الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثقافة بين الرفض والإذعان

حميد المصباحي

2010 / 7 / 22
مواضيع وابحاث سياسية



عاش المثقف في المغرب بشكل عام انحيازه لقضية تحرر وطنه أيام الإستعمار،إذ دافع عن الحرية بفكره،وجعل قلمه نبراسا للمدافعين عن الحرية بسلاحهم أو احتجاجاتهم،حسب الظروف والقدرات،بعد الإستقلال وانتشار المد الإشتراكي،انتصر جل المثقفين للعدالة،مما أزعج نظام الحكم،وولد لديه حقدا على الثقافة والمثقفين،وضاقت الهوة بين الثقافة والسياسة،في سياق ما عرف بالثقافة التقدمية،المناهضة للسياسة الرجعية والإستغلال الإقتصادي،آنذاك لعب المثقف دورا طلائعيا بلغة الفكر الماركسي،ودفع ثمن تمرده غاليا من حريته وجسده،تاركا آثارا إبداعية في الشعر والرواية والقصة والجزل الفكر السياسي السجالي والتاريخي،بها تلمست الأجيال اللاحقة دروب الإنتماء للقضية الإجتماعية وما تمليه من التزام بالعدالة والديمقراطية،ومع انهيار التجربة الإشتراكية،أو تعثرها وكذا تجديد الدولة المغربية لشعاراتها بعد التناوب التوافقي،وانتقاؤها لبعض الساسة والمثقفين لتصفية تركة القمع بالمصالحة،اهتزت صورة السياسي في المجتمع ومعها حتى صورة المثقف،الذي خلد غلى تأمل ذاته أو واقعه مستسلما تارة أو عارضا مهاراته اللغوية والتبشيرية على الدولة وأجهزتها الإعلامية والإدارية،بينما الصنف الرافض ارغم على الهجرة إلى خارج الوطن أو بقي مناوشا داخل وطنه بفكره او إبداعه محاولا رفع الحصار واستئناف دوره النقدي تاه ما يجري حوله،مستبعدا من كل ما هو رسمي،يعيش بطولاته في زمن الهزائم،مما سمح لثقافة السخرة أن تمد جذورها إلى الأعماق،وتدمر المدينة التي كانت مؤشرا على الحضارة ودالا عليها،فالمدينة تتحقق بصيرورة تاريخية ،يتحرر الناس بها من استعباد بعضهم لبعض،تخلق الوعي بضرورة التقسيم المكاني،والتجاور الذي يحد من العدائية ويفرض الحوار المؤدي بدوره إلى انتشار الأخلاق العامة في تدبير شؤون الأفراد لأمورهم الشخصية والأسرية،وما كان لذلك أن يحدث لولا الدولة،هي نواة التنظيم وأوج تطور بنى المجتمع في رقيه العلائقي،بهذا الشكل اندحرت قيم الإقطاع مع فشل الدولة التيوقراطية في أروبا،بما تمثله من سلطة متعالية على أفراد المجتمع بعنفها وقداستها التي استلهمتها من الكنيسة،إن الدول التي لم تعش هذا التاريخ،لا يمكنها أن تناقض في وجودها علاقات العبودية إلا تشبها بالغير،حيث لازالت هي نفسها ترسخ بسلطتها نظام السخرة،وتحول رجالاتها إلى خدام لها وكذلك تريد أن تفعل بالمثقفين،خدام يغدون أسيادا على غيرهم،مما يعمق نظام السخرة في المجتمع كثقافة يراد لها أن تشكل خصوصية حضارية،بل ومقدس ديني يدافع به المجتمع عن منطق الدونية،لأن الله خلق الناس متفاوتين في الرزق والمكانة والحكمة أيضا،وعلى على فرد أن يفاخر بسيده وشيخه دفعا لأذى الآخرين وجشعهم،فيتصارع السادة بأتباعهم في الشوارع والمؤسسات وحتى داخل الدولة نفسها،هذه المعارك خاسرة حتى إن انتصر فيها البعض على غيره،لأنها تديم ثقافة السخرة،وتعيق الحرية على التطور كرهان بدونه لا تتقدم اية حضارة لأن روحها معطوبة وجسدها مكبل بطاعة عمياء لسادة وليس امتثالا لقوانين متفق حولها،تحمي وتحاسب الكل دون ميز أم توجس ممن يستمدون سيادتهم من الخضوع لمن هم أقوى منهم،لأن الذي يقبل بعبوديته،يفقد أهم شروط التحرر منها.
حميد المصباحي عضو اتحاد كتاب المغرب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غموض يحيط بمصير هاشم صفي الدين بعد غارة بيروت.. ما هو السينا


.. مصادر طبية: 29 شهيدا في يوم واحد جراء القصف الإسرائيلي على ق




.. خليل العناني: المنطقة العربية في حالة اشتعال بسبب الإدارة ال


.. وزير لبناني يخشى -غزة ثانية- بعد القصف الإسرائيلي العنيف




.. بايدن يحضّ إسرائيل على عدم ضرب المنشآت النفطية الإيرانية