الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثمن الانقسام

سنية الحسيني

2010 / 7 / 23
القضية الفلسطينية




قد يكون الانقسام الفلسطيني في بعض تفاصيله أخطر ما مر على القضية الفلسطينية من تطورات، بالقياس إلى ما ترتب عليه من نتائج ألحقت ضرراً بالغاً بالقضية. فالانقسام الفلسطيني السياسي والجغرافي الذي طال عمره إلى أكثر من ثلاث سنوات ولايزال مرشحاً للاستمرار، أعاد تعريف القضية الفلسطينية بشكل أضر بها، واستمراره قد يعني نهاية غير سعيدة لقضية شعب ناضل من أجل حريته طويلاً.

لقد أطاح الانقسام الفلسطيني بالهالة الخاصة التي أحاطت بالقضية الفلسطينية كقضية شعب محتل يتطلع للتحرر، ضارباً بهيبة ومكانة هذه القضية التي نالت ولسنوات طويلة تعاطفاً شعبياً ورسمياً دولياً توجت في النهاية بدعم دولي باتجاه منح حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. ولا يستطيع أحد أن ينكر الدور الذي لعبه الانقسام الفلسطيني في إضعاف المكانة السياسية والأخلاقية للقضية الفلسطينية في أوساط الرأي العام العالمي الذي وجه أصابع الاتهام إلى الفلسطينيين مباشرة، وأضحى في أحيان كثيرة يشعر بالازدراء تجاههم بسبب استمرار الانقسام، ذلك الشعور والموقف الذي لا يمكن اصلاحه إلا بانهاء الانقسام وما ترتب عليه. إن تدني الخطاب الإعلامي الانقسامي مس بكرامة وأخلاقيات وتقاليد الشعب الفلسطيني، وأصاب الفلسطينيين بالخجل والاحباط وأبناء الأمة العربية بخيبة الأمل، وحول مشاعر التعاطف لديهم إلى نوع من التعصب والازدراء.

لقد إستُخدم الانقسام الفلسطيني كذريعة لابعاد القضية الفلسطينية عن الأضواء التي كانت مسلطة عليها بشكل مستمر لابرازها وتغطية تطوراتها ورصد استهدافها من قبل إسرائيل، بل تصاعد هذا التهميش لاضعاف مكانة القضية الفلسطينية في المحافل السياسية الدولية. فبعد أن كانت القضية الفلسطينية على رأس أجندات أعمال المؤتمرات الدولية، استبعدت وهمشت واستهتر بها، بمجرد أن طفت تطورات الانقسام على سطح القضية الفلسطينية، بل باتت وكأنها هي القضية الفلسطينية ذاتها، الأمر الذي أعطى الذرائع لتهرب العالم من التزاماته السياسية والأخلاقية تجاه القضية الفلسطينية. لقد تسبب الانقسام والانشغال الفلسطيني فيه إلى حرف الاهتمام بالقضايا الجوهرية وعلى رأسها إنهاء الاحتلال الإسرائيلي الجاثم على الأراضي الفلسطينية.

ولم يوفر الانقسام الفلسطيني لإسرائيل الذرائع للتملص من التزاماتها أمام الفلسطينيين والعالم فقط، بل استخدمته إسرائيل لتصعيد ممارساتها ضد الفلسطينيين، مستغلة تراجع الاهتمام العالمي بالقضية الفلسطينية من جراء هذا الانقسام وصل إلى حد الاستياء المعلن من عجز الفلسطينيين عن إنهائه. جاء ذلك التصعيد الإسرائيلي الملفت ضد الفلسطينيين استغلالاً لضعفهم الناجم من الانقسام. وقد يفسر ذلك بوضوح موقف إسرائيل الرافض للمصالحة بين الفلسطينيين، لأن المصالحة تقوي الفلسطينيين وتعني اعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية واستعادة الدعم الدولي لها الأمر الذي سيعرقل المشاريع والمخططات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية. والمفارقة الكبرى هي أن إسرائيل التي استخدمت الانقسام للتشكيك في جدوى المفاوضات مع الفلسطينيين وعدم وجود شريك فلسطيني هي نفسها التي هددت السلطة الفلسطينية بالمقاطعة إن أنجزت أي اتفاق مع حماس. ويوفر الانقسام ذريعة اضافية لاستمرار فرض الحصالر الظالم على قطاع غزة، فإسرائيل والأطراف الدولية المؤثرة ترفض التعامل مع حركة حماس التي تسيطر على على القطاع.

لقد شكل الانقسام الفلسطيني إنتكاسة لآفاق المشروع الوطني الفلسطيني أكان ذلك على صعيد الدولة أوحق تقرير المصير أوالثوابت الوطنية، ليس لأنه أخر تحقيق هذه الأهداف، بل لأنه جعل التشبث بها من قبل الفلسطينيين أكثر صعوبة. لقد أصبح عدم اليقين يكتنف مستقبل المشروع الوطني الفلسطيني بمكوناته المختلفة، بعد أن أصاب الانقسام الفلسطينيين بالاحباط واليأس وأفقد الكثير من المفاهيم الوطنية السامية دلالاتها ومضامينها، فلم تعد عبارات "الوحدة الوطنية" و"المصلحة الوطنية العليا" و"حرمة الدم الفلسطيني" مثلاً تعني الكثير للفلسطينيين، على الرغم من أن تلك المفاهيم كان لها دور كبير في توحيد الشعب الفلسطيني وبلورة وعيه الجماعي. كما فتح الانقسام الفلسطيني الباب على مصراعيه وبدرجة غير مسبوقة لتدخلات إقليمية ودولية في الشأن الفلسطيني. وأصبحت الشكوك تنتاب الفلسطينيين حول قدرتهم على الامساك بزمام أمورهم وإستقلالية قرارهم، وأصابتهم حالة من عدم الثقة بالقدرة على مواجهة الأخطار المحدقة بهم.

لقد ساهم الانقسام في تدمير منظومة كاملة من القيم الفلسطينية الوطنية والإجتماعية والأخلاقية المتوارثة بعد التهتك الذي أصاب المجتمع الفلسطيني عامودياً وأفقياً، وبعد أن طالت حالة الاستقطاب الحزبي والأيديولوجي كافة مكونات المجتمع. كما أن هجرة مجموعات كبيرة من النخب والكفاءات من قطاع غزة نتيجة مباشرة للانقسام أفقدت قطاع غزة من مكون هام من عناصر قوته. إن استمرار الانقسام يهدد بخسارة المزيد من هذه النخب والكفاءات التي يقع على عاتقها الاسهام في بناء فلسطين بعقولهم ومقدراتهم. كما ألحق الانقسام الفلسطيني انتكاسة كبرى بالحالة الديمقراطية الفلسطينية حيث فقد الشعب الثقة في جدوى العملية الديمقراطية في فلسطين، كما أصبح مستقبلها غير مؤكد.

إن الحصار أو رفعه، وكذلك إعادة الاعمار، باتت قضايا مرتبطة بإنهاء الانقسام، وأصبح واضحاً أيضاً أن غزة هو الخاسر الأكبر من استمرار حالة الانقسام الذي حرم القطاع وسكانه من حصتهم المتكافئة من الموارد المخصصة للشعب الفلسطيني خصوصاً في ميدان الاقتصاد والتنمية والاعمار. وسيحتاج قطاع غزة إلى سنوات طويلة للحاق بما وصلت إليه الضفة الغربية تنموياً وإقتصادياً وعمرانياً وعلى صعيد البنية وكذلك على مستوى الخدمات للمواطنين وكذلك نوعية الحياة للمواطنين. لقد باتت عملية اعادة توحيد الوطن والشعب الفلسطيني واصلاح النسيج الوطني في المجتمع أكثر صعوبة في ظل الوضع الجديد الذي أحدثه الانقسام وما نجم عنه من تداعيات أو مفاهيم أو ممارسات.

إن كنا كفلسطينيين معنيين بإنهاء هذا الانقسام، لابد من إعادة النظر في طريقة الاقتراب من هذا الموضوع، وتبني رؤية مغايرة لا تستند إلى العرقلة أو توجيه اللوم والاتهامات المتبادلة، بل التسابق الفعلي من أجل إنهائه. فعلى الرغم من أن الخلافات سياسية وفكرية وأيديولوجية، وهي أمور مألوفة في كل المحطات، إلا أنه لا يجوز تغليب هذه الخلافات على القضية الأساسية الأولى وهي الحفاظ على الوطن والقضية الوطنية، لأن كل الأفكار والمواقف لن تكون ذات معنى أو شأن في ظل ضياع الوطن واندثار القضية الناجمة عن الانقسام.
وكلما طال الانقسام كلما زادت الخسائر وتعقدت سبل إنهائه، إن تكريس الكيانات التي جاءت بسبب الانقسام تقف اليوم حجر عثرة أمام الحل الوطني للقضية الفلسطينية باقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، وتفتح الباب واسعاً أمام تفعيل الحلول التي تريدها إسرائيل والمتمثلة في قيام كيان فلسطيني ضعيف ومبعثر وليس له حدود، وتحويل قطاع غزة إلى كيان منفصل عن امتداده الطبيعي في الضفة الغربية. كما يضعف الانقسام فعالية الخيارات المختلفة المتاحة للفلسطينيين ما بين المفاوضات والمقاومة المشروعة للاحتلال، ويحرم الفلسطينيين من الاستفادة من تكامل هذه الخيارات، ففي ظل غياب هذا التكامل سيبقى مردود المفاوضات ضعف، وستبقى المقاومة بدون أفق سياسي محسوب.

وقد يكون المأزق الذي يتعرض له الفلسطينيون اليوم، والضغط الذي يمارس عليهم لاجبارهم على الانخراط في مفاوضات مباشرة مع حكومة يمينية إسرائيلية لم تسع يوماً للسلام، لا يشكل إلا إنعكاساً لحالة الضعف والترهل الفلسطيني العام والناجمة عن حالة الانقسام الفلسطيني بشكل خاص. ومما لا شك فيه، أن المصالحة الفلسطينية اليوم تشكل الأولوية والخطوة الأساسية لخروج الفلسطينيين من الأزمة الخطيرة التي تواجههم، والتي قد تعصف بقضيتهم إن لم يتم تداركها في الوقت المناسب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما ردود الفعل في إيران عن سماع دوي انفجارات في أصفهان وتبريز


.. الولايات المتحدة: معركة سياسية على الحدود




.. تذكرة عودة- فوكوفار 1991


.. انتخابات تشريعية في الهند تستمر على مدى 6 أسابيع




.. مشاهد مروعة للدمار الذي أحدثته الفيضانات من الخليج الى باكست