الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمات السودان وإعادة صياغة الدائرتين العربية والإفريقية

محمد سيد رصاص

2010 / 7 / 23
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


جمعت الصداقة بالنصف الأول من عقد الثمانينيات بين ثلاثة أشخاص كان كل واحد منهم يقود تمرداً مسلحاً في بلده،هم الأوغندي يوري موسيفيني والزائيري لوران كابيلا والسوداني جون غارانغ. كانت سيطرة موسيفيني على العاصمة الأوغندية كمبالا في يوم 29كانون الثاني1986قد أدت إلى جعل أوغندا حاضنة رئيسية للتمردين في غربها الزائيري وفي شمالها عند جنوب السودان،كماأن المطامح الاقليمية عند موسيفيني قد وصلت به إلى إلى دعم متمردي قبيلة التوتسي في رواندا وبوروندي الذين وصلوا للسلطة هناك في عامي1994و1996وهو مادعا الرئيس الزائيري موبوتو(أسقطه جنود كابيلا في يوم17أيار1997)إلى توجيه اتهام لموسيفيني بأنه يريد "إقامة امبراطورية قبيلة التوتسي" التي كان التمرد المسلح لكابيلا مستند أساساً إلى أبناء اقليم كيفو في شرق زائير وهم من التوتسي .
في الفترة القليلة من السنوات، التي أعقبت تحول الولايات المتحدة إلى القطب الواحد للعالم في عام1989، كان واضحاً أن موسيفيني هو المعتمد الأول عند واشنطن في مثلث متفجر من الأزمات في جنوب السودان وزائير وفي منطقة البحيرات الإفريقية الكبرى(رواندا وبوروندي):إذا كان الهدف واضحاً ومقصوداً به النفوذ الفرنسي في حالتي موبوتو وقبيلة الهوتو الموالية تقليدياً لباريس والحاكمة في رواندا وبوروندي فإن السودان كان يمثل سلة أهداف متعددة عند الأميركان.
لم يكن أسلوب واشنطن في تحقيق أهدافها السودانية مستنداً إلى الوسائل التقليدية للضغط والسيطرة،بل استند إلى أسلوب وضع حكام الخرطوم في الزاوية الضيقة لفرض ممرات ومسارات اجبارية عليهم عبر استخدام أزمة الجنوب المتفجرة منذ تمرد غارانغ في أيار1983والذي ظل مدعوماً من حليف موسكو في أديس أبابا الكولونيل هيلا ميريام حتى سقوطه في أيار1991،فيماكانت واشنطن مع النميري ضد غارانغ و بعد سقوطه وقفت ضد الجنوبيين مع الحكم المدني السوداني(6نيسان1985-30حزيران1989) : كان مجيء الاسلاميين للسلطة في الخرطوم،في عام انتهاء الحرب الباردة وانتهاء التحالف بين واشنطن والحركة الاسلامية العالمية ضد موسكو،مؤدياً إلى مظلة أميركية لتمرد غارانغ وإلى أخرى اقليمية مدعومة من واشنطن وداعمة للجنوبيين كان موسيفيني رأس حربتها عبر أخذه لدور المحرك لمجموعة(الإيغاد)التي رعت بدعم أميركي منذ عام 1993وحتى اتفاقية نيفاشا(كانون الثاني2005)مفاوضات حكومة الخرطوم مع المتمردين الجنوبيين. كان هناك بروتوكول إطاري تمثَل في اتفاقية مشاكوس(تموز2002)شكَل أرضية ل(نيفاشا)،إلاأن ماجعل موقف حكومة الخرطوم أضعف أمام الجنوبيين في عام2005عن 2002كان نشوب تمرد دارفور في شباط2003الذي لاقى أيضاً دعماً غربياً أميركياً- أوروبياً. في أزمة الإقليم السوداني الغربي لعب الرئيس التشادي ادريس ديبي بمظلة أميركية دور موسيفيني في الجنوب.
من يراقب ماجري في القوس الممتد بين أسمرة وكنشاسا ،خلال ربع قرن مضى من الزمن،يلاحظ بأن الصراعات كلها متركزة في المناطق التي تأتي منها منابع النيل في إثيوبيا وكينيا وأوغندا ورواندا وبوروندي وزائير أوفي أطرافها عند القرن الإفريقي وعند دارفور:يشكل السودان محور هذه المنطقة الواسعة، والتي فكر في القرن التاسع عشر السير سيسل رودس بإنشاء سكة حديد عبرها تربط القاهرة بكيب تاون،وقد شكلَت الأزمات السودانية المتفجرة في الجنوب ودارفور وقوداً ملائماً ليس فقط لإعادة صياغة الخرطوم وإنما أيضاً أوضاعاً جديدة تتيح المجال لتحقيق ماتريده واشنطن مستقبلاً من الدائرتين العربية والإفريقية المحيطتين بالسودان.
بدون هذا لايمكن تفسير الإتفاقية الإنفرادية التي وقعتها دول حوض النيل الإفريقية بمعزل عن مصر والسودان قبل أشهر والتي حاولت من خلالها إعادة النظر بإتفاقية1929،ولاالدور المدعوم أميركياً الذي تلعبه إثيوبيا وأوغندا في الأزمة الصومالية فيماممنوع ذلك أميركياً على العرب وبالذات مصر:من الواضح هنا أن هناك تعويماً أميركياً مدروساً لأدواردول افريقية معينة في أزمات ثلاثة ببلدين عربيين،هما السودان والصومال،مع منع مصر،المعنية بشكل حيوي بتلك الأزمات الثلاث،من لعب أي دور هناك، ثم لتأتي تلك الحركة الإفريقية حول إعادة "توزيع حصص مياه النيل" كحصيلة لتلك الأوضاع،والتي لولاالأوضاع السودانية،في الجنوب ودارفور ومستتبعاتهما في الخرطوم،ماكان من الممكن أن تتم،لأن من يسيطر على السودان سيكون النيل تحت قبضته،وبالتالي مصر،وهذه حقيقة جغرا- سياسية كان محمد علي باشا ،وصولاً إلى حفيده الملك فاروق ،على ادراك بها،فيماكان رجال ثورة23يوليو1952مستعدون منذ يوم 12آذار مارس1953الذي وقعوا فيه على اتفاق مع لندن"يؤكد على حق السودانيين في الحكم الذاتي وتقرير المصير" للسير في طريق معاكس لكل حاكم مصري سابق لهم ربما اضطراراً من حكام القاهرة العسكريين الجدد لكي يضمنوا مقابل تنازلهم هذا تحقيق اتفاقية جلاء البريطانيين عن منطقة قناة السويس التي وقعت في19تشرين أول|أوكتوبر1954.
يجب وضع مايجري الآن في السودان ليس فقط في إطار إعادة صياغة القارة الإفريقية أميركياً وإنما أيضاً بوصفه انشاءاً لكماشة جنوبية لإفريقية العربية،وبالذات لمصر،وفي زاوية انشاء تناقض عدائي بين الدائرتين العربية والإفريقية بعد تفكيك الجسر الواصل بينهما الذي اسمه السودان،وستكون مياه النيل والبحر الأحمر وبحر العرب في قلب المسألة.
السؤال الآن:هل ستكون القاهرة أقل تأثراً من الخرطوم في حال انفصل جنوب السودان وفقاً للنتائج المتوقعة عن الإستفتاء المقرر وفقاً لاتفاقية نيفاشا في الشهر الأول من عام2011؟....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شكرا
مهنا عمر ( 2010 / 7 / 25 - 10:54 )
مقال وتحليل سياسي رائع اختزل فيه الكاتب ببراعة قضية السودان واتمنا من الكاتب طرح قضية نهر النيل بشكل اكثر توسع لما تمثله من اهمية

اخر الافلام

.. مقتل حسن نصر الله.. هل تخلت إيران عن حزب الله؟


.. دوي انفجار بعد سقوط صاروخ على نهاريا في الجليل الغربي




.. تصاعد الدخان بعد الغارة الإسرائيلية الجديدة على الضاحية الجن


.. اعتراض مسيرة أطلقت من جنوب لبنان فوق سماء مستوطنة نهاريا




.. مقابلة خاصة مع رئيس التيار الشيعي الحر الشيخ محمد الحاج حسن