من حيث عدد الأميين. وهو أكبر منطقة فى العالم من حيث عدد الفقراء، وهو أكبر منطقة فى العالم من حيث عدد العاطلين. وهو أكبر منطقة فى العالم من حيث القابلية للاحتباس الديموقراطى ومصادرة الحريات، بل والقابلية للاستعمار أيضاً.
***
ورغم أنه أصبح واضحا وضوح الشمس أننا نحن العرب المعاصرين أصبحنا عالة على الحضارة الإنسانية، و"مستهلكين" لثمارها ومنتجاتها ولا نشارك بأى صورة من الصور فى "انتاجها" نتيجة لأسباب كثيرة، فى مقدمتها اغلاق باب الاجتهاد بالضبة والمفتاح، والتضييق على حرية التفكير، ومحاولة وضع أقفال من حديد على العقل الجمعى والفردى.
رغم ذلك فإن دعاة التكفير يتناسلون ولا يتوقفون عن التكاثر.
حتى رأينا أن بعض زملائنا الصحفيين لم يجدوا طريقة لتصفية حساباتهم مع رئيس تحريرهم، مجدى الدقاق، سوى تكفيره. وبالطبع فإن تلك الجبهة التى تسمى نفسها "جبهة علماء الازهر".. لم تكذب خبراً، بل هرولت لإصدار "فتوى" بتكفير مجدى الدقاق.. وهو ما يعنى عمليا إهدار دمه.
وبطبيعة الحال فان الأستاذ مجدى الدقاق رئيس تحرير مجلة أكتوبر ليس فوق مستوى النقد، لا هو ولا غيره. ويمكن بالتالى اتفاق البعض معه كما يمكن للبعض الأخر الاختلاف معه.. مهنياً وسياسياً باعتباره عضوا بارزا أيضا فى أمانة السياسات بالحزب الوطنى الحاكم، وأمامنا قنوات شرعية كثيرة لممارسة هذا الحق فى الاتفاق والاختلاف بصورة متحضرة، فى مقدمتها بيتنا المشترك، نقابة الصحفيين.
أما القفز فوق كل هذه القنوات وإشهار سيف التكفير .. فتلك خيبة ثقيلة يجب أن نتصدى لها جميعا، المتفقون منا مع مجدى الدقاق والمختلفون معه على حد سواء.
***
ومع أن حالة مجدى الدقاق مختلفة عن حالة محمود التميمى.. فإن الحالتين يجمعهما – مع مئات الحالات فى مجالات وسياقات مختلفة – قاسم مشترك واحد.. هو انتحاب البعض لانفسهم حق الوصاية على عقل الأمة وحق الوصاية على افكار خلق الله.. وهو مالا يجب ان نسمح به بأى حال من الأحوال.
والسبيل لذلك هو إرساء دعائم الدولة المدنية الحديثة.. ودفع استحقاقاتها اليوم.. حتى ينعم أبناؤنا وأحفادنا بثمارها.. فى الغد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - احتباس إستبدادي وليس ديموقراطي
محمد زكريا توفيق ( 2010 / 7 / 22 - 07:30 )
شكرا أستاذنا سعد هجرس، لقد أبدعت وهذا خطبك دائما.
هو ليس احتباسا ديموقراطيا، وياريت يكون عندنا أو نكون قابلين للاحتباس الديموقراطي. بمعني أن الديموقراطية تأتينا ولا تريد أن تفارقنا، شأنها شأن الاحتباس الحراري. لكن ما لدينا هو القابلية للاحتباس الاستبدادي بشقيه، السياسي والديني. .

اخر الافلام

.. خبراء عسكريون أميركيون: ضغوط واشنطن ضد هجوم إسرائيلي واسع بر


.. غزة رمز العزة.. وقفات ليلية تضامنا مع غزة في فاس بالمغرب




.. مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة مدنية شمال غرب مدينة رفح جنوب ق


.. مدير مكتب الجزيرة في فلسطين يرصد تطورات المعارك في قطاع غزة




.. بايدن يصف ترمب بـ -الخاسر-