الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة فنية لمجموعة- الساقطة- للكاتبة هيفاء بيطار

سمير الجندي

2010 / 7 / 24
الادب والفن



تمهيد:

1- الكاتبة:

د.هيفاء بيطار

طبيبة اختصاصية بأمراض العين وجراحتها، عضوجمعية القصة والرواية.


مؤلفاتها:

1- ورود لن تموت - قصص - دار المنارة.

2- قصص مهاجرة - قصص- الأهالي.

3- يوميات مطلقة - رواية - الأهالي.

4- قبو العباسيين - رواية- الأهالي.

5-خواطر في مقهى رصيف - قصص- اتحاد الكتاب العرب - دمشق 1995.

6- أفراخ صغيرة ، أفراخ أخيرة: رواية- الأهالي.

7- نسر بجناح وحيد- رواية - الحصاد.

8- موت البجعة، اتحاد الكتاب العرب.

9- ظل أسود حي- وزارة الثقافة.

10- امرأة من طابقين- رواية قيد الطبع. ص






2- الساقطة:

مجموعة قصصية احتوت على أربعة عشر عنوانا هي: " الصرخة، شطارة، نوبة ربو...نوبة حب، صعقة حب، صفير النهاية، الساقطة، حرمة القرارات، على شفير الهاوية، حلم مستملك، حوار إنساني، صديقي التمساح، حب على حافة الحياة، تحقيق الذات، تسوق خاص" .

صدرت في العام 2006، عن دار السوسن في دمشق.

هذه المجموعة القصصية حازت على جائزة "ابو القاسم الشابي " من تونس

العرض:

الكاتبة في مجموعتها هذه تعرض لنا قضايا اجتماعية غاية في الأهمية، وهي قضايا تتعلق بالمرأة والفقر في المجتمع، والطريقة التي يتعامل بها مجتمعنا العربي مع المرأة والقيود التي تفرضها عليها العادات والتقاليد والدين، وقضية التعامل معها في حالات الزواج ومتطلبات الزواج والتكاليف الباهظة التي من شأنها دفع الشباب عن العزوف عن الزواج، ففي "الصرخة" تبقى المرأة سجينة سنوات العنوسة، وبنفس الوقت فإن من حق المراة كونها كائن بشري، له الحق في إشباع غرائزه وخاصة الجنسية، منها البحث عن طريق غير الزواج للحصول على المتعة الجنسية، والتي لها تبعات خطيرة أهمها حمل الزنى، مما يدفع المرأة للتخلص من الدليل على حالة الزنى قبل أن يظهر عليها الحمل، تحاول جاهدة اقناع الرجل بالزواج منها ولكنه يرفض ذلك بشدة، وهنا تظهر أنانية الرجل وقسوته؛ فهي تقول في الصفحة(15) " لم تجرؤ أمام تجهمه أن تقترح لو يتزوجها ثم يطلقها بعد شهر، قال لها بعد فترة صمت ثقيلة: عجيب أن تحملي في هذه السن، تلقى قلبها الطعنة وهو أعزل تمتما، ثم أردف: يجب أن تتخلصي من هذه المصيبة بسرعة.

لقد طرحت لنا الكاتبة قضية اجتماعية خطيرة، وكأنها هنا تدق ناقوس الخطر لصحوة اجتماعية تعالج هذا الأمر بشكل جذري وإلا ستعم الفوضى وتنتشر الرذيلة في مجتمعاتنا العربية.

أما في قصتها الثانية "شطارة"

وتعني باللغة الفسق والفجور، المعنى الاصطلاحي الدارج فهو الحذق والفهلوة...

فقد انتقلت إلى نتيجة أخرى وإلى قضية فيها مقارنة بين فتاتين الأولى رسمت لها طريق يكون فيه جسدها جسرا تعبر عليه إلى عالم الثراء، فتستغل جسدها وتقدمه طعما لاقتناص الفرص التي تجعلها تحصل على ما تريد، والأخرى تلتزم بالأخلاق والقيم وتصبر حتى تتزوج ضمن الطقوس المجتمعية المحافظة على العادات والتقاليد والشرف، وهذه لا تحصل على نفس المستوى المعيشي لأنها سارت في حياتها على نفس الطريق الذي خطته العادات والتقاليد الاجتماعية السائدة، فهي القاعدة التي يسير مثلها المجتمع، ويبقى تقدمها بطيئا، بل تعيش حالة الفقر التي تؤدي بها في النهاية إلى الطلاق، وهنا تحاول البحث عن مسار آخر لحياتها خاصة بعد أن تقابل بالصدفة "فلك" الفتاة اللعوب، وهنا يبدأ الصراع الأزلي بين الخير والشر، وبين الفضيلة والرذيلة، في البداية تنجر وراء رغبات آنية ضيقة، تظن أنها تصل بواسطتها إلى بر الأمان المادي، إلا أنها تكتشف أن أصلها يمنعها من الاستمرار وراء خطط "فلك" الشيطانية فينتج صراع بين القيم وبين الضمير الإنسان من جهة وبين الرذيلة وطرقها الملتوية، لينتصر الخير وتنتصر القيم في النهاية، فقد قالت الكاتبة: ص(30)" أغلقت السماعة وهي تحس أنها تبرأ من علة أصعب من السرطان، وأشد فتكا منه، عاد لها إحساسها القديم بالحرمان رقيقا ناعما كوشاح من حرير، غمرها دفء شفاف...".

فالفضيلة هي التي تحمي الروح من الأمراض الخبيثة، وتحافظ على الجسد طاهرا معافى...

هنا يظهر تأثير المجتمع على الكاتبة، فهي قريبة من المجتمع بحكم عملها كطبيبة عيون، فهي توظف ما تسمعه من شرائح المجتمع المختلفة في نسج قصصها المعبرة عن واقع حقيقي، فأبطال القصص هم أناس من لحم ودم، وهي بذلك تحذر وتدعو إلى تعزيز القيم الأخلاقية، ودعم الفضيلة التي من شأنها الانتصار على آفات المجتمع التي بدأت تنخر بهذه الأمة لدرجة أنها وصفت ذلك بالسرطان الذي لم يتوصل العلم بكل قوته إلى علاج جذري له، وهذا برأيي فيه شيء من المبالغة، إذ إننا نستطيع إلحاق الهزيمة بالرذيلة إذا ما تتبعنا منهجا تعليميا تربويا يعبر عن فلسفتنا العربية الإسلامية .

أما في قصة " الساقطة" وهي القصة التي تحمل المجموعة اسمها، ولا أدري لماذا تعتبرها الكاتبة عنوانا لمجموعتها القصصية، فهل موضوعها على تلك الأهمية لدرجة اختيارها عنوانا للمجموعة، فأنا لم أجد في هذه القصة ما يميزها عن غيرها من باقي قصص المجموعة، بل على العكس فقد وجدتها أكثرها ضعفا شكلا ومضمونا، ربما اختارت الاسم لأنه من الممكن أن يثير الفضول، أو من الممكن انه عنوان يجعل القارئ يحكم مسبقا على ما يكون في متن النصوص، فالقصة تحكي عن فتاة تنكرت لذاتها واهتمت بالآخرين ولم تعط نفسها أية درجة من العناية والأهمية، حتى وصل بها الزمان إلى سن العنوسة بعد الخمسين، وهناك وفي هذا السن وفجأة تتحول هذه المرأة إلى عاشقة لرجل لا تربطها به لا منزلة اجتماعية ولا مستوى معيشي أو ثقافي، فهو سجين سابق، ولم نعرف أهو سجين جنائي أم هو سجين سياسي، وقد كانت شخصية هذا الشاب مطموسة لأبعد حد، فلم نعرف عنه شيئا، وكأن شخصيته في القصة قد أُقحمت إقحاماً، ولا ندري كيف سقطت مرة واحدة لتسبح غارقة في الرذيلة، وانتقلت بنا نقلة زمانية لم تستند إلى أحداث متتالية فكانت حبكتها ضعيفة غير مقنعة بتاتا، ومن اللافت ان الكاتبة تكرر مراجعة الطبيب النفساني، فهل هي إشارة لكي تلفت نظرنا ان الكثير من حالات نسائنا اللواتي يتعرضن للاضطهاد المجتمعي بحاجة إلى طبيب مختص للتعامل مع حالاتهن النفسية، وبأن عدم معالجة تلك الحالات يكون نتيجتها سيئة ليس على الشخص نفسه فحسب، وإنما على من حوله من المجتمع بدءا من الأسرة الصغيرة...

لقد وقف في وجه الساقطة ابن أخيها ذلك الشاب الذي ربته هي على الفضيلة والشرف قبل أن تسقط بين أنياب الرذيلة، فاستغربت من تصرفه علما بأن لحم كتفيه من خيرها كما قالت له في متن النص، فالكاتبة هنا تشير بوضوح إلى أن مسألة الشرف تتجلى في محاسبة المخل به علنا برغم صلة القربى التي تربط الضحية بالجلاد المتمثل هنا بابن أخيها...

أما الرسالة التي أرادت الكاتبة إيصالها للقارئ في هذا النص، فهي ببساطة إن الإنسان يستطيع أن يؤثر الآخرين على نفسه، ولكن عليه بنفس الوقت الانتباه لاحتياجاته، وخاصة تلك الاحتياجات التي لها علاقة من قريب أو بعيد بغرائزه...

أما قصة" حرمة القرارات" فقد جاءت تشير لنا عن قضية مهمة وهي البطالة المقنعة من جهة، وتصرفات الرؤساء تجاه مرؤوسيهم، وكيفية اتخاذ القرارت وقسوة تلك القرارات، هذه المعاني هي جوهر القصىة.

جاء السرد القصصي فيها متماسكا، والأحداث متوالية ولغتها مناسبة لموضوع القصة، كما ان وصفها للشخصيات وسير الزمان فيها سلسا، وعبرت عن تأثير المكان تعبيرا رائعا، كما استخدمت الكاتبة هنا خبراتها المهنية ووظفتها مستفيدة بهذا التوظيف استفادة خدمت الفكرة والنص، وجعلته متفوقا على بقية نصوصها في هذه المجموعة القصصية...

إن الكاتبة لا شك تهتم بمعالجة القضايا النسائية بشكل عام، وهنا في هذه المجموعة لدينا شخصيات مختلفة الظهور والممارسة، فشخصية الضحية والممرضات العاديات والجارة التي سعدت جدا عندما قالت لها سعاد بأنها ستنسج لأبنائها كنزات الصوف مقابل رعايتها للطفلين، هذه المجموعة من النساء هن طبقة فقيرة شبه معدمة وهذه الطبقة هي الشريحة الأكثر في المجتمع، وهناك رئيسة الممرضات التي صورتها بأنها على قدر من جمال الشكل، ولكنها قاسية ومتعجرفة وأنانية، وتستخدم سلطتها بشكل مبالغ فيه من القسوة، وهناك ستة رجال في القصة مدير المشفى اللطيف الكلام والذي لم يعطها سوى الوعود البراقة، والأطباء الثلاثة غير المبالين، وزوجها الذي لا تراه إلا دقائق قليلة آخر الليل، ولا يشاركها همها أبدا، ومدير المستوصف المتسلط القاسي لدرجة أن العاملات تحت إمرته يتمنين له الموت في كل لحظة، بل يتمنين له العذاب قبل الموت، هذه شخصيات الرجال السلبية جدا، والنساء عموما ضحايا، والقوانين قاسية إذا ما نفذت بحذافيرها، اعتقد بأن كاتبتنا بهذه القصة قد أبدعت في نقل الفكرة بإطار لغوي تلاءم تلاؤما تاما مع المعنى الذي أرادته الكاتبة، وجعلتنا نتعاطف مع الحالة تعاطفا كبيرا رغم إننا نمر كل يوم في مجتمعنا برئيس عمل كمدير المستوصف وبضحايا كسعاد، ولكننا للأسف الشديد نمارس الحياة كالأطباء الثلاثة لا يتحرك فينا ساكن...

وفي قصة تحقيق الذات نرى وجيه يعاني أيضا من قسوة المدير وشتائمه وإهاناته المستمرة، فالكاتبة توجه عنايتنا إلى عِظم المأساة التي يعيشها الموظف في المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، لدرجة أن الموظف يتشبث بأي خيط لتبرير تحمله لإهانات من قبل رئيسه في العمل، فيلتقط كتابا وقع بين يديه " تأكيد الذات" ويقرر بعد قراءته لكتاب الفلسفة هذا إلى أن يقرر أن لا يسمح لأي كان بأن يوجه له أية إهانة، حتى ولو كان مصيره الفصل من العمل، على أن لا يخسر نفسه، ونراه يواجه المدير ويتحداه ويقول له بصراحة، أنه والموظفين الآخرين يعرفون ممارساته الدنيئة وسرقاته المستمرة، هو انتشى من فكرة تأكيد الذات، ولكنه لم يلتفت إلى مخاطر تأكيد الذات، ولذلك كان هو في واد والواقع البائس في واد، وهي إشارة من الكاتبة خاصة، وإن الشخصية تلوم نفسها بأنها تعودت عدم الانتباه لكتب الفلسفة لأن تلك الكتب من شأنها بث الأفكار التي تحث القارئ إلى اعتبار ذاته في واقع ينقسم إلى طبقات منها رئيس ومرؤوس.

لقد خاضت الكاتبة في بعض حالات المجتمع، وحملت النصوص قضايا مختلفة بل أمراضا اجتماعية مختلفة، ونقلتها لنا بأسلوب سهل ولغة مفهومة، بالتأكيد جعلتنا ننظر إلى عمق المجتمع ومراجعة حساباتنا في التعامل مع تلك القضايا التي طرحتها الكاتبة، أما غلاف الكتاب فيتكون من صورة لامرأة عارية الكتف من الجهة اليسرى وقد رسمت على الكتف العاري فراشة حمراء، كما لونت اللوحة باللون الأصفر واللون البني القريب إلى اللون الخمري، هي ألوان باهتة فيها الكآبة واضحة، فهل أرادت الكاتبة أن تقرن حالة البؤس التي تعيشها المرأة في هذه المجتمعات العربية وبين تأثير هذه الألوان، كما أن اللوحة لا تظهر وجه المرأة فهل أرادت الكاتبة من اختيار هذه اللوحة لتؤكد ان ظل المرأة هو الذي يتعرض للسفاهات والحماقات وليس جوهرها...

ولكن وبرغم أهمية القضايا التي طرحتها الكاتبة إلا إنني لم أجدها جاءت بجديد فهذه القضايا طرحت من قبل العديد من كتابنا على ساحات الوطن العربي، ولذلك فإنني لا أجدها تميزت في هذا العمل المكرر...


تمهيد:
1- الكاتبة:
د.هيفاء بيطار
طبيبة اختصاصية بأمراض العين وجراحتها، عضوجمعية القصة والرواية.
مؤلفاتها:
1- ورود لن تموت - قصص - دار المنارة.
2- قصص مهاجرة - قصص- الأهالي.
3- يوميات مطلقة - رواية - الأهالي.
4- قبو العباسيين - رواية- الأهالي.
5-خواطر في مقهى رصيف - قصص- اتحاد الكتاب العرب - دمشق 1995.
6- أفراخ صغيرة ، أفراخ أخيرة: رواية- الأهالي.
7- نسر بجناح وحيد- رواية - الحصاد.
8- موت البجعة، اتحاد الكتاب العرب.
9- ظل أسود حي- وزارة الثقافة.
10- امرأة من طابقين- رواية قيد الطبع. ص


2- الساقطة:
مجموعة قصصية احتوت على أربعة عشر عنوانا هي: " الصرخة، شطارة، نوبة ربو...نوبة حب، صعقة حب، صفير النهاية، الساقطة، حرمة القرارات، على شفير الهاوية، حلم مستملك، حوار إنساني، صديقي التمساح، حب على حافة الحياة، تحقيق الذات، تسوق خاص" .
صدرت في العام 2006، عن دار السوسن في دمشق.
هذه المجموعة القصصية حازت على جائزة "ابو القاسم الشابي " من تونس
العرض:
الكاتبة في مجموعتها هذه تعرض لنا قضايا اجتماعية غاية في الأهمية، وهي قضايا تتعلق بالمرأة والفقر في المجتمع، والطريقة التي يتعامل بها مجتمعنا العربي مع المرأة والقيود التي تفرضها عليها العادات والتقاليد والدين، وقضية التعامل معها في حالات الزواج ومتطلبات الزواج والتكاليف الباهظة التي من شأنها دفع الشباب عن العزوف عن الزواج، ففي "الصرخة" تبقى المرأة سجينة سنوات العنوسة، وبنفس الوقت فإن من حق المراة كونها كائن بشري، له الحق في إشباع غرائزه وخاصة الجنسية، منها البحث عن طريق غير الزواج للحصول على المتعة الجنسية، والتي لها تبعات خطيرة أهمها حمل الزنى، مما يدفع المرأة للتخلص من الدليل على حالة الزنى قبل أن يظهر عليها الحمل، تحاول جاهدة اقناع الرجل بالزواج منها ولكنه يرفض ذلك بشدة، وهنا تظهر أنانية الرجل وقسوته؛ فهي تقول في الصفحة(15) " لم تجرؤ أمام تجهمه أن تقترح لو يتزوجها ثم يطلقها بعد شهر، قال لها بعد فترة صمت ثقيلة: عجيب أن تحملي في هذه السن، تلقى قلبها الطعنة وهو أعزل تمتما، ثم أردف: يجب أن تتخلصي من هذه المصيبة بسرعة.
لقد طرحت لنا الكاتبة قضية اجتماعية خطيرة، وكأنها هنا تدق ناقوس الخطر لصحوة اجتماعية تعالج هذا الأمر بشكل جذري وإلا ستعم الفوضى وتنتشر الرذيلة في مجتمعاتنا العربية.
أما في قصتها الثانية "شطارة"
وتعني باللغة الفسق والفجور، المعنى الاصطلاحي الدارج فهو الحذق والفهلوة...
فقد انتقلت إلى نتيجة أخرى وإلى قضية فيها مقارنة بين فتاتين الأولى رسمت لها طريق يكون فيه جسدها جسرا تعبر عليه إلى عالم الثراء، فتستغل جسدها وتقدمه طعما لاقتناص الفرص التي تجعلها تحصل على ما تريد، والأخرى تلتزم بالأخلاق والقيم وتصبر حتى تتزوج ضمن الطقوس المجتمعية المحافظة على العادات والتقاليد والشرف، وهذه لا تحصل على نفس المستوى المعيشي لأنها سارت في حياتها على نفس الطريق الذي خطته العادات والتقاليد الاجتماعية السائدة، فهي القاعدة التي يسير مثلها المجتمع، ويبقى تقدمها بطيئا، بل تعيش حالة الفقر التي تؤدي بها في النهاية إلى الطلاق، وهنا تحاول البحث عن مسار آخر لحياتها خاصة بعد أن تقابل بالصدفة "فلك" الفتاة اللعوب، وهنا يبدأ الصراع الأزلي بين الخير والشر، وبين الفضيلة والرذيلة، في البداية تنجر وراء رغبات آنية ضيقة، تظن أنها تصل بواسطتها إلى بر الأمان المادي، إلا أنها تكتشف أن أصلها يمنعها من الاستمرار وراء خطط "فلك" الشيطانية فينتج صراع بين القيم وبين الضمير الإنسان من جهة وبين الرذيلة وطرقها الملتوية، لينتصر الخير وتنتصر القيم في النهاية، فقد قالت الكاتبة: ص(30)" أغلقت السماعة وهي تحس أنها تبرأ من علة أصعب من السرطان، وأشد فتكا منه، عاد لها إحساسها القديم بالحرمان رقيقا ناعما كوشاح من حرير، غمرها دفء شفاف...".
فالفضيلة هي التي تحمي الروح من الأمراض الخبيثة، وتحافظ على الجسد طاهرا معافى...
هنا يظهر تأثير المجتمع على الكاتبة، فهي قريبة من المجتمع بحكم عملها كطبيبة عيون، فهي توظف ما تسمعه من شرائح المجتمع المختلفة في نسج قصصها المعبرة عن واقع حقيقي، فأبطال القصص هم أناس من لحم ودم، وهي بذلك تحذر وتدعو إلى تعزيز القيم الأخلاقية، ودعم الفضيلة التي من شأنها الانتصار على آفات المجتمع التي بدأت تنخر بهذه الأمة لدرجة أنها وصفت ذلك بالسرطان الذي لم يتوصل العلم بكل قوته إلى علاج جذري له، وهذا برأيي فيه شيء من المبالغة، إذ إننا نستطيع إلحاق الهزيمة بالرذيلة إذا ما تتبعنا منهجا تعليميا تربويا يعبر عن فلسفتنا العربية الإسلامية .
أما في قصة " الساقطة" وهي القصة التي تحمل المجموعة اسمها، ولا أدري لماذا تعتبرها الكاتبة عنوانا لمجموعتها القصصية، فهل موضوعها على تلك الأهمية لدرجة اختيارها عنوانا للمجموعة، فأنا لم أجد في هذه القصة ما يميزها عن غيرها من باقي قصص المجموعة، بل على العكس فقد وجدتها أكثرها ضعفا شكلا ومضمونا، ربما اختارت الاسم لأنه من الممكن أن يثير الفضول، أو من الممكن انه عنوان يجعل القارئ يحكم مسبقا على ما يكون في متن النصوص، فالقصة تحكي عن فتاة تنكرت لذاتها واهتمت بالآخرين ولم تعط نفسها أية درجة من العناية والأهمية، حتى وصل بها الزمان إلى سن العنوسة بعد الخمسين، وهناك وفي هذا السن وفجأة تتحول هذه المرأة إلى عاشقة لرجل لا تربطها به لا منزلة اجتماعية ولا مستوى معيشي أو ثقافي، فهو سجين سابق، ولم نعرف أهو سجين جنائي أم هو سجين سياسي، وقد كانت شخصية هذا الشاب مطموسة لأبعد حد، فلم نعرف عنه شيئا، وكأن شخصيته في القصة قد أُقحمت إقحاماً، ولا ندري كيف سقطت مرة واحدة لتسبح غارقة في الرذيلة، وانتقلت بنا نقلة زمانية لم تستند إلى أحداث متتالية فكانت حبكتها ضعيفة غير مقنعة بتاتا، ومن اللافت ان الكاتبة تكرر مراجعة الطبيب النفساني، فهل هي إشارة لكي تلفت نظرنا ان الكثير من حالات نسائنا اللواتي يتعرضن للاضطهاد المجتمعي بحاجة إلى طبيب مختص للتعامل مع حالاتهن النفسية، وبأن عدم معالجة تلك الحالات يكون نتيجتها سيئة ليس على الشخص نفسه فحسب، وإنما على من حوله من المجتمع بدءا من الأسرة الصغيرة...
لقد وقف في وجه الساقطة ابن أخيها ذلك الشاب الذي ربته هي على الفضيلة والشرف قبل أن تسقط بين أنياب الرذيلة، فاستغربت من تصرفه علما بأن لحم كتفيه من خيرها كما قالت له في متن النص، فالكاتبة هنا تشير بوضوح إلى أن مسألة الشرف تتجلى في محاسبة المخل به علنا برغم صلة القربى التي تربط الضحية بالجلاد المتمثل هنا بابن أخيها...
أما الرسالة التي أرادت الكاتبة إيصالها للقارئ في هذا النص، فهي ببساطة إن الإنسان يستطيع أن يؤثر الآخرين على نفسه، ولكن عليه بنفس الوقت الانتباه لاحتياجاته، وخاصة تلك الاحتياجات التي لها علاقة من قريب أو بعيد بغرائزه...
أما قصة" حرمة القرارات" فقد جاءت تشير لنا عن قضية مهمة وهي البطالة المقنعة من جهة، وتصرفات الرؤساء تجاه مرؤوسيهم، وكيفية اتخاذ القرارت وقسوة تلك القرارات، هذه المعاني هي جوهر القصىة.
جاء السرد القصصي فيها متماسكا، والأحداث متوالية ولغتها مناسبة لموضوع القصة، كما ان وصفها للشخصيات وسير الزمان فيها سلسا، وعبرت عن تأثير المكان تعبيرا رائعا، كما استخدمت الكاتبة هنا خبراتها المهنية ووظفتها مستفيدة بهذا التوظيف استفادة خدمت الفكرة والنص، وجعلته متفوقا على بقية نصوصها في هذه المجموعة القصصية...
إن الكاتبة لا شك تهتم بمعالجة القضايا النسائية بشكل عام، وهنا في هذه المجموعة لدينا شخصيات مختلفة الظهور والممارسة، فشخصية الضحية والممرضات العاديات والجارة التي سعدت جدا عندما قالت لها سعاد بأنها ستنسج لأبنائها كنزات الصوف مقابل رعايتها للطفلين، هذه المجموعة من النساء هن طبقة فقيرة شبه معدمة وهذه الطبقة هي الشريحة الأكثر في المجتمع، وهناك رئيسة الممرضات التي صورتها بأنها على قدر من جمال الشكل، ولكنها قاسية ومتعجرفة وأنانية، وتستخدم سلطتها بشكل مبالغ فيه من القسوة، وهناك ستة رجال في القصة مدير المشفى اللطيف الكلام والذي لم يعطها سوى الوعود البراقة، والأطباء الثلاثة غير المبالين، وزوجها الذي لا تراه إلا دقائق قليلة آخر الليل، ولا يشاركها همها أبدا، ومدير المستوصف المتسلط القاسي لدرجة أن العاملات تحت إمرته يتمنين له الموت في كل لحظة، بل يتمنين له العذاب قبل الموت، هذه شخصيات الرجال السلبية جدا، والنساء عموما ضحايا، والقوانين قاسية إذا ما نفذت بحذافيرها، اعتقد بأن كاتبتنا بهذه القصة قد أبدعت في نقل الفكرة بإطار لغوي تلاءم تلاؤما تاما مع المعنى الذي أرادته الكاتبة، وجعلتنا نتعاطف مع الحالة تعاطفا كبيرا رغم إننا نمر كل يوم في مجتمعنا برئيس عمل كمدير المستوصف وبضحايا كسعاد، ولكننا للأسف الشديد نمارس الحياة كالأطباء الثلاثة لا يتحرك فينا ساكن...
وفي قصة تحقيق الذات نرى وجيه يعاني أيضا من قسوة المدير وشتائمه وإهاناته المستمرة، فالكاتبة توجه عنايتنا إلى عِظم المأساة التي يعيشها الموظف في المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، لدرجة أن الموظف يتشبث بأي خيط لتبرير تحمله لإهانات من قبل رئيسه في العمل، فيلتقط كتابا وقع بين يديه " تأكيد الذات" ويقرر بعد قراءته لكتاب الفلسفة هذا إلى أن يقرر أن لا يسمح لأي كان بأن يوجه له أية إهانة، حتى ولو كان مصيره الفصل من العمل، على أن لا يخسر نفسه، ونراه يواجه المدير ويتحداه ويقول له بصراحة، أنه والموظفين الآخرين يعرفون ممارساته الدنيئة وسرقاته المستمرة، هو انتشى من فكرة تأكيد الذات، ولكنه لم يلتفت إلى مخاطر تأكيد الذات، ولذلك كان هو في واد والواقع البائس في واد، وهي إشارة من الكاتبة خاصة، وإن الشخصية تلوم نفسها بأنها تعودت عدم الانتباه لكتب الفلسفة لأن تلك الكتب من شأنها بث الأفكار التي تحث القارئ إلى اعتبار ذاته في واقع ينقسم إلى طبقات منها رئيس ومرؤوس.
لقد خاضت الكاتبة في بعض حالات المجتمع، وحملت النصوص قضايا مختلفة بل أمراضا اجتماعية مختلفة، ونقلتها لنا بأسلوب سهل ولغة مفهومة، بالتأكيد جعلتنا ننظر إلى عمق المجتمع ومراجعة حساباتنا في التعامل مع تلك القضايا التي طرحتها الكاتبة، أما غلاف الكتاب فيتكون من صورة لامرأة عارية الكتف من الجهة اليسرى وقد رسمت على الكتف العاري فراشة حمراء، كما لونت اللوحة باللون الأصفر واللون البني القريب إلى اللون الخمري، هي ألوان باهتة فيها الكآبة واضحة، فهل أرادت الكاتبة أن تقرن حالة البؤس التي تعيشها المرأة في هذه المجتمعات العربية وبين تأثير هذه الألوان، كما أن اللوحة لا تظهر وجه المرأة فهل أرادت الكاتبة من اختيار هذه اللوحة لتؤكد ان ظل المرأة هو الذي يتعرض للسفاهات والحماقات وليس جوهرها...
ولكن وبرغم أهمية القضايا التي طرحتها الكاتبة إلا إنني لم أجدها جاءت بجديد فهذه القضايا طرحت من قبل العديد من كتابنا على ساحات الوطن العربي، ولذلك فإنني لا أجدها تميزت في هذا العمل المكرر...
"ورقة مقدمة لندوة اليوم السابع في القدس"








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أحمد حلمى من مهرجان روتردام للفيلم العربي: سعيد جدا بتكريمي


.. مقابلة فنية | الممثل والمخرج عصام بوخالد: غزة ستقلب العالم |




.. احمد حلمي على العجلة في شوارع روتردام بهولندا قبل تكريمه بمه


.. مراسل الجزيرة هاني الشاعر يرصد التطورات الميدانية في قطاع غز




.. -أنا مع تعدد الزوجات... والقصة مش قصة شرع-... هذا ما قاله ال