الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القصة القصيرة وشروطها الفنية

صبيحة شبر

2010 / 7 / 25
الادب والفن


القصة القصيرة وشروطها الفنية

القصة القصيرة حكاية أدبية ذات فكرة ، تعالج موضوعا واحدا أو موقفا معينا من مواقف الحياة ، تتضمن حدثا تتناوله بتكثيف ، وتكون القصة القصيرة بصفحات محددة وقد تكون في سطر واحد ، وليس من مهام القاصين عرض البيئات المختلفة وإبراز تأثيرها على أبطال القصة وشخوصها ، إنما يعمد القاص الى إيجاز لحظة معينة من لحظات الحياة تتضمن حدثا ذا دلالة..
ويختلف منهج كتابة القصة القصيرة ،حسب اختلاف كتابها وتنوع ثقافاتهم، وتمايز اهتماماتهم ،و تباين توجهاتهم الفكرية ، من الكتاب من يركز على الشخصية ومنهم من يولي الحادثة اهتمامه الأكبر، ومنهم من يهتم بالجانب النفسي، وبعضهم يجتهد لإبراز فكرة معينة، ساعيا إلى العناية بإلباس القيم والمبادئ الإنسانية أثوابها الجميلة
أصل القصة القصيرة
للقصة القصيرة أصلان أولاهما عربي، يتمثل في السير والمقامات والحكايات والحكايا ،التي انبثقت عنها الأمثال، والخرافات والأساطير وهي كثيرة في أدبنا العربي ، والأصل الثاني تأثر العرب بالأدب الأجنبي، وانتقال هذا الأدب إليهم عن طريق الترجمة ، أو سفر بعض الكتاب الى بلدان أوربية ،والاطلاع على الحركة الأدبية فيها ، ومحاولة نقل التأثر بتلك الحضارة الى العرب بقصصهم القصيرة ،مع الحرص على تناول القضايا العربية، وإبراز البيئة الإنسانية التي نشأ فيها الأديب، لأن الإنسان ابن البيئة كما يقول علم الاجتماع.
بدأت القصة العربية تقليدا للأدب الغربي، ونسجا على منواله، وتقريرا لأحداث واقعية ، وشكوى من ظلم وحرمان من حقوق ، وكانت البداية وعظا وحكايات للنصح والإرشاد، لا فنية فيها ، وبمرور الزمن والاطلاع على روائع القصص الغربية، والدراسة المتخصصة للآداب، استطاع الكاتب العربي أن ينجح في كتابة القصص القصيرة الجميلة، التي يمكن أن تضاهي ما كتبه الأديب الغربي وقد تتفوق عليه ،لان الأدب الجميل تعبير عن الواقع ،ومحاولة تغيير الجوانب السلبية فيه، الى حياة أكثر إشراقا واقرب مدعاة الى البهجة ، استطاعت القصة القصيرة في منطقتنا العربية، أن تصبح أكثر الأجناس الأدبية انتشارا ، بحكم طبيعة العصر الداعي إلى السرعة، أو اقتداء بالعالم المتحضر الذي يولي هذا الجنس الأدبي اهتمامه الكبير ، ووجدت في الصحافة مشجعا كبيرا ،على انتشار هذا الفن، كما ان عالم الانترنت المتطور أضاف القدرة على الانتشار في بقاع كثيرة من العالم ، وبحركة الترجمة استطاعت قصتنا أن تقرأ في دول كثيرة ، كما اطلعنا على أمهات القصص العالمية ، فصقل القاصون خبرتهم في هذا الميدان، واكتسبوا تجربة طويلة، جعلت قصصهم ناجحة من الناحيتين الفنية والمعنوية .
اختلاف الأنواع والاسم واحد
القصة تختلف عن الرواية، مع إن اللونين قص، تتوفر فيه شروط معينة مثل الفكرة والحدث والشخصية والبيئة ،إلا إن القصة لها أنواع متعددة ، تجتمع كلها في العناية بفن القص، والقصة تختلف عن القصة القصيرة، في إن الأخيرة تعتني بالتكثيف، والتعبير عن لحظة من لحظات الحياة، وذات شخصية واحدة غالبا ، وهناك لون آخر ظهر حديثا ،وهو القصة القصيرة جدا، ولا يتجاوز طولها الصفحة الواحدة ، وقد تكون سطرين أو سطرا واحدا ،وتتميز بكل مميزات القصة ،مع العناية بالتكثيف والإيحاء والحذف والترميز ، وهذا اللون له كتاب كثيرون .ولقد أجمع نقاد فن القصة: انه أصعب الأجناس القصصية ، وانه رغم كثرة المجموعات، التي صدرت ورقيا والكترونيا في هذا الجنس ، إلا أن النجاح قد حالف عددا محدودا من القصص ،مما يدل إن المجموعة التي تتضمن قصتين ناجحتين، تمنح شهادة في تميز كاتبها، وتفوقه على أقرانه في كتابة هذا الجنس العسير جدا ، والذي لا يجيده إلا القليلون ، ورغم صعوبة كتابة القصة ، إلا إن الكثير من الكتاب، يتراءى لهم أنهم قادرون على ولوج هذا الجنس الصعب ، فتأتي كتاباتهم قريبة من الخاطرة ، بعيدة عن القصة ، لأنها لا تتوفر على عناصرها الضرورية ، والتي لا يمكن ان نطلق لفظة القصة القصيرة ،إن انعدمت تلك الشروط في أحد النصوص ، ولعل غياب النقد الأدبي المنصف، أو قلته هو أحد الأسباب ،التي أدت إلى إغراء كتاب كثيرين، في محاولة كتابة هذا الجنس ، ولم يكتب لمحاولاتهم النجاح ، كما إن روح العصر الملائمة لهذا الفن ، والرغبة في التعبير عن المعاناة الإنسانية ، من ضمن العوامل التي جعلت بعض الكتاب يستسهل التجريب في هذا اللون..
حداثة القصة القصيرة
والقصة القصيرة بشروطها الفنية المعروفة ،حديثة النشأة ، فقد ظهرت في أمريكا على يد ادخار ألن بو في القرن التاسع عشر ، وفي نفس القرن ظهرت قصص ( جوجول ) القصيرة والتي قال عنها أديب الواقعية (مكسيم جوركي) :" كلنا خرجنا من معطف جوجول "، وجاء موباسان لتتقدّم القصة القصيرة على يديه.
وكانت القصة القصيرة في بدايتها، تعبير عن شخصية كاتبها ، ثم تطورت ، وأصبحنا نجد شخصيات متنوعة، تتصرف بحرية واسعة ، ولا يرغب كاتبها في تقييد حركاتها وجعلها تتحدث بلسانه ، أصبح سلوك الشخصيات يتماشى مع الظروف البيئية التي وجدت فيها ، والقصة ليست سيرة للكاتب كما إنها ليست بعيدة عنه تماما ، وفي كل قصة جزء من الكاتب كما يقول النقاد ، إذ أن الكتابة ينبغي ان تنطلق عن تجربة أدبية ، وهذه التجربة ليس شرطا أن الأديب قد عاشها بنفسه ، إذ قد يكون قرأها في كتاب ،أو سمعها من صديق او قريب ، لهذا تضيف لنا القراءة تجارب عديدة، يمكن ان تساعدنا في الكتابة وكأننا قد عشنا حيوات متعددة في عمرنا الزمني القصير ، ولكن رغم تطور المتلقي، فان الكاتب العربي ما زال يتهم عندنا: انه يعبر عن حياته الشخصية، وتجاربه الذاتية إن كتب بجرأة عن بعض الأمور ، ويقوى هذا الاتهام ان كانت الكاتبة امرأة ، ، فان السهام توجه لها إن حاولت الخروج على المسكوت عنه، في مجتمعاتنا العربية ، وكثيرا ما نسمع إن الكاتبة الفلانية لابد إنها عاشت التجربة التي تحدثت عنها في قصتها ، فالتجربة المطلوب توفرها حين الكتابة، لا تعني ان يعيشها الكاتب ، وان كان الكاتب يسعى ان ينوع شخصياته ولا يكرر نفسه ، فان القراءة والاطلاع على تجارب الآخرين، والاهتمام بأحداث العصر وحيوات الناس وآلامهم، والتعبير عن أحلامهم، يمنح الكاتب قدرة اكبر في التعبير عن شخصيات مختلفة من الناس تثير الإعجاب بكتاباته الداعية الى الثقة والتأمل ،وليس الشكوى الدائمة من معاناته الشخصية.
القاص والمتلقي
كل مبدع في شتى مجالات الإبداع فنا أم أدبا ، يحرص على أن يجد له المتلقي الواعي، الذي يتفاعل مع إبداعه ، فلا يبدع المرء لنفسه، كما يزعم بعض الشعراء والقاصين ،إنهم يعبرون لأنفسهم ، وان تناسى المبدع المتلقين أثناء الإبداع ، فانه بعد العملية الإبداعية ،يفكر في نوع المتلقي الذي ينبغي ان يطلع على نتاجه ، وبعض القراء يمتلكون الوعي لنقد ما يقرؤون ، فالقراءة الواعية كتابة ثانية للنص ، وتتنوع القراءة حسب اختلاف أصحابها وتباين ثقافاتهم ، فالعمل الواحد قد يوجد له قراءات متعددة ، وهذا لا ينفي عنه صفتي الجمال والفن ، ولكن ما هي أسباب الإبداع ؟
يجيب النقاد ان عناصر العمل الإبداعي ثلاثة : المرسل وهو المبدع والمرسل إليه وهو المتلقي والرسالة ، وهو الشروط الفنية والمعنوية التي تتوفر في العمل الإبداعي ، فكل إبداع له جانبان الشروط الفنية والشروط الموضوعية ، هناك فكرة معينة يحرص المبدع الى توصيلها للمتلقي بأحسن صورة ، فالحدث الذي يجري أمام أعيننا كل لحظة ، ولا نتوقف للتأمل فيه ، يستطيع المبدع أن يتأثر به وان ينقل تأثره إلينا ، بانتقاء الألفاظ الموحية، وطريقة رصف الكلمات في جمل ، لهذا كانت الفنون والآداب قادرة ،على توجيه الناس وتغييرهم ، وهذا لا يعني أن المبدع يجب أن يتملق الجماهير ، ويكتب لها معبرا عما تريده في اللحظة ، ويسقط في المباشرة ، فيفقد الناحية الفنية ، ولا أن يعمد إلى الغموض فيصعب على المتلقي العثور على فكرة النص او إيحاءه ، ولا يتوصل إلى التأثر بالعواطف الجميلة والمشاعر الإنسانية التي يرغب القاص بتخليدها في قصته ، فلا تفيد قراءة النص في اكتساب فائدة أو التمتع بمتعة ،وهذان الغرضان من أسمى ما يسعى إليه الإنسان لتمنحه إياه الفنون والآداب...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ديستويفسكي
محمود الشمري ( 2010 / 7 / 25 - 18:16 )
لقد اجدت وأبدعت ياسيدتي بدراستك القيمة ..
ولكني أعتقد أن عبارة ( كلنا خرجنا من معطف غوغول ) قد قالها ديستويفسكي وليس غوركي, وقد قالها بعد قراءته لقصةغوغول الرائعة (المعطف) وأراد بها الأشارة الى روعة القصة من جهة وكيف انها تعتبر من أمهات القصص .. وكذلك هو أيحاء بأن أبو القصة الروسية هو غوغول


2 - آلم
فارس عبد القوي ( 2010 / 7 / 26 - 09:52 )
إنة من المؤلم أننا نعي كل الوعي أن مجتمعنا مجتمع غير قارىء و نحن لا نستطيع عمل شيء تجاة ذلك ,عندما أتذكر هذة الحقيقة يجول في خاطري كم هو محزن الوضع في المجتمعات العربية فكيف يمكن لمجتمع أن يتطور و ينتقل إلى مراحل جديدة متطورة دون أن يقراء إن ذلك سوف يقودنا إلى الهلاك. إنني أتمنى على جميع إخوتي المثقفين بأن يستغلوا كل لحظة و ينشروا بين أفراد المجتمع ثقافة القراءة و لو بحديث بسيط غير معنون بل من خلال جملة عابرة سبيل .... و السلام


3 - تشيخوف... الرائد الألمع لهذا الفن
حميد خنجي ( 2010 / 7 / 26 - 17:47 )
هل من المعقول ان نكتب مقالا عن القصة القصيرة ونذكر اسماء الرواد في هذا الفن الشائك.. ولا كلمة او حتى حرف عن عبقري القصّ او القصة القصيرة : -تشيخوف- !!! الا اذا كنتِ يا سيدتي الفاضلة، قد ذكرتيه فيما بين الجمل وانا لم استطع ملاحظة هذا الاسم العلم! فإذا كنتِ تجهلينه او تتجاهلينه، وانت مهتم بهذا الفن، فهذا مشكلة!... أما اذا كنتِ على معرفة به، عبر القراءة- بالطبع- ولم تنصفيه.. فالمشكلة أكبرُ


4 - القراءة مادة في قائمة الترف العربي
الحكيم البابلي ( 2010 / 7 / 27 - 00:28 )
شكراً للسيدة صبيحة شبر لما جاء في المقال من معرفة وفائدة
أثار إنتباهي نقطتين ، الأولى والتي تتعلق بالنقد ، حيث تقول الكاتبة : ولعل غياب النقد الأدبي المنصف أو قلته ، هو أحد الأسباب التي أدت إلى إغراء كتاب كثيرين في محاولة كتابة هذا الجنس
ونلاحظ صحة هذا الكلام عندما نقرأ أغلب الكتابات المنشورة في موقع الحوار ، شخصياً حاولت توجيه بعض النقد البناء سابقاً ، ولكني أحسستُ بأن الغالبية تفهم أن النقد هو شتيمة وحسد !!! ، فهمنا الشتيمة ... بقى الحسد على أيش !؟
وكم بودي لو يخضع بعض ما هو محسوب على الأدب للنقد والتثمين الحقيقي من قبل مجموعة من الكتاب والناقدين ، بحيث لا يلقون أي أهمية لمزاج وأجوبة وزعل الكاتب
النقطة الثانية ... أتفق مع الأخ فارس عبد القوي تعليق # 2 من إننا شعوب ومجتمعات لا تقرأ ، ولهذا يموت أغلب كتابنا ومبدعينا معدمين وبلا تقييم عادل
وحتى النخبة التي تقرأ .. لا تحمل نعمة القدرة على التمييز بين تبر الكتابات من ترابها ! وهذا واضح جداً على صفحات موقع في المقدمة كموقع الحوار ، حين نجد مقالات عملاقة لا تستقطب غير بضعة تعليقات ، ومقالات جوكرية تجلب 50 إلى 100 تعليق
تحياتي للجميع


5 - غياب المثقف العربي
فارس عبد القوي ( 2010 / 7 / 27 - 08:37 )
إن طبقة ألإنتيليجينسا أي طبقة المثقفين هي الطبقة التي يقع على عاتقها هم التغيير فهي التي ترفع المبدعين فالمبدع لا يمكن ان يكون بدون ان يكون لة مهتم بإبداعة وهذا الإبداع يتجلى كلما كثر ألأشخاص في المجتمع و الذين يتذوقون هذا ألإبداع و المتذوقون لكل جديد هم الطبقة المثقفة و هذة الطبقة كفئة من المجتمع في الوطن العربي و تحمل صفة طبقة أي أنها السطح الظاهر من المجتمع و الذي يشكل طبقة . غير موجود و لكن هناك عناصر من المثقفين و المتناثرين في شتى المجالات و من ألمؤسف أن الذين نطلق عليهم صفة مثقغين في مجتمعنا لو وضعناهم في مجتمعات أخرى لوجدنا أنهم لا يوضعون في عداد بما يسمى طبقة المثقفين . فهم نفسهم لا يقراءون و لكن عدد كبير منهم يتزودون بالمفاهيم العريضة للكثير من المواضيع دون أن يدخلوا في حيثياتها و هنا يمكن تسميتهم بالمطلعين و لكن ليس بالمثقفين .مشكلة القراءة في المجتمع العربي هي مشكلة تستحق ألإهتمام بها من أجل المجتمع نفسة من أجل أبنائنا من أجل معيشتهم و من أجل الكثير الكثير ......من أجل السلام.


6 - السيدة الكاتبة المحترمة
ليندا كبرييل ( 2010 / 7 / 27 - 16:20 )
يا ليت كل من يقْدم على كتابة القصة القصيرة أو أي فن أدبي يقرأ هذا المقال , المشكلة يا سيدتي أننا نفتقد الناقد المتخصص المحايد في تعامله مع النص الأدبي , مساحة البصيرة الفكرية عندنا ضيقة فعلاً , من فرط استعمالنا لكلمات مثل : إبداع رائع عبقري ...ما عدنا نعرف متى وأين نستعملها , وكل واحد يجود بالبلاش على المعجَب به أو بها من هذه التعابير المغرية لهواة يظنون أنفسهم حاجة كبيرة مع هذه الاعجابات الرخيصة وبها لن يحصل أي تقدم في مستواهم في غياب النقد السليم والكلام اللي ما عليه جمرك , هناك متطوعون من الأدباء الكبار في مواقع عالمية يصوبون وجهة الهواة من الداخلين لدنيا الفكر والأدب فيساعدونهم بالرأي والنصيحة , ما أحوجنا لأمثالهم ليعرف كل انسان على طول أي بساط يمد رجليه ؟ ليس من أجله فقط وإنما من أجل القارئ أيضاً لتقويم نظرته وتعميقها وبالتالي ليرتفع مستوى قراءته . أشكرك على هذا المقال المفيد

اخر الافلام

.. ا?صابة الفنان جلال الذكي في حادث سير


.. العربية ويكند |انطلاق النسخة الأولى من مهرجان نيويورك لأفلام




.. مهرجان كان السينمائي - عن الفيلم -ألماس خام- للمخرجة الفرنسي


.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية




.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي