الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورة يوليو العربية وبوصلة تحرير فلسطين

محمود عبد الرحيم

2010 / 7 / 25
القضية الفلسطينية


أستغرب جدا من قيام الرئيس المصري حسني مبارك بإلقاء خطاب سنوي في ذكرى ثورة يوليو، التى ساهم في تصفية ما تبقى من مكتسباتها ومنطلقاتها، سيرا على خطى سابقه - غير المأسوف عليه - السادات، الذي دق المسامير الأولى في نعش الثورة، وإنتمائها العربي، ومبادئها التحررية، وأعاد مصر، ومن ورائها العرب إلى حظيرة التبعية الإمبريالية الغربية، بقيادة الولايات المتحدة، مع التخاذل في دعم القضية الفلسطينية وحمايتها، في مقابل الإرتماء في حضن الكيان الصهيوني، والإعتراف به، بل والتعاون معه، على نحو أقرب للتحالف.
وأستغرب كذلك من رئيس السلطة الفلسطينية الصهيوأمريكية محمود عباس، الذي يشارك في الإحتفال بهذه الثورة، ويتحدث عنها، رغم أن كل أقواله وأفعاله مناهضة لقناعاتها، على صعيد المقاومة والموقف من الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية، الذي يصب في الأخير في خانة تصفية القضية الفلسطينية، بالتورط في لعبة مفاوضات عبثية، وحصار قوى المقاومة، وتوجيه ضربات قاصمة للمقاومين، لا قيادة حركة تحرر وطنية، تناهض هذا التحالف الصهيوأمريكي، المعادي لحقوق الشعب الفلسطيني العادلة.
ويبدو أنهما ينظران للثورة على أنها مجرد مناسبة إحتفالية، ومهمة بروتوكولية فارغة من أي مضمون، وبلا صدقية، غير أنهما يتجاهلان، أو بالأحرى يجهلان، قيمتها التاريخية، وأنها لا تزال مصدر إلهام قادر على حشد الطاقات، لتغيير موازين القوى في المنطقة، وأن مبادئ هذه الثورة وتجربتها، لا تزال ذات إمكانية للإحياء، على النحو الذي يعيد للأمة العربية روحها، ومكانتها، وحقوقها، وكرامتها المهدرة.
ويحدد لها دون أدنى لبس أو إرتباك، من هم أعداؤها الحقيقيون، ومن هم الحلفاء، وكيف يتم الخروج من هذا النفق المظلم، والوضع التاريخي المزري، الذي جعلنا في ذيل الأمم، رغم كل الثروات البشرية والطبيعية، التى بحوزتنا، وهذه الجغرافية الحيوية، ذات الموقع الإستراتيجي الفريد، الذي يجعل من المنطقة العربية قلب العالم، بالمفهوم الجيوبولتيكي.
ولعل الذكري الثامنة والخمسين لهذه الثورة العربية المجيدة، فرصة لتذكير الغافلين، بماهية هذه الثورة، ومبادئها العروبية، وعلاقتها بالقضية الفلسطينية، بشكل خاص.
لا جدال في أن ثمة علاقة عضوية بين ثورة يوليو وقائدها جمال عبد الناصر، والقضية الفلسطينية، وهذه العلاقة جذورها عميقة، ربما تعود إلى ما قبل الثورة ذاتها، حسبما يذهب نفر من المؤرخين، الذين يرون أن نكبة فلسطين في العام 1948 ، كانت إحدى العوامل الرئيسية، لإندلا ع هذه الثورة المجيدة، وبداية إدراك ناصر العميق للترابط بين نظم الحكم الفاسدة، والقوى الاستعمارية والصهيونية، وأن تحرير فلسطين يبدأ من مصر، بتحرير إرادتها، وخوض معركة الإستقلال بكل تجلياتها السياسية والإقتصادية والثقافية والعسكرية، ثم سعيها لتوسيع دائرة التحرر في كل من محيطها العربي والأفريقي، والإتحاد معا، من أجل حرية وكرامة شعوب هذه الدول، وحقها فى الإستمتاع بثرواتها وحمايتها من الإستغلال.
ولا يمكن لأحد أن ينكر أن مصر الثورة، برهنت بالفعل، وليس بالشعارات عن إنتمائها للقضية الفلسطينية، وأنها قضية العرب الأولي، وخاضت من أجلها أربعة حروب، بدءا من حرب السويس في العام 1956، فحرب يونيو 1967، ثم حرب الإستنزاف ما بعد نكسة يونيو 67، وصولا إلى حرب أكتوبر 1973.
وقدمت آلاف الشهداء، الذين كرست دماؤهم الذكية، التى سالت، فكرة الإنتماء، ووحدة المصير بين المصريين والفلسطينيين والعرب بشكل عام، وعمقت في الوقت ذاته الثأر والعداء والرفض الحاسم للكيان الصهيوني، المزروع في الأرض العربية، لعرقلة الطموح العربي نحو الإستقلال والنهضة والرفاه.
ولا شك أن ثورة يوليو هي التى بلورت مبدأ الأمن القومي العربي الجماعي ، ومصادر التهديد له، وحددت بوضوح أولوية الحركة على الخريطة الدولية، والتحالفات الصحيحة، التى تضيف للأمة العربية، ومصالحها، لا تخصم منها.
وفي كل تحركاتها، كانت تستثمر كل هذه الرؤى والإستراتيجيات والتحالفات، لخدمة القضية الفلسطينية، وتثبيت حق الفلسطينيين، ودحض الدعاية الصهيونية عن "أن فلسطين أرض بلا شعب"، أو "أن ليهود العالم حقوق تاريخية توراتية هنا"، أو تكريس النظر إلى الفلسطينيين كلاجئين.
ومن أجل هذا سعت مصر الثورة إلى تدشين كيان جامع للفلسطينيين، يمثلهم جميعا في الداخل والخارج، ويوحد قواهم، ليتولى مسيرة النضال الفلسطيني بزخم، ويعزز حركة الكفاح من أجل تقرير المصير ونيل الإستقلال، ألا وهى منظمة التحرير الفلسطينية، وقد كانت الشرعية العربية التى نالتها في إجتماع القمة العربي الأول عام 1964، مقدمة للإعتراف الأفريقي والإسلامي والدولي، بأن الفلسطينيين شعب له قضية عادلة، وأصحاب أرض محتلة، لا مجموعة لاجئين.
وحسب شهادة رئيس الدائرة السياسية لمنظمة التحرير فاروق القدومي فإن دعم ناصر للفلسطينيين، وصل إلى تعريف العالم بالثورة الفلسطينية، وأصطحب معه عرفات إلى موسكو، لتقديمه للسوفيت.
وقد عمدت مصر ناصر وثورته إلى إحتواء أية خلافات بين قادة الفصائل الفلسطينية، وتذكيرهم دائما بوحدة الهدف، والعدو المشترك، مع تذليل أيه مشاكل يواجهونها بين بعضهم البعض، أو بينهم وبين الدول المتواجدين على أراضيها، سواء في لبنان أو الاردن، ودعمت الفدائيين بالمال والسلاح، والتدريب العسكري، فضلا عن الدعم الإعلامي، المتمثل في إنشاء إذاعة صوت فلسطين، التى تُبث من القاهرة، جنبا إلى جنب، مع الدور الكبير لإذاعة صوت العرب.
ناهيك عن معاملة الفلسطيني في مصر، كأي مصري، سواء في التعليم أو العلاج أو العمل، بل أن بعضهم ألتحق بالجيش المصري، كياسر عرفات.
وحين أشتد الخلاف بين النظام الأردني والفدائيين الفلسطينيين، ووصل الأمر إلى الإقتتال الذي عرف ب" مذبحة أيلول الاسود" في العام 1970، سارع عبد الناصر إلى عقد قمة عربية طارئة، لتوفير مظلة حماية للفلسطينيين، وضمان عدم تصفية قواهم.
وحسب بعض المؤرخين وشهود العيان، فإن وقع هذا الحدث على نفس عبد الناصر، كان من القسوة بمكان، ربما أضعاف ما ناله، بإنفصال الوحدة المصرية السورية، أو نكسة67، للدرجة التى لم يحتملها قلبه، فودع الأمة ، لكن بعد أن أتم واجبه، نحو أمته العربية، والفلسطينيين بشكل خاص، وبعد أن ضبط لهم بوصلة العمل الثوري التحرري، الذي ينطلق من مبدأه "ما أُخذ بالقوة ،لا يسترد بغير القوة"، وأن "تحرير فلسطين، لن يتم إلا بأيدي الفلسطينيين"، مع مظلة حماية، ودعم عربي بالطبع، تجعل جذوة الثورة مشتعلة، وخيار المقاومة المسلحة، هو الأولوية وطريق التحرير.
*كاتب صحفي مصري
Email:[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن: ما يحدث في غزة ليس إبادة جماعية #سوشال_سكاي


.. بايدن: إسرائيل قدمت مقترحا من 3 مراحل للتوصل لوقف إطلاق النا




.. سعيد زياد: لولا صمود المقاومة لما خرج بايدن ليعلن المقترح ال


.. آثار دمار وحرق الجيش الإسرائيلي مسجد الصحابة في رفح




.. استطلاع داخلي في الجيش الإسرائيلي يظهر رفض نصف ضباطه العودة