الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن التهديد بالقتل للصحفيين اليمنيين.. الإقصاء والعنف مفردات تُكثف مرجعية المجتمع

ماجد المذحجي

2004 / 8 / 23
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية


لا يبدو غريباً عن التراث الثقافي والاجتماعي والسياسي اليمني التلويح بالإقصاء والعنف ( على كافة المستويات وبكل الوسائل ) أو استخدامه لتسوية مصالح متضاربة بين عدد من الاطراف، وهو أمر يكثف المرجعية الرمزية الفاعلة في هذا المجتمع والتي تحدد نمط العلاقات السائدة و المهيمنة فيه.
إن هذه الصيغة في العلاقات الاجتماعية والثقافية لها حضور قوي في تاريخ اليمن الحديث والقديم وهي مُقَرَه ضمناً في الوعي الجمعي للناس وتتناسل منها جملة قيم أخلاقية وعرفية تسوغ للقوي ممارسة القهر والعنف على الضعيف والمسحوق. وحيث يتحمل هذا الضعيف المسؤولية بشكل طبيعي وتلقائي لأنة مفروز أساساً في الموقع الأقل قيمة والأدنى مرتبة نتيجةً لتركيبة ثقافية واجتماعية ذات طابع تمييزي. هذا الضعيف إذاً سيتحمل عواقب موقعه الذي يتعارض دائماً مع مصالح الطرف الأقوى ذو الطموح التوسعي والسلطوي دون أن يبدي أي شكوى أو ردة فعل ( أليس موقع المرأة والطفل والفرد والفئات المهمشة كالاخدام والمثقفين والكتّاب هو هذا الموقع الأقل والضعيف وسط علاقات القوة وتراتبيتها الاجتماعية في المجتمع اليمني ).
إن هذه التسوية الرائجة للخلافات والتضارب في المصالح في العرف اليمني لها تمثلات عيانيه بارزة في التاريخ الاجتماعي والسياسي وأيضاً في الراهن اليومي الآن، وحتى الفئات صاحبة المصالح الجديدة والتي تشكلت نتيجة المرجعية التعاقدية الجديدة ( الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والنقابات.. الخ ) تستخدم هذا الشكل من التسوية حين تتعارض مصالحها فيما بينها، فالأحزاب تسوي خلافتها بذات الآلية وتتوسل الإقصاء والعنف بكافة أنواعه كحل( التكفير، التخوين، الحرب...الخ )، والمثقفين ومنظمات المجتمع المدني تتوسل ذات الآلية أيضاً لتسوية الخلافات على المصالح فيما بينها ( التشهير، التشكيك بالقدرات، الاتهام بالعمالة وقبض النقود وكافة أشكال العنف والإقصاء المعنوي ).......
إن انتفاء مساحة تخص المختلف والآخر في الوعي والذاكرة والنفسية اليمنية وعدم تمرنها على استيعابه أو إقرار حقه بالوجود وبالتعارض معها نظرياً على الأقل هو نتيجة موضوعية لتركيبة مجتمع تحكمه منظومة ثقافية تُعلي من القيمة الواحدة المقدسة دينياً وسياسياً وأخلاقياً واجتماعياً ( الفقيه، الأمين العام للحزب، شيخ القبيلة ، رب الأسرة، الذكر...).ويفصح ايضاً عن أن نسق السلطة المختصرة في رموز وأيقونات اجتماعية ونفسية هو النسق الفاعل والأكثر حضوراً وهيمنة.
إن مجتمع مؤسس على علاقات القوة ذات الطابع السلطوي وتوازناتها- التي تحدد من المستفيد والمهمين اكثر - وعلى شرعية العنف وقداسة رموزه ( أليس الحديث عن أن السلاح هو جزء من تراث اليمني له علاقة بقداسة رموز العنف )ويقتات على ذاكرة جافة و متشققة نتيجة الصراعات والتناحرات ودورات الدم، هو مجتمع أغلق جملته العصبية والنفسية على العنف والصراخ وعلى تعاقدات الغابة بأفقها المتوحش.
إن بنية القوة والعنف المتماسكة التي يتحرك المجتمع وينفعل وفق تموضعها فيه تشكل ضامن فريد وحقيقي ومُكرس لثقافة إلغاء الآخر وإقصاءه كخيار سهل ويحتل الموقع رقم واحد في سلم الوسائل المتوفرة لتسوية الخلافات ودرء المخاطر المتوقعة.وهي كبنية حاضرة ومهيمنة تتناقض شكلاً ومضموناً مع الخيار والشكل الديمقراطي والحقوقي ( بجملة المفاهيم والقيم والمؤسسات والضمانات التي تتناسل منه ) الذي اتخذته اليمن -كخيار حداثي حقيقي وليس تحديثي شكلاني- يكفل تطورها منذ حوالي العقد والنصف. إن هذه البنية وثقافتها تنتج عدداً من الرموز والقيم والسلوكيات والمواقف لا تنسجم - بل و تتعارض تماماً- مع ما تنتجه مجموعة المفردات المتناسلة من الديمقراطية ومؤسساتها وثقافتها، وحين يبلغ التناقض بينهما حده الأقصى اجتماعياً أو سياسياً فان هذه البنية والثقافة تعمل بشكل جدي على تحييد كافة المفردات الديمقراطية والحقوقية وعلى إلغاء مرجعيتها الدستورية والثقافية لصالح مرجعيتها العرفية والأخلاقية العنيفة والأكثر أصالة وتجذراً في منظومة القيم الفاعلة في لاوعي اليمني -وحتى في عقده الاجتماعي وإن كانت بشكل مُضمر- والتي تمنحها مسوغ شرعي متكامل يضمن لها التحرك براحة ودون قلق من أي مضاعفات غير متوقعه.. وهو اطمئنان يأخذ شرعيته من هشاشة الثقافة والممارسة الديمقراطية وغيابهما شبه الكامل عن المجتمع والوعي العام.
إن التهديد الأخير بالقتل والتصفية الذي تعرض له ثلاثة من الصحفيين اليمنيين في حوادث متفرقة ( فتحي أبو النصر، نائف حسان، عرفات مدابش ) ليس غريباً أو مفاجئاً، بل هو شكل طبيعي يُفصح بشكل واضح عن التناقض بين المرجعية الدستورية والقانونية والحقوقية التي يتوسلون بها و يعملون في إطارها ووفق ضماناتها وحدودها، وبين المرجعية العرفية والأخلاقية الرمزية والعنيفة التي ينطلق منها هؤلاء ( المهدِّدين ) والذين يتحركون للذود عنها إذا تعرضت لما يظنونه تهديداً.( هذا بغض النظر عن سلامة أو تطابق خطاب هؤلاء الصحفيين مع المفردات القانونية والدستورية التي يتوسلون بها والتي يمكن الاحتكام إليها في حال مخالفاتهم لها، بعكس الأمر مع خصومهم (المهدَّدين) الذين يعملون بوعي مسبق ومقصود على رفض هذه المفردات وعلى إفراغ حضورها من القيمة والاحترام والهيبة ).
إن هذا التناقض مرشح للتطور بشكل حقيقي لصالح هذه الثقافة الاقصائية التي تحظى بالحماية والشرعية الرمزية في الوعي الاجتماعي ( سينكر الناس مباشرةً حق هؤلاء الصحفيين في الكتابة وسيبررون ما سيحدث لهم لأنهم- أي الصحفيين- لم يحسنوا تقدير عواقب التعرض لهذه القوة المنفلتة!! )، ومالم يعمل مجموعة الفاعلين الاجتماعيين والسياسيين على تجذير المرجعية الدستورية والقانونية والحقوقية في البنية الاجتماعية وعلى تكريسها كتعاقد وحيد بين الناس له مجموعة من الضمانات والمؤيدات الجزائية والمدنية ويحظى بالقبول.. ومالم يُفعل النظام السياسي سلطته ووظائفه لصالح هذه المرجعية ويستخدم كافة الوسائل اللازمة - ومن ضمنها العنف المقنن ( أي العقوبات الجزائية والقانونية ) لردع هذه الثقافة وتقليصها وتفكيك بنيتها في المجتمع ونزع الغطاء الذي تحتمي به، فأن الخيار الحداثي والديمقراطي لهذا البلد سيفقد قيمته ويُفرغ من محتواه وستُحال مفرداته إلى التقاعد وسيعود الجميع تلقائياً إلى جذرهم البدائي المتخلف ( القبيلة، العائلة، المذهب، المنطقة...الخ ) للاحتماء به وللتحصل على الحقوق والمكاسب عبره.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس: البدأ بترحيل مهاجرين أفارقة الى بلدانهم، فما القصة؟ |


.. هجوم إلكتروني على وزارة الدفاع البريطانية.. والصين في قفص ا




.. -سابك- تستضيف منتدى بواو الآسيوي لأول مرة في الرياض


.. السياحة ثروات كامنة وفرص هائلة #بزنس_مع_لبنى PLZ share




.. المعركة الأخيرة.. أين يذهب سكان رفح؟ | #على_الخريطة