الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخط المصخم في التراث البريدي العراقي

محمد سعيد الصگار

2010 / 7 / 24
الادب والفن


هذا الموضوع نشر اليوم في جريدة (المدى) البغدادية، وحين قرأته وجدته مبتسرا بحاجة إلى إضافة، وها أنا أستدرك ما فاتني قوله وأخص به (الحوار المتمدن)،

لأدب الرسائل التي‮ ‬يتداولها الناس في‮ ‬العراق تاريخ ممتع طويل،‮ ‬تصديت لبعض ملامحه في‮ ‬كتابي‮ (‬القلم وما كتب‮).‬ وتكلمت على نصوص المراسلات التي ترسل في مختلف الظروف، وما يتطلبه البريد، إلخ.

وكان من جملة ما أشرت إليه مصطلح‮ (‬الخط المصخم والخط الأبيض‮) ‬الذي‮ ‬كان متداولا حتى منتصف القرن العشرين‮. ‬ولكل منهما ظروف ومواضعات اجتماعية واستجابات وفق الحالة‮.‬

والخط هنا، يعني (الرسالة، أو المكتوب)، حيث كان يعهد بتحريرها إلى بعض من يجيد القراءة والكتابة، شأنها شأن الوثائق والمعاملات. وكان كثير من المحررين يستعملون صيغا متعارفا عليه، خصوصا في مقدمة الرسالة وفي نهايتها التي تختم بالسلام والدعاء.

فـ‮ (‬الخط المسخم‮ - ‬المصخم‮) ‬هو ورقة خالية من أي‮ ‬نص،‮ ‬ومشطوب عليها بالفحم،‮ ‬تودع في‮ ‬ظرف عليه عنوان المرسل والمرسلة إليه،‮ ‬وهي‮ ‬رسالة استنجاد من النساء المهضومات والبعيدات عن أهاليهن؛ وذلك عندما تتعرض الفتاة المهضومة إلى الظلم وتحتاج إلى مساعدة من أهلها فتستنجد بهم‮.‬

ومن أحكام من‮ ‬يصل إليه الخط المصخم،‮ ‬أن‮ ‬ينفض‮ ‬يديه من الطعام،‮ ‬إذا كان‮ ‬يأكل،‮ ‬ويهرع إلى نجدة المرسلة بأقصى سرعة،‮ ‬ويحاول إصلاح ذات البين بين قريبته وزوجها‮.‬

والخط المصخم،‮ ‬على خلوه من النص،‮ ‬ذو لوعة ومرارة وخوف تحيق بالمرسلة‮. ‬وهو‮ ‬غير متداول بين الرجال‮. ‬ومجال استخدامه في‮ ‬العراق هو الأرياف والقرى،‮ ‬ويرسل بمعية شخص‮ ‬يأخذه باليد،‮ ‬حيث لا‮ ‬يتوفر البريد في‮ ‬كل مكان.

أما‮ (‬الخط الأبيض‮) ‬فهو ورقة بيضاء تماما،‮ ‬لا نص فيها ولا إسم‮ ‬غير ما‮ ‬يكتب على الظرف،‮ ‬وهو متداول بين الرجال والنساء والأصدقاء،‮ ‬ويمكن إرساله بالبريد‮. ‬وأساسه العتاب المر بين المرسل والمرسل إليه لقطيعة حصلت بينهما لم‮ ‬يتعرف المرسل على أسبابها،‮ ‬رغم تكرار تساؤلاته،‮ ‬فهو‮ ‬يلمح إلى أنه‮ (‬لم‮ ‬يبق هناك ما‮ ‬يقال‮) ‬بعد هذا الصمت‮ ‬غير المفهوم‮.‬

وهي،‮ ‬في‮ ‬الواقع،‮ ‬أكثر وجعاً‮ ‬من‮ (‬الخط المصخم‮) ‬لمن‮ ‬يحسن فهم الأمور‮. ‬ويقتضي‮ ‬أدب الصداقة أن‮ ‬يبادر من تصل إليه إلى الإعتذار،‮ ‬ثم التواصل‮.‬

وهناك أصناف أخرى من الرسائل المشابهة، كأن تثقب الورقة بجمرة السكارة، تعبيرا عن حرقة قلب المرسل؛ أو ترفق الرسالة بأصغر عملة نقدية، وكأن المرسل يقول: (إذا لم يتوفر لك ثمن الطابع، فخذ هذا القرش وجاوبنا) ، وربما وضع طابعا غير مستعمل لهذا الغرض.

هذه المواضعات الإجتماعية كانت معروفة بين بعض الناس في أوائل‮ القرن العشرين إلى أواسطه.،‮ ‬وكنت،‮ ‬أنا في‮ ‬شبابي،‮ ‬أساعد من لا‮ ‬يحسن الكتابة على ذلك‮.‬

وها أنا اليوم،‮ ‬أحار في أي من هذه النماذج‮ أرسل إلى سياسيينا في‮ ‬هذه المحنة التي‮ ‬استعصت على الحل،‮ ‬فلا هم ممن‮ ‬يستنجد بهم بخط مصخم في‮ ‬ضباب هذه الكارثة،‮ ‬ولا هم ممن‮ ‬يفهم العتاب على هذا الغياب عن الواجب الوطني،‮ ‬فنعاتبهم‮، ولاهم من ذوي الحاجة إلى ثمن الطابع، وقد أنعم الله عليهم بما شاء، وأعوذ بالله من الحسد.

ويشق علينا أن لا‮ ‬ينفع معهم لا الإستنجاد،‮ ‬ولا العتاب؛ أي‮ ‬لا الخط الأبيض ولا الخط المصخم‮. ‬فهم لا‮ ‬يقرؤون ما نكتب ولا‮ ‬يأبهون به‮. ‬ولابد لنا من ايتكار وسيلة‮ (‬عولمية‮) ‬للنعامل مع الوضع الخرافي‮ ‬الذي‮ ‬نحن فيه‮.‬








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - رسائل ذكية وغبية وأخرى سوقية
الحكيم البابلي ( 2010 / 7 / 25 - 08:08 )
الصديق الثمين والأخ الكبير أبا ريا الورد
مشتاقين عزيزي ، وأرجو المعذرة إن كنتُ لم أستطع التشرف بالتعليق على المقالتين السابقتين لأني أكره السياسة ، وهي ليست فن الممكن كما يقولون ، بل فن الساختة والكلاوات والنهيبة وحتى السرسر لغية ، وكم أود أن لا أقرأ لك في المستقبل ما يُضيع وقتك وجهدك وأعصابك ، هي مستنقع لا يُليق بفكرك الرائع
تقول في مقالك : [ وكان كثير من المحررين يستعملون صيغاً متعارفاً عليها ، خصوصاً في مقدمة الرسالة وفي نهايتها التي تختم بالسلام والدعاء ] إنتهى
أعرف الكثير من تلك الديباجات ومسك الختام ، ولكن أكثرها مدعاة للضحك والتي يريد الكاتب أن يقول من خلالها بأنه متواضع ، قولهم في ختام الرسالة : العبد الحقير .. فلان أبن فلان . ههههه
أما أجمل الأخطاء التعبيرية للبغداديين فكانت قولهم للمُرسَل له : ولا يعوزنا إلا فراقكم !!! ههههه ، كذلك كان البعض ، ولكي يضمنوا وصول الرسالة ، يكتبون على الظرف تملقاً : سلامنا لساعي البريد
أما فحوى الرسالة الموجهة لحكام العراق العتوية !؟ فأقترح الحروف التشفيرية في النكتة العراقية الشهيرة في رسالة صدام ( ر . أ . 11 ) أعتقد يستحقونها
تحياتي


2 - الوجه المصخم
المنسي القانع ( 2010 / 7 / 25 - 09:28 )
أستاذي ألمحترم أبا ريا
الوجه المصخم لن يستفزه خط مصخم ----
ومحاولتك إسماع صوتك لن يكتب لها النجاح حيث أن رنين الذهب يغطي على كل الأصوات ---
وأن تنتظر أن يقرأوا ما تكتب ، هذا أيضاً لن يحصل فهؤلاء لا يقرأون غير ما مكتوب على الأوراق المالية ولا يهمهم غير توقيع محافظي البنوك المركزية. فهم منغمسون في خطيئة السرقة والنهب والرشوة وليس مثلك يا فنان منغمس في خطيئة اللون .
جميل شرحك وتوضيحك للخط المسخم ( المصخم ) فلم أكن أعرف معناها !
شكراً


3 - الخط المصخم هو خط الطلاق
عبد العالي الحراك ( 2010 / 7 / 25 - 10:43 )
الاستاذ المحترم
اعتقد ان الخط المصخم هو (خط الطلاق) في بعض معانية..يستخدم خاصة في قرى ومدن جنوب العراق..فيقال (جاءت وبيدها خطها المصخم اي كتاب طلاقها) اما سياسيونا الان فهم يستحقون (الخط المصخم) بمعنى طلاقهم وتصخيم وجوههم بما فعلوا ويفعلون بالشعب العراقي. مع التحيات


4 - التفاتة رائعة
محمد الرديني ( 2010 / 7 / 27 - 03:58 )
ليس غريبا عليك هذه الالتفاتة الرائعة .. انها فعلا نقطة ضوء في الايام المسخمة هذه
لا أجد ما اقوله الان سوى القول انك لم تشر الى الى ما كانوا يقولونه حول الضيف الثقيل الذي يأتي بدون دعوة - محد دز عليك خط مسخم- ةمعناه كما تعرف انه غير مقبول
وهكذا هم : رئيس الوزراء واعضاء البرلمان ووزراء الطوائف ومن لف لفهم
والله ماكو واحد دز لهم خط مسخم
تحياتي وسلمت

اخر الافلام

.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ


.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث




.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم


.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع




.. هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية