الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشاعر محمد بودويك... في حوار مع إدريس الواغيش (2/2)

إدريس الواغيش

2010 / 7 / 21
الادب والفن


الشاعر محمد بودويك...
في حوار مع : إدريس الواغيش (2/2)
- كل شاعر يحترم نفسه، لابد أنه باحث عن التفرد.
وإلا تشابهت الأصوات ، وتماثلت اللغة ،.... والنمطية قدر القطيع...

التحليق في سماء القصيدة المغربية الحديثة ، يعني حتما الحديث عن الدكتور محمد بودويك ، شاعر عرف طريقه جيدا إلى القصيدة الأميرية ، فخبر مضايقها ومعابرها وكيميائها السحرية ، وتحكم في منعرجاتها ومنحنياتها ، يسافر بك خارج اللغة ، فتشعر أنك فعلا داخل مساربها السحرية ، يطير بك عاليا ، يبعدك عن شبح الوهم ليلقي بك بين أحضان الحلم ، أو يقربك من كينونتك وواقعك الكالح ، وسط ضوضاء حياة تفسد عليك الاستمتاع بأجواء القصيدة.
في هذا الحوار ، سيفتح لنا الشاعر الدكتور محمد بودويك أشرعة مركبته السحرية ، لنبحر معه إلى عوالمه المتنوعة ، ونستمتع معه بحكاية الشعر والشاعر:


9- أغلب الباحثين استكانوا في بحوثهم إلى أسماء شهيرة ومتداولة (أدونيس، درويش، حجازي، دنقل، البياتي، وغيرهم (هن)...)، فيما بحثت أنت عن شاعر لم يكن اسمه متداولا كثيرا ، هل هي مغامرة، هل هو إنصاف للرجل؟، أم هي استمرارية البحث عن التفرد؟

- هناك أسماء بأعينها يتداولها التلقي العام، ويكرسها الإعلام العربي إنصافا أو تلميعا فقط، فيما تم التعتيم على قامات شعرية لا تقل إشعاعا وإضافة، ونوعية عن أولئك الذين يتسيدون المشهد الثقافي العام. أذكر منهم تمثيلا: حسب الشيخ جعفر (وبالمناسبة أحيي صديقي الباحث والناقد بنعيسى بوحمالة على التفاتته الأكاديمية الرصينة لهذا الشاعر إحقاقا للشعر والفذاذة)، ومحمد عفيفي مطر، ومحمد عمران، وبلند الحيدري، ومحمود البريكان، ومحمد علي شمس الدين، وعباس بيضون، وقاسم حداد، وسيف الرحبي، ومحمد السرغيني، ومحمد بنيس، ومحمد الأشعري، وغيرهم كثير، وعز الدين المناصرة الذي يكاد يجهله القارئ العربي، وهو من هو في الشعرية العربية والفلسطينية بالتلازم، إذ أنه- وكما أوصلني إلى ذلك نَبْشي وحفري الأكاديمي- لا يقل جدارة شعرية وشاعرية عن الراحل الكبير محمود درويش ، ولا عن الشاعر الفلسطيني سميح القاسم.
فقلة الاهتمام هذه، مقارنة مع الاهتمام بأشعار مجايليه وأنداده، وبخاصة محمود درويش، وسميح القاسم- كما أشرت- كانت دافعا رئيسا لطرح سؤال الإهمال، والبحث عن سبب هذه الإشاحة ، حتى لا نقول الإقصاء المقصود، والتغييب المنهجي، مما قادني، وأنا في غمرة قراءة متنه الشعري المتوقد والزاخر، إلى التفكير الجدي في إعادة الاعتبار له، بإحلاله المحل الجدير به، وتنبيه النقد الموضوعي إلى الاهتمام بهذا الشعر ، من خلال الانكباب عليه قراءة، وتمحيصا، ومساءلة، ومقارنة. وهو ما أكد لنا جدارة المتن الشعري الناصري، وخصوصيته، وفرادته، وشموخه.
فما أظن- بعد هذا الذي قلت- إنني أبحث عن التفرد النقدي الأكاديمي عندما تقودني معاشرتي القرائية الخاصة إلى النبش عن أسماء لامعة منسية أمنحها الحق في الظهور والبروز إحقاقا لمزية الشعر، وتكريسا لثقافة المحبة والاعتراف.

10- كان الشاعر منذ القدم وإلى اليوم لسان حال قومه، ما هي القصيدة التي كتبتها، وتعتبرها أنت لسان حال قومك ؟

- الزمان غير الزمان، والنسق الثقافي والحضاري العام غير النسق القديم، والمحيط الإنساني أوسع وأرحب وأعقد وأشرس مما كان. ومع ذلك، لنزعم بأن لسان الذات هو لسان حال قومي، وجغرافيتي التي أنتسب إليها أرضا وتاريخا وسلالة وحضارة ومثبطات. وإذا كان الشاعر أو المبدع، بصفة عامة، يسعى إلى التعبير عن لواعج الذات. وحرائق المرحلة، فلأنه يَتَشَوَّفُ إلى الجميل غدا، والعادل والبهيج. وأحسب أن رسالة الشعر اليوم- لا تكمن في الصراخ، والتأشير التقريري على الظلم، واستباحة الكرامة الإنسانية، والمروءة، وسرقة الحق في العيش الكريم، والمصادرة على العمل والخبر، فتلك رسالة الجمعيات الحقوقية، والأحزاب السياسية، والنقابات الاجتماعية، بقدر ما تكمن في استدراج الجمال إلى النص، مطلق جمال، ومحاربة الشر بأناقة اللغة، وشفوفها، ومدى قدرتها على الإلذاذ والإدهاش. هذا هو التحدي الآن، وهو تَحَدٍ عبر عنه الشاعر محمود درويش بطريقته حين أطلق: "سرير الغريبة، و" كزهر اللوز أو أبعد"، و"أثر الفراشة". كما يعبر عنه كثير من الشعراء العرب: منصف البرغوثي- محمد زكريا- وخصوصا وليد خازندار الشاعر الفلسطيني.
بهذا المعنى- إذا، أنا لسان حال وطني المغرب.

11-هل تعتقد أن القصيدة لا زال لها نفس التوهج، لا زالت قادرة على تحريك الشارع العربي، أوباستطاعتها تغيير مجريات الأحداث كما كانت من قبل؟

-هذا السؤال يحيل على السؤال السابق، ويشتبك به، لأن الحال غير الحال عروبيا، وإقليميا، وكونيا: فحركات التحرير الإفريقية والأسيوية، والفكر الماركسي الليني، والفكر الكرامشي، والماوي، والهوشيميني، والغيفاري، وفكر هربرت ماركيوز، وفرانز فانون، و أنور عبد المالك والمهدي بنبركة، وعزيز بلال وإبراهام السرفاتي وسارتر ونلسون مانديلا وبوب ديلان ومريام ماكيبا وأنجيلا ديفيس ومظفر النواب، وجون بيز، واللعبي، والشعر الفلسطيني المباشر والتقريري- بدايات درويش، القاسم، أغاني الشيخ إمام، عدمية كولن ولسون.. إلخ..إلخ، كل ذلك أصبح في ذمة الماضي أبقى ما يكون للتوثيق والتذكر، و النوسطالجيا، وزمن الفردوس، والأحلام الكبرى التي سقطت بكل الرنين والغبار كورود البلاستيك الشائهة، أو كجرة الراعي في الحكاية المعلومة. فكيف نطلب من القصيدة، بعد كل التحولات المعرفية، والإبدالات الجمالية والإيقاعية واللغوية التي طالتها، أن ترج المشهد الموات، وتحرك شارعا فقد كل صلة له بالتوثب والحلم والتغيير.
13- أصبح الشعر في المغرب وفي أكثر من حالة، ممرا إلى مناصب إدارية، ألا ترى معي أن هذه المناصب أطاحت بقامات شعرية إبداعيا ؟

- لم أفهم السؤال كفاية، وإذا كنت فهمته، فإنك تغمز من قناة الشاعر محمد الأشعري، إذ في علمي- هو الشاعر الوحيد الذي صار وزيرا، دعك من الشعراء الأصدقاء الذين يعملون هنا أو هناك في هذه الإدارة أو تلك: مديرين، أو رؤساء أقسام أو مصالح. لأنني لا أفهم كيف أن المناصب الإدارية أطاحت بقاماتهم، وأردتهم صرعى كأعجاز نَخْلٍ خاوية! وهم حاضرون في المشهد الشعري كتابة، وقراءة وتألقا وتطورا حتى. أما عن محمد الأشعري، فإن الوزارة لم تطح بقامته الشعرية أبدا، بل ازداد توهجا من خلال ما أصدره من مجاميع شعرية نوعية وذات قيمة مضافة إبان استوزاره، فضلا عن متابعته السؤال الثقافي بالبلورة والتطبيق من متاحف أو مهرجانات فنية وثقافية أو طباعة كتب أولى، أو أعمال كاملة..إلخ.
14- الإنسان العادي يعيش عالما يراه، والشاعر في كثير من الحالات يبدع عالما لا يراه، كيف توفق بين الشاعر الساكن في أعماقك ، والإنسان الذي يعيش بين الناس؟
- الشاعر إنسان في البدء والمنتهى. هو إنسان واحد لا مزدوج، سواء في عيشه وملازمته لأوراقه وكراريسه وكتاباته، أو في عيشه مع الناس وبينهم، ناسجا علاقات اجتماعية مع الأفراد، وحاضرا في كل ما يمت بصلة إلى التدبير اليومي للبلاد سياسيا، واقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا. لا مكان للبرج العاجي الآن، في غمرة العولمة وتطبيقاتها على مستوى المعيش الاستهلاكي، ومستوى طغيان الإعلام، وتكنولوجية الصورة، والإنترنت كمصادر إضافية، مزاحمة، ومهددة للكتاب الورقي، ومفتتة للزعامة الفكرية، وصولجان الحكمة والصولة. ومن ثمة، لا مندوحة للشاعر، وهو الإنسان، أن يعايش كل هذا الضجيج، وينخرط في أتونه عله يهتدي- في حمأة ما يجري- إلى ذلك النشيد السري العميق الذي بُمْكَنَتِهِ رَجَّ هذا الوجوم البومي الذي يَرِينُ على الدنيا.

15- أدونيس وسعدي يوسف وغيرهم من الشعراء والمفكرين الكبار ، بكل ثقلهم الفكري والشعري في عالم القصيدة، ينشرون إلكترونيا، لماذا يتعالى الكثير من (كبار) المبدعين المغاربة في نظرك عن مواكبة النشر الإلكتروني؟ هل هو الخوف من الملاحقة النقدية المباشرة مثلا ؟

- أدونيس ليس مقياسا ، طالما أنه شاعر ومفكر كبير ، لا يتنازع اثنان على مكانته. فهو منشور، ومنتشر في الأحياز الورقية مثلما هو منتشر في الأحياز الرقمية. وقس على ذلك شعراء وكتابا ومفكرين عربا وغير عرب آخرين. فالنشر الإلكتروني يتشرف ويزدهي ببعض القامات الأدبية والعلمية و الفلسفية، و المبدعون المغاربة ليسوا بدعا بين أندادهم هؤلاء وأولئك. ولست متفقا معك فيما يخص تعاليهم وغطرستهم من حيث ابتعادهم عن النشر الإلكتروني. بل إن أسماءهم تغشى عشرات المواقع الإلكترونية من خلال كتاباتهم الشعرية، والقصصية، ومقالاتهم النقدية، وآرائهم الفكرية والفلسفية. بيد أن بعضهم لا يجرؤ على نشر متاعه الإبداعي إلكترونيا أو رقميا خوفا من السطو الذي أصبح مباحا، لا خشية من الملاحقة النقدية المباشرة كما تفضلت. بل إنني أصارحك القول: إن أكثر ما ينشر إلكترونيا لا يمت بصلة إلى الأدب البتة، بل هو هذيان لغوي، وهلوسات سوريالية، وخواطر مهيضة الأجنحة في أحسن الأحوال؛ وهذه آفة الحرية التي بلا ضفاف، والديمقراطية التي بلا رقيب، والتي يمنحها الإنترنت بكرم حاتمي، وسخاء فياض.
نعم، أنا مع الحرية، ومع الانفتاح، ومباشرة الكتابة أيا كان لبوسها، ولكنني- في الآن عينه- مع المسؤولية التي يجب أن تصاحب هذه الحرية، ولو بجرعات محسوبة من المسؤولية، لأن من شأن ذلك أن يسمو بالكتابة، ويعلي من درجة الحرص على إتيانها بكامل النقاء والأناقة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??


.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??




.. فيلم -لا غزة تعيش بالأمل- رشيد مشهراوي مع منى الشاذلي


.. لحظة إغماء بنت ونيس فى عزاء والدتها.. الفنانة ريم أحمد تسقط




.. بالدموع .. بنت ونيس الفنانة ريم أحمد تستقبل عزاء والدتها وأش