الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إلى الصدر الصغير: العراق بين الدولة المدنية أو الدولة الطائفية

نبيل علي صالح

2004 / 8 / 23
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


في البداية –ومن خلال متابعتي لتحركات وطروحات المدعو "مقتدى الصدر" التي تملى عليه من جهات مختلفة هنا وهناك لا تريد للعراق والعراقيين خيراً، توصلت إلى نتيجة مفادها أن هذا "الكائن البشري" مجرد شاب متهور ومتحمس ومندفع، يفتقد للخبرة الحياتية والمعايير الحضارية في الوعي والممارسة (حيث أنه لم يخرج من قوقعته وشرنقته الخاصة إلا عندما زار إيران في الصيف الماضي.. وهذا ما يجعل منه إنساناً غير قادر على تقدير حقيقة الوضع والأمور، وبالتالي عدم وجود قاعدة لاتخاذ القرار الصائب في اللحظة المناسبة. لأن الإنسان المطلع والمنفتح على الثقافات والحضارات والذي يمتلك خبرة عملية واحتكاك مع الآخرين هو الأكثر قدرة على تقدير حجم الموقف ودقة الوضع وصوابية أو خطأ الفكرة والتحرك في أي وقت من الأوقات).. وليست عنده أدنى خبرة أو تجربة أو ثقافة لا في السياسة ولا في الدين.. وله غايات ومطامع سياسية تفوق كثيراً إمكاناته وقدراته العقلية والعملية الفعلية، وهذا هو الذي يجعل من عملية السيطرة عليه وتوجيهه الوجهة المطلوبة أمراً ميسراً من قبل بعض الشخصيات والدول هنا وهناك.
ويبدو أن هذا "الصدر الصغير" مصمم على تحويل النجف الأشرف من مدينة تحتضن مرقد رجل المحبة والإنسانية والسلام علي بن أبي طالب(ع) إلى مدينة للعنف والتخلف والدمار والبؤس، أو إلى قنبلة موقوتة يمكن أن تفجر في وجه المجتمع النجفي بخاصة والعراقي بعامة لتحرق الأخضر واليابس مما تبقى في أرض العراق الذي لا يزال يعيش فترة النقاهة من سرطان الاستبداد وغول الدولة الأمنية التي اجتاحت كل مواقع الوطن العراقي منذ أكثر من ثلاثين سنة مضت، وسخرت كل إمكانات وموارد العراق في سبيل تدعيم وترسيخ سلطانها على رؤوس البلاد والعباد، فكانت النتيجة أن يخوض النظام العراقي البائد عدة مغامرات حربية داخلية وخارجية كلفت أبناء العراق كثيراً من الدماء والدموع -أكثر من 250 مليار دولار ديون، و4 مليون مهجّر، و2.5 مليون ضحية، يضاف إليه خراب داخلي للنفس والذات العراقية الفردية والمجتمعية، وهذه لعمري من أعظم وأفدح ما ابتلي به العراق من خسائر في تاريخه كله.
في البداية أقول لك –أيها الصدر الصغير- إن الموروث أو الإرث العائلي وأمجاد التاريخ لا تصنع بطولة ولا تبني مجداً ضائعاً، كما أنها لا تعطي للإنسان السوي والعاقل أي مبرر لنحر الوطن على مذبح الشخصانية والذاتية وعقدة حب النفس، وتضخمها إلى حيث انفجارها في وجه المجتمع الآمن كله.. نعم، الأسرة الصدرية عريقة وذات باع طويل في الأخلاق والعلم والمعرفة الدينية والتراثية، ولها مواقف كبيرة لا تزال تحتل موقعاً بارزاً في عقول وقلوب العراقيين، سبق أن وقفتها بقوة وتضحية نادرين في وجوه سلاطين الظلم والتسلط، كما فعل الشهيد السعيد: محمد باقر الصدر عندما باع حياته لله في وقفة العز ضد صدام حسين وجلاوزته.. ومقتدى هذا يستغل أبشع استغلال سمعة عائلته وتضحيات والده وعمه الشهيدين، كما استغل الفلتان الأمني ليساهم في خلق المزيد من الاضطرابات والقلاقل وبث الرعب الأمني والمجتمعي بين الناس.
نعم الأسرة عريقة وأصيلة، ولكن كل هذا لا يبرر على الإطلاق للمدعو "مقتدى" أن يشهر سيف "ماضي أسرته" العريق لينسف أسس بناء المجتمع العراقي الحديث، وأن يتسلط –نتيجةً لقصور وعيه وإدراكه وأنانيته ونرجسيته وحبه الأعمى للاستحواذ على السلطة في العراق الجديد- على رقاب الناس ليمارس –من حيث يدري أو لا يدري- نفس الممارسات، ويطبق نفس السياسات التي كان يطبقها فارس العروبة، وجرذ العوجة "صدام حسين" والتي قامت على منظومة متكاملة من مبادئ القتل والقهر والظلم وادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة.
ثم ما هو هذا الجيش الذي أصم "مقتدى" وأتباعه من مخابرات صدام –وغير صدام- آذاننا به.. إنه "جيش المهدي" الذي فشلت كل معاركه التي خاضها مثله الأعلى جيش المهدي الإيراني -الحرس الثوري- الذي لم ولن يستُخدم إلا للمشاركة الفعالة في ضبط وقمع أوضاع الداخل الإيراني أكثر مما استخدم أو سيستخدم على جبهات الخارج.
أيها "الصدر الصغير": المهدي لا يحتاج لجيشك حتى ينتصر في معاركه (إذا سلمنا جدلاً أنه سيخوض معارك أصلاً، لأنه على حد علمنا القليل ليس له من معركة سوى مواجهة التخلف المجتمعي السياسي والاقتصادي والثقافي).. أي أنه يحتاج إلى أن تنخرط أنت وأتباعك –إذا كنتم مؤهلين عقلياً ونفسياً- في رحلة بناء مستقبل الوطن الذي خربته أيديولوجيات القهر والفرض والقتل والدمار الشامل.. بناء الوطن السليم والمعافى الذي يعيش فيه الناس متعاونين متكافلين، ليس بسلاح الآربجي والكاتيوشا وو.. الخ، وإنما بحمل لواء العلم المقرون بالعمل، وخدمة الصالح العام.. أي الاستثمار الأوسع والأقصى للطاقات البشرية والطبيعية وتحشيدها في طريق ذات الشوكة، طريق الكدح الارتقائي والنوعي نحو تمثل أخلاق الله في المجتمع، من علم ومعرفة وعطاء وتضحية ونهوض وازدهار حضاري مادي ومعنوي.
ثم ما هي شرعية تشكيلك لميليشيات مسلحة خارج سلطة القانون العام وفي ظل دولة لها قوانينها ونظامها وسيادتها؟! أم أنك لا تعترف أصلاً بالدولة.. ألا تعلم أن تشكيل ميليشات مسلحة ومدعومة من دول أخرى جريمة وخيانة للوطن ولأهله وأبنائه؟ أيضاً ألا تعلم أن أي بلد ينظم أمور أبنائه حتى على مستوى المطالبة بترخيص وحمل سلاح خفيف، فما بالك وأنت تشكل جيشاً على أساس طائفي، وتسلحه من دول أخرى بما يمس سيادة الدولة؟!.ولو أنك كنت تعيش في أي بلد آخر فيه قانون ونظام عام وطالبت –كما يطالب بعض أتباعك- بفصل جزء من بلدهم وتكوين إقليم مستقل فإنك ستحاكم بجريمة الخيانة العظمى؟!..
ما هكذا تؤخذ الأمور يا "قبضاي النجف"، بل بالحكمة والسياسة والاعتدال والاتزان النفسي، والهدوء والاطمئنان الروحي، وكذلك: الوعي بالذات وبالعالم الخارجي..
ألا تذكر ما كان يقوله عمك الشهيد السعيد الصدر الأول.. كان يتحدث دائماً عن ضرورة إعمال العقل والعقلانية والموضوعية في الطرح والممارسة والأداء.. أم أنك لا تقرأ إلا كتب والدك عن الانتظار والتمهيد والتجهيز والتحضير وو.. الخ.. ويبدو –من خلال حركتك- أنك مولع بثقافة "وهم التاريخ" الذي ماتت روحه منذ زمن بعيد بعيد، ولا تزال بعض أوصاله تتحرك خبط عشواء في موقع هنا وآخر هناك. وهذا ما يظهر من خلال كثرة استعمالك –أنت ومحازبيك- لمصطلحات طائفية عفنة عفى عليها الزمن، ولم تعد صالحة لعصر الحداثة والأنوار الراهن.
فهلا تعلن-أيها العبد الصغير- استعدادك للاندماج في مسيرة بناء مجتمع العراق الحديث القائم على التعددية السياسية والثقافية، وحرية الفكر والتعبير، وعقلانية الممارسة والفعل، والاستفادة المثلى من تجارب الحضارات والأمم المتقدمة التي سبقتنا في مسيرة الحياة الإنسانية الطويلة التي لا نزال نجتر فيها حتى الآن خزعبلات الماضي الدموي، ونراجع تواريخ القتل والسيف وسياسة قطع الرؤوس وحز الأعناق، وخلافات السقيفة والخلافة وغيرها كثير.
انظر –إذا كانت لك عين عاقلة طبعاً- إلى أين وصل العالم، وفي أي موقع تقف أنت والمجتمع المتخلف الذي تعتاش فيه على أحداث وتواريخ الوهم القاتل..
قد تقول لي إن العالم المعاصر متخلف فكرياً وروحياً، ونحن متقدمون عليه بذلك.. لا أيها الصدر الصغير، الأمر ليس كذلك.. الإنسان عموماً الذي لا يعيش حياة ملؤها السعادة والتوازن والانشراح الفكري والروحي في هذه الدنيا -في صحته ومسكنه ومأكله ومشربه وعمله ونزعاته وأمانيه وآماله وآلامه وطموحاته، وفي كل ما يتصل بحركته في الحياة- هو إنسان مريض وغير سوي.. وهكذا إنسان عاجز تماماً عن النهوض والارتقاء في طريق الحياة المتطورة والمزدهرة، وغير قادر على إبداع أي شيء جديد فيها.. بل على العكس من ذلك تراه –كما هو حالك أنت وحال أتباعك الجهلة- يعيش في كهوف ودهاليز وأنفاق الماضي، ويريد أن يستحضر الماضي –الذي لن يعود أبداً حتى لو كان في قمة الجمال والعطاء والإبداع- ليعيش بيننا بفكره ورموزه وشخوصه الذين غادرونا إلى غير رجعة، ويتعيش على أيديولوجيات التضليل والتزييف المغلقة.. ولذلك تراه أعجز عن أن يتخذ مواقف صائبة، وقرارات صحيحة وناجعة ومفيدة له ولمجتمعه.
الله أعطانا العقل، وهو رسول الله من الداخل، كما جاء في الحديث الشريف، وخلق لنا الغرائز والنزعات المختلفة ليس لنكبتها ونقمعها أو لنلبيها في غير طريقها الصحيح والمتوازن.. ولكن لكي نحققها ونشبعها بالطريقة التي نحفظ من خلالها وجودنا العاقل وذاتنا الموضوعية.
ثم إن شريعة الله –أيها الصدر الصغير- وأنت تحاول جاهداً أن تفرض مزاجك الشرعي على مجتمع العراق، لا تأمر الإنسان بالاعتداء على أخيه الإنسان فقط لأنه يخالفه بالرأي أو المعتقد أو الفكر.. وشريعة الله لا تدعوك أن تطلق عيارات ثقيلة من شتائم التخوين والكفر والردة بحق أخوتك في الطائفة نفسها.
وشريعة الله لا تأمرك أن تقتل –أو أن تفتي- بقتل وسحل جثث العلماء وأبناء العلماء في شوارع النجف وغيرها، وهم ممن خدموا العراق وأبناء العراق أكثر من خدماتك (الشرعية!!) لهم.
هل أذكرك بتفجير محال الخمور ودور السينما وهتك أعراض النساء، وإجبارهم على التحجّب والتشودر (من تشادور وهي كلمة فارسية معناها: الحجاب الوافر الظلال) وقتل المسيحيين في البصرة وغيرها.. أم أن الشواهد تكفي وتعبر!!..
شريعة الله تأمر الإنسان ببناء الحياة على أسس العدل والتوازن والتكامل والمحبة والتسامح.. أجل "التسامح" هذه المفردة السحرية التي لا أجد لها أي تأصيل مفاهيمي لدى معظم تيارات الإسلام السياسي السلفية الدموية الطالبانية القديمة والجديدة الموجودة في عالمنا المعاصر.
والله .. إن الذي يدفعك ويحرضك على ما يسمى "بالكفاح، والنضال، والجهاد وو الخ- يضحك عليك وعلى أجدادك، ويستغل حماسك وثورجيتك المتخلفة وبطولتك الوهمية المزيفة لتحقيق مصالحه الخاصة على حساب دماء الأبرياء من أبناء شعبك العراقي البسيط.
إنهم يستغلون أبشع استغلال مشاعرك الملتهبة والمتأججة بعد طول استبداد بها من قبل صاحبك "هدام".. نحن نقدر أنك لم تكن تجرؤ أيام العز الصدامي أن تتفوه ببنت شفة. ونحن نقدر أنك مصدوم حالياً بجرعات الحرية الكبيرة –وغير المتوقعة- التي تلقيتها، ولم تستطع أن تستوعبها أنت وأتباعك حتى هذه اللحظة، والتي يعود الفضل الأول والأخير في حصولك عليها للأمريكان أنفسهم الذين تدعي الآن مقاومتهم، وتنعتهم بأقذع وأبشع الصفات.
ثم ألم تفكر ما هو السبب الذي جعل كل الصحافة ووكالات الأنباء والفضائيات تندفع لتتحدث معك.. وتأخذ من أتباعك أحاديث إعلامية؟! ألم ترى هذا العدد الكبير من "الميكروفونات والكاميرات" التي تقف في صلوات جمعتك لتخاطب العالم كله من خلالها؟! من هي الجهة التي جعلت كل ذلك ممكناً؟ هل كنت تتجرأ –أيام صدام أو هدام كما تقول- أن تخطب وتمارس لعبة الحديث على "كيف كيفك"؟!! وتزبد وترعد وتهدد وتتوعد، وتشتم هذه الجهة، وتلعن تلك الجهة، وتكفر هذا وتلقي الردة على ذاك؟؟! طبعاً لو فعلت ذلك –أو لو فكرت مجرد تفكير بذلك الشيء- لكنت الآن في عداد أصحاب المقابر الجماعية، ولكان أهلك وذووك يجدّون البحث عن "رميمك" في صحراء النجف أو الكوفة أو..الخ؟؟!
اسمع أيها "الزوبعة في فنجان": ليست المقاومة المسلحة دائماً مطلوبة وصحيحة ولها القدرة على حل المشاكل ومواجهة الصعاب والتحديات.. إنها تحتاج لأفق سياسي ولحظة مناسبة للانطلاق وإحداث الفعل التغييري.. ثم ليس بالسلاح وحده يبنى الوطن ولكن بالعقل والعلم والعمل.. وأن نعرف متى تحين اللحظة المناسبة لاستخدام العنف والعاطفة والسلاح أو اللين والعقل.
طبعاً لا نعني بذلك أن الاحتلال مقبول.. كلا بل هو مرفوض مذموم، ومطلوب مواجهته.. لأنه لا أحد –سوي التفكير والعقل، ويمتلك ذرة حب لوطنه وأهله- يرضى بالاحتلال والمحتلين، ولكن أيضاً لا أحد يتمنى أن يدفع المجتمع الأثمان الباهظة لتهور وجبن وإرهاب ما يسمى بالمقاومات المسلحة التي ترهب البشر، وتدمر المنشآت، وتقتل من أهل البلد العزل الآمنين أكثر بكثير مما تقتل من القوات التي تسميها محتلة.
ثم –أيها الصدر الصغير- إن المقاومة الحقيقية ليست دائماً عنفية مسلحة، بل قد تكون سلمية سياسية، كما كانت مقاومة غاندي ومانديلا وغيرهما. وفي كثير من الأحيان يمكن لهذه المقاومة السياسية -التي ترتكز على قاعدة شعبية واسعة- أن تحقق نتائج باهرة خلال فترة قصير أكثر مما يمكن أن تحققه المقاومة المسلحة خلال عقود طويلة.. انظر إلى مثال اليابان، وانظر أيضاً إلى مثال فيتنام.. اليابان ضربت بالنووي، واحتلت أراضيها من قبل الولايات المتحدة لخمس سنوات، أين هي الآن؟؟ وفيتنام احتلت من قبل الولايات المتحدة أيضاً، وقتل منها ملايين الناس أين هي الآن؟!.
ثم لماذا تصورون الإسلام على أنه دائماً دين التوتر والعنف والكبت والقهر، وأنه لا يعيش إلا في أجواء التقوقع والانكماش والتخلف والدمار.. متى سترتاح مجتمعاتنا من أفكاركم الجهنمية والاستئصالية المدمرة التي جعلت بلداننا قنابل موقوتة، بدلاً من أن تكون قاعدة للعمل والإبداع والإنتاج الحضاري.
أيها "الصغير": هل فكر أسيادك هنا وهناك ولو للحظة واحدة في أن يضغطوا –ضغطة بسيطة- على نظام صدام حسين أيام مجده وعزه من أجل "خاطرك وخاطر" تيارك الصدري المتخلف الذي تقوده؟؟!! هنا أحب أن أذكرك (وأنت الآن تتلقى الدعم والمساندة من أولئك الأسياد الذين ورطوك في معمعة الدم، وجلسوا على التلة يتفرجون على المعركة عن بعد بهدف حصد نتائجها على حساب دماء الأبرياء والضحايا من أبناء شعبك) أن كثيراً من أهلك -شيعة العراق- عاشوا أسوأ أيامهم في دولة الإسلام المنتظرة، كما تحدثوا هم عن حقيقة معاناتهم وآلامهم ومكابدتهم أيام الهجرة إلى الديار الإسلامية المعروفة للجميع التي يقولون عنها أن الإنسان فيها سيد حر مختار؟!!!.
-إعلم –يا مسكين- أن بلدك لا تبنى بتبني شعارات غوغائية وطوطميات غيبية غبية ملتهبة يمكن أن تحرق الجميع في أتون صراعاتها البدائية المتوحشة.
-البلد –بلدك- لا يقوم على شعارات دوغمائية لثقافة دينية مزوّرة أكل الزمان عليها وشرب.
-البلد لا يبنى على ترديد خطابات صلوات الجمعة الهائجة، واجترار أحاديث ومأثورات التخلف والجهل والتقليد الأعمى لميراث الماضويين الذين تريد للناس أن يحتربوا باسمهم.. وهم مجرد أموات. والله يقول: "تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون".
-البلد لا يبنى بسيطرة التعليم الديني الظلامي الذي يغسل أدمغة الناس عندنا من كل ما هو إنساني وتقدمي وحداثوي.
-البلد لا يقوم ونسبة الأمية التعليمية والثقافية لا تزال تتزايد باطراد مخيف في كل أركانه.
وأقولها لك صراحة وبكل أسف وحرقة وحزن -عليك وعلى أمثالك من المخدوعين بالشعارات الطنانة الزائفة والمزيفة، ولغة التأبيد والإطلاق الخشبية اللامتناهية المدمرة- إنك لست أكثر من عبد أرعن خاضع بإذلال لطوطميات دينية دموية، ولست عبداً حقيقاً لله.
لأنه لو كان فيك ذرة عبودية لله تلزمك بالدفاع عن المقدسات –كما تدعي- ما كنت اندفعت –ودفعت وراءك- آلاف الشباب الهائج نحو هاوية الدمار في الدنيا قبل الآخرة.. حيث أنه وبدلاً من أن تحرضهم على جهادك الدموي الذي ليس لهم فيه باع ولا نصيب أمام الآلة العسكرية الهائلة للطرف الآخر، كان عليك أن تحرضهم سلمياً وسياسياً ودينياً وحضارياً على بناء الوطن، وتدفعهم نحو مواقع العمل والإنتاج في مسيرة التحضر والرقي.. في مواقع بناء وإعمار العراق الحديث.. عراق الحرية الإنسانية، وليس عراق عبودية الأصولية القومية والدينية.. ولكن فاقد الشيء لا يعطيه.
والعبرة –أيها العبد الفقير- بالنتائج، وليست في الزعيق والصراخ وإصدار المواقف والكلمات المضللة التي لا تغني ولا تشبع من جوع روحي ومادي.
فهاهي كل الأيديولوجيات والعقائد العربية –إسلامية أم غير إسلامية- لم تحقق للمواطن المفقر والمستضعف شيئاً يذكر.. فلا الأرض تحررت، ولا الناس يعيشون عيشة هانئة وكريمة. كل ما هنالك أن جيوشاً من النخب العائلية القبلية الحاكمة في عالمنا العربي والإسلامي اجتاحت بلداننا، وسحقت إرادتنا، ونهبت خيراتنا وإمكاناتنا ومقدراتنا الهائلة من نفط وتوابعه، ووضعت أموالنا وحقوقنا المنهوبة –والمقدرة بمئات المليارات من الدولارات- في البنوك الاجنبية، وجعلتنا نعيش –وكأننا في القرون الوسطى- عالةً على هامش الدول والحضارات الأخرى.
أليس في ذلك عبرة لمن ألقى السمع وهو شهيد.
أليس في ذلك درساً بالغاً لمن له عقل عقول ولسان سؤول.
اعتبروا يا أولي الألباب قبل أن يأتي يوم الحساب الأكبر.. حساب الشعوب.
نعم هكذا شاءت ظروف المنطقة إلى أن نصل إلى ما نحن فيه الآن.. ظروف الدمار النفسي والخراب المادي الكبير في مواقعنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ولكن المشكلة أولاً وأخيراً –وقبل أن يبدأ موشح توزيع الاتهامات الجاهزة على الآخرين- هي داخلية بحتة تتغذى من ظروف ومواقع الخارج.
يجب أن تعلم –وربما تعلم، وتعتبر أن هذا باب من أبواب الدخول إلى جنة الخلد- أن هناك بعض الدول الإسلامية الشقيقة تلعب دوراً كبيراً في زعزعة الأمن والاستقرار في العراق، وذلك من خلال إرسالها لعشرات الألوف من المخربين والإرهابيين للقيام بمختلف أعمال التخريب لذبح الديمقراطية الوليدة في بلدكم.
وهذه الدولة –التي تعرفها جيداً- تواجه الآن خيارين لا ثالث لهما، إما أن تكون دولة تعرف حدودها، وتتوقف عن التدخل الأرعن والغبي في شؤون الآخرين، وإما أن تستمر في سياسة الوصاية والإملاء والفرض تحت مسميات دينية قديمة، وهي بذلك تسيء لعلاقاتها مع دول المنطقة، وتوسع دائرة أعدائها والحاقدين عليها وعلى نهجها الأصولي المتزمت.. والنتيجة الحتمية هي أنها ستضع نفسها –وشعبها الجائع للحرية والحداثة- في مواجهة شاملة مع كل الإقليم الذي تعيش في وسطه.
نعم هناك من يستغل وضع العراق المتأزم حالياً لكي يحقق ما يستطيع تحقيقه من مصالح ومكاسب وأطماع مادية خاصة على حساب فاتورة الدم العراقي الذي لم يكفه ما دفعه من فواتير دموية بالجملة والمفرق نتيجة رعونة وظلم واستبداد حاكميه على مر العصور وخصوصاً رئيسه البائد صدام حسين.
وطالما أن الأمور وصلت إلى هذا الحد فلا بد أن نؤكد هنا على أن كثيراً من الفعاليات والتيارات والقوى العراقية وغير العراقية ساهمت بصورة مباشرة أو غير مباشرة في تشجيع المدعو "مقتدى" على المضي قدماً في مشروعه الإقصائي المدمر، إذ نراهم تارةً يدينون العنف عموماً من دون تحديد فاعليه وأدواته الحقيقيين، وتارةً أخرى نراهم يطالبون القوات الأمريكية بالرحيل ومغادرة العراق فوراً من دون حساب عواقب الأمور، وأمريكا هي التي رعتهم، وربتهم، واحتضنتهم، ووفرت لهم أجواء العمل والنهوض، ثم جاءت بهم، ومهدت لهم سبل الوصول إلى ما وصلوا إليه في مسيرة بناء العراق الجديد.
من هنا نجد أنه يجب على مختلف قيادات وفاعليات المجتمع المدني العراقي أن يسموا الأمور بأسمائها من دون لف ودوران، وعليهم واجب الحفاظ على هيبة الدولة والمجتمع الذي انتهكت حرماته جماعات وعصابات المدعو "مقتدى" وأمثاله من "البلطجيين" الذين يريدون زعزعة استقرار العراق والإقليم كله.. كما وعليهم أن يقفوا بقوة وحسم مع مشروع بناء بلدهم.
إن مسؤولية الحكومة –وهي الآن تحث الخطى باتجاه تكوين مشروع وطني لبناء الدولة المدنية والذي ينبغي أن يسير ويتحرك بوتيرة معينة حتى تتحقق مصالح الناس والمجتمع.. لأن الوطن وأبناء الوطن لا ينتظرون إلى الأبد- هي في عدم التهاون في معالجة ملفات الأمن والإرهاب الأصولي وغيره. لأن وضع العراق الآن صعب بكل المقاييس. والكل يريد أن يجرب حظه في تهديم وذبح الوليد العراقي الجديد.. فإما أن يكون النصر والنجاح حليف دولة القانون والمؤسسات والحداثة الناشئة، أو أن يكون النصر حليف دولة الطائفية والعشائرية والإرهاب.. وتنهزم للأبد قيم التخلف والقبلية المعششة والمتجذرة بقوة في داخل الاجتماع الديني والسياسي العراقي، ليتمكن الشعب العراقي –ولأول مرة منذ عقود طويلة- من استرداد وعيه وسلامته وعافيته، ليكون له مكان لائق ومميز بين أمم وحضارات اليوم. وهذا أمر ممكن ويسير جداً، على اعتبار أن الموارد والإمكانات الواسعة والهائلة موجودة، ولكنها تحتاج فقط إلى إدارة عاقلة ورشيدة وكفوءة وحازمة (في مكافحة قيم الإرهاب والقمع البوليسي، وفرض قيم وسلطة القانون المدني، والنظام المؤسساتي العام على الجميع) يمكن أن تستنهض طاقات شعبها على طريق التقدم والنجاح والتطور.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تساهم ألمانيا في دعم اتفاقية أبراهام؟| الأخبار


.. مروان حامد يكشف لـCNN بالعربية سر نجاح شراكته مع كريم عبد ال




.. حكم غزة بعد نهاية الحرب.. خطة إسرائيلية لمشاركة دول عربية في


.. واشنطن تنقل طائرات ومُسيَّرات إلى قاعدة -العديد- في قطر، فما




.. شجار على الهواء.. والسبب قطع تركيا العلاقات التجارية مع إسرا