الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل في المغرب وزارة مسؤولة عن التعليم العالي؟

عبد الرحيم الوالي

2010 / 7 / 22
حقوق الانسان


جمال الدين حبيب، معتقل سياسي سابق، و ناشط سياسي و حقوقي و جمعوي، لم تنل من عزيمته حصص التعذيب في الأقبية السرية، و لا جحيم الاعتقال إبان سنوات الدم، و استطاع أن ينهي الإجازة في الفلسفة، بكلية الآداب و العلوم الإنسانية بنمسيك بالدار البيضاء، بتفوق كبير. و عليه، فقد تمت دعوته إلى "حفل التميز" الذي تنظمه الجامعة التي تنتمي إليها الكلية المذكورة. لكنه ـ عندما وصل إلى مقر الحفل ـ فوجئ بأن نائب العميد، المكلف بالشؤون التربوية، بالكلية المشار إليها، قد شطب على إسمه من لائحة الطلبة المتفوقين.
و في حركة تضامنية تلقائية أصدر الدكتور توفيق رشد، أستاذ الفلسفة الحديثة و المعاصرة بنفس الكلية، رسالة تضامن مع الطالب الذي حُرم من حقه تحت ذرائع واهية، و تفتقر إلى أي سند موضوعي أو قانوني، و منها أنه "موظف" و "مأجور" و "متقدم في السن" بينما الرجل ـ في الوقت الحالي ـ عاطل عن العمل و يعاني ظروفا اجتماعية قاهرة. و حتى إذا ما افترضنا أنه "موظف" أو "مأجور" و "متقدم في السن" فلا يوجد أي سند قانوني أو موضوعي لحرمانه من جائزة التفوق التي تسلمها الجامعة لأنه لا وجود لنص قانوني يستثني الطلبة "الموظفين" أو "المأجورين" أو "المتقدمين في السن" من الجائزة المذكورة، و لأن المعيار الوحيد للحصول على الجائزة هو التفوق الدراسي.
و لم تنتظر إدارة الكلية طويلا إذ عممت تكذيبا لرسالة الأستاذ توفيق رشد قالت فيه إن الطالب جمال الدين حبيب لم يُحرَم من المشاركة في حفل التميز و إنما شارك فيه، و أن نائب العميد المذكور لا دخل له في اختيار الطلبة المتفوقين، و أن الطالب "أجير" لأنه أدلى عند تسجيله بالكلية، قبل ثلاث سنوات، بما يفيد ذلك. و الإدارة في هذا على صواب لأن الطالب شارك فعلا في الحفل بعد أن احتج على التشطيب عليه و بعد تدخل نائب رئيسة الجامعة المكلف بالشؤون الأكاديمية. لكنه لم يتسلم جائزة التفوق التي تسلمها طالب آخر حصل على الدرجة الثانية. و هي أيضا، أي الإدارة، على صواب حينما تقول بوجود وثيقة في ملف الطالب تشير إلى كونه أجيرا. لكنها تنسى، أو تتناسى، أن هذا المعطى مرت عليه ثلاث سنوات و أننا في زمن سطوة الرأسمالية التي يمكنها تسريح الأجراء في أي وقت باسم "مرونة سوق الشغل".
غير أن الإدارة ليست على صواب حينما تزعم أن نائب العميد المذكور لا علاقة له بالأمر. ذلك أن الطالب جمال الدين حبيب، حينما تشبث بحقه، فوجئ ـ حسب ما جاء في إفادته ـ بنائب العميد المذكور يهدده بأن إصراره على تسلم الجائزة سيحُول دون تسجيله بسلك الماستر. و أكثر من هذا سرت شائعات قوية مفادها أن إدارة كلية الآداب و العلوم الإنسانية بنمسيك قررت عدم تسجيل أي "موظف" أو "مأجور" بعد "المشكل" الذي خلقه ـ حسب رأيها !ـ جمال الدين حبيب. و هكذا، إذا صحت هذه الشائعات، تكون الإدارة قد تقدمت كثيرا على طريق الخطأ و انتقلت من الإجهاز على حق طالب واحد في تسلم جائزة واحدة، و من تهديد طالب واحد بحرمانه من التسجيل في سلك الماستر، إلى الإجهاز على حق كل "الموظفين" و "الأجراء" في متابعة التعليم الجامعي منتهكة بذلك حق التعليم الذي يضمنه الدستور المغربي و تكفله كل المواثيق الدولية.
في أي مغرب نحن؟
ربما كان المنطقي، و الموضوعي، في مغرب "الإنصاف و المصالحة"، هو أن يتم الاحتفاء بشكل خاص بجمال الدين حبيب الذي تحدى سنوات التعذيب و الاعتقال، بكل آثارها النفسية و الجسدية، و تخطى ظروفه الاجتماعية الصعبة، و استطاع أن يتفوق في دراسته الجامعية داخل شعبة الفلسفة بكلية الآداب و العلوم الإنسانية بنمسيك، علماً أن هذه الشعبة بالضبط، داخل هذه الكلية بالضبط، لها صيت ذائع على الصعيد الوطني من حيث الصرامة و ليس النجاح فيها متاحاً لأي كان، فبالأحرى التفوق. و ربما كان المنطقي و الموضوعي أيضا ،في مغرب تهاجمه ثقافة الخرافة و التطرف و الإرهاب من كل جانب، أن يتم الاحتفاء بهذا الطالب المناضل (أو المناضل الطالب) الذي يتخندق اليوم ـ كما كان دائما ـ في معسكر الحداثة و التنوير و حقوق الإنسان. و ربما كان المنطقي و الموضوعي، في مغرب ما يزال يصارع الأمية، أن تُرفَعَ كل القيود البيروقراطية عن حق التعليم و أن يُفتَحَ المجال أمام الجميع لمتابعة التعليم الجامعي. و حتى إذا ما تفهمنا أن تُفرَضَ بعض الضوابط على تسجيل الموظفين العموميين بالجامعات حرصاً على حسن سير المرافق العامة، فليس هناك أدنى مبرر لفرض أية قيود على أُجَرَاء القطاع الخاص و ممتهني المهن الحرة.
نعم، هذا ما يقضي به المنطق و الموضوعية. لكنْ، يبدو أن في إدارة كلية الآداب و العلوم الإنسانية بنمسيك بالدار البيضاء مَنْ يأبى إلا أن يعاكس التاريخ و ينتصب عائقا أمام إرادة المجتمع المغربي، بل حتى أمام إرادة الدولة المغربية في شخص أعلى سلطة بها، أي في شخص الملك الذي يقود اليوم المشروع الحداثي الديموقراطي، و يجوب البلاد بطولها و عرضها لإطلاق المبادرات الرامية إلى شحذ القدرات و الطاقات الإبداعية الخلاقة لدى أبناء الشعب المغربي باعتبار ذلك هو الطريق الأوحد إلى إفشاء ثقافة العقل و كسب رهانات الديموقراطية و التنمية و الحداثة و مواجهة تحديات الألفية الثالثة. و إلا ما معنى أن تصبح القرارات داخل مؤسسة عمومية حساسة من حجم الجامعة خاضعةً للتقلبات المزاجية، و المصالح الشخصية الضيقة، لبعض مَنْ يستغلون مواقع المسؤولية للوقوف أمام رهانات الدولة و المجتمع معاً؟
إن المنتظر من السلطات المركزية المسؤولة، في شخص الوزارة الوصية على التعليم العالي، هو أن تتدخل لضمان تمتع جميع المغاربة بالمساواة في ممارسة حقهم الدستوري و الإنساني في متابعة التعليم الجامعي، و لوضع حد لممارسات بيروقراطية بائدة لا تمت بصلة إلى مغرب الحق و القانون الذي ما كان له أن يكون لولا تضحيات المناضلين الشرفاء من طينة جمال الدين حبيب، أولئك الذين يتحدون سياط الجلادين و يصرون على الحياة، متشبثين بخيط الأمل الرفيع الذي يقودنا وحده إلى تفادي الانزلاقات الخطيرة التي تهدد مستقبلنا. و ذلك علماً أن هذه ليست المرة الأولى ـ و لن تكون الأخيرة بالتأكيد ! ـ التي تتوصل فيها الوزارة المعنية بشكايات، و تنبيهات، إلى ما جرى و يجري في إدارة كلية الآداب و العلوم الإنسانية بنمسيك بالدار البيضاء من تجاوزات و انحرافات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الغرب المتصهين لا يعير أي اهتمام لحقوق الإنسان في #غزة


.. الأونروا: أوامر إسرائيلية جديدة بتهجير 300 ألف فلسطينى




.. رئيس كولومبيا يدعو لاعتقال نتنياهو: يرتكب إبادة جماعية


.. غوتيريش يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة وإخلاء سبيل جم




.. اعتقال محامية تونسية بارزة بعد تصريحات وصفت بـ-المهينة- لبلا